|
مقتدى: الحزب الأكثر
شعبية في العراق |
المالكي: مستقل وغير
مرغوب فيه! |
الطالباني رئيساً
للمرة الثانية |
علاّوي: رئيس وزراء
بأي ثمن! |
هل يكون علاّوي مرشح التوافق الإقليمي؟
العراق وصراع النفوذ بين الرياض وطهران
عمر المالكي
يتحدث البعض اليوم ـ ولما تتشكل الحكومة العراقية الجديدة
بعد ـ عن صراع بين النفوذين الإيراني والسعودي في العراق.
وفي هذا اختزال مخلّ للحقيقة. فالسعودية لاعب جديد في
الساحة العراقية لم تتوطد أقدامه بعد. وليس للسعودية حتى
الآن مشروع واضح، وإن كنّا في هذه المقالة نحاول تلمس
ملامح الدور الذي تريد السعودية أن تلعبه. ثم إن اللاعبين
في العراق أكبر من أن يختزلوا في جهتين متنافستين: سعودية
وإيرانية.
انقلبت الدنيا ولم تقعد حين توجه الرئيس الطالباني،
وقيادات في الإئتلافين الوطني العراقي، ودولة القانون،
وبعض قيادات التيار الصدري، الى طهران، تحت حجة المشاركة
في احتفالات النوروز، وتبيّن أن الجميع عقدوا اجتماعات
مكثّفة هناك لتدارس نتائج الإنتخابات العراقية، وإمكانية
التحالف بينها لتشكيل الوزارة الجديدة.
يومها، صبّ الإعلام السعودي جام الغضب على إيران التي
تتدخل في الشأن العراقي، كما أن قادة القائمة العراقية،
برئاسة علاوي، أدانت تلك الإجتماعات، ولمحت الى أنها لم
تُدع إليها.
الآن تتكرّر السبحة في الإتجاهات الأخرى؛ فبعد قيام
جهات عديدة من القيادات العراقية بزيارات متتابعة الى
أنقرة ودمشق، جاء الدور على السعودية، التي استضافت على
أرفع المستويات وبدعوة من الملك أربعة من القيادات العراقية
حتى الآن: (الزعيمين الكرديين الطالباني والبارازاني؛
والسيد عمار الحكيم؛ وطارق الهاشمي). لكن أحداً لم يتحدث
عن تدخل أو نفوذ سعودي، ولا أحد ناقش ماذا بحث هؤلاء مع
القيادة السعودية، ولم يسأل أحدٌ عن سرّ النياشين والقلادات
الذهبية السعودية التي أعطيت للقيادتين الكرديتين، ولماذا
حُجبت عن الحكيم، ولا عن الدور الذي قد تلعبه السعودية
في قادم الأيام.
التدخل الإقليمي حقيقة واقعة في الشأن العراقي. شأنه
في ذاك شأن التدخل الدولي الأميركي والبريطاني والروسي
وغيره. ولكن التساؤل يبقى دائماً حول مدى هذا النفوذ،
وإمكانية استمراره.
يمكن القول بأن خارطة التحالفات العراقية وما يتبعها
من نفوذ خارجي متبدّلة للغاية.
يكفي أن ندرك بأن رئيس المجلس الأعلى العراقي، عمّار
الحكيم، والذي يمثل الجناح الشيعي الأكثر قرباً من طهران،
قبل دعوة السعودية وزارها واجتمع بمسؤوليها. وإذا افترضنا
أن هناك صرعاً في النفوذ بين طهران والسعودية، فهذا يضعنا
أمام أحد احتمالين: إما أن النفوذ الإيراني على الحكيم
كما على أطراف أخرى ليس بالحجم الذي يزعمه الإعلام (السعودي
منه خاصة)؛ أو أن العلاقة الوثيقة بين طهران والحكيم ليست
بذلك الوثوق، وبالتالي فإن لدى الحكيم أو غيره قدراً من
الإستقلالية أو الرفض، أو عدم الثبات في العلاقات مع طهران.
ترى هل كان الحكيم سيزور الرياض لو كانت طهران معارضة
لأي دور سعودي في العراق؟ وهل كان ذلك سيحدث لو أن الحكيم
مجرد خاتم في يد طهران؟!
الأكراد أيضاً أقرب الى طهران وأنقرة منهم الى الرياض.
واستثمارات البلدين في كردستان العراق أكبر بكثير جداً
من الإستثمار السعودي، بل أن هذا الأخير لا يقارن حتى
باستثمارات الإمارات. وإذا أخذنا الطالباني، الرئيس العراقي،
كحالة.. فهو أقرب الأطراف الكردية الى طهران، وأقربها
الى دمشق، وهو ـ من الناحية النظرية والواقعية ـ يفترض
الأبعد عن الرياض. فلماذا زار السعودية، واعطى تصريحات
مرحبة بالدور السعودي، وبالسعودية وحكومتها، مع أن مصالح
حزبه ليست في هذا الإتجاه، لا على صعيد السياسة المحلية
العراقية، ولا على الصعيد الإقليمي، حيث حدود السليمانية
ملتصقة بالحدود الإيرانية.
والمالكي، رئيس الوزراء العراقي، ورئيس حزب الدعوة،
متهم من قبل حلف المعتدلين العرب بأنه عميل لإيران!
والحقيقة فإنه أبعد الأطراف الشيعية عن طهران؛ كما
أنه أبعدها عن دمشق.
|
علاوي، هل هو مرشح سوريا؟
|
وإذا كنّا نتحدث عن مستوى ما من الإستقلالية، فإن المالكي
هو أكثر الأطراف العراقية قاطبة من حيث الإستقلالية. ولذا
ربما، لم ترتح له دمشق، ولا طهران، كما السعودية نفسها.
ويبدو واضحاً الآن، أن هناك فيتو من هذه العواصم الثلاث
على عودته رئيساً للوزراء كلّ لأسبابه الخاصة.
فطهران تعتبره غير مطيع؛ وسوريا انزعجت من اتهامه لها
بانها وراء التفجيرات وأنه حاول تحريك مجلس الأمن ضدّها؛
والسعودية ـ الجاهلة بالسياسة العراقية ـ اعتبرته شيعيّاً،
وهذه تهمة تكفي لإدانته!
وإنّك لتعجب أن كل الأطراف ذات العلاقة بالعواصم الثلاث
(طهران ودمشق والرياض) تكنّ العداء الشديد للمالكي. فمن
يعتبروا كحلفاء إيران هم ضد المالكي: الصدريين والمجلس
الأعلى. والبعثيين والسنّة العرب المقربين من سوريا ضدّه.
وعلاّوي وحلفاؤه من الأطياف كافة ضدّه. ونفس القول يمكن
تطبيقه على الأكراد الذين وقف المالكي ضد مشروعهم في كركوك
ومحافظة نينوى، كما رفض أن يكون للسلطات المحلية الكردية
دور في موضوع الاستثمارات النفطية في كردستان.
أياً كان السبب في توتر علاقات المالكي مع الأطراف
الإقليمية أو المحلية العراقية، فإنه أي المالكي كما حزب
الدعوة يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا.
أما مقتدى الصدر، فأثبت تياره من خلال الإنتخابات الأخيرة،
أنه أكبر (حزب/ وليس كتلة أو ائتلافاً) عراقي على الإطلاق.
لم يحصل حزب غيره، لا كردي ولا عربي، لا شيعي ولا سنّي،
على عدد من المقاعد تضاهيه (40 مقعداً). هذه مفاجأة الإنتخابات
العراقية بحق.
لكن التيّار الصدري، المعروف تاريخياً بأنه ليس أثيراً
لدى إيران، كان في صراع مع جبهات متعددة: بدأت بالمرجعية
الدينية/ السيستاني وخسرها؛ ثم مواجهة مع علاّوي رئيس
الوزراء الأسبق، فتمّت مهاجمة النجف، وخسر المعركة؛ ثم
تمّت مواجهة بينه وبين حليف إيران ـ المجلس الإسلامي الأعلى؛
وأخيراً تمت مواجهته بعنف ودموية من قبل حكومة المالكي
أدّت الى خروج مقتدى الصدر الى ترك الساحة والإقامة في
إيران. ولم يكتف المالكي بذلك، بل أنه وقبل ثلاثة أسابيع
من إجراء الإنتخابات الأخيرة، أصدر أمراً بالقبض على مقتدى
الصدر، وزاد بأن جعل حملته الإنتخابية وماكنته الدعاية
موجهة ضد التيار الصدري.
وفوق هذا كله، فإن السنّة العرب، والذي كان مقتدى الصدر
يعتقد أنه الأقرب إليهم بين كل القوى الشيعية، اتهموه
بأنه كان وراء المواجهات والقتل المتبادل بينهم وبينه
أثناء عام 2006 أو ما سمي حينها بـ (معركة السيطرة على
بغداد).
أين يمكن تصنيف مقتدى الصدر من مراكز الجذب والنفوذ
الخارجية؟
الرجل واضح في تبنيه مقاومة الإحتلال الأميركي، وهو
يقدّم نفسه وحزبه كنسخة من حماس وحزب الله. والتيار الصدري،
بمجمله غير مرغوب فيه أميركياً وبريطانياً، وسعودياً (رغم
أنه زار السعودية ذات مرة، وقابل عدداً من مسؤوليها بعد
أدائه الحج). وإذا كانت دمشق وأنقرة لا ترفعان الفيتو
ضدّه، فإنه ليس خيارهما بأية حال. تبقى طهران التي لها
الكثير من الحلفاء المتضادين والمتخاصمين. ويعتبر الصدر،
الأكثر حرصاً على استقلال قراره، لدرجة أنه عقد اجتماع
قيادته الأخيرة في تركيا، وليس في طهران. ومشهور لدى السياسيين
العراقيين بأن مقتدى الصدر بالذات، يرفض المساعدات الإيرانية؛
لكن هذا لا يغير من طبيعة التشاتم بين الأحزاب العراقية؛
فالمالكي يعتبر التيار الصدري عميلاً للخارج (ويقصد إيران)!
يبقى علاّوي، رئيس الوزراء السابق، فهذا لم تكن السعودية
راضية عنه، إلا بعد أن خرج من الوزارة، وأصبح حليفها الأول.
ولكن علاّوي على خلاف مع كل القوى السياسية المحلية تقريباً
الكردية والشيعية. ومع هذا، فإنه مقبول عربياً: سورياً
وسعودياً. وإيران لم تضع فيتو عليه، بل هو من وضع فيتو
على نفوذها تخصيصاً. ولكن علاوي لا يستطيع أن يصل الى
رئاسة الوزراء إلا بدعم من طهران.
من كل هذا نستنتج بضع حقائق:
|
مقتدى الصدر في السعودية
|
- ان الشعب العراقي عامة، والقوى السياسية المحلية
خاصة، غير ثابتة الولاء لجهة سياسية، ولا الى ائتلاف
بعينه، ومن الصعب جداً ضمان استمرار نفوذ لدولة محددة
وبمستوى وحجم واحد لمدة طويلة.
- أن النفوذ الإقليمي كما الدولي: الأميركي، له
حدود في رسم اللعبة، فهناك الناخب العراقي بدرجة أساس،
وهناك الشخصية العراقية القلقة ذات النزعة الاستقلالية
والفردانية الحادّة، وهناك سيولة في التحالفات المحلية،
وتقلبات سريعة لها.
- أن المال ليس صانعاً حتمياً للنفوذ السياسي؛ أو
لنقل فإن النفوذ السياسي في وضع خاص مثل العراق، لا
يفيد فيه المال كثيراً؛ فمن بيده مصادر الدولة لماذا
يكون بحاجة الى المال الخارجي مكلف الثمن؟! ولهذا
فإن المال السعودي وغيره ـ رغم كثرته ـ لعب دوراً
محدوداً في الإنتخابات العراقية الأخيرة. فهناك كثيرون
استلموا المال من جهات متعددة، خاصة السعودية، ولم
ينتخبوا أياً منها! إن الناخب العراقي، خاصة الشيعي
منه، له مفاتيح خاصة للحصول على صوته، ليس أقواها
التأثير الخارجي، ولا المال الإنتخابي.
- إن اللاعبين الدوليين والإقليميين لا يستطيعون
المراهنة على لاعب محلّي عراقي واحد. ومن يفعل ذلك
يكون خاسراً. لنأخذ مثلاً الولايات المتحدة، فإنك
لا تعرف مَنْ من اللاعبين الأثيرين لديها؛ وكذلك يمكن
القول عن بريطانيا؛ وحتى إيران تبدو الآن أقرب الى
القبول بعلاّوي (مع تقصيص لأجنحته) رغم أن الأخير
ما انفكّ يهاجمها، والطعن فيها بمناسبة أو بدون مناسبة.
ولكنه اضطر مؤخراً (13/4/2010) أن يرسل وفداً من تكتله
السياسي الى طهران ليحظى بقبولها. المرشح الواحد لا
يصنع منه نجماً؛ فالسلطة في العراق منقسمة وتحتاج
الى جمع مجموعة من اللاعبين وليس لاعباً واحداً.
الصورة العراقية في المخيال الإيراني
السعودية، ودول إقليمية أخرى، وضعت كل بيضها في سلّة
الإنتخابات العراقية الأخيرة الى جانب علاّوي. ولكن السعودية
تدرك قبل وبعد الإنتخابات بأن العراق متعدد، والحكم فيه
لا يمكن أن يكون فئوياً خالصاً، ولا لجماعة دون أخرى.
تلك مسألة لها علاقة بالديمقراطية التوافقية، أو ما يسمّى
بالمحاصصة. والمحاصصة مفيدة جداً للعراق ومن يشبهه في
تركيبته السياسية والإجتماعية، ورغم الشتائم التي وجهت
لها، فإنها على الأرجح ستبقى، وهذا ما أكدته الإنتخابات
الأخيرة. البديل عن المحاصصة هي ديكتاتورية فردية/ طائفية/
عسكرية. وخير للعراق أن يمشي ببطء في مناخ حرّ وديمقراطي،
من أن يمشي سريعاً في مناخ ديكتاتوري على طريقة الحكم
السابق.
والسعودية، التي أدركت هذا الأمر، سبق لها أن وضعت
رهانها على شخص واحد هو علاّوي. الآن، ماذا بيدها أن تفعل؟
هل تقبل المحاصصة، أم ترفضها فيتم تهميش الموالين لها،
وتهميشها هي أيضاً لفترة طويلة من أن تلعب دوراً على الساحة
العراقية؟
يبدو أن الإيرانيين والسوريين متفقون على معارضة عودة
المالكي الى الحكم. لكنهم ليسوا بالضرورة قد اتفقوا على
من يكون رئيساً للوزراء. قد ترغب دمشق في علاّوي رئيساً،
وهو مرشحها على الأرجح، كما هو مرشح السعودية. وإيران
من جانبها وإن كانت تستطيع أن تأتي بغير علاوي، لكن تفكيرها
يختلف عن السعوديين في التعاطي مع الأشخاص والمصالح السياسية.
إيران قد تكون تفكر على هذا النحو:
|
الرياض: تخفيف غلواء الهاشمي
|
- إن تبنّي خيار علاوي رئيساً للوزراء، يعني تهدئة
الصراع على المستوى الإقليمي، خاصة مع السعودية. وإن
منح الأخيرة دوراً في العراق يخفف من غلوائها، وسياساتها،
وليس من مصلحة إيران في الوقت الحاضر، كما ليس من
مصلحة سوريا فتح جبهات صراع في الجسد العربي. بمعنى
آخر، إن قبول علاوي رئيساً للوزراء، فيه إرضاء للسعودية،
واعتراف بدورها، وتعويض لها عن الخسائر التي لحقت
بها في الماضي.
- إن تبنّي علاّوي رئيساً للوزراء، سيدعّم
العلاقات السورية الإيرانية. إذ لم يشهد تاريخ المنطقة
تحالفاً استراتيجياً كالتحالف بين البلدين. وإن تقوية
سوريا في محيطها الإقليمي هو بالضرورة مفيد لطهران
أيضاً.
- إن القبول بعلاوي رئيساً للوزراء، فيه إرضاء للسنّة
العرب من العراقيين، الذين خسروا السلطة بعد سقوط
صدام حسين. هم بحاجة الى تعويض نفسي وعملي. ووصول
علاّوي يمنح الحكم في العراق ثباتاً، ويخفف من الصراع
الطائفي على مستوى المنطقة، والذي تستأكل به السعودية
في مشاريعها. هذا الأمر، مفيد للعراقيين من السنّة
العرب، وللعراقيين عامّة.
- إن القبول بعلاّوي رئيساً للوزراء، يعني فكّ الحصار
السياسي والإعلامي العربي الرسمي عن العراق، والذي
تتصدر له السعودية، ومن خلفها مصر ودول الخليج، خاصة
الإمارات وقطر. أي أن علاّوي المقبول إقليمياً، بإمكانه
أن يعيد تنسيج العراق في محيطه العربي، وهذه فائدة
طالما أكد عليها علاوي في إعلامه الإنتخابي.
- كما أن القبول الإيراني بعلاّوي، يعني أن الولايات
المتحدة ستنسحب من العراق بقواتها، وهي أكثر اطمئناناً
على مصالحها ونفوذها. نظراً لاشتراك القوى الإقليمية
الموالية في الحضور ببغداد، ولأن توجّه علاوي متماشٍ
مع الخط الأميركي بشكل عام. وإيران كما سوريا، يهمهما
خروج القوات الأميركية، مع أن هناك من يشكك في رغبة
إيران ما لم يحل ملفها النووي، لأن الوجود الأميركي
العسكري في العراق معوّق لأميركا عن شنّ هجوم عليها
على خلفية منشآتها النووية. كذلك فإن السعودية لا
ترحب بخروج القوات الأميركية، وترك الحبل على الغارب
للحلف السوري الإيراني، ففي هذه الحالة هي خاسرة.
لكن أن تخرج القوات الأميركية وعلاّوي على رأس السلطة،
فذلك يمنح السعوديين إطمئناناً أكثر، من أن العراق
لن يتحوّل الى أداة ضدّها.
- لكن إيران، لا تستطيع أن تقبل بعلاّوي إلا في
حال توافر شرطين، نظن أنهما متوافران بقدر كبير:
الأول ـ أن يحتمل المزاج الشيعي ووضع القوى السياسية
الشيعية الثلاث: حزب الدعوة، المجلس الإسلامي الأعلى،
وتيار الصدريين، يحتمل القبول بعلاوي رئيساً للوزراء.
ومعلوم أن الأخير شديد العداء للمالكي، كما أنه فعل ما
فعل تجاه الصدريين حين هاجمهم في النجف. ولكن العلاقة
مع المجلس الاسلامي الأعلى حسنة بقدر ما، وقد رأينا دفاعاً
من الحكيم عن علاوي وقائمته. بيد أن مما يخفف من معارضة
حزب الدعوة، أن لا بديل لديه عن مرشحه المالكي؛ وأن الاطراف
الشيعية الأخرى لا تميل الى مرشح رئاسة وزراء من الدعوة.
وبالنسبة للتيار الصدري فإنه يستحيل عليه القبول بالمالكي،
ولكنه (قد) يقبل بعلاّوي ضمن صفقة سياسية، وإن كان ليس
مرشحه المفضّل. ومن جانب آخر، ليس للمجلس الأعلى مرشح
يمكن أن ينجح، خاصة بعد سقوطه في الإنتخابات، وعدم حصوله
إلا على أقل من عشرين مقعداً، وبالتالي فإن قرار الإئتلاف
الوطني عملياً هو بيد التيار الصدري، الذي ليس له مرشح
لرئاسة الوزراء. ومن المرشحين المستقلين حسين الشهرستاني،
وأحمد الجلبي، وكلاهما حظّه ضعيف كمرشح تسوية، خاصة الجلبي
غير المقبول أميركياً أو سعودياً، أو أردنياً. هذا التعويم
يفيد علاّوي، الذي يريد أن يصل الى مقعد رئاسة الوزراء
بأية طريقة.
الثاني ـ أن يخضع علاّوي ـ إذا ما أراد أن يكون رئيساً
للوزراء ـ لشروط مساومة قاسية في الوزارة. بحيث تبقي السلطة
للكتلة الأكبر (الإئتلافين الشيعيين) خاصة في الوزارات
الأمنية. ويبدو أن علاوي سيقبل بهذه المساومة، وهو يعلم
بأنه لا يستطيع أن يصل الى مجلس الوزراء ولا البقاء في
المنصب إن لم ينضبط بضوابط الشراكة في السلطة؛ أو إذا
ما حاول أن يلوي ذراع إيران ويقتحم فضاءها السياسي. حينها
يكون البرلمان المكان الذي يُسقط فيه.
|
هل الرياض مانحة للسلطة؟!
|
الصورة العراقية في المخيال السعودي
وهي صورة مشوّشة غير واضحة المعالم.
فالسعودية تدخل العراق لا على قاعدة تقاسم النفوذ،
بل على قاعدة اجتثاث مواقع غيرها والجلوس محلّهم. وهذا
يستحيل وقوعه في المدى المنظور.
والسعودية تدخل العراق أيضاً، على قاعدة التوازنات
الطائفية الإستئصالية، وليس على قاعدة الشراكة بين مكوّنات
الشعب العراقي. بمعنى أنها تتحرك وكأنها تسترد الحكم من
فئة لتسلّمه الى فئة أخرى. وهذا أيضاً يستحيل حدوثه في
المدى المنظور.
يفترض أن تدخل السعودية العراق على قاعدة إيجاد موطء
قدم لنفوذها على المدى البعيد. لأنه ـ من الناحية العملية
ـ لا يوجد لديها الشيء الكثير الذي تستطيع به الآن مغالبة
الآخرين من اللاعبين المحليين أو الإقليميين. بكلمة أخرى،
فإن مقاربة السعودية للموضوع العراقي يفترض ان تعتمد على
مدى زمني أبعد، وأن تقارب الموضوع العراقي كما هو على
الأرض، وليس على أساس أوهامها ورغبويتها هي، أو ميولها
الطائفية. وأن لا تكون مقاربتها على أساس سياسة (رامبو/
بوش) الإستئثارية (لنا الصدر دون العالمين أو القبر)!
هذان الموضوعان: الرؤية الطائفية؛ والإستئثارية الإنتحارية
في السياسة السعودية، تعيقها عن مشاركة الآخرين، وتلغي
أية إمكانية لبناء نفوذ سعودي داخل العراق. على السعودية
أن تتخلّص من عقدها الطائفية في سياستها الخارجية؛ وأن
تقبل بمنطق الشراكة، وليس الشركة.
علاّوي كما قلنا هو خيار السعودية. وهذا حصل على 28%
من المقاعد. والوزارة بحاجة الى ثلثي المقاعد (67%). فكيف
تحلّ السعودية المعضل؟ لا يهمّ من الناحية العملية إن
كانت القائمة العراقية قد حصلت على 90 صوتاً أو مائة صوت
حتى. كما لا يهم أيضاً إن طُلب من علاّوي تشكيل الوزارة
أم لا؟ فهذا خلاف دستوري تمّ حلّه قبل الإنتخابات وخلاف
ما يبتغيه علاّوي. ففي المحصلة النهائية لن يستطيع علاوي
تشكيل الحكومة حتى لو منح أولوية تشكيلها. سيصل خلال الفترة
الممنوحة له الى طريق مسدودة، وسيعود أمر تشكيل الوزارة
تالياً الى إئتلاف دولة القانون، الذي قد يكون حينها تحالف
مع الإئتلاف الوطني.
مشكلة علاّوي أكبر من مسألة مقاعد. إن كتلته مهددة
بالإنفراط في أية لحظة. وحتى لو قبل الشيعة به رئيساً
للوزراء، هناك الأكراد الذين يدركون بأن علاّوي هو آخر
من يمثل مصالحهم في موضوع كركوك ونينوى. والسنّة العرب
الذين هم في القائمة العراقية تتناقض رؤيتهم ومواقفهم
السياسية مع المصالح الكردية الخاصة. وقد انزعج الأكراد
من طلب بعض أركان القائمة العراقية ان يكون الرئيس سنيّاً
عربياً، بل أن بعضهم زاد الأمر سوءً بأن طالب بتولي سنّي
عربي رئاسة البرلمان. ومعلوم أن الأكراد من ناحية العدد
السكاني أكبر من السنّة العرب.
ملخص القول هنا، أن السعودية تحاول الآن تعبيد الطريق
لوصول علاوي الى رئاسة الوزراء. وهذا هو ما تستهدفه من
(استدعاء) قيادات عراقية كردية وشيعية وسنيّة الى الرياض
للتفاوض معها.
يحتمل أن تكون السعودية قد طلبت من الطالباني والبارازاني
تخفيف شروطهما الخاصة بمواضيع الخلاف مع القائمة العراقية
كيما يقبلوا بعلاوي رئيساً للوزراء. ويفترض أيضاً أنها
طلبت من طارق الهاشمي أن يتنازل هو الآخر وبقية النواب
السنّة عن بعض تشددهم فيما يتعلق بكركوك ونينوى ورئاسة
كردي للعراق (صار في حكم المؤكد ان الطالباني سيكون رئيساً).
هذا الأمر نظن ان السعودية عملت على حلحلته، ويحتمل
لها النجاح رغم الصعوبة الشديدة التي تكتنف ملف الخلاف
الكردي ـ السنّي.
لكن ماذا عن المقلب الآخر؟. فحتى الآن، لم يظهر أن
الإئتلافين الشيعيين يعملان من أجل أن يكون علاّوي رئيساً
للوزراء. المالكي هو الذي يدير ائتلاف دولة القانون، ومقتدى
الصدر هو الرئيس الفعلي للائتلاف الوطني وليس عمّار الحكيم.
وكان ينبغي أن تتفاوض الرياض ـ إن أرادت ـ مع التيار الصدري،
الذي له الكلمة الفصل. لم تدع السعودية ـ بسبب إرثها العدائي
ـ لا المالكي ولا الصدر، رغم أن علاّوي لا يمكن أن يكون
رئيساً للوزراء إلا بموافقتهما معاً، وليس واحداً منهما
فحسب.
السؤال لماذا هذه الإنتقائية لدى الرياض؟ وهل هي مؤقتة؟
أم هل لديها فيتو على كامل الإئتلاف وليس على شخص بعينه؟
لا نعلم.. ولكن السعوديين، لم يبذلوا جهداً فيما نعلم
للتنسيق مع دمشق، فضلاً عن طهران. وإذا ما قرر العاصمتان
الأخيرتان أمراً، ولو كان ترئيس علاّوي، فإن ذلك قرارهما
المحض، وبالتالي سيكون علاّوي مديناً لهما وليس للرياض.
لازالت الرؤية السعودية مشوشة وغير مستقرّة.. فالتحول
من منهج سياسي استئصالي إلغائي، الى منهج رؤيوي بنّاء،
يحتاج الى زمن.
هناك الكثير مما على السعوديين أن يفعلوه.
وهناك أمور اكثر عليهم أن يتعلّموها وهم يخوضون أوحال
السياسة العراقية!
|