الجهد السعودي في الحرب الإستخباراتية بين ايران وأمريكا
ناصر عنقاوي
ليست المسألة اليوم ما إذا كانت عودة العالم الإيراني
شهرام أميري الى وطنه انتصاراً استخباراتياً لإيران على
السي آي أي. أو كان أميري نفسه عميلاً أميركياً تراجع
في لحظة من اللحظات.
القضية بالنسبة لنا كمواطنين هي ما هو موقع السعودية
في هذه المعركة الإستخباراتية؟
ابتداءً نحن نعلم بأن هناك معركة قائمة بكافة الأسلحة
بين دول الغرب وايران، تذكرنا بالحرب الباردة بين الإتحاد
السوفياتي والغرب. صحيح أن ايران ليست بقوة الإتحاد السوفياتي،
ولكنها قوة اقليمية عظمى مجاورة للسعودية، وليست بعيدة
مثلما هي موسكو.
السعودية في الحرب الباردة اختارت واشنطن والغرب، وصنعت
اسلاماً سمّاه المرحوم سيد قطب بـ (الإسلام الأميركي)
للوقوف بوجه الروس بحجة مكافحة الشيوعية.
الشيوعية انهارت، وتفكك الإتحاد السوفياتي، واعلنت
السعودية بتفاخر أنها ضمن فريق المنتصرين الغربيين (والحمد
لله!).
الآن هناك حرب مشابهة بين الغرب واسرائيل من جهة وبين
ايران التي يريد الغرب اسقاط نظام الحكم فيها من جهة أخرى.
ما دخل السعودية في هذه الحرب؟ وهل من مصلحتها أن تشارك
فيها؟ ايران ليست دولة شيوعية!! ولا هي دولة تهدد السعودية
ونظامها.. فلماذا اقحمت السعودية نفسها في حرب المخابرات
الغربية، ولماذا أيضاً اعلنت استعدادها للمساهمة في الجهد
العسكري إن كانت الحرب مع ايران مطلوبة. ألم يقل الملك
السعودي بأن ايران إحدى دولتين يجب تدميرهما؟ ألم تنشر
التايمز ان السعودية سمحت لاسرائيل استخدام اراضيها لمهاجمة
المواقع النووية الإيرانية؟ ألم تروج السعودية بأن ايران
ـ وليس اسرائيل ـ هي العدو؟
ما هي المقاييس في تقدير الموقف؟ وما هي المصلحة السعودية
من كل هذا؟
كيف يقنع السعوديون العالم بأنهم مستقلون والعالم النووي
الإيراني تم اختطافه من (المدينة المنورة) أثناء أدائه
العمرة؟!
السعوديون اعترفوا بدخول اميري للعمرة، واعترفوا باختفائه،
واعترفوا بأنه لم يغادر مطاراتهم!
الآن أميركا تعترف باختطافه، والسعودية تقر باختطافه
من اراضيها. لكن السعودية لم تنتقد اميركا لاختطافها مواطن
دولة أخرى والتعدي على سيادتها!
والسبب أن السعودية وأميركا متآمرتان في العملية، وأن
السي آي أيه تسرح وتمرح في الأراضي السعودية بل في الأماكن
المقدسة نفسها!!
الان يروج السعوديون للرأي المخابراتي الأميركي بأن
أميري كان يعمل في السي آي أيه، وانه غادر السعودية طواعية!
حسنٌ.. لماذا لم يقولوا هذا الأمر لإيران، وأن الرجل
لم يكن مختطفاً وأنه خرج من اراضيهم عبر المطار المدني
السعودي وليس عبر طائرة عسكرية امريكية انطلقت من قاعدة
أمريكية في السعودية بعد حقن أميري بمادة مخدرة؟!
السعودية منغمسة في الجهد الإستخباراتي والعسكري الغربي
الاسرائيلي ضد إيران.
بيد أن أحد كتابها: (عبدالرحمن الراشد) قال معلقاً
على فتح السعودية ممراتها الجوية للطيران الإسرائيلي ليقصف
ايران بأنه (لا يمكن للسعودية التورط في حرب مع إيران)
بحجة أن السعودية تتجنب التورط في المغامرات العسكرية
مع استثناء حرب تحرير الكويت! ولكن السبب الأكثر أهمية
حسب قوله هو أن السماح بمرور الطائرات الاسرائيلية (يعني
عمليا إدخال السعودية في الحرب مباشرة مع الإيرانيين...
انخراط السعودية في حرب ضد إيران برغبتها أمر يستحيل أن
تفعله، ليس فقط رفضا للمبدأ، بل أيضا لأنه يشكل مخاطر
حقيقية على أمن السعودية وسلامتها). بمعنى آخر: ان المساهمة
في الحرب ضد ايران لا يخدم السعودية لأنها ليست بقوة ايران.
واضاف: (أعتقد أن السياسيين في الرياض يدركون جيدا
أن إيران ليست بالدولة الصغيرة، ويتواجهون معها بأكبر
ساحلين على ضفتي الخليج. ويعرفون أن الانخراط في مشروع
حرب، مثل السماح للطيران الإسرائيلي أو حتى الأميركي،
يدخل – عمليا - السعودية في حرب مع إيران، ولا أحد يستطيع
أن يتنبأ بنتائجها بعد ذلك).. واصفاً الحرب معها مغامرة
خاصة وانها دولة (تكبر السعودية ثلاث مرات)(الشرق الأوسط،
14/6/2010).
تحليل نظري جيد، ولكنه غير دقيق. فعاطفة المسؤولين
السعوديين والتيار الوهابي مع دخول الحرب هذه المرة. لذا
ردّ عليه بعض الهائجين المتعنترين السعوديين بأن السعودية
تستطيع ان تحارب ايران، مثلما هي اسرائيل تستطيع ان تواجه
العرب. وظن هؤلاء منفلتي العقال بأن الحرب نزهة، لذا رد
في مقال آخر (الشرق الأوسط، 16/6/2010) بأن الحرب مقبولة
دفاعاً عن النفس فقط، وايران تستطيع ان تلحق خسائر بالسعودية
في منشآتها.
اذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك حقاً.. لماذا هذا الجهد
الإعلامي والسياسي والعسكري والإستخباراتي الذي تبذله
السعودية، وكأن لا قضية لديها في العالم سوى إيران.
لماذا لم تنته السعودية من معاركها المفتوحة مع حماس
ودمشق وحزب الله وطهران، وقريباً تركيا؟
لماذا يوجد في السعودية نحو 22 مكتباً للسي آي أيه،
عدا مكاتب أخرى لمكتب التحقيقات الفيدرالي؟
رحم الله امرئاً عرف قدر نفسه.
ولا نظن ان ال سعود عرفوا ذلك بعد!
|