لن تشارك فيها بقواتها!
السعودية تقود اليمن لحرب سابعة
محمد شمس
تستطيع السعودية ـ إن أرادت ـ أن تنقذ اليمنيين من
حرب سابعة تلوح في الأفق. فالسعودية ـ وإن لم تعلّق حتى
الآن على الأحداث والإشتباكات الأخيرة حول موقع الزعلاء
ـ فإنها لاتزال لاعباً أساسياً في السلم والحرب، وهي صاحبة
النفوذ والتأثير الأكبر في الشأن اليمني. بمعنى: أن حرباً
أهلية سابعة لن تشتعل إن كانت السعودية رافضة لها؛ وإن
وساطات المصالحة ـ بما فيها الوساطة القطرية الأخيرة ـ
لن تنجح إن كان هناك (فيتو سعودي) شبيه بفيتو سابق ألغى
اتفاقاً بين الحكومة والحوثيين عام 2006 سمي بـ “اتفاق
الدوحة”.
اليمن قد يتجه وبسرعة نحو الحرب السابعة وأسباب ذلك
ودوافعه عديدة:
ـ فالحرب لم توقف إلا رغماً عن الأطراف المتصارعة التي
عجزت عن حسم الحرب لصالحها.. ما يعني أن هناك قدراً كبيراً
متوفراً من تكافؤ القوى، إما أن يؤدي الى المزيد من الحروب
الشرسة إن كانت النيّة تتجه نحو تحصيل حسم عسكري، أو يدفع
المتخاصمين الى حلّ الخلاف سياسياً، إن توصلوا الى قناعة
حقيقية بأن لا أفق للفوز بالحرب. معلوم أن الحرب حين توقفت
في فبراير الماضي لم تكن نتيجة فوز عسكري لطرف من الأطراف،
بالرغم من أن الحوثيين هم من تنازل أولاً، حتى بدا وكأنهم
من خسر المعركة، إلا أن الواقع لم يكن كذلك.
ـ بعيد الحرب السادسة الأخيرة، لم يتم الإلتزام باستحقاقاتها
لا السياسية ولا الإنسانية، ولم يتشكل ظرف سياسي جديد
يمثل قطيعة مع الماضي، وفي الحقيقة فإنه لم تكن هناك رغبة
رسمية جادّة لمعالجة سياسية تأتي على الأزمة من جذورها.
الذي حدث هو أن الطرف الحوثي أطلق سراح آلاف المعتقلين
من الجنود اليمنيين، كما أطلق أسرى السعودية، في حين لم
تطلق الحكومة اليمنية أسيراً حوثياً واحداً، وبينهم ـ
كما يعرف الجميع ـ أفراد من العائلة الحوثية نفسها، فضلاً
عن أنها لاتزال تلاحق ممثل الحوثيين في الخارج (يحي الحوثي).
على عكس ذلك، فإن العشرات من الحوثيين قد اعتقلوا بعيد
الحرب، وبينهم بعض القيادات الوسيطة، ما سبب مرارة في
النفوس، فضلاً عن مقتل العشرات غيلة وبينهم قياديين عسكريين
حوثيين كبار.
في ذات الإتجاه، لم يعد المواطنون المهجرون الى منازلهم،
رغم أن القوات الحكومية تسلمت أكثر المواقع العسكرية التي
كان يسيطر عليها الحوثيون. أيضاً، لم يتم إعمار المدن
المهدمة بالطائرات، ولا تعويض الضحايا المدنيين عما أصابهم
في ممتلكاتهم وفي الأرواح؛ كما لم يحدث تطور أساسي في
بنية السلطة السياسية اليمنية بشكل يتم معه قبول لاعبين
جدد سواء من الشمال أو من الجنوب، أو حتى تحمل وجود أحزاب
جديدة مثلما يريد الحوثيون الذين يريدون تشكيل حزب سياسي.
واضح أنه منذ توقف الحرب، لم تشأ الحكومة اليمنية تقديم
تنازلات، وكانت تضغط باتجاه أخذ ما يمكن لها أخذه، وما
لا تستطيعه فيمكن الإستعانة بالقبائل على إنجازه، حتى
تتجنّب المساءلة وتحمل مسؤولية إشعال الحرب من جديد، ولهذا
ظهر الصراع مؤخراً وكأنه صراع بين قبائل موالية للنظام
مع الحوثيين. لكن هذا بالذات، دفع بالحوثيين الى عدم القبول
بمبدأ تسليم أسلحتهم، وحجتهم واضحة: جميع القبائل مسلّحة؛
وهناك ثارات قبلية ودعم وتغطية حكومية لقبائل بعينها معادية
للحوثيين؛ وهناك إرث عداوة قديم مع حكومة غير موثوق بها؛
وهناك أطراف مدعومة من الخارج السعودي ترى قتال الحوثيين
وقتلهم عملاً دينياً.. كل هذا يجعل من تسليم السلاح الى
الحكومة المركزية ـ قبل أن تستقر الأوضاع حقاً ـ عملاً
أحمق قد يفضي الى وقوع مجازر، كما يقول الحوثيون.
هذه ملابسات الوضع اليمني القائم: انسداد سياسي على
مختلف الصعد؛ عدم الإيفاء بمتطلبات وقف إطلاق النار من
قبل الحكومة؛ إقحام القبائل كرديف للجيش اليمني في معارك
ضد الحوثيين.
بيد أن مشكلة الحوثيين في صعدة ما هي إلا جزء من مشكلة
أكبر تواجه الدولة اليمنية نفسها وتنذر بتفتيتها. فهناك
معركتان حاميتان أخريان قائمتان مع الجنوبيين ومع القاعدة،
وكلتاهما تستهلكان جهداً حكومياً وتستقطبان اهتماماً إقليمياً
ودولياً. ولا شك أن الحكومات التي اجتمعت في لندن (أواخر
يناير الماضي) لمناقشة الوضع اليمني قبيل توقف الحرب ضغطت
من أجل حل سياسي لمشكلتي الجنوب والشمال وذلك للتفرغ لمواجهة
القاعدة؛ وهناك من الإشارات اليوم ما يفيد بخيبة أمل غربية
بسبب فشل صنعاء إلا من فتح الجبهات الثلاث دفعة واحدة،
وربما يزيد عدد تلك الجبهات أيضاً في المستقبل.
أين موقع السعودية ودورها؟
لا يبدو ان في نيّة السعودية الدخول مباشرة في حرب
أخرى مع الحوثيين. لقد كانت تجربة عسكرية مأساوية تلك
التي خاضتها العام الماضي، ويفترض في نتائجها السلبية
سياسياً وعسكرياً ومعنوياً أن تحدّ من اندفاعها باتجاه
مغامرة أخرى، خاصة مع تزايد القناعة لدى شريحة واسعة من
المسؤولين في الرياض بأن الرئيس اليمني خدع السعودية وجرّها
الى مستنقع الحرب. أدركت السعودية اليوم أن أداء قواتها
المسلحة المتواضع لا يمكن أن يحقق لها انجازاً مهماً يوازي
الخسائر المتوقعة: السياسية والمعنوية، خاصة فيما يتعلق
بنفوذها الآخذ بالإنحسار في اليمن، بالرغم من حقيقة أن
ذلك النفوذ لازال حتى الآن قوياً لا ينافسه أحد. نتيجة
الحرب السادسة كانت مؤلمة للسعودية. وبالرغم من أنها استضافت
مؤتمراً للمانحين في الرياض في أواخر فبراير الماضي، من
أجل بناء ما هدّمته الحرب، وهو العنصر المكمل للشق السياسي
وربما الضامن لديمومة السلم والمانع لقيام حرب أخرى..
إلا أن الرياض لم تستثمر منذئذ في السلام، في اعتراض منها
على الوضع القائم وعدم تحملها لوجود طرف لا ترغب فيه على
حدودها.
وحين دخل القطريون على خط الوساطة، والذي تجلى في زيارة
أمير قطر لصنعاء في 13 يوليو الماضي، فُهم من ذلك أن الدور
القطري يمكن أن يأخذ مكان الدور السعودي في تمويل عملية
السلام بين الحوثيين والحكومة المركزية في صنعاء. ولكن
آخرين فهموا أمراً مغايراً وكأنه ضغط من صنعاء على السعودية
لتدفع ما تعهدت به من أموال: إما لتعزيز السلم وإعادة
البناء، أو لتغطية تكاليف الحرب الجديدة!
التصعيد الأخير بين الحوثيين والقوات الحكومية يحتمل
أن يكون مقدمة لحرب جديدة سابعة، يقول الطرفان بأنهما
لا يرغبان فيها. وقد يكون هذا صحيحاً بنسبة ما، لكن بعض
الأطراف الإقليمية قد تكون راغبة فيها فعلاً، بحيث تبقي
اليمن مشغولاً بذاته وتضعف الخصوم مجتمعة بما فيها الحكومة
المركزية نفسها. مشكلة وقف اطلاق النار التي تمت قبل خمسة
أشهر تقريباً أنها لم تغطّى بمشروع سياسي يمكن أن يحول
وقف اطلاق النار المؤقت الى سلام دائم. على العكس فإن
إصرار صنعاء على كسر الخصوم، وإظهار نتائج المعركة كانتصار
عسكري ساحق على الحوثيين، يجعل من وقف اطلاق النار القائم
مجرد هدنة مؤقتة أو استراحة محارب بانتظار الجولة القادمة.
واضح الآن أن السعودية تريد حرباً سابعة، وهي كما يبدو
مستعدة لتمويلها كما كانت تفعل دائماً، ولكنها لن تشارك
فيها بجيشها. السعودية اليوم غير مستعدة لتمويل عملية
السلام الأهلية اليمنية، ولديها القدرة على تخريب الوساطة
القطرية التي تمثل البديل السلمي عن الدور السعودي الحربي،
والمسؤولون اليمنيون من جانبهم ـ وكما اتضح حتى الآن ـ
هم أكثر ميلاً الى الخيار السعودي منهم الى خيار دفع ثمن
للسلام.
إن صحّ هذا التحليل، ووقعت الحرب السابعة، فإنه سيتأكد
للجميع بأن اليمن أصبح (دولة فاشلة) حقاً؛ وأن نظام الحكم
عديم الكفاءة والمسؤولية، وبالتالي فقد تكون تلك الحرب
إن وقعت آخر الحروب قبل أن يتفكّك اليمن، أو قبل أن يرحل
نظام الحكم القائم.
|