لعبة صنعاء والرياض مع واشنطن
قصة (القاعدة في جزيرة العرب)
هاشم عبد الستار
ليس ثمة ما يدعو للإهتمام الاستثنائي بتنظيم القاعدة
في جزيرة العرب، لولا دخول الأخير كعنصر رئيسي في المشهد
الإعلامي والسياسي الشهر الماضي، في ظل أحاديث عن ترتيبات
لوقف إطلاق النار بين الحوثيين من جهة والجيشين اليمني
والسعودي من جهة ثانية. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن
تنظيم القاعدة هو ما يجعلها في حالة استنفار دائم، بصرف
النظر عن درجة الخطر التي يشكّلها، فهي مطمئنة الى أن
لا الحوثيين ولا الحراك الجنوبي ولا أي قوى سياسية أخرى
في اليمن تستهدف رعايا أجانب رغم معارضتها للوجود الأجنبي
في اليمن والمنطقة بصورة عامة.
على أية حال، فإن قاعدة جزيرة العرب التي تشكّلت قبل
سنتين أثارت فضولاً من نوع ما لدى الباحثين ووسائل الاعلام
لجهة استكشاف تشكيلاته التنظيمية وأدبياته القتالية. فقد
نشرت مجلة (السياسة الخارجية ـ فورين بوليسي) مقالاً للكاتبة
كيلي ماكيفرز بتاريخ 27 يناير الماضي تابعت فيه قصة أبرز
قادة التنظيم وهو محمد العوفي منذ عودته من سجن غوانتانامو
الى الرياض وخضوعه الى برنامج المناصحة ثم هروبه الى اليمن
والاعلان عن تشكيل (تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية).
تقول ماكيفرز: في التاسع من نوفمبر 2007، وبعد سنين من
الاحتجاز في معسكر جوانتانامو بكوبا، إستقلّ محمد العوفي
وأكثر من عشرة عناصر من المشتبّه بهم طائرة عادت بهم الى
ديارهم، السعودية. وكان العوفي قد تم القبض عليه بعيد
هجمات الحادي عشر من سبتمبر من قبل السلطات الباكستانية
وبحوزته أكثر من عشرة آلاف دولار أميركي عند الحدود الأفغانية
ـ الباكستانية، بحسب وزارة الدفاع الأميركية. وكان العوفي
متهماً بدعم النشاطات الارهابية.
وحين وصلت المجموعة في نهاية المطاف الى مقرّ إقامتها
في الرياض، لقيت ترحيباً من قبل أعضاء في العائلة المالكة
السعودية، كما جرت العادة بالنسبة لمعتقلي جوانتنانامو
(مرحباً بعودتكم الى الحظيرة) هي الرسالة المبطّنة. ولكن
بعد التحاقهم بعوائلهم، تم نقلهم الى سجون محلية.
ولأنه لم يكن هناك دليل على ضلوع العوفي في حوادث عنف،
فإن السعوديين لم يعتبروه خطراً أمنياً في الداخل. نقلوه
الى مركز العناية، أي برنامج إعادة التأهيل المخصّص للمتطرّفين
الاسلاميين في منتجع صحراوي خارج الرياض.
(كان لدى العوفي كره شديد للأميركيين)، بحسب الطبيب
النفسي تركي العطيان، الذي كان واحداً من بين خمسة موكلين
بتقييم المعتقل السابق في غوانتانامو. يقول العوفي (لقد
دمّروني، عذّبوني، وقتلوا أصدقائي).
تم إنشاء مركز العناية من قبل وزارة الداخلية في بدايات
العام 2007، كطريقة لإعادة توجيه المتطرّفين بالمبادىء
الإسلامية غير العنفية وإعادة ربطهم بشبكاتهم الإجتماعية،
وكان الهدف من ذلك هو للحيولة دون انضمامهم وأقربائهم
الى الجماعات القتالية في المستقبل. ويدار المركز من قبل
لجنة المناصحة من أكاديميين تلقوا درجاتهم العالية في
الغرب وكذلك علماء دين درسوا في السعودية.
ويُنظَر إلى المركز في الغرب على أنه برنامج نموذجي
يمكن أن يلهم الدول الأخرى التي تواجه صعود التطرّف بنزعته
القتالية. ففي مقالة نشرت مؤخراً في مجلة (فورين أفايرز)
على سبيل المثال، نظرت الى البرنامج باعتباره (رائداً
في جهود إعادة التأهيل)، وشرحت ذلك بأنه ألهم (حكومات
في أماكن متفرّقة من الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب شرق آ
سيا، لتطبيق برنامج مشابهة للنازيين الجدد، أو مقاتلي
اليمين المتطرّف، أو المعارضين بعنف لسياسات الحكومة الخاصة
بمروجي المخدّرات، والارهابيين الإسلامويين). ولكن يتساءل
بعض المراقبين عما إذا كان هذا النوع من البرنامج يمكنه
أن يعمل فقط في السعودية.
|
من يخدع من، والقاعدة طعم
لمن؟ |
هناك شيء واحد واضح: أن مركز الرعاية الخاص بلجنة المناصحة
مكلّف بإبطال برمجة ليس المعتقلين السعوديين الذين أطلق
سراحهم من جوانتانامو فحسب، بل وأيضاً المتطرّفين السعوديين
المتهمّين من قبل الرياض بالتخطيط لهجمات في أماكن مثل
العراق. (هؤلاء المعتقلون للتخطيط وتنفيذ هجمات في المملكة
يتم احتجازهم بشكل مستقل ولمدة غير محدّدة، وبدون محاكمة،
بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش).
حتى الآن، يقول المسؤولون السعوديون، أكمل ما يقرب
من 300 شخص برنامج النصيحة ـ أكثر من 100 شخص منهم من
معتقلي غوانتانامو. نحو 80 بالمئة من هؤلاء أمضوا حياتهم
بصورة اعتيادية. ولكن من بين 20 بالمئة الباقين هم من
شكّلوا، بعد انهائهم برنامج النصيحة، مجموعة أطلق عليها
(القاعدة في شبه الجزيرة العربية)، والتي تأمل وتخطط لهجمات
في الولايات المتحدة، وقد أعلنت المجموعة مؤخراً عن مسؤوليتها
عن التدريب على يوم ميلاد المسيح (الكريسمس) (قاذفة تحت
الحزام). إنها نسبة الـ 20 بالمائة التي تقلق المسؤولين
الأميركيين.
وبالعودة الى أواخر 2007، أمضى العوفي ورفاقه في جوانتانامو
عدّة شهور في مركز الرعاية، وتلقوا دروساً في الشريعة
الإسلامية، والتاريخ الاسلامي، والسيطرة على الغضب، وكذلك
المعالجة الفنية. كان هؤلاء يقضون أوقاتهم في لعب كرة
المضرب، ويتناولون وجبات فاخرة من اللحم والرز، ويتقاسمون
غرفة خاصة، ويقيمون الصلاة جماعة خمس مرات في اليوم. وساعد
العطيان، الطبيب النفسي، العوفي للقاء بعائلته.
وينقل العطيان عن العوفي (كان يأتي لي ويقول: إبني
سامي لا يحبني حين آتي للزيارة. ماذا أفعل؟. وفي مناسبة
أخرى أخبرني، والكلام للعطيان، بأن أحد إخوته قتل في أفغانستان.
وقال بأنه يريد الزواج من أرملة أخيه، لحماية أبناء أخيه.
أخبرته بأن ذلك سيجرح مشاعر زوجته في حال تزوّج من ثانية.
أبلغته بأن يسترخي وأن يكون هادئاً. لقد سمع نصيحتي).
وفي بدايات العام 2008، أنهى العوفي المدة المقرّرة
له في المركز، وتمّ إطلاق سراحه. ومن ثم، وخلال شهر رمضان،
كان له بيان، بحسب نشرية جهادية وكذلك وفق اعترافه اللاحق:
أنه صمّم على أنه أراد (تمجيد الإسلام) بالعنف والإنضمام
لأخيه، الذي قال بأنه استشهد في أفغانستان.
ولذلك، فإلى جانب عدد قليل من السعوديين الآخرين، هرب
الى اليمن. وظهر في نهاية الأمر في شريط فيديو في يناير
2009، وكان يرتدي زيّاً مشابهاً لزي تشي غيفارا. وظهر
مع ثلاثة من الأشخاص ـ سعودي ويمنيان ـ للإعلان عن تشكيل
(القاعدة في شبه الجزيرة العربية)، المجموعة التي منذ
أن أعلنت المسؤولية عن قتل سيّاح في اليمن، ومحاولة اغتيال
مسؤول سعودي، وكذلك محاولة الهجوم في يوم أعياد الميلاد.
يقول العوفي أمام الكاميرا (لقد حذّرنا رفاقنا السجناء
(من غوانتانامو)، حول برنامج النصيحة..لقد تم استعمالنا..حاولوا
سوقنا بعيداً عن الإسلام. ولكن الحمد لله، كنّا قادرين
على الهرب من سلطانهم).
قيل دائماً بأن العناصر القيادية في القاعدة من الصعوبة
بمكان إعادة تأهيلها بالمقارنة مع الشباب، والمقاتلين
الأقل تحصيناً. وهذا بصورة عامة صحيح، بحسب كريستوفر بوسيك،
الزميل في برنامج الشرق الأوسط في مركز وقف كارنيجي للسلام
الدولي، ولكن ذلك لا يميط اللثام عن القصة كاملة.
(لو استطعنا معرفة كيف ينغمس شخص ما في هذا، فإن ذلك
سيخبرنا الشيء الكثير بشأن كيف تخلّص منه)، كما يقول بوسيك
الذي بحث وكتب بصورة واسعة عن برنامج إعادة التأهيل السعودي.
(الاشخاص الذين يتحفّزون بواسطة الدين يفيدون من النقاشات
الدينية. وأن الأشخاص الذين يتورّطون في أعمال إجرامية،
فإن من الأفضل تعريف حاجاتهم الإجتماعية. وأن الأشخاص
الذي يقعون في قبضة شبكات إجتماعية سيئة، يلزم فصلهم عن
هذه الشبكات).
يوم عادي في المركز يلامس كل هذه الجوانب. وهناك مناظرات
محكمة حول معنى الجهاد، وجلسات ساخنة حول كيفية التفاوض،
وتمارين علاجية مثل لعب الدور. ولكن ثمة اهتمام خاص يولى
للحاجات الخاصة بكل شخص، كما يقول العطيان. وأشخاص مثل
العوفي كانوا (صعبين) حسب قوله، وأنهم (يريدوا أن يكونوا
مشهورين). (يعتقدون بأنهم يعرفون كل شيء عن الإسلام. ولكنهم
لا يعرفون أي شيء). ولذلك فإنه بالإضافة الى الصف الدراسي،
فإن أعضاء من لجنة المناصحة يعانون آلاماً عظيمة كيما
يحبّبوا أنفسهم لعائلة المنتفع (من برنامج المناصحة).
يقول بوسيك (سيخبرك كل السعوديين (في اللجنة) بأنه
إن شئت إحراز أي تقدم، فأنت بحاجة الى عائلة الى جانبك).
ويضيف (كثير من هؤلاء الأشخاص الذين تم تجنيدهم ومن ثم
شحنهم بالتطرّف، فإن من أوائل الأمور التي تحدث أنهم ينفصلون
عن عوائلهم). ولذلك، فإن المسؤولين يعملون بجد لإعادة
موضعة المقاتل داخل قبيلته، التي قد تكون العنصر الأكثر
أهمية في الحياة السعودية. وحين يتم اطلاق سراح المنتفع،
فإن السلطات تمضي إلى ما هو أبعد من ذلك بتقديم عرض عبارة
عن المهر الذي يصل الى 20 ألف دولار لتشجيعه على الزواج.
في المقابل، فإن على ذويه توقيع تعهّدٍ بأنهم مسؤولون
عن تصرفاته.
بعد أن ظهر العوفي في شريط الفيديو الشائن، قرر العطيان
وأعضاء آخرون من لجنة المناصحة زيارة عائلته. يقول العطيان
(اعتقدت العائلة بأن القوى الأمنية ستأتي الى البيت، وتفتشه،
وتقوم باعتقالهم ـ كما يفعلوا في أي بلد عربي آخر، ولكن
أبلغناهم بأن محمد هو إبننا. لقد ارتكب خطأ، نحن لا نكرهه
شخصياً، نحن نكره سلوكه). كانت العائلة مصدومة. قلنا:
(لحمايته، ولحمايتكم.. حاولوا مساعدتنا). وإليكم الطريقة
التي بإمكانكم الإتصال بنا، وبدأت المكالمات الهاتفية.
وحين اتّصل محمد بزوجته، فإنها تقوم بإيصال المعلومات
الى القوى الأمنية).
ماحدث لاحقاً غير واضح. فإما أن ذوي العوفي أقنعوه
بتسليم نفسه للسلطات السعودية، أو أنه بيع الى السلطات
الأمنية من قبل قبائل يمنية كانت تخفيه. (وهناك نظرية
ثالثة، ولكن أقل احتمالاً، أن العوفي تظاهر بتسليم نفسه
ولكنه واصل العمل كعميل سري لتنظيم القاعدة في الجزيرة
العربية، من أجل التأكّد إلى حد يمكن للمقاتل التائب أن
يحصل عليه. بعد شهور لاحقة، استسلم عضو آخر في التنظيم.
هذا الرجل حاول بعد ذلك اغتيال رئيس وحدة مكافحة الإرهاب
في السعودية محمد بن نايف بمتفجّرات كانت محشوّة في مؤخرته.
رغم ذلك، فإن الانفجار فشل. فقد نجا الأمير، ولكن المهاجم
مات.
مهما يكن السيناريو الصحيح، يقول جريجوري جونسن، الزميل
السابق في فولبرايت باليمن وطالب الدكتوراه في دراسات
الشرق الأدنى في جامعة برينستون، بأن المحادثة مع عائلة
العوفي قد لا تكون وديّة كما يحاول العطيان أن يجعلها
كذلك. يقول جونسن (يبدو أنهم مارسوا ضغوطاً كثيرة على
النساء). ضغط جعلها تبدو، حسب قوله، كما لو أنها: عار
حقيقي بأن ليس هناك رجال يحمون النساء في عائلتك. فقد
تقع أشياء سيئة للنساء ما لم يكن هناك حرّاس ذكور حولهم
لحمايتهم.
وفي كل حال، بعد أن تم جلب العوفي الى الحجز، قام سعيد
علي الشهري، السعودي الآخر في شريط الفيديو، بنقل كل عائلته
من السعودية المريحة الى اليمن الصعبة. يقول جونسن بأن
ذلك لا يكشف فقط مدى حرية الحركة التي لدى تنظيم القاعدة
في الجزيرة العربية، ولكن أيضاً لم يرد الشهري أن تخضع
عائلته لنفس النوع من الضغوط التي تعرّض لها العوفي.
|
قيادات تنظيم قاعدة جزيرة
العرب |
ويتفق بوسك على أن الضغط على العوائل قد يكون كبيراً،
ولكنه يقول إنه بصورة أكبر حول التعاون الودّي أكثر من
كونه ضبط شديد القسوة. ويقول (في مجتمع حيث تحصل على كل
شيء من الحكومة، فقد تكون قوية جداً حين تأتي الحكومة
وتطلب منك عمل شيء ما). ويضيف (أعتقد بأن (العوائل) تفهم
الرسالة التي يتم بعثها: عليك واجب ومسؤولية، ونحن سنقوم
بالاهتمام بك. نحن نقوم بواجبنا، وأنت بحاجة لأن تقوم
بواجبك). وفي النهاية، هذا ما جرى بالنسبة لمحمد العوفي.
في هذه الأيام، هو في السعودية، يعيش مع عائلته تحت
نوع من الإقامة الجبرية في شقة سكنية بالرياض. وقيل بأنه
يقوم بتزويد جهاز المباحث بمعلومات استخبارية عن زملائه
في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية. وفي مقابلة جرت
مؤخراً مع بي بي سي، زعم ـ العوفي ـ بأنه أرغم على الانضمام
للمجموعة وعمل شريط الفيديو. كما قام بإدانة علنية للإرهاب
على التلفزيون السعودي الرسمي. وفي نهاية تصريحه، شكر
مناصحيه في مركز الرعاية ـ المكان الذي يتفق كثيرون على
أنه رغم كل تصدّعاته هو حل سعودي لمشكلة سعودية، رغم أنه
قد لا يكون بالضرورة نموذجاً يمكن أن يعمل في مكان آخر.
في مساء 27 مارس من العام الماضي (2009) بثّت القناة
الأولى في التلفزيون السعودي حلقة بعنوان (التضليل) اشتملت
على مقابلة مع العوفي بعد استعادته بالتنسيق الأمني بين
السلطات السعودية واليمنية. روى العوفي قصة التحاقه بالقاعدة
وخطة الهرب التي أعدّها للذهاب أول مرة الى العراق ثم
الى أفغانستان ولكن الخطة فشلت فيما ترجّح خيار اليمن،
فتم ذلك بالتنسيق مع رفيقه في القتال سعيد الشهري الذي
دعا له قائلاً (أسال الله رب العرش العظيم أن الله يرده
للحق). وذكر العوفي بأنه لم تكن هناك قوة للقاعدة في اليمن
قل وصوله اليها، وانعقاد اجتماع مع عناصر سعودية أخرى
جاءت الى اليمن لتشكيل مجلس للشورى، وتعيين الأمير والنائب
والمسؤول العسكري والمسؤول الإعلامي..وتم اختيار ناصر
الوحيشي أميراً بناءً على توصية من أيمن الظواهري الذي
كتب تزكية له وتمّت مبايعته بناء على ذلك.
وبخصوص الشريط المسجّل الذي ظهر فيه العوفي، نفي أي
صلة له بما ورد في الورقة التي ألقاها وأنه كان مرغماً
على بثها، وقال بأنها كانت مكتوبة جاهزة. وكان الاتفاق
على الدمج بين تكتيكين كانا متّبعين بصورة منفصلة عمل
بهما كل من عبد العزيز المقرن وصالح العوفي في سنوات سابقة،
وتتمثّل في ضرب المصالح الاجنبية في السعودية والتخطيط
لعمليات اغتيال لرجال المباحث والأمراء والاختطافات، على
أن تكون اليمن هي مركز الانطلاق والعودة، أي اعتماد قاعدة
(إضرب واهرب).
على أية حال، قدّم العوفي مرافعة أيديولوجية واسعة
بهدف نفي اعتناقه لمنهج تكفير الدولة أو الأشخاص، وقال
بأنه تأثر خلال فترة اعتقاله في غوانتانامو بمقتل زملائه
المقرن والعوفي والعتيبي، ولكّنه ميّز بين العمل الجهادي
والعمل التكفيري أو العمل ضد السعودية. ونقلت شقيقة العوفي،
مها، عنه (كان يقول لنا قبل اختفائه الأخير: إنه لن يمس
الدولة، وأن ما كان يقوم به في الخارج كان ضد الكفار).
ثمة ما يلفت في المقابلة، وكأن هناك من زرع كلمات على
شفاه العوفي، حين أسهب في الحديث عن دور للحوثيين في قاعدة
اليمن وقال بأن شخصية حوثية عرضت عليه (وإذا كنتم تريدون
الأموال احنا مستعدون) وعلّق قائلاً:(هنا فتح الباب إيش
صرت أفكر، كيف يأتيني حوثي، كيف صار يتدخل في هذا الأمر؟
وحسيت أنه هناك إدارة وهمية غير إدارتنا إحنا..) ويصل
في النهاية للقول (..ولكن تبين الأمر بفضل الله سبحانه
وتعالى من قبل أناس هناك من أفراد أهل البلد إنه هناك
تدخلات سياسية خارجية للعمل من قبل أفراد القاعدة في اليمن).
ولا يحتاج الكلام لجهد خاص في التحليل، فثمة اقحام مقصود
للحوثيين وإيران في رواية العوفي بطلب من الجهات الأمنية
السعودية.
النقطة الملفتة للإنتباه في (اعترافات) العوفي تلك
المتعلقة برؤية المنام والتي تنطوي على بعد عاطفي/عقدي
موجّه (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، رأيت
أنه ماسكني ويرفع صوته علي بشدة وغلظة، وقال أفي هذا البلد؟
أفي هذا البلد؟ بشدة وغلظة، فقمت من النوم فأحسست إنه
الأمر ودائما أرى النبي صلى الله عليه وسلم، ما هو دائما
ولكن أحيانا أراه يأتيني مبتسماً إلا في هذه الرؤية أتاني
بغلظة وشدة ، فتراجعت وحسيت وقلت والله العظيم إني ما
أسلك مسلك خطأ وبعدها بثلاثة أيام رأيت عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يضربني بالدرة ، الدرة هذه (العصا) يضربني
ضربتين وقال أفي مكة والمدينة؟ أفي مكة والمدينة؟ نفس
طريقة وأسلوب النبي صلى الله عليه وسلم بالشدة). وكانت
تلك الرؤى محرّضاً فعّالاً له على العودة الى الديار،
فقرر الهرب للجبال ومنها الى داخل السعودية تاركاً وراءه
250 مقاتلاً أوحى إليهم بأنه ذاهب للترصّد ولكنه كان يحزم
متاعه عائداً الى الرياض بعد أن تمّ استكمال عملية التنسيق
الأمني بين السلطات اليمنية والسعودية. ولكن العوفي قرر
أن يضفي على عودته جانباً جهادياً هو الآخر تشبه عودة
التائبين، فقال بأنه مشى على رجليه مسيرة ثلاثة أيام،
ولم تكن رواية المكالمة مع أخيه ماجد إلا جزء من اكسسوارات
الرواية ـ الصفقة، فقد كان كل شيء معدّاً سلفاً، بدءً
من الإتصال بأخيه ماجد باتفاق مع السلطات الأمنية السعودية
وتنسيق مع الجهاز الأمني اليمني، ومن ثم انتقاله ومجموعة
أخرى من رفاق دربه الى الداخل وصولاً الإلتحاق بعائلته،
وحسب قوله (فكان الطريق مرتب من قبل الدولة السعودية ومن
قبل الحكومة اليمنية). دخل العوفي وزملائه الى الأراضي
السعودية عن طريق شرورة، حيث تم ترتيب كل إجراءات العودة.
وجّه العوفي نصيحة لعناصر التنظيم في اليمن وقال (فإني
أنصح إخواني بالرجوع إلى الحق وإن هناك مؤامرات عديدة
من قبل الدول والاستخبارات تقودنا لإفساد هذا البلد وكذلك
أن هناك أحزاب أخرى وأناس لا نعرفهم يبيتون الأحقاد لهذه
الدولة والمسؤولين عن هذا البلد وتبيان غير شرعي إن الدولة
كافرة وإن الدولة مرتدة). ولم يكشف العوفي عن هوية الأحزاب
أو الناس أو الدول وطبيعة المؤامرات، بالرغم من الاشارات
القوية الى ايران، باعتبارها الدولة الوحيدة المصنّفة
في خانة الخصوم.
وقد أورد المسؤول الإعلامي لتنظيم قاعدة الجهاد في
جزيرة العرب توضيحاً بخصوص ما ذكره العوفي من أقوال، ونشر
التوضيح في مجلة (صدى الملاحم) في العدد التاسع جمادى
الأولى 1430هـ والذي حمل عنوان رئيسي (حكم استهداف السيّاح)،
وجاء في التوضيح: رداً على تساؤلاتكم عن حقيقة ما حدث
لأخينا أبي الحارث محمد العوفي غفر الله لنا وله نقول
وبالله التوفيق:
أولاً: نعتذر إليكم عن التأخر في الرد والإيضاح، ونحن
نعلم والله أنّ لكم حقاً علينا أن نوضح لكم كل ما أشكل
عليكم من أمرنا في أرض جزيرة العرب، ولكن عذرنا في تأخير
هذا البيان استكمال تراتيبنا الأمنية.
ثانياً: إن حقيقة ما حدث هو أنّ الأخ محمد العوفي قام
بتسليم نفسه طواعيةً للطاغوت، ووضع نفسه في الفتنة وبين
أيدي جلاديه لضعف طرأ عليه إثر مكالمة قام بها لأهله.
ثالثاً: أنّ الأخ محمد العوفي - كما عرفناه - كان يحمل
مبادئ الرجل الغيور على دينه وعلى أعراض المسلمين؛ إلا
أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة!!، والمؤمن القوي خير وأحب
إلى الله من المؤمن الضعيف (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه
إن الله لغني عن العالمين) (العنكبوت 6).
رابعاً : ما عرضته قناة الطاغوت الرسمية لآل سعود من
مقابلة مع الأخ محمد العوفي؛ نحن بدورنا ننفي ما قال،
ونبرأ إلى الله مما أفترى علينا، ونسأل الله أن يغفر لنا
وله، وأن يفرج عنه وعن جميع إخوانه ما هم فيه من الأسر،
وأن يعافينا مما ابتلاه به.
|
صدى الملاحم: مجلة تنظيم
القاعدة |
مكافحو الإرهاب في اليمن
في السياق نفسه، كتب ديفيد كينر في 8 يناير الماضي
عن الجهود المتواصلة لعناصر أميركية تعمل في قسم مكافحة
الإرهاب. كتب كينر: كقائد في القاعدة في الجزيرة العربية،
ناصر الوحيشي المعروف بإسم (الأمير أبي بصير) أثبت بأنه
سياسي ماهر، ومبدع، وغالباً شرس، وخصم. الوحيشي، الذي
كان سكرتير إبن لادن، هو عضو من الجيل الشاب والأكثر تطرفاً
من كوادر القاعدة في اليمن. في 2006، هرب هو و20 مقاتلاً
آخرين من سجن خاضع لإجراءات أمنية قصوى، في العاصمة اليمنية
صنعاء. وفي يناير 2009، قاد توحيد قاعدة اليمن وفروع السعودية
تحت سيطرته.
ولماذا هو هدف: الوحيشي هو رئيس القاعدة في المنطقة
ـ وذلك كافٍ لوضعه على رأس قائمة المطلوبين لدى الولايات
المتحدة. ومنذ عملية الدمج في العام الماضي، أطلق عدداً
من نداءات مصوّرة عبر الفيديو للمسلمين للتمرّد ضد أنظمة
عربية، وخصوصاً رئيس السلطة اليمنية علي عبد الله صالح
والعائلة المالكة في السعودية. كما أثبت بأنه كاتب متميّز
واستثنائي، كتب ثلاث مقالات في الأعداد الأخيرة من مجلة
الجماعة الجهادية (صدى الملاحم).
ولكن جهود الحويشي ذهبت إلى ما هو أبعد من الدعاية
والتجنيد. فتحت قيادته، حاول تنظيم القاعدة في الجزيرة
العربية اغتيال الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية
للشؤون الأمنية في أغسطس الماضي. وفي الوقت القريب، أصدر
الجناح الإعلامي للتنظيم بياناً يتبنى فيه مخطط عمر فاروق
عبد المطلب لتفجير رحلة 253 التابعة لطيران نورث ويست
في الولايات المتحدة في يوم أعياد الميلاد. وقالت المنظمة
بأن الهجوم كان للثأر من الغارات الجوية الأميركية على
أهداف القاعدة في اليمن.
سعيد الشهري، وهو سعودي، تم إلقاء القبض عليه في ديسمبر
سنة 2001 في باكستان، حيث قيل بأنه كان يقدّم مساعدات
إنسانية لللاجئين المسلمين. وتم نقله لاحقاً الى معتقل
غوانتانامو، حيث شملت الإتهامات الأميركية ضده: المشاركة
في عمليات عسكرية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، وكذلك
التخطيط لاغتيال أحد الكتّاب لم يتم الكشف عن هويته.
وتم نقل الشهري الى معتقل سعودي في نوفمبر 2007. وخلال
إقامته في السعودية، أمضى ما بين 6 الى 10 أسابيع في برنامج
إعادة التأهيل في السعودية، وهو مركز الأمير محمد بن نايف
للرعاية والمناصحة. وكان إطلاق سراحه من المعتقل الأميركي
قد يكون متأثراً بدعواه، المسجّلة في مدوّنته الرسمية
بمعتقل غوانتانامو، التي ذكر فيها بأنه في حال الإفراج
عنه (يودُّ العودة الى الرياض، حيث يرغب في الالتحاق بعائلته..وسيحاول
العمل في محل الأثاث المستعمل الخاص بعائلته إذا كان لا
يزال قائماً).
لماذا بات الشهري هدفاً: بعد أن أنهى برنامج إعادة
التأهيل السعودي، ظهر الشهري الى جانب الوحيشي في شريط
الفيديو في يناير 2009، بما يلمح الى اندماج قاعدة اليمن
والأجنحة السعودية. وبوصفه الثاني في القاعدة، يعتبر أحد
أبرز الشخصيات السعودية النافذة داخل القاعدة في الجزيرة
العربية ـ وكذلك مورد حر للسعودية، التي تنظر بفخر الى
قدرة برنامج إعادة التأهيل بمعالجة المقاتلين الإسلاميين.
وقد إتهمه المسؤولون الأميركيون بالتورّط في الهجوم
على السفارة الأميركية في صنعاء في سبتمبر الماضي، والذي
أدى الى مقتل 16 شخصاً. كما سجّل شريط فيديو بالتلفون
الخليوي يحثّ فيه السعوديين على التبرّع لتنظيم القاعدة
في الجزيرة العربية، ودعا في مقالة له في (صدى الملاحم)،
وهي المجلة الجهادية الإلكترونية، لمزيد من محاولات الاغتيال
مثل الهجوم على الأمير محمد بن نايف.
وفيما يبدو، فقد لعب الشهري دوراً مركزياً في إقناع
محمد العوفي، أحد قيادات التنظيم، بالإلتحاق برفاق القاعدة
رغم إتمامه برنامج المناصحة والافراج عنه. وتنقل والدة
العوفي بحسب موقع (خبر) على شبكة الانترنت: (أن سعيد الشهري
إتصل بمحمد وأخذه من أمام البيت قبل 3 أشهر..) وتضيف في
مكان آخر(محمد تعهد لنا عندما عاد من سجن جوانتانامو بأنه
لن يخرج ولن يسافر للخارج، لكن حسبي الله عليهم كانوا
يتصلون عليه وجروه إلى المستنقع مرة أخرى..).
قصة تنظيم (القاعدة في الجزيرة العربية) فتحت الباب
مجدداً أمام تداخلات إقليمية ودولية، وجعلت اليمن ساحة
تجاذب بين الغرب من جهة واليمن والسعودية من جهة ثانية.
وفيما أصرّ النظام اليمني بالاتفاق مع حليفه السعودي على
حصر المساعدات الغربية في نطاق الدعم المالي واللوجستي،
فإن مدير الاستخبارات المركزية الأميركية وجّه انتقادات
مباشرة للنظام اليمني لجهة عجزه عن مواجهة القاعدة في
اليمن، بما يلمح الى تدخّل عسكري مباشر من قبل الولايات
المتحدة، وربما هو ما وضع صنعاء والرياض تحت ضغط كثيف
لجهة انهاء النزاعات الدائرة في اليمن مع الحوثيين والحراك
الجنوبي قبل أن تفلت الأمور.
|