دولة (غينيس)
لا يروق لها التصنيف العادي، بل تعمل بوصية أبو فراس
الحمداني (ونحن أناس لا توسّط بيننا.. لنا الصدر دون العالمين
أو القبر)، ولعل أصدق كلمة توصّف هذه النزعة هي (الخصوصية)
التي اشتغل المشاركون في اللقاء الفكري الأخير الذي عقده
مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في الرياض في الأول
من يونيو الجاري على تشريحها.
تميّز في كل شيء، وفي الغالب يكون هذا التميّز سلبياً،
بل ويحطّم الأرقام القياسية: أكبر عائلة مالكة في العالم
(يفوق عدد أفرادها عشرة آلاف أميراً وأميرة)، وأكبر ملوك
العالم سنّاً (يبلغ الملك عبد الله من العمر 86 عاماً)،
بل وأكبر ولي عهد في العالم سنّاً (84 عاماً)، ووزير الداخلية
الأمير نايف (78 عاماً)، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل
(70 عاماً)..وبإمكان أي مراقب لمشاهد الملك والأمراء على
شاشة التلفزيون أن يرى التقوّس التدريجي لأجسادهم، فالملك
يمشي محدودب الظهر، وكذلك الأمير سلمان، والأمير سعود
الفيصل، وحتى الأمير نايف الذي يمشي بساقين متورّمين لا
يكاد يرفعهما من الأرض، أما الأمير سلطان الذي صافح عزرائيل
في عدّة زيارات، فله وضع خاص. ولذلك، يبنبغي مطالبة مؤسسة
غينيس للأرقام القياسية أن تمنح العائلة المالكة شهادات
(أكبر عدد من الجثث المتحرّكة في حكومات العالم).
هذه الدولة في كل شيء هي رائدة: في الفساد (800 مليار
دولار)، وفي نسبة مشاركة الإنتحاريين (الأكثر انتشاراً
في العالم، من بينهم 60 % من إجمالي الانتحاريين في العراق)،
وفي تصنيف التعليم الجامعي (مادون الأخيرة في تصنيف 300
جامعة في العالم)، وفي البطالة أكثر من 3 ملايين مواطن
يبحثون عن وظيفة في بلد يعمل فيه 7 ملايين عاملاً أجنبياً.
وفي عدد مالكي البيوت (22 بالمئة يملكون بيوتاً خاصة)،
وفي الخدمات العامة، المدن الكبرى (الرياض وجدة ومكة بلا
بنية تحتية لتصريف المياه، فضلاً عن مياه صالحة للشرب)..
ونزيد في شعر القارىء بيتاً، ألم يكن الملك عبد الله
من أفرط في الحديث عن الحرب على الفساد، فلماذا إذن ازداد
حجم هذا الفساد في عهده حتى بلغ الترليونات بعد أن كان
بالمليارات. آخر ما كشف من قصص الفساد مشروع مدينة الملك
عبد الله الرياضية في جدة، والتي قدّر بناؤها بمبلغ (37
مليار ريال)، بحسب ما نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) في عددها
28 مايو الماضي. تصوّروا أن مدينة رياضية تستهلك ميزانية
دول، وكان ستاد الملك فهد في الرياض قد استهلك 12 مليار
ريال، بينما كانت الكلفة الحقيقية لا تتجاوز 2 مليار ريال..الحكومة
عبر وزير بترولها علي النعيمي حاولت نفي الخبر بعد أن
شعرت بأن (السرقة) مهولة، لأن من غير المعقول أن تصل تكلفة
مشروع رياضي 10 مليارات دولار؟ فأين يخفي ملك الإنسانية
وجهه من الناس؟!
أما في الحقوق، فالسعودية هي الدولة الوحيدة التي لا
تسمح للمرأة بقيادة السيارة (مثال أفغانستان لا يصح ذكره
لأن الناس لا تملك ثمن رغيف الخبز حتى تفكّر المرأة في
امتلاك سيارة أو قيادتها)، وهي الدولة الوحيدة التي لا
يحقّ فيها للمرأة بالسفر بمفردها، أو امتلاك جواز سفر
بدون إذن ولي أمرها، وحتى إكمال دراساتها العليا يتطلب
إذناً من ولي أمرها، كما لا يحق لها الترافع عن نفسها،
فضلاً عن تملّك بيت أو سيارة، وهي الدولة الوحيدة التي
تمنع المرأة من التصويت والترشيح في الانتخابات البلدية
(بلدية وليست برلمانية أو رئاسية ولذلك قد اقتضى التنويه).
في هذه الدولة يا أحبتنا القرّاء، التي يصادر حق المرأة
في كل شيء، ونضع ألف خطٍ تحت كل شيء، يطالعنا رقم قياسي
جديد، لا أدري من هم الحمقى الذين باركوه. يقول خبر نشر
في 4 يونيو الجاري بأن المملكة العربية السعودية تستضيف
أوَّل معهد قيادة عالمي للمرأة، وجاء في مطلع الخبر (في
إطار الجهود الكبيرة التي يبذلها الملك عبد الله بن عبد
العزيز للانتقال ببلاده نحو المزيد من التطور والرقي).
للتنويه أيضاً أن الفكرة ليست من بنات ولا خالات أفكار
الملك ولكن من بنات أفكار ميشيل سترونز، الاستاذة في كلية
سانت جوزيف في الولايات المتحدة. ما هو مستغرب حقاً أن
يكتب معدّ الخبر (ولابد أن يكون قريباً من المجال الحيوي
لشرهات الملك) ما نصّه: (لم يكن مستغربًا أن يتم اختيار
مدينة جدة لاستضافة أول معهد قيادة عالمي للمرأة)، كيف
يكون ذلك؟ نعم لو كان المعهد في لندن أو نيويورك، أو ستوكهولم
لقلنا نعم ليس مستغرباً، ولكن في جدة ومعهد قيادة عالمي
للمرأة وتقول ليس مستغرباً (ثكلتك خالة عمة إللي جابت
خالتك). معد الخبر تنبّه على مايبدو للإستغراب المخلّ،
فخفّف من وطأته حين عاد الى الخصوصية السعودية: أن أقل
من 15% من السيدات السعوديات يعملن خارج المنزل، (وهي
النسبة الأقل في العالم العربي)، بالإضافة إلى عمل 5%
فقط منهن في مجال الأعمال التجارية، ومزاولة أغلبية السعوديات
العاملات لمهنة التدريس..ومع ذلك ليس مستغرباً أن يتم
اختيار مدينة جدّة لمعهد قيادة المرأة العالمي!
وحقيقة الأمر، أن اختيار جدّة مكاناً لمعهد قيادة عالمي
للمرأة لم يكن أكثر من مصدر لجلب المال، ولذلك تعهّدت
الحكومة السعودية بدفع أموالٍ للمعهد، ومعظم تكاليف السفر
للمشاركين الأميركيين، كما جاء على لسان سترونز نفسها
لصحيفة ديزيرت تو سي. ووردبريس. كوم. هذا في الجانب المالي،
ولكن بالنسبة للعائلة المالكة، فإن نزعة التميّز لديها
تدفعها الى تبني كل مشاريع (تلمييع الصورة)، وتبقيها في
موقع الريادة، حتى ولو كان ذلك متناقضاً مع واقعها، تماماً
كرعايتها لمشاريع مكافحة الإرهاب، وإن كانت ضالعة فيه
بالمال والرجال، كما كشفت عن ذلك صحيفة (نيويورك تايمز)
الشهر الماضي، وكذلك رعايتها لمبادرات الحوار بين الأديان
في الوقت الذي تشتمل مناهجها الدينية الرسمية وشبه الرسمية
على فتاوى تكفّر أديان شعوب العالم ومعتقداتهم وتحرّض
على قتالهم.
عقدة التميّز تجعل العائلة المالكة في لهاث دائم وراء
أي مبادرة من أي نوع تضعها في تصنيف (الأول)، خيراً كان
أم شراً، ولسان حالها يقول: (لدينا المال، والخير كثير
والحمد لله، (كما قال الملك عبد الله ذات حكمة)، فلماذا
لا نشتري أرقاماً قياسية، وإن قدّر لنا شراء مؤسسة (غينيس)
نفسها فلن نتردد، ونصبح دولة غينيس للأرقام القياسية).
|