ضحايا حلف الإعتدال العربي!
السعودية تتخلى عن خدّام
محمد قستي
يبدو أن مسلسل ضحايا حلف الاعتدال في بلاد الشام لم
يتوقّف، بعد أن خسر الحلف رهاناته على تغيير المعادلة
سواء في لبنان أم في سوريا أو حتى في المنطقة. فمنذ بدأت
إرهاصات التقهقر تظهر مع اقتراب رحيل الرئيس الأميركي
جورج بوش الإبن، بات على حلف الاعتدال الذي قادته السعودية
في الفترة من 2006 ـ 2008 لملمة ذيوله، فمنهم من آوى الى
جبل يعصمه من الغرق مثل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي
وليد جنبلاط، ومنهم من انقلب على عقبيه مثل رئيس الحكومة
اللبنانية الحالي سعد الحريري، ومنهم من خسر الدنيا والآخرة
مثل الأمير بندر بن سلطان، الذي قاتل حتى الرمق الأخير
ولكنه كما يقول المثل العراقي دخل موسم الحصاد بمنجل مكسور.
نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدّام، كان أحد
الخاسرين الكبار في رهان المعتدلين العرب، فقد اختار التخلّي
عن منصبه لناحية الدخول في مشروع إطاحة النظام السوري
أملاً في الوصول الى العرش في سوريا. استقبله الملك عبد
الله وولي عهده الأمير سلطان في الرياض في إبريل العام
2005 في إطار التنسيق المشترك ووضع خطة الاستيلاء على
السلطة في دمشق. عاد خدّام الى باريس بعد أن حصل على وعود
ودعم مالي سخي، في سياق تمويل خطة اسقاط النظام السوري،
وقام بتمويل بعض الشخصيات العسكرية والأمنية ولكن تم اكتشاف
أمرها من قبل أجهزة الأمن السورية.
وكان الملك السعودي قد توسّط لدى بشّار الأسد للسماح
لخدام بالخروج من دمشق الى باريس، ولم تكن دمشق تعلم بأن
هناك مخططاً سعودياً لإثارته ضدّها، وقد استجابت دمشق
للوساطة السعودية رغبة منها في تحسين العلاقات، لكنها
فوجئت بعدها بتورط كبير للسعوديين في تكتيل واشنطن والعواصم
الغربية لدعم المعارضة السورية من أجل الإطاحة بالنظام
السوري، وطفقت قناة العربية تجري حواراتها مع خدّام، وأقطاب
المعارضة السورية من أجل تشكيل البديل المدعوم غربياً.
القاهرة استاءت من التصرف السعودي الذي قام بالأمر
منفرداً وبدون تنسيق، وقيل يومها أن مبارك فوجئ بلقاء
العربية مع خدام. وسعت القاهرة في البداية الى مقاومة
مساعي الرياض لجرجرتها الى عداء مفتوح مع دمشق، لكنها
استسلمت في النهاية للرؤية السعودية الغربية الإسرائيلية
في نهاية الأمر.
|
دعم سعودي انتهى بالفشل
|
من جانبه، واصل خدّام محاولات تخريب المعادلة السياسية
السورية بالتعاون مع الأمير بندر بن سلطان، وفريق 14 آذار
في لبنان وبعض الشخصيات الأمنية والعسكرية في سورية، ولكن
باءت تلك المحاولات بالفشل.
لقي عبد الحليم خدّام مصيراً مشابهاً لمصير أنطوان
لحد بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في أيار
2000، فقد تخلى عنه حلفاؤه، وكرّت سبحة الخسائر، وكان
آخرها ما جرى الشهر الفائت، حين رفعت نازك الحريري دعوى
قضائية في المحاكم الفرنسية ضد عبد الحليم خدّام الذي
يسكن في قصر الدائرة الثامنة. وقدّم القصر للأخير من قبل
عائلة الحريري لدى وصوله فرنسا بعد خروجه من سوريا على
أمل العودة عليها رئيساً للجمهورية. مصادر فرنسية ذكرت
بأن الحكم قضى بإخلاء خدام للقصر خلال مدة أقصاها ثلاثة
أشهر من تاريخ صدور الحكم، وتحميله مصاريف الدعوى.
وكان خدّام قد رفض إخلاء القصر الذي اشترته عائلة الحريري
من ابنة الملياردير اليوناني (أوناسيس)، وادّعى بأن عائلة
الحريري والمملكة السعودية وعداه بتعويضه عن أملاكه في
سوريا إذا انقلب على النظام، وأنه لبّى هذا المطلب غير
أنهم لم يعوضوه إلا مبلغ سبعة ملايين دولار، وها هم الآن
بعد أن تركوه وحيداً يريدون طرده من المنزل الذي يسكن
فيه!
وأضافت المصادر أن خدّام يعاني من اكتئاب نفسي وارتفاع
في الضغط، وقد نصحه الأطباء بالتزام الراحة وتحاشي مصادر
الإرهاق لأن ذلك من شأنه التأثير على صحته، حيث تعرض السنة
الماضية لأزمة قلبية أجرى على أثرها عملية (قسطرة) للقلب.
وبحسب المصادر إياها، فإن خدام قال (إنه لن يسمح بإهانته
ورميه بعد استخدامه ضد الرئيس بشار الأسد وضد سوريا بعد
أن كان الرجل الثاني في الحكم، والحاكم الفعلي للبنان
طيلة ثلاثين عاماً)، وأنه هدد بالكلام وفضح كل شيء على
طريقة (عليّ وعلى أعدائي يا رب).
في باريس انتهى خدام، وإقامته باتت محدودة، وحراسة
أمنية عليه، ولائحة الزوار يجب أن تعرف مسبقاً، وتنقلاته
أيضاً، والأرجح ان السلطات الفرنسية ستبلغه عن مكان آخر،
بحسب مصادر فرنسية. وقد حاول خدّام الاتصال بمسؤولين سعوديين
من أجل تسوية مشكلته المالية والخلاف مع عائلة آل الحريري
حول القصر الذي يقيم فيه، ولكن وبحسب مصادر مقرّبة من
العائلة المالكة أن الأبواب باتت موصدة أمام خدّام، فيما
ذكر مصدر آخر بأن الرجل خسر القمار السياسي ولا يزال يصرّ
على البقاء على الطاولة، وكان يجب أن يدرك مبكّراً بأن
لا مكان له على الطاولة، فقد ذهب اللاعبون الخاسرون جميعاً
من واشنطن الى باريس وصولاً الى بيروت ودمشق.
حتى المعارضة السورية التي رفضت التعامل مع عبد الحليم
خدّام منذ وصوله الى باريس باتت اليوم على قناعة تامة
بأن على خدّام دفع الثمن، وهو ما زاد حالة خدّام النفسية
سوءً.
|