المدافع الإعلامية السعودية تعاود نشاطها!
السعودية تعاود صراعها مع دمشق
محمد قستي
لا تخفي السعودية انزعاجها من دمشق، لكنها خلال الأشهر
العديدة الماضية التي قاربت العام، شعرت بأنها غير قادرة
على فتح فمها، بعد الوساطة التي قام بها أمير الكويت بين
الملك عبدالله والرئيس الأسد في قمة الكويت.
صحيح أن المدافع الإعلامية السعودية المصوبة الى دمشق
هدأت في معظمها، عدا بعض (الطلعات الإعلامية) التي يجري
تمريرها بين الفينة والأخرى في (العربية) و(الشرق الأوسط).
|
قمة آلم السعوديين رؤيتها!
|
الآمال السعودية بجرّ دمشق عن المحور الإيراني فشلت
فشلاً ذريعاً. والسبب أن طلب السعودية غير منطقي، خاصة
وأن دمشق لم تعد تنظر الى الرياض كدولة محورية سياسياً
بقدر ما هي لاعب مخرّب (إن أراد) أمام اللاعبين الكبار،
ودمشق منهم!
اختبرت العلاقات السعودية السورية في لبنان، فلم تقدم
دمشق تنازلاً للسعودية على حساب حلفائها. في نهاية الأمر
تضعضع الصف السعودي وأعادت دمشق ترتيب أوراقها كاملة،
واستقبلت عون، وعاد جنبلاط الى بيت الطاعة. لكن ما استثار
السعوديين تلك القمة الثلاثية التي جمعت بين الأسد ونجاد
ونصر الله، وظهرت صورها بوجه السعوديين صاعقة مؤلمة.
عزّزت دمشق روابطها بحزب الله، وحرص الأسد أن يشير
الى علاقات وثيقة مع نصر الله، وحزب الله خاصة في موضوع
زيارة جنبلاط الى دمشق. وبالنسبة للفصائل الفلسطينية المقاومة
كحماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية فلازالت
دمشق تحتضنها وتدعمها.. أي أن كل ما أملته أمريكا واسرائيل
والسعودية لم تلتفت اليه دمشق.
|
وأخرى طواها الزمن |
نعم.. بدا أن دمشق حريصة على اتباع سياسة (كفّ الأذى)
مع السعودية! وهي سياسة شبيهة بتلك التي تنتهجها ايران
مع السعودية أيضاً. وملخص السياسة يقوم على حقيقة أن السياسة
السعودية موغلة في يمينيتها ويصعب تغييرها، وأنه ليس من
المصلحة مواجهة السعوديين الذين هم ليسوا صنّاع سياسة
بل تابعين لسياسة غيرهم. وعليه يمكن السكوت عن السعودية
وتحمّل شتائمها وتجاهلها بقدر ما، وعدم الرد عليها إلا
ضمن حدود ضيقة.
من هنا شعرت دمشق بالرضا حين توقفت المدافع الاعلامية
السعودية المعتدية، وانشغلت بسياستها المعروفة، ولكن السعوديين
لم يقطفوا ثمار إغلاق مدافعهم: تغيير السياسة السورية
أو تقريبها من وجهة النظر السعودية، بالرغم من اللقاءات
وارسال الملك عبدالله ابنه لدمشق.
ما زاد الإنزعاج السعودي هو التقدم الذي احرزته السياسة
السورية بما يعد منجزاً حقيقياً، ألا وهو جذب العامل التركي
في صف الموقف السوري تجاه القضية الفلسطينية والموقف من
اسرائيل.
كان السعوديون قد اعلنوا عن غضبهم الشديد جداً من ساركوزي
لأنه بنظرهم فك الحصار السياسي الغربي عن دمشق!
الصحيح أن دمشق صمدت وكان ثمرة ذاك: فك الطوق الغربي
الفرنسي ثم الأميركي عنها، ما أجبر السعوديين على التراجع
بغضب والتنازل للأسد.
لم يكن السعوديون يدركون بأن السياسة السورية فاعلة
وناشطة وقادرة على تحقيق منجز وإحداث تغيير استراتيجي
في المنطقة. النظرة الدونية السعودية تقول بأن دمشق مجرد
تابع لإيران. لكن دمشق أثبتت من خلال هندستها للعلاقة
مع أنقرة أنها لاعب محترف وأنها قوة يعتدّ بها على صعد
مختلفة لبنانية وفلسطينية وعراقية وغيرها.
طفح كيل السعوديين حين رأوا تركيا تصطف بعد حادثة اسطول
الحرية الى جانب دمشق وحماس وحزب الله وطهران! فيما تصنف
الرياض الى جانب القاهرة والأردن وتل أبيب وواشنطن! وشتان
بين الجبهتين!
منذئذ نبّهنا كتاب السعودية، وخاصة عبدالرحمن الراشد،
بأن التغيير في الدور التركي ـ والذي بدأ الاعلام السعودي
بمهاجمته! ـ إنما أنجزته دمشق، فيما راح آخرون يتحدثون
عن (الإحتلال العثماني) ومشككين في الدور التركي.
وجاءت القشّة التي قصمت ظهر البعير، ممثلة في تمييز
موقف دمشق عن موقف السعودية والأردن بشأن نتائج الإنتخابات
في العراق.. فانفتحت النيران بلا مبرر، وفي الغالب فإن
السعودية هي التي تبدأ بمهاجمة خصومها اعتماداً على امبراطوريتها
الإعلامية، بالرغم من حقيقة أن بيت آل سعود من زجاج، وفضائحهم
السياسية والخلقية ملء الأرض ولا يزيل دنسها ماء المحيطات!
اخذ السعوديون يتحدثون عن النظام الديكتاتوري الدموي
في دمشق الذي عمره عشر سنوات (عمر حكم الأسد الإبن)!
وراحت العربية تفتح ملفات انتهاكات حقوق الإنسان، وتركز
النقد على شخص الرئيس الأسد! وكأن السعودية بلد ديمقراطي
يحترم حقوق الإنسان!
ولكنها عادة السعوديين الطغاة، يتحدثون عن الديمقراطية
وكأنهم آباؤها؛ وينظرون لحقوق الإنسان وكأنهم رواده؛ وعن
الإسلام والشريعة الإسلامية وهم الذين ينتهكون الدين وشرائع
السماء ببجاحة!
إن فتح السعودية النار على دمشق لا يغير من حقيقة أن
الرياض تشعر بالوحدة والعزلة والضعف وأن خيارها (المبادرة
العربية/ واعتبار العدو ايران وليس اسرائيل) تجاوزه الزمن.
السعودية ضعيفة وشن الهجوم على دمشق او غيرها: ايران وحماس
وحزب الله، لا يمنح السعودية قوة ولا يعيد لها دوراً سليباً!
|