دفاعاً عن (الموساد)
الإعلام السعودي يشنّ حرباً على دبي
يحي مفتي
منذ ما يربو عن عام والمعركة الإعلامية بين الرياض
ودبي تسلك درباً وعراً، وتأخذ وتيرة متصاعدة، بدأت بوادرها
في وخزات دبلوماسية وتجارية متبادلة، حيث شعر الدبلوماسيون
الإماراتيون وخصوصاً القادمين من إمارة دبي بأنهم يخضعون
لمعاملة جافة وازدرائية أحياناً من الجهاز الدبلوماسي
السعودي في الرياض، في المقابل أوقفت حكومة دبي شحنات
تجارية الى السعودية عبر الحدود البريّة من بينها مفرقعات
بمناسبة اليوم الوطني في السعودية، وكذلك شحنات من قناني
الخمر المخصّصة لحساب أحد الأمراء (ذكرت بعض المصادر بأنه
حاكم المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد).
هذان المثالان يظهران نتوءً نافراً من أزمة عميقة في
علاقات الجانبين، وهي مرشّحة لأن تأخذ أبعاداً أخرى إذا
ما تمسّكت إمارة دبي بموقعها من قضية البنك المركزي الخليجي،
ومنح السعودية دور أكبر في ملفات الخليج بما في ذلك العملة
الخليجية التي عارضت دولة الإمارات الدخول فيها كرد فعل
على نزعة الهيمنة السعودية.
ومنذ أن بدأت ترشح معطيات عن أزمة مالية في دبي قبل
أكثر من عام، كان هناك في الاعلام السعودي من ترصّد مثل
هذه المناسبة ليفرغ شحنة الغضب الكامن بنكهة شماتة بارزة،
إلى درجة أن المراقب للتقارير الصحافية التي تنشرها بعض
الصحف السعودية عن الأزمة المالية في دبي وكأنها أقرب
الى تمنيات (wishful thinking) منها إلى تغطية صحافية
محايدة. في ديسمبر الماضي (2009) تحدّثت إحدى الصحف عن
تقديرات لخسائر الاستثمارات السعودية في دبي خلال شهر
واحد ما بين 3 مليارات الى 5 مليارات ريال سعودي، على
أساس أن خسائر بورصة دبي بلغت 9 مليارات في يوم الافتتاح
للبورصة بعد عيد الأضحى المبارك، وأن أسعار العقارات فقدت
50 بالمائة من قيمتها السوقية. وكان التقرير يركّز على
ثلاث قطاعات حيوية (مالية وعقارية وصناعية)، بل هناك من
بشّر من رجال الأعمال السعوديين بأن فترة من الإفلاس باتت
وشيكة بالنسبة لمشروعات مملوكة لمستثمرين سعوديين.
في تقرير صحيفة (الإقتصادية)، كانت هناك رسالة واضحة
منذ بداية التقرير إلى أن انتعاشاً ستشهده البنوك الإسلامية
في البحرين وقطر والسعودية كرد فعل على ما أسمته الصحيفة
(فرار المستثمرين من دبي المثقلة بالديون..)، ثم يبعث
التقرير إشارة هلع تفيد بأن دبي باتت عاجزة عن تسوية جبل
من الديون التي تعاني منه، الأمر الذي يدفع القدر الأكبر
من الأموال والمهارات للهجرة الى هذه الدول. بل كان ثمة
تركيز على أن السعودية (ستقود الموجة المقبلة فيما يتعلق
بالتمويل الإسلامي في الخليج)، وهنا نستحضر المعركة الدائرة
بين دبي والرياض في قضية البنك المركزي الخليجي التي تصرّ
السعودية على أن يكون مركزه الرياض وليس دبي، بالرغم من
أن كثيراً من رجال الأعمال السعوديين كانوا قد عبّروا
في العام 2005 عن ترجيحهم لخيار دبي بسبب التسهيلات القانونية
والإدارية التي تمنحها سلطات الإمارة في مقابل الإجراءات
المعقّدة التي يعاني منها رجال الأعمال السعوديين لناحية
استكمال الاجراءات الرسمية قبل بدء مشاريع الإستثمار،
وقد كتبوا رسالة الى ولي العهد (الملك الحالي) عبد الله
يشكون فيها بأن إجراءات انشاء الشركات يستغرق مدداً طويلة،
بالمقارنة مع التسهيلات التي يحصلون عليها في دبي..
وفيما كان الكلام عن أزمة دبي المالية والعقارية يحتّل
مساحة كبيرة في الجدل اليومي على صفحات الجرائد التقليدية
والإلكترونية، تفجّرت قضية أخرى ذات طابع شخصي، حيث بدأ
موقع (إيلاف) الذي يشرف عليه الصحافي المقرّب من آل فهد
عثمان العمير، حملة مكثّفة ضد رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان.
الحملة بدأت في ميدان الشعر ثم انتقلت الى ميادين أخرى
وصولاً الى قضية اغتيال القائد في حركة حماس محمود المبحوح.
على صعيد حرب القصائد التي اندلعت بين السعوديين والإمارتيين،
سلكت بعض القصائد خطاً انفعالياً حين شنّ أحد الشعراء
السعوديين هجوماً ضد شيوخ إمارة دبي ووصف الإمارتيين بأنهم
يعتاشون على (تجارة الدعارة). وقام موقع (إيلاف) بحشد
كل ما يرصده من تقارير ومقالات لإحضارها في معركته ضد
دبي، ومنها ما نقله الموقع عن هروب آلاف المقيمين من دبي
وترك سياراتهم في مطار دبي (نحو ثلاثة آلاف سيارة)، والذي
نظر إليه المسؤولون الإماراتيون على أنه عملية تهويل متعمّدة
بهدف ضرب الإقتصاد الإماراتي، وأن ذلك يعكس توجّهاً لدى
الحكومة السعودية في محاولة لابتزاز دبي والضغط عليها
في موضوع المصرف المركزي الخليجي الذي تسعى الرياض لاحتضانه.
هذه الحملة دفعت مدير شرطة دبي الى عقد مؤتمر صحافي
للرد على (إيلاف) التي وصفها (كالحمار يحمل أسفاراً)،
ونفى ما نقلته إيلاف عن عدد السيارات التي تركها أصحابها
في مطار دبي، وقال بأنها لا تزيد عن إحدى عشر سيارة بسبب
عدم تسديدهم لأقساطها. الشاعر السعودي الذي نال من ولي
عهد دبي تم طرده منها، فيما تولى مدير شرطة الإمارة ضاحي
خلفان الرد على حملات (إيلاف) حيث طرد مندوبها من دبي،
على خلفية نشر شائعات وتشويه سمعة شيوخ الإمارة. وصف خلفان
ما تنشره (إيلاف) بأنها حملة كاذبة تستهدف سمعتها، وأنه
(لم يقرر الرد إلا بعد أن طفح الكيل، وبات من الضروري
وضع حد لمروّجيها، وخصوصاً هؤلاء الذين يعيشون في دبي
ولديهم القدرة على التواصل معنا ومعرفة الحقائق).
كان يمكن أن تطوى القضية سريعاً، خصوصاً بعد قمة الكويت
في ديسمبر الماضي بعد لقاء قادة دول مجلس التعاون الخليجي،
إلا أن تمسّك آل سعود بموقفهم من قضية المصرف المركزي
الخليجي أبقى على جذوة الحملة الإعلامية ضد إمارة دبي.
وجاء اغتيال القائد في حركة حماس محمود المبحوح في دبي
في 19 يناير الماضي، على أيد مجموعة تابعة لجهاز الموساد
الإسرائيلي ليمنح الاعلام السعودي مادة جديدة للتهكّم
ومواصلة حملته الاعلامية ضد دبي رغم ما كشفه مدير شرطة
دبي ضاحي خلفان من تفاصيل العملية بالصور والوثائق والتي
أحدث موجات هائلة من ردود الفعل الدولية، واعتبر الكشف
بأنه بمثابة منجز أمني فريد حقّقته شرطة دبي في عملية
بالغة التعقيد.
(إيلاف).. معركة ضد ضاحي خلفان
بالنسبة للإعلام السعودي، لم ينل المنجز الأمني الإماراتي
ترحيباً، بل جرى التعامل معه بقدر كبير من السخرية والتهّكم
بل والتشويه. فقد خصّص موقع (إيلاف) بدءً من 10 مارس ملفاً
مؤلّفاً من ثلاث حلقات مبنيّة على ما وصفته (معلومات حصرية
على درجة عالية من الخطورة استقتها من مصادر خليجية وأميركية
وإسرائيلية، تقلب صورة اغتيال محمود المبحوح رأساً على
قب).
ما توفّر لـ (خزنة إيلاف من مصادر خليجية متعدّدة وإسرائيلية
شبه متعدّدة وأميركية لا حصر لها) تنفي رواية ضاحي خلفان،
حسب زعم الموقع السعودي، يكشف فيها (أهدافًا أخرى دفعت
الاستخبارات الاسرائيليَّة إلى التحرّك). تنقل (إيلاف)
عن مصادر إسرائيلية مقرّبة من الموساد (وكأنها تنقل عن
رئيس الموساد مائير داغان شخصياً) بأن (الهدف من العملية
يتجاوز تصفية المبحوح..بل هو جزء من هدف أكبر) ماهو يا
ترى هذا الهدف الذي يكشف عنه موقع (إيلاف) ولا يعرفه سواه،
وبطبيعة الحال المصدر الإسرائيلي المقرّب من الموساد؟.
تقول مصادر (إيلاف) الاسرائيلية بأن (إسرائيل قصدت من
تلك العمليَّة توجيه الإنذار الأول ليس لدبي وحدها، بل
لعموم الخليج من أدنى البحر الأحمر إلى أسفل الخليج حيث
عجمان). ومالسبب؟ تنقل (إيلاف) عن مصادرها الإسرائيلية
أن الهدف هو (لجم أي محاولة لدعم أعداء الدولة الهرتزيليَّة،
الذين حددتهم الأعين الراصدة بحماس وإيران وحزب الله،
سواء من حيث الدعم العسكري أو التهريب غير المشروع).
لم يكن هذا التضخيم لدور جهاز الاستخبارات الإسرائيلية
(الموساد) عفوياً، وكأنه يريد تجاوز فشل هذا الجهاز الذي
تحدّثت عنه الصحف الإسرائيلية بتهكم بالغ، واعتبرته متخلّفاً
ويخوض معارك بأسلحة بدائية لم تعد صالحة في عالم تكنولوجيا
معقّدة، بل إن الموقع السعودي تلبّس دوراً مشبوهاً وأصبح
(إسرائيلياً أكثر من الجيل الأول من الصهاينة)، حين سعى
إلى تحويل الفشل الأمني الاسرائيلي الى نجاح باهر، عبر
وضع العملية في سياق مخطط أمني واسع النطاق، وأنه يحمل
رسائل متعدّدة، وكأن الإسرائيلي بات صاحب الحل والعقد
في المنطقة، إن لم يكن العالم.
لنقرأ ما يقوله الموقع السعودي (إيلاف) وكل ذلك نقلاً
عن مصادر إسرائيلية مقرّبة من جهاز (الموساد): (أن أجهزة
التجسس الإسرائيلية رصدت حصول حالات تهريب أسلحة إلى إيران
عبر بعض الموانىء الخليجية تحت غطاء شركات أدوية مملوكة
لنافذين خليجيين)، وأن المصادر الإسرائيلية ذاتها أخبرت
(إيلاف) أيضاً بأن (أجهزة الرصد الإسرائيلي قد تمكّنت
عبر الأقمار الصناعية من اصطياد وتحديد عمليّات التهريب
والتي تحتوى على مواد تعتبرها الدولة الصهيونية خطاً أحمر
بالنسبة إلى أمنها).وأن المبحوح هو أحد المصادر التي كانت
تنوي تسهيل تلك العمليات. يخلص موقع (إيلاف) بنقل رسالة
الموساد الإسرائيلي بأن عملية اغتيال المبحوح هي مجرّد
(الإنذار الأول..وأنها لن تتردد في الضرب مجدداً وبقوة
أكبر إذا لم يؤت الإنذار الأول مفعوله في وقف هذه العمليات).
هل يحتاج الإسرائيليون الى أكثر من مثل هذا الموقع وشقيقاته
في الإعلام السعودي كيما يوصل رسائله إلى العالم العربي؟!
على الجانب الأميركي، ينقل موقع (إيلاف) عن مصادره
الأميركية هذه المرة بأن الرسالة الإسرائيلية من الضربة
الأولى، دفعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون
بالإتصال سريعاً بمسؤول رفيع المستوى في الإمارات لحثّه
على تهدئة الموقف وتجنيب التصعيد الإعلامي في الكشف عن
تفاصيل التحقيقات التي تجري بحثاً عن قتلة المبحوح (والتي
دفعت بالقضيَّة إلى واجهة الاهتمام في وسائل الإعلام المحليَّة
والدوليَّة طوال الأسابيع السبعة الماضية).
ما يذكره موقع (إيلاف) هنا عن المصادر الأميركية يعكس
موقفها وموقف الكبار الذين يموّلونها، وكأن قضية كشف فضيحة
الضلوع الإسرائيلي في اغتيال المبحوح قد سدّد ضربة للسعودية
أكثر من المنّفذين المباشرين، وهذا قد يفسّر، جزئياً على
الأقل، صمت آل سعود عن العملية، فلم يستنكروا انتهاك الصهاينة
سيادة دولة عربية عضو في مجلس التعاون الخليجي.
لنقرأ التعليق اللافت في موقع (إيلاف) على كشف إيلاف
تفاصيل عملية الاغتيال (من الثابت أنَّ الامارات بمجملها
أدركت حساسيَّة الموقف، واستخلصت من الرسالة الأميركيَّة
صعوبة المضي في التصعيد الذي لا يخدم أحدًا، ولا يتوافق
مع طبيعة الخليج الذي لا يريد أن يكون لا حماسيًّا ولا
نجاديًّا ولا نصريًّا بل يكفيه أن يدع مكارم الغوغائيَّة
لدعاتها، وما أكثرهم).
أليس ما يستوجب هذا المقطع سؤالاً كبيراً بل استنكاراً
لما بلغه الخطاب الإعلامي السعودي من وقاحة غير مسبوقة.
هل ساء السعوديين افتضاح عملية الاغتيال، فساقهم إلى (خلط
الأوراق) وإطلاق النار على الضحايا، بدلاً من إدانة الاغتيال،
التي لم تصدر عن أي من مسؤول سعودي (وإن مجهول الهوية).
في الحلقة الثالثة من الملف، تحدّثت (إيلاف) عن استعراض
بهلواني للإستخبارات الإسرائيلية في سياق الكلام عن (جدل
في الخليج حول مواقف ضاحي خلفان) الذي نال من تهكّمات
الموقع ما يبعث الإرتياب في ملف يكاد يختصر الهدف منه
في الدفاع عن (الموساد) وتضخيم دورها.
وبينما تحاول (إيلاف) التقليل من شأن التحقيقات على
أساس الأبعاد المستقبلية التي تختفي وراء عملية الاغتيال
وتصرّ على تجاوز المعلن (والذي يركّز فقط على الجهة المتورّطة
من دون الأخذ في الاعتبار الدوافع خلف العمليَّة)، وكأنها
تعمد الى (تسخيف) ما كشف عنه ضاحي خلفان، في مقابل الإعلاء
من شأن (الموساد) خصوصاً حين تقول بأن (جهاز الاستخبارات
الإسرائيلي أراد التدليل على أنَّ يد تل أبيب طويلة وتستطيع
الوصول الى أيّ بقعة في العالم العربي في أيَّ وقت تشاء
من دون أن يعترض طريقها معترض). أليس ذلك ما يدعو للتوقّف
حقاً؟! لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل قالت (إيلاف) بأن
عملية الإغتيال (تحمل رسالة إلى دول الخليج مفادها أنَّها
ليست بمأمن من يد الموساد، وخصوصًا منها البلدان التي
تدعم ما تعتبره إسرائيل إرهابًا ضدَّها من جانب حزب الله
أو حماس عن طريق الدعم المالي). وأخيراً فإن لإيران نصيباً
من (اكتشافات) موقع (إيلاف) في عملية الاغتيال، على أساس
أن إثنين من حملة جوازات السفر الإسترالية غادروا دبي
عن طريق إيران.
تسوق (إيلاف) هذه الاحتمالات على أنها اختراقات صحافية،
ولكّنها، في واقع الأمر، تعكس سياسة الموقع، بل سياسة
آل سعود، وقد ينبىء ذلك عن مدى التنسيق السعودي الإسرائيلي.
وقد تنظر السعودية الى تحقيقات دبي في عملية الاغتيال
بأنه رسالة الى السعودية أكثر منها الى الدولة العبرية.
(الشرق الأوسط).. ماكنة فتن
لم يكد يغلق ملف (إيلاف) حتى بدأت جريدة (الشرق الأوسط)
الجولة الثانية من الحملة على دبي وعلى مدير شرطتها ضاحي
خلفان، فأوعزت الى أحد كتّابها مأمون فندي، الشخصية المثيرة
للجدل بحكم علاقاته المتداخلة مع شخصيات في العائلة المالكة،
كيما ينغمس في المعركة السعودية ضد الإمارات. كتب فندي
مقالاً في 11 مارس الماضي بعنوان (يتجسسون علينا بفلوسنا!)
افتتحه بتوجيه نقد عام للعرب الذين انبهروا (بما رأوه
من تفاصيل دقيقة على الشاشات في العملية التي كشفت عنها
شرطة دبي بخصوص اغتيال القائد العملياتي في حركة حماس
السيد محمود المبحوح وحجم التفاصيل التي عرضتها الشاشات
العربية مراراً وتكراراً). وعلى طريقة (إيلاف)، قلّل فندي
من شأن النظام الأمني في دبي في كشف العملية، ووهب الإنجاز
إلى (الشركات الأمنية العالمية). وأن العملية، أي عملية
الكشف، ما هي سوى، حسب فندي (إعلان كبير للشركة التي تدير
مثل هذا النظام الأمني التصويري الدقيق، بهدف بيع هذا
النظام إلى دول عربية أخرى). لا ندري هل هذا التحليل يستبطن
تواطؤاً بين الموساد والنظام الأمني في دبي والشركات الأمنية
من أجل تسويق نظام أمني دقيق، أم أن الأمر لا يعدو أن
يكون تقليلاً من شأن الإكتشاف الأمني الإماراتي؟ ولماذا
لم يجر الحديث عن اخفاقات مثلاً في عملية اغتيال القائد
الشيشاني قبل ذلك، أو حتى مقتل سوزان تميم، حيث لم تظهر
الشركات الأمنية العالمية براعتها من أجل تسويق نظامها
الأمني، أم سيخبرنا فندي بأن هذا النظام جرى نصبه مؤخراً،
فيما لا مصادر مهما كانت تخبرنا بذلك.
مضى فندي في التركيز على (الشركات الأمنية العالمية)،
وحذّر العرب من شراء هذا النظام الدقيق!، واختصر العملية
برمتها في (تسويق أجهزة التصوير)، مشكّكاً في (كفاءة)
دولة الإمارات أن تقوم بذلك الكشف. أغرق فندي في تفاصيل
تقنية خاصة بالنظام الأمني بدءً من أجهزة التصوير ومروراً
بالصيانة وإصلاح الأعطال، وتحليل المعلومات ولمصلحة من.
هل بدا فندي شديد الحرص هذه المرة على الأمن العربي، حتى
صار يطلق تحذيراته للعرب للحيلولة دون الوقوع في مصيدة
إسرائيلية كامنة عبر شراء نظام أمني يتم تصنيع جزء كبير
من برامجه (في حيفا) بالدولة العبرية، وتجمع في أماكن
مختلفة في أميركا وأوروبا والهند، حتى لا تكتشف حقيقة
الأمر حسب زعمه. وسنصدّق ذلك منه لو أجابنا عن السبب الذي
يدفع الموساد للوقوع في المطب الذي أرادت أن تنصبه لنفسها
حتى أدى ذلك إلى تصدّع علاقاتها مع حلفائها الأوروبيين،
وآخرها طرد دبلوماسي إسرائيلي من لندن في 23 مارس بعد
ثبوت تزوير جوازات بريطانية من قبل هذا الدبلوماسي. هل
يعقل أن يحدث ذلك، وقد تشوّهت صورة الكيان العبري بفعل
ما أحدثته الدلائل الدامغة بضلوع الموساد في عملية الاغتيال؟
أكل ذلك يتم فقط من أجل تسويق نظام أمني؟!
ما يلفت في رواية فندي أنها تذكّر بين مقطع وآخر بأن
العملية ليست انجازاً أمنياً، بل ينزع تدريجاً إلى تقديمه
كأنه شيء تافه لا قيمة له، يقول ساخراً (السذّج بيننا
يظنون أن العملية التي حدثت في دبي هي من اختراع وتصميم
قادة شرطة دبي)، ويضع ذلك في إطار مؤامراتي تجده غائباً
في كتابات فندي الأخرى التي تنضح واقعية حد التعري، فهو
ينظر هذه المرة الى العملية باعتبارها (طعماً).. ممن ولمن؟!
وحتى يضيّع خيوط الرواية، ينقلنا الى عالم آخر، صفقات
التسلّح والطائرات التجسسية، وكيف تقوم الشركات الأميركية
والأوروبية بنزع بعض الأجهزة الحساسة أو عالية التقنية
من الطائرات التي تبيعها الى الدول العربية. حتى الآن
لا نفهم الربط بين عملية كشف اغتيال المبحوح بهذه النقطة،
ولكن لنفترض جدلاً بأن كلامه عقلاني، وفارط في الواقعية،
بالرغم من أن لا كتابات له سابقة حول ما يجري على صفقات
التسلح السعودية، وماهي الأجهزة المحظور بيعها للحكومة
السعودية ولو من باب نقد الشركات الغربية، وليس شيئاً
آخر مثل الرشى الفلكية التي يحصل عليها الأمراء، أو الوظيفة
السياسية لصفقات التسلح. يصرّ فندي على أن النقطة الرئيسية
في عملية اكتشاف الاغتيال في دبي هي عبء على العرب؟ حسناً
لقد تحرّك عرق عربي بعد سبات في المحضن السعودي، فماهو
هذا العبء هو (تعميم هذا النوع من الأجهزة الأمنية في
العالم العربي، بحيث تكون كل شاردة وواردة في العالم العربي
تحت أعين مصمم هذه الأجهزة والـ«سوفت وير» تتشارك فيه
شركات ودول). ماشاء الله، لقد كسب المناضلون العرب عضواً
جديداً، فهاهو مأمون فندي يتمرّد على عالمه، ويتحدث بلغة
المناضلين والحريصين على الأمن العربي، الذي حضر فجأة
في هذه المناسبة بغير موعد، وصار يتحف العرب بأفكار في
الأمن القومي، ويبلغ العرب رسالة بأن لا ينفقوا أموالهم
بالتجسس عليهم من جيوبهم.
مقاربة فاجعة تلك التي يقدّمها فندي وكأنه مشفق على
ما أصاب جهاز الموساد الإسرائيلي من بلاء في دبي، فأراد
أن يسدي نصيحة في غير محلّها، وكأنه يهدي العرب إلى أمنهم
القومي. فيما حقيقة الأمر، أن القضية مرتبطة أصلاً وفصلاً
بمعركة السعودية مع الإمارات ومع مدير شرطة دبي ضاحي خلفان،
وهو الرمز المستور لـ (السوفت وير) الذي يتحدث عنه فندي.
بقي في جعبة فندي شحنة حنق أخرى أفرغها في مقالة ثانية
في 15 مارس الماضي في نفس الجريدة (الشرق الأوسط) بعنوان
(الاحتفال بالإنتصارات الوهمية!)، خصّصه للرد على منتقديه.
وكعادته، يموضع فندي نفسه في مستوى (علاّم الغيوب)، فالنزعة
الإستعلائية القابضة على قلمه تكشف عن نفسها حين يردد
عبارات من قبل (نريد أن نرقى إلى مستوى الإحتراف)، بما
تحمل من إيحاءات تبعث على التقيوء، خصوصاً حين يكابر في
الدفاع عن موقفه ولو كان الشيطان مرشده وهاديه. حاول الدفاع
بضعف عن مقالته الأولى، وعوضاً عن تصحيح الخطأ زاد في
تصلّبه حين اعتبر دور شرطة دبي مقتصراً على (إدارة جهاز
تسجيل الكاميرات) فحسب، ثم أطنب في الحديث عن بقية الرواية،
حول عدم القبض على المتّهمين قبل مغادرتهم مطار دبي. ولربما
لو تمّ ذلك بالفعل، لكان لمأمون فندي كلام آخر أيضاً،
وستحوز الشركات الأمنية العالمية في نهاية المطاف على
شهادة الإنجاز، أليس كذلك؟ وخلص فندي في مقالته الثانية
باختزال دور شرطة دبي بأنها (فرجتنا على الصور) بعد وقوع
الحدث، فيما سجّل موقفاً صارخاً بقوله (شرطة دبي لم تقبض
على مجرم في قضية كبرى حتى الآن، وأي دفاع ضد الحقائق
هو تهريج). بل اعتبر الكشف الذي قامت به شرطة دبي هو (بمثابة
دعاية للموساد، لا دعاية لشرطة دبي) وهذا بالتحديد ما
ذكرته (إيلاف) في ملفها، ولا ندري لمصلحة من، رغم أنه
كما أسلفنا نالت فضيحة الموساد قرعاً متواصلاً في الصحف
الإسرائيلية، الى حد المطالبة بإقالة مائير داغان، رئيس
الموساد.
والطريف في الأمر، أن فندي الذي وجّه حملة شعواء على
شرطة دبي وعلى الشركات الأمنية العالمية تساءل عن السبب
الذي أدى الى غياب الكاميرا عن مشهد الاغتيال ذاته. وكأنه
يطالب بوصول الكاميرا إلى غرف النوم في الفنادق بالرغم
من اعتراضه الشديد على تجسس الشركات الأمنية العالمية
على الصغيرة والكبيرة من حياة العرب.
على أية حال، فإن مقالتي فندي يندرجان في سياق المناكفة
بين آل سعود ودولة الإمارات، ولا علاقة لها بصورة محددة
بكشف شرطة دبي عن تفاصيل عملية الاغتيال، فهي ستنال من
أقلام آل سعود في كل الأحوال، سواء نجحت جزئياً أو كلياً،
فضلاً عن كونها لو أخفقت في العملية.
لم يكد يختم فندي جولته حتى أطلق كاتب آخر يدعى محمد
أحمد الحساني في (عكاظ) مقالة في 16 مارس الماضي بعنوان
(دبي..المخترقة!)، وعاب، شأن كتّاب إيلاف والشرق الوسط،
على (الأحاديث المعجبة بما حققته أجهزة) دبي الأمنية،
ثم عبّر عن خشيته المحفوفة بالتمنيات من أن تتحول (هذه
المدينة الساحلية الوديعة..المكان المفضل لتصفية الحسابات
السياسية والخاصة..)، ولذلك وجرياً على فندي و(إيلاف)
(لا فائدة تذكر من الحديث عن قدرات أمنية لاكتشاف الجريمة
بعد وقوعها ما دامت قد وقعت..)، ثم أطلق السؤال المتوقّع
من أن (دبي باتت مخترقة أمنياً من قبل العصابات الدولية
التي تمارس القتل والاغتيال والإجرام على أرض هذه الإمارة
الوديعة..).
الرد الإماراتي
وفي رد فعل على ما نشرته (الشرق الأوسط) من مقالات،
شنّ عبد العزيز العتيق، رئيس تحرير موقع منتدى (الإمارات)
الإقتصادي هجوماً في 16 مارس الماضي على الجريدة متّهماً
إياها بأنها (تبث موجة الكره والسموم التي تبث ضد الإمارات
ولا تتوقف أبداً). وقال في تصريح لـموقع (أريبيان بزنس)
الإماراتي إنه على مدى السنتين الأخيرتين لاحظ تصاعداً
كبيراً في نشر الأخبار السلبية (المفبركة)عن الإمارات
من قبل الصحيفة وحجب نشر الأخبار الايجابية. وأضاف إن
الصحيفة تسلّط أقلام كتابها من (المرتزقة) العرب للنيل
من إنجازات الإمارات ونجاحها على جميع المستويات والأصعدة.
ووصف الغفلي مقالة فندي المعنوّنة (يتجسسون علينا بفلوسنا)
بأنه (مقالٌ خسيس) وأضاف (لا يقل خسة عن خسة القائمين
على الجريدة من عبدة الريال والدولار). ورد على انتقادات
فندي لشرطة دبي (الحقيقة التي أريد أن تصل للصحيفة ومرتزقتها
أن أجهزة الأمن في الإمارات استطاعت أن تكشف النقاب عن
العديد من ( الجرائم الفردية ) في غضون ساعات..بينما ما
زالت دولة تتبع لها هذه الصحيفة غير قادرة عن الكشف عن
تفجيرات تخريبية حدثت ضد منشائتها الصناعية وضد مواطنيها..منذ
أكثر من 10 سنوات) في إشارة الى وزارة الداخلية. وقال
بأن (هنا الفرق بين الثريا..والثرى..)، ووصف جريدة (الشرق
الأوسط) بأنها (ملوثة بالفتن .. وليس لها مكان بعد اليوم
في الإمارات إلا أن تستخدم كوسادة لأحذيتنا فهذا هو أكبر
قدر ومقام لكتابها والقائمين عليها).
|