THE SAUDI CASH MACHINE
سخاء سعودي وفق الشروط الأميركية
استثمار تريليون ريال سعودي لإنعاش الإقتصاد الأميركي
فريد أيهم
الثروة الوطنية.. كيف تتشكّل مواردها، مخارجها، مصيرها؟
سؤال يندرج في خانة (المحرّم) والـ (سري جداً)، ولا يجوز
لأحد الإطّلاع عليه، بل ليس من حق أي كان، باستثناء عصبة
صغيرة في العائلة المالكة، مجرد التفكير في طرحه للتداول
العام، وسينال صاحبه أشدّ العقاب في حال تجرأ أحد على
السؤال عن الثروة الوطنية.
نسمع قصصاً كثيرة عن أحجام الثروات الخاصة بالأمراء،
ونقرأ أنباءً عن حسابات بعض الأمراء في البنوك الأوروبية
والأميركية، وقد تتصدّر أسماء أمراء قائمة الأثرياء في
العالم، ولكن ليس هناك ما يخبر عن مصادر تلك الثروات،
التي غالباً ما تتجاوز التسعة أصفار، وليس هناك من يتوقّع
صدور كشف حساب مالي لأي من الأمراء. الملك فهد على سبيل
المثال، توفي عن ثروة بلغت ما يربو عن 400 مليار ريال،
وكان نصيب أبنائه 20 مليار لكل ولد، و10 مليارات لكل بنت.
والجدير بالذكر، أن الملك فهد حكم في الفترة ما بين 1982
ـ 2005، أي في الفترة التي شهدت فيها البلاد عجزاً تراكمياً
في الميزانية، والتي بلغت حتى العام 2004 الى ما يربو
عن 700 مليار ريال.
لنقل بأن ملف أزمة الدين العام قد أغلق، على أساس أن
الدائنين المحليين قد صمتوا أو تنازلوا أو ربما حصلوا
على مستحقاتهم، ونعلم بأن عدداً من البنوك المحلية مثل
البنك الأهلي كان قد تكبّد خسائر مالية هائلة بسبب الاقتراض
المالي الضخم من قبل الحكومة، أو بالأحرى من قبل العائلة
المالكة، حتى أن حجم الديون تجاوز 30 مليار ريال. لاشك
أن الفترة الممتدة من العام 2004 وحتى الآن، تراكمت، وبسبب
ارتفاع أسعار النفط، ثروة وطنية هائلة وكان يفترض توظيف
تلك المداخيل في مشاريع تنموية ومعالجة المشكلات الملحّة
والعاجلة مثل البطالة، وتردي الخدمات العامة، وانهيار
النظام التعليمي.
حسناً، بإمكان المرء أن يبذل قليل جهد ليتعرّف على
أداء الحكومة في هذه الفترة، وكل ذلك تعكسه مواقف الشباب
وكتاباتهم ومدوّناتهم على شبكة الإنترنت حول موضوع البطالة،
والذي لاتزال تمثّل كابوساً لم يخرج منه قطاع كبير من
الشباب العاطلين عن العمل، الى حد أن نسبة البطالة أخذت
في الارتفاع، بموازاة تقهقر معدلات الأجور، وفي هذا العهد
باتت الخريجات يحملن ملفات طلبات الوظيفة معهن بحثاً عن
وظائف في القطاع التعليمي في دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا العهد بدأ الحديث عن نساء يعملن خادمات في
بيوت خارج البلد. وما يقال عن التوظيف، ينسحب على الخدمات
العامة، ويكفي مشاهد السيول والفيضانات والضحايا الذين
فقدوا أرواحهم لمجرد هطول (أمطار غزيرة) في جدة، والطائف
وعسير وتبوك والدمام وأخيراً الرياض، أما الخدمات الصحية
فحال المستشفيات الحكومية يخبر عن أوضاع لا يمكن انطباقها
على دولة نفطية.
تلك الصور المتقابلة، بين ثروات تتراكم في حسابات الأمراء،
وتردّي الأوضاع المعيشية والإقتصادية للسكّان، يبرز مشهد
آخر، كنّا قد افتقدناه منذ حرب الخليج الثانية حين أوقفت
العائلة المالكة، وبفعل نضوب الاحتياطي المالي للمملكة
لتسديد فاتورة حرب الخليج الثانية، القسم الأعظم من عطاياها
للخارج، دولاً، وجمعيات دينية، وأحزاب سياسية، وشخصيات.
غياب تلك الصورة لم يكن بمحض إرادة الملك أو الأمراء الكبار،
ولكّنه بسبب أزمة مالية لم يكن بالإمكان الخروج منها بسهولة.
عادت الصورة مجدّداً منذ العام 2004، حيث بدأ الفائض المالي
يكسو الموازنة السنوية، وبدأت شهية الأمراء إزاء الاستئثار
بالثروة الوطنية بالعمل بأقصى ما يمكن أن تصل إليه، وبدأ
الأمير نايف، وزير الداخلية، بافتتاح السباق بين الأمراء
نحو بيت المال، حين اقتطع 30 مليار ريال لتطوير الأجهزة
الأمنية ومكافأة رجال الداخلية لما قاموا به لمواجهة الجماعات
المسلّحة التابعة لتنظيم القاعدة. وما لبثت أن اندلعت
الغرائز الشرّيرة لدى باقي الأمراء، وكان الأمير سلطان،
ولي العهد، من كبار الهوامير الذي بلع (الأخضر واليابس)،
حتى أطلق عليه الناس (أبو الشبوك)، لفرط ما سيّج من أراض
عامة واعتبرها من أملاكه الشخصية، وليس أبناء الأمراء
من سياسات آبائهم بمنأى عن ذلك.
من جهة ثانية، تفتّحت عيون الدول، وخصوصاً الكبرى منها،
والأحزاب السياسية، والجمعيات الدينية، والشخصيات على
ما تحصده المملكة من مداخيل نفطية، فكانت شركات السلاح
في أوروبا والولايات المتحدة تكثّف اتصالاتها ووسطائها
للحصول على صفقات عسكرية مع أحد تجّار السلاح المحليين
من آل سلطان وآل نايف. في الوقت نفسه، كانت الشركات النفطية
الغربية ذات الروابط الوثيقة بكبار المسؤولين في الحكومات
الغربية تحمّل الرسائل الى الرؤوساء ونوّابهم لإقناع الحكومة
السعودية بمنح تلك الشركات امتيازات نفطية أو إبرام عقود
بيع بمواصفات خاصة سواء العاجلة منها آو الآجلة.
ناشط إصلاحي تساءل: هل تحوّلت بلادنا الى (جمعية خيرية)،
أم أنها لم تعد تُعرَف إلا بما تجود به من أموال الشعب..فرجل
البيت الأبيض أوباما يطلب من الملك عبد الله في قمة الثماني
في لندن بالمساهمة في حل الأزمة المالية العالمية، التي
هي أزمة أميركية بامتياز، وقد نسمع عن مطالبة اليونان
للملك عبد الله بالتدخل لحل الأزمة المالية الخانقة التي
تعاني منها اليونان وانقاذها من حافة الإفلاس (400 مليار
يورو).
ما هو جديد في السخاء السعودي المشروط بالحماية الأميركية،
النبأ الصادم الذي تم تمريره بهدوء الشهر الفائت حول استثمار
تريليون ريال سعودي مع الولايات المتحدة. فما حقيقة الأمر؟
في نهاية شهر إبريل الماضي، سافر وفد سعودي رسمي رفيع
المستوى برئاسة وزير التجارة والصناعة، وبمشاركة كل من
وزراء المالية، البترول، التعليم، ورئيس هيئة السوق المالية،
وكبار رجال الأعمال والشركات في المملكة إلى الولايات
المتحدة لعقد منتدى فرص الأعمال السعودي ـ الأميركي. الأهم
في الزيارة هو عرض المملكة حقيبة استثمارية تقدّر قيمتها
بنحو تريليون ريال على الجانب الأميركي، تشمل عدداً من
الفرص الاقتصادية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين،
وستترّكز على مجالات: الطاقة، البتروكيماويات، الكهرباء،
المياه، البنية التحتية، المعرفة، الأسواق المالية، التجارة
والاستثمار، وعرض المبادرة الزراعية، في الوقت الذي سيعمد
فيه الجانبان إلى زيادة حجم التبادل التجاري خلال الأعوام
المقبلة. ومن المفترض أن يتم توقيع خمس إتفاقيات رئيسية
الى جانب اتفاقيات فرعية أخرى.
الجدير بالذكر، أن الملتقى الاقتصادي الذي انعقد في
شيكاغو في يومي 28 ـ 29 إبريل الماضي، جاء ثمرة اللقاء
الذي جمع الملك عبد الله والرئيس الأميركي السابق جورج
بوش قبل أعوام، وانبثق عنه تشكيل لجنة عليا للحوار الاستراتيجي
السعودي الأميركي برئاسة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل
ونظيره الأميركي.
زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين المملكة
والولايات المتحدة هو العنوان المعلن للملتقى الاقتصادي،
ولكن ما هو أعمق من ذلك أن ثمة التزامات سعودية مطلوبة
لدعم الاقتصاد الأميركي، من خلال تدوير مداخيل النفط واستثمار
العائدات في الدورة الرأسمالية الأميركية، في مقابل الدفاع
الاستراتيجي عن النظام السعودي. وبحسب عمر باحليو، أمين
عام التجارة الدولية في الغرف التجارية السعودية، فإن
(المملكة لن تجد أفضل من أمريكا، كما أن معظم المواصفات
التي بنيت في السعودية بنيت في الأساس على المواصفات الأمريكية..
وعمر العلاقات بين البلدين 70 عاماً، وظلت صامدة ضد أي
استهداف، كما أن أمريكا تنظر إلى المملكة نظرة مختلفة
بحكم أنها مركز استراتيجي مهم في الشرق الأوسط، وقوي في
مجال الطاقة، والعالمين العربي والإسلامي).
الصندوق السيادي بلا سيادة
على صعيد آخر، أفاد تقرير للأمم المتحدة صدر في سبتمبر
من العام الماضي (2009) أن الصناديق السيادية التابعة
لأربع حكومات خليجية خسرت 350 مليار دولار في العام 2008،
بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية على استثماراتها.
وقال التقرير بأن موجودات الصناديق السيادية الخليجية
الاربعة انخفضت من 1165 مليار دولار في نهاية 2007 الى
1115 مليار دولار في نهاية 2008.
يقول التقرير بأن الموجودات السعودية التي تديرها مؤسسة
النقد العربي ارتفعت بشكل كبير في 2008 لتصل الى 501 مليار
دولار بعد ان ضخت الحكومة 162 مليار دولار في صندوقها
السيادي. وكانت السعودية خسرت 46 مليار دولار في 2008
بسبب الازمة وأنهت العام 2007 عند مستوى 385 مليار دولار.
إلا أن التقرير لفت إلى أن الصناديق السيادية الخليجية
لا تكشف مطلقاً عن حجم موجوداتها. وذكر التقرير ان الصناديق
السيادية الخليجية، وبعد سنوات من الاستثمار الحذر لا
سيما في سندات الخزينة الاميركية، اعتمدت في السنوات الاخيرة
مقاربات استثمارية أكثر خطورة وسعت الى استثمارات استراتيجية
في شركات عالمية والى استثمارات في الاسواق المالية والعقارية.
ليست هذه الصورة كاملة حول حجم الصناديق السيادية،
فقد ذكر الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية
أحمد جويلي بأن خسارة الرساميل العربية بلغت ما يقرب من
2.5 تريليون دولار. ولا نظن بأن غير دول النفط الخليجية
من يمتلك النصيب الأكبر من هذه الرساميل، بالنظر أيضاً
الى ما قيل خلال الأزمة المالية العالمية التي تفجّرت
في سبتمبر 2008، وقد أدركنا حينذاك بأن الرأسمال الخليجي
قبل اندلاع الأزمة بلغ نحو 3 تريليون دولار، ما يعني أن
حجم الخسارة من المال الخليجي بلغ خمسة أسداس مجمل الرساميل
العربية التي ذهبت في محرقة الأزمة المالية العالمية.
ما يثير الغرابة هنا، أن عوائد النفط الخليجي، والذي
تمثل فيه حصة السعودية الأكبر بالمقارنة مع بقية دول مجلس
التعاون الخليجي مجتمعة، لم يقدّر لها المساهمة في مشاريع
التنمية المحلية، حتى بعد حساب الصادرات النفطية في مقابل
الواردات السلعية والعسكرية، حيث بلغ فائض العوائد نصف
تريليون دولار في الفترة ما بين 2002 ـ 2006. ولكن الذي
جرى أن هذه العوائد دخلت في الدورة الرأسمالية الغربية،
فكان نصيب الولايات المتحدة 300 مليار دولار، وأوروبا
100 مليار دولار، وذهب 60 مليار دولار في شرق آسيا وتحديداً
الى اليابان، وبقي مبلغ 40 مليار دولار في الدورة المالية
المحلية.
والذي جرى بعد ذلك جدير بالاهتمام، فقد حصلت قفزة هائلة
في حجم الفوائض النفطية خلال الفترة ما بين 2007 ـ 2009،
فقد بلغ حجم الفوائض المالية الخليجية في سبتمبر 2008
نحو 3 تريليون دولار، توظّف في الأسواق الأميركية والأوروبية.
ولنا حساب ما جرى لهذه الأموال السيادية بعد انفجار الأزمة
العقارية وانهيار النظام البنكي في الولايات المتحدة.
وما يبعث على السخرية أن تتكبّد السعودية خسائر فادحة
في الصندوق السيادي، رغم نفي الملك عبد الله ذلك، ومع
ذلك تتم دعوة الأخير لحضور مؤتمرات الاقتصاديات الكبرى
في العالم، ليس للتباحث في ملف الأزمة المالية العالمية،
ولكن لتقديم الدعم المطلوب للأسواق المالية العالمية،
أي أن تضاعف السعودية من جهودها وحصصها التمويلية (أو
الاستثمارية إن شئت) من أجل انقاذ الاقتصاد الأميركي.
ولهذا السبب حضر الملك عبد الله مؤتمر لندن العام الماضي،
وكان الغرض منه تحويل السعودية الى صرّاف آلي دولي.
|