الأمير الغائب
عبدالحميد قدس
كتب هوج مايلز في 19 يناير الماضي في موقع (لندن ريفيو
بلوج) على شبكة الانترنت، قال فيه أن السفير السعودي السابق
إلى واشنطن، الأمير بندر بن سلطان قد اختفى. وفي ظل غياب
أي أخبار رسمية حول وضعه الصحي أو مكان إقامته حالياً،
فإن طاحونة الشائعات كانت تعمل لفترة من الوقت. وكما هو
الحال غالباً في شؤون السعودية، فإن الحقيقة تبدو مراوغة.
فأولئك الذين يعلمون لا يتحدّثون، وأما الذين لا يعلمون
فيتحدثون كثيراً.
في أغسطس الماضي نقلت وسائل الاعلام الايرانية بأن
بندر وضع تحت الإقامة الجبرية، لتخطيطه لإنقلاب لمحاولة
تأمين أن المملكة ستبقى تحت حكم الجناح السديري من آل
سعود. يقول آخرون بأن بندر يعيش حالة اكتئاب أو أن الملك
عبد الله أمر بأن يبقى في وضع منخفض بسبب تورّطه في الشؤون
الداخلية لسورية، سعياً وراء تحريض القبائل ضد النظام
في سورية، بدون موافقة الملك.
وبحسب مصادر المعارضة السعودية، فإن بندر يقبع في سجن
في شمال غرب جدة، وهو سجن تابع للمباحث ويخضع لرقابة مشدّدة،
حيث يتم احتجاز المشّتبه بتورطّهم في أعمال إرهابية وشخصيات
المعارضة السياسية. ويقال بأن بندر يقيم في جناح خاص،
إلى جانب أربعة من الجنرالات الكبار السجناء: واحد من
الجيش، وآخر من الحرس الملكي، وثالث من الحرس الوطني،
ورابع من الأمن الداخلي. محامي بندر في الولايات المتحدة
نفى أن يكون في السجن ويقول بأنه شوهد مؤخراً في الخارج،
بالرغم من أنه لم يفصح متى وأين أو حتى في أي بلد تم ذلك.
وكان آخر ظهور رسمي للأمير بندر بصورة علنية كان في
10 ديسمبر 2008، حين زار الملك في جدة. ومنذاك، غاب الأمير
عن أحداث هامة، ولا أحد يخبر عن سبب غيابه. في سبتمبر
2009، تم تجديد مهامه كرئيس لمجلس الأمن الوطني للمملكة
لأربع سنوات أخرى، ولكنه لم يظهر في العلن لتقديم البيعة
للملك كما هي العادة المتّبعة في حالة كهذه. وليس هناك
توضيح رسمي بهذا الخصوص. وفي نفس الشهر، غاب بندر عن أول
مبارة لدالاس كاوبوي ضد نيويورك جاينتس في تاكساس في ملعبهم
الجديد. وكان بندر أحد مشجعي كاوبوي منذ أن زاول الطيران
كمدرب طيار حربي في تاكساس في السبعينيات من القرن الماضي.
وغالباً ما يجلس الى جانب صديقه جيري جونز، مالك الفريق.
ومن ثم، في أكتوبر، أخفق بندر في الظهور بوصفه أحد أعضاء
الوفد الرسمي الذي رافق الملك عبد الله في زيارته اللافتة
الى دمشق، حين أنهى خلاف أربع سنوات بين السعودية وسورية
والذي بدأ باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في
العام 2005.
ولكن الحدث الأكثر أهمية الذي غاب عنه بندر كان في
ديسمبر 2009، حين عاد والده العليل الأمير سلطان بن عبد
العزيز الى المملكة بعد شهور من النقاهة بداعي التماثل
للشفاء في المغرب. وكما هي العادة المتّبعة، تم بث الحدث
مباشرة على التلفزيون واستقبل الأمير سلطان العديد من
أعضاء العائلة المالكة. بعض الشخصيات الرئيسية مثل الأمير
طلال، ومتعب وعبد الرحمن، لم يكونوا حاضرين لأسباب معروفة.
ولكن غياب بندر لم يكن لسبب معروف.
غياب أي توضيح رسمي بخصوص مكان الأمير بندر يبدو محيّراً
في وقت كان يفترض فيه أن يكون على رأس مؤسسة رسمية هامة.
حين عاد من واشنطن في 2005، بعد 22 عاماً من موقعه كسفير،
وتعيينه أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني، المؤسس حديثاً،
عنى إشارة الى عودته الى حظيرة العائلة وبروز محلي مرتفع.
في الشهور التي سبقت اختفائه سافر بصورة متكررة الى موسكو،
لجهة التفاوض بخصوص صفقات أسلحة ومحاولة اقناع الكرملين
بوقف التعاون العسكري مع إيران. وكانت هناك تكهّنات بأن
نشاطه في روسيا كان له صلة باختفائه: يعتقد بعض المدوّنين
بأن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها بندر تم الكشف
عنها من قبل المخابرات الروسية.
وبدون دليل قوي، يبقى هناك شيء واحد في القصة الغامضة
واضحاً: زمن الأمير بندر كعرّاب في قلب الشؤون الخارجية
السعودية قد ولى. وأن النفوذ الذي كان يتمتع به في واشنطن
نابع في نهاية المطاف من التفويض الشخصي الذي حظي به من
الملك فهد. ولكن فقدانه البريق والتلوّث بصفقة أسلحة اليمامة،
وتخفيض شأنه في التراتبية السعودية بسبب الوضع الإجتماعي
المنخفض لوالدته، جعله منذ عودته الى المملكة مهمّشاً
من قبل الأعضاء الآخرين في العائلة المالكة، الذين بنوا
إقطاعياتهم حين كان هو في الولايات المتحدة.
أين هو الآن، فإن الأيام الزاهرة أصبحت ماضياً ـ ما
لم يصبح أحد رعاته ملكاً.
|