من سمح بضرب مفاعل تموز سيسمح بضرب نطنز!
شريكان في الحرب على إيران
محمد فلالي
تسمح أو لا تسمح، ليست تلك هي المشكلة، فقد أغمضت عيني
أواكسها، وسمحت للطائرات الإسرائيلية بعبور أجوائها لضرب
مفاعل تموّز العراقي في 7 حزيران (يونيو) 1981. وبالرغم
من نفي السعودية المتكرّر لأي تواطؤ مع الإسرائيليين في
هذه العملية، التي كثرت فيها شهادات شهود العيان الذين
لحظوا عطلاً مفاجئاً في أجهزة الرادار في قاعدة تبوك الجوية،
فإن الإسرائيليين عادوا بعد أكثر من ربع قرن كيما يقدّموا
روايتهم حول العملية في سياق الحديث عن فتح السعودية لأجوائها
أمام الطائرات الإسرائيلية. ففي إبريل من العام 2007 عرض
التلفزيون الإسرائيلي العام وللمرة الأولى صوراً التقطها
الطيران الحربي خلال الغارة التي شنّها على مفاعل تموّز
النووي العراقي العام 1981، وقد اعتبر التوقيت لافتاً
بالنسبة للمراقبين، في ظل التنازع المتصاعد حول الملف
النووي الإيراني.
شارك في العملية 230 شخصاً، من طيارين وفنيين ومهندسين
وغيرهم، وأقلعت الطائرات من إيلات المطلّ على البحر الاحمر،
وحلقت على علو منخفض فوق صحراء السعودية والعراق. وقال
أحد الطيارين خلال المهمة (إني أرى بعض البدو (...) هم
ينظرون ولكن يبدو أنهم لا يفهمون شيئاً). وقال آخر (أجتاز
الآن الطريق بين السعودية والعراق. أرى شاحنتين (...)
إلى اليسار، أرى مجمعا عسكرياً)، مضيفا (أرى الفرات، النهر
المقدس، لا علاقة له بالأردن). وأضاف (حسناً، لا أرى طائرات
ميج (...) ها هي أسوار المفاعل. هناك هوائيات. ألقيت القنابل).
ومرّت 50 ثانية بين القنبلة الأولى التي كانت بزنة 900
كلجم والقنابل التي القاها إيلان رامون، الطيار الذي قاد
الطائرة الثامنة، والذي قال (أرى ألسنة النيران والدخان،
المفاعل ينهار).
وقال طيار آخر إن طائرات الـ (إف-16) الثماني تعود
الى (إسرائيل): (تشارلي الجميع (جميع الطيارين) أحياء
والهدف دمر طبقا للخطط) التي وضعت. لقد عادت الطائرات
بعد أن نفّذت مهمتها من نفس الأجواء التي سلكتها في طريقها
الى العراق، فقد طلب من الجانب السعودي تعطيل كل أجهزة
الرصد مدة تنفيذ العملية (خاصة ما ترصده طائرات الأواكس
التي اشترتها السعودية حديثاً) والى حين عودة الطائرات
الإسرائيلية الى قواعدها داخل فلسطين المحتلة. اشتغل مجلس
الأمن في 19 يونيو 1981 باستصدار بيان إدانة للهجوم العسكري
الإسرائيلي، فيما وعد وزير التجارة الفرنسي يومئذ ميشال
جوبير بتقديم وعد بإعادة بناء المفاعل، وعلى الأرض أصبح
كل شيء منتهياً، فقد حقّقت واشنطن والرياض وتل أبيب المهمة
السريّة.
نذكّر هنا بأن العراق كان حينذاك حليفاً استراتيجياً
للسعودية، وكان يخوض حرباً ضد خصمها، إيران، ومع ذلك لم
يشفع له ذلك كله من أن يدرأ عن نفسه مشاريعه الكيدية التي
لا تنقطع منذ نشأة هذا الكيان وحتى اليوم. هكذا هي السعودية
في كل أدوارها، وهي على استعداد للقيام بالشيء ذاته ليس
مع إيران فحسب بل حتى مع حلفائها في الداخل ان تطلب الأمر.
ولنتذكّر ما فعله الملك عبد العزيز، مؤسس الدولة السعودية
الحالية، وما فعله في جيشه المعروف بـ (الإخوان)، حين
سمح للطائرات الحربية البريطانية حينذاك بحصد أرواحهم
في الصحراء في معركة السبله سنة 1929، وهم الذين فتحوا
له البلدان، وشيّدوا له ملكاً يحلم به ملوك الأرض جميعاً.
ما نشرته صحيفة (صنداي تايمز) في 12 يونيو الماضي لم
يكن مستبعداً، رغم أن الصحيفة اعتادت أن تقدّم تمنياتها
في هيئة أخبار موثّقة، ولكن مثل هذا الخبر على وجه التحديد
هو صحيح مائة بالمئة. ولم يكن أول مرة يسمع العالم نبأ
فتح السعودية لأجواء بلاد الحرمين أمام الطائرات الإسرائيلية
لضرب المواقع النووية الإيرانية.
باستحضار سيناريو العملية الإسرائيلية ضد مفاعل تموز
العراقي، فإن خبر التايمز جاء على النحو التالي: قيام
السعودية بإجراء اختبارات لتعطيل دفاعاتها الجوية لإتاحة
الفرصة للطائرات الإسرائيلية لتنفيذ غاراتها الحربية ضد
المنشآت النووية الإيرانية.
نقطة أخرى جديرة بالذكر أيضاً، أن رواية التايمز جاءت
في نفس الإسبوع الذي فرض فيه مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة جولة جديدة من العقوبات على إيران. وتقول الصحيفة
نقلاً عن مصادر دفاعية في الخليج أن الرياض وافقت على
السماح للإسرائيليين باستعمال ممر ضيق في مجالها الجوي
في شمال البلاد لتقليص المسافة خلال الهجوم العسكري على
ايران.
المثير في رواية الصحيفة أن الأمر لم يكن متوقفاً على
مجرد فتح الأجواء أمام الطائرات الحربية الإسرائيلية،
ولكن هناك جانب تقني مطلوب إنجازه قبل بدء العملية. تقول
الصحيفة بأنه من أجل ضمان مرور المقاتلات الإسرائيلية
بدون أدنى إزعاج، فإن الرياض قامت بإجراء اختبارات للتأكّد
من أن طائرات لن تقوم باعتراض المقاتلات الإسرائيلية وأن
أنظمة الدفاع الصاروخية لن تكون فاعلة. وفي حال استكمال
العملية العسكرية الإسرائيلية تعود الدفاعات الجوية لمملكة
آل سعود الى جهوزيتها الكاملة.
مصدر عسكري أميركي قال للصحيفة بأن (السعوديين أعطوا
إذناً للإسرائليين بالعبور في الأجواء، وسيشيحون هم بوجوههم
حينذاك). ويضيف (لقد قاموا باختبارات للتأكّد من أن طائراتهم
لن تعترض وأن ليس من بينها من سيواجه خطر السقوط. كل ذلك
تم بالإتفاق مع وزارة الخارجية الأميركية).
تنقل الصحيفة أيضاً عن مصادر في السعودية دون أن توضّح
ما إذا كانت هذه المصادر سعودية رسمية أو شبه رسمية أو
أجنبية، وتذكر بأنه بات معلوماً داخل الدوائر الدفاعية
في المملكة بأن ترتيباً كهذا قد جرى في حال قررت إسرائيل
القيام بالغارة. ما تلفت إليه الصحيفة، في محاول للإجابة
عن سؤال جدّي وجوهري حول التعاون الإسرائيلي ـ السعودي
في وقت مازالت فرضية العداوة قائمة بحسب مبادىء الصراع
العربي الإسرائيلي والتي تشكّل أساس الإجتماعات والقمم
الدورية والسنية على مستويات وزارة الخارجية أو القادة
العرب التي تنظّمها الجامعة العربية.
مصدر سعودي قال في تصريح خاص لوكالة الأنباء الألمانية
(د ب أ)، إن (الرياض لن تسمح للطيران الإسرائيلي عبور
أجوائها لضرب إيران)، مؤكدا أن (سياسة المملكة واضحة في
هذا الخصوص)، موضحاً أن (السعودية لن تكون منصة لأي هجوم
عسكري على إيران). وهنا ثمة ما يلفت، فقد جاء التصريح
ليس لوكالة الأنباء السعودية، باعتبارها القناة التي يتم
عبرها استعلان المواقف الرسمية السعودية، ولكن لم يتم
ذلك، في إشارة واضحة إلى أن التصريح لا يشتمل على كل عناصر
الموقف الرسمي. أمر آخر، أن قول المصدر بأن (سياسة المملكة
واضحة بهذا الخصوص) هو أيضاً لافت، لوجود سابقة قريبة،
وسوابق أخرى مشابهة من بينها اختطاف العالم النووي الإيراني،
والهجوم على العراق في حرب الخليج الثانية سنة 1991، وفي
الحرب على العراق في إبريل 2003.
المصدر السعودي الدفاعي نفى بطبيعة الحال أن تكون الجهات
الأمنية في المملكة لديها علم بأي اتفاق مع الجانب الإسرائيلي،
ولفت إلى أن (السعودية رفضت من قبل قيام الطيران الأميركي
في عام 2003 بضرب العراق عن طريق القواعد الجوية في المملكة)،
والحال أن القادة العسكريين الأميركيين تحدّثوا بخلاف
ذلك. وقد ذكرت صحيفة (التايمز) في 22 مارس 2003 بأن الجنرال
(تومي فرانكس) قائد القوات الاميركية في الخليج بأنه (سيدير
الحرب من مكتبه في قاعة العمليات العسكرية في قاعدة الامير
سلطان في المملكة العربية السعودية). ونشرت صحيفة (هيرالدتربيون
انترناشيونال) في 20 مارس من العام نفسه بأن فرانكس يقوم
بزيارة الى المخابئ العسكرية التي أنشئت في مناطق غير
معلنة في المملكة العربية السعودية، والتي استخدمت كمواقع
قيادة للضربات الجوية الاميركية والبريطانية الموجهة ضد
العراق. وقد أوضحت الصحيفة بأن العائلة المالكة السعودية
متلهّفة لإبعاد نفسها أمام الناس من النزاع على الرغم
من أنها شاركت، بحسب الصحيفة، في تحضيرات الحرب من بدايتها،
وقد تم كل ذلك بهدوء وبشكل غير مباشر بانتظار اندلاع الحرب.
وتحدّث قادة القوة الجوية الأميركية خلال الحرب على
العراق طويلاً عن قاعدة الأمير سلطان ودورها في إدارة
العمليات الجوية الأميركية في الحرب على العراق. والى
فترة قصيرة سبقت التحضيرات للحرب، احتفظت الولايات المتحدة
بنحو خمسة الاف وخمسمائة ضابط وجندي من قواتها يمثلون
شرائح من كل الاصناف العسكرية في قاعدة الامير سلطان الجوية
وحدها مع انها لم تكن قبل ذلك أكثر من مهبط للطائرات الاميركية
اثناء حرب الخليج في عام 1991.
في هذا السياق، يمكن فهم طبيعة التصريحات السعودية
حول فتح الأجواء أمام الطائرات العسكرية الإسرائيلية.
يقول المصدر الدفاعي بأن (بلاده ليست طرفا في النزاع بين
إيران وإسرائيل أو الولايات المتحدة، إننا لن نسمح باستخدام
أراضينا لشن أعمال عسكرية أو أمنية أو تجسسية ضد إيران).
وهذا مجرد كلام للإستهلاك الإعلامي، فيما يدرك الجميع
بأن السعودية طرف أساسي في أي عدوان على إيران أو غيرها
في حال كان الطرف المهاجم هو الولايات المتحدة أو الكيان
الإسرائيلي.
الفقرة الأخيرة من التصريح السعودي تبدو ذات نكهة خاصة
وغير مألوفة في تصريحات المصدر المسؤول، الذي يقول ما
نصّه (صحيح هناك خلاف بين الرياض وطهران في وجهات النظر
خصوصاً في تدخلها في المنطقة واحتلالها الجزر الإماراتية
إضافة إلى عدم الكشف عن برنامجها النووي إلا أن السعودية
لا تسمح أبداً لأي كان باستخدام أراضيها لضرب دولة مسلمة).
فبينما ذكر المصدر المسؤول كل مبررات الخصومة مع إيران،
بل والحرب عليها، بالرغم منها تلتزم الصمت غالباً عن قضايا
مثل الجزر الإماراتية بسبب وجود وثائق لدى الإيرانيين
يقرّ فيها السعوديون بحقهم في الاحتفاظ بها، إلا أن طرح
قضية الغموض حول البرنامج النووي الإيراني بما ينسجم مع
الموقف الأميركي ـ الإسرائيلي له مغزى خاص. الأهم من ذلك
كله، أن السعودية لن تسمح باستخدام أراضيها، فيما الحديث
يدور حول فتح أجواء أمام الطائرات المقاتلة الإسرائيلية
وليس أمام دبابات أو قوات برية، وفي الفقرة الأخيرة (لضرب
دولة مسلمة) دلالة مواربة هي الأخرى، خصوصاً حين توضع
على المحك العقدي السلفي، الذي ينظر إلى إيران باعتبارها
دولة غير إسلامية.
|