دولة الديناصورات
ليس عامل السن وحده ما يجعل وصفها بـ (دولة الديناصورات)
رغم أنه، أي تقدّم السن، بات اليوم سمة بارزة فيها، ولكن
هناك أسباب أخرى تجعل هذه الصفة لصيقة بالحكومة والعائلة
المالكة، وهي ما ينعكس على سياساتها ومواقفها أيضاً. فلولا
الإمبراطورية المالية التي تتوافر عليها لتكشّفت حقائق
مريعة عن كيان لم يعد قادراً حتى عن طرد الذباب عن وجهه.
كل شيء يتحرك بطريقة إعجازية، وتعجيزية.. ولأنه يرى
الناس بعين طبعه، كما يقول المثل الشائع، فإن أهل الحكم
من آل سعود يعتقدون بأن العالم رتيبٌ، ويعمل وفق أنماط
تقليدية وبطيئة. ولذلك، فهم يتعاملون وفق عقلية قديمة
متخشّبة، يأمرون فيطاعون لأنهم يملكون سلطة المال، ويكذبون
فيُصدَّقون لأنهم يملكون إمبراطورية إعلامية تزيّف الحقائق.
أهل الحكم غائبون عن السمع والبصر من قضايا ساخنة،
ويخيّل للمراقب أحياناً أنها لا تشكّل أدنى أهمية في جدول
أعمالهم واهتماماتهم. وكنا نعتقد فيما مضى بأن الصمت أداة
دبلوماسية سعودية فاعلة، ولكن تبيّن أنها أقرب إلى الطبع
لدى أفراد النخبة الحاكمة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أعلن في 21 فبراير
عن اعتبار المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن
رباح في بيت لحم ضمن المناطق التراثية (الإسرائيلية).
إعلان مثل هذا كان يفترض أن يفجّر غضباً لدى القيادة السياسية
السعودية، باعتبار أنها أضفت على موقعها صفة دينية (خادم
الحرمين الشريفين)، وكونه تبنت مبادرة سلام مع الدولة
العبرية، فضلاً عن المدعيّات الدينية التي أسبغت على الدولة
السعودية، التي تضعها أمام مسؤولية إسلامية عامة، لكن
جاء وقع الإعلان الاستفزازي الاسرائيلي مثل خبر (اليوم
الوطني في توجو)، التي يكلّف الملك نفسه برصد (هذه المناسبة)
لبعث رسائل المباركة.
وفيما اكتفت السلطة الفلسطينية بموقف الشجب والاستنكار،
فإن حكّام العرب وفي مقدمهم السعودية كانوا يغطّون في
أحلام السلام، وبحسب تعليق أحد المراقبين الغاضبين (فأشجعهم
من استنكر الحدث واعتبره دليلاً على عدم جدية يهود في
السلام، إمعاناً من الحكام في تضليل الأمة..).
بعد أكثر من إسبوع على القرار الإسرائيلي صدر موقف
سعودي وديع في استنكاره واحتجاجه، حيث ندّد مجلس الوزراء
السعودي برئاسة الملك عبد الله في 2 مارس بـ (قرار ضم
الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل ومسجد بلال بن رباح
في بيت لحم إلى قائمة المواقع التراثية الإسرائيلية).
وزاد البيان في عيار الاستنكار بأن دعا المجتمع الدولي
(إلى الوقوف بحزم في وجه هذه الممارسات، وإرغام إسرائيل
على التخلي عن ذلك، وعن سياسة ضم الأراضي الفلسطينية بالقوة،
وتجاهل الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وتحدي إرادة المجتمع
الدولي في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة).
هنيئاً للأمة العربية والإسلامية بموقف سعودي شجاع
كهذا، والذي، بكل قطع وتأكيد، سيرغم إسرائيل على الإذعان
لإرادة المجتمع الدولي وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
للعلم والإنصاف المريع، لم تتوقف الشجاعة السعودية عند
هذا الحد، بل إن إجتماع وزراء الخارجية العرب في بالقاهرة
في الثالث من مارس الجاري أسفر عن تحذير للولايات المتحدة
والمجتمع الدولي بأن العرب حدّدوا مهلة ستة شهور لاستئناف
مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي
ذلك يكون العرب قد وضعوا المجتمع الدولي أمام مسؤوليته
التاريخية والأخلاقية.. والحضارية.
الاسرائيليون من جانبهم، وضعوا في بطونهم (بطيخه صيفي)
بالتعبير البلدي المصري، ولم يعد يحرّك لا وزراء العرب
ولا قادته شعرة في جفونهم في مقابل تصريحات يدركون سلفاً
بأنها لا تساوي الحبر الذي تكتب به. يتمتم الإسرائيليون
فيما بينهم إن عصر الديناصورات قد انتهى، وليصرخ هؤلاء
في شبابيك الهواء، فلن يتغيّر على الأرض إلا ما يقرره
هم.
وبات من المفارقات غير المدهشة على الإطلاق: كلما ازداد
العرب ليونة ازدادت الدولة العبرية تشدّداً وتعنّتاً،
حتى صار العرب يناشدونها القبول بالمبادرة العربية للسلام
بأدنى الشروط، وهي تقول لهم ضعوا المبادرة أينما شئتم،
فوق الطاولة أو تحتها، فالسلام لم يعد مقابل الأرض ولا
مقابل السلام بل مقابل سلالاتكم الحاكمة فحسب. فإن شئتم
البقاء على الكراسي، فامضوا إلى السلام وإلا فاشربوا من
أي نهر جف ماؤه في بلدانكم، وسنرمي بكم إلى البحر.
وإذا كان حال السعودية التي تتزّعم معسكر الاعتدال
هكذا بكل الديناصورية الجاثمة على سياستها، فمن غباء الإسرائيليين
أن يتنازلوا عما اغتصبوه أمام مرأى المجتمع الدولي، النزيه
والعادل حتى أخمص القدمين..فمن أجل موقف شجب استغرقت العملية
لدى السعودية أكثر من أسبوع، فكيف بها إن أرادت تحريك
جيوشها دفاعاً عن أراضيها..يذكّرنا هذا بما حدث بعد احتلال
قوات صدام حسين الكويت في 2 أغسطس 1990، حيث التزمت السعودية
الصمت ثلاثة أيام، فلم يرد خبر الاحتلال في أي من نشرات
الأخبار الرسمية، رغم أن القيادة السياسية بدولة الكويت
بل وغالبية الشعب الكويتي باتوا خارج الحدود، وحين وصلت
القوات الأميركية على شواطىء ديارنا أطلق الملك فهد تصريحاً
نارياً (لن تكون المملكة لقمة سائغة).
والديناصور بالديناصور يُذكر، تروج وسط موظفي الخارجية
السعودية شفرة خاصة بالأمير سعود الفيصل، فإذا تداولوا
أنباءه استعملوا الشفرة: جاء الديناصور، وراح الديناصور،
غاب الديناصور ( تصلح كلمات بألحان وأداء شعبان عبد الرحيم).
وبمناسبة الإعلان عن صناعة (تقال تجاوزاً) سيارة وطنية
في المملكة بإسم (غزال) نقترح تبديل الإسم الى (ديناصور)
ليكون منسجماً مع المشهد العام للدولة وللعائلة المالكة.
|