المشتركات بين السعودية والكيان الإسرائيلي
محمد قستي
كتب براين ويتاكر في صحيفة (الجارديان) بتاريخ 19 إبريل
2006 مقالاً بعنوان (الجنس والتسوّق في إسرائيل والسعودية)
سلّط فيه الضوء على المشتركات بين الوهابيين وطائفة اليهود
الهاريديين. وقال بأن ثمة مواد خبرية نشرت قبل أيام من
كتابته المقالة ألقت الضوء على المشتركات بين الوهابيين
في السعودية واليهود الهاريديين في الكيان الاسرائيلي.
وذكر بأن صحيفة (التايمز) كتبت تقريراً حول افتتاح مركز
تجاري جديد في (بني براك)، في ضاحية تل أبيب. وبني براك
ذات الكثافة السكانية الأكبر لطائفة الهاريدي (وهي الطائفة
اليهودية الأكثر تشدّداً) في الكيان الاسرائيلي، وأن المركز
التجاري، الذي تم تصميمه لأغراض محدّدة، لا يشتمل على
مقاهي، أو سينما، ويمنع فيه الرجال من الصعود للطابق الثاني.
الملابس في الطابق المخصص للنساء تحمل شهادات (كوشر)
التي ترخّص بأنها محافظة بدرجة كافية للنساء المتشدّدات،
بحسب التايمز. الرهابنة إطمأنوا أيضاً الى غياب مقهي أو
سينما بما يستوجب الحراسة لمنع الإختلاط غير الضروري بين
الرجال والنساء. وايضاً، فإن كل (المانيكنات) الموجودة
في الواجهات الأمامية للمحال التجارية لعرض الملابس تبدو
بلا رؤوس، وتختفي الرسومات (بوسترات) من داخل المحلات
لأن التوراة تنصّ على حرمة التشبّه بصورة الإنسان. وفي
حال حزم المشتريات من السراويل النسائية الضيقة الداخلية،
فإن الشكل الإنساني يتم إخفاؤه بصورة تامة من خلال لاصقات
موضوعة لهذا الغرض.
وفي قسم الأسرّة، يتم عرض سرير لشخص واحد فقط، لأن
حتى الزوجين في طائفة الهاريدي ذات الطبيعة المحافظة للغاية
يجب أن يناما منفصلين، وأن يمتنعا عن ممارسة الجنس في
أوقات محددة من الشهر. قسم الملابس النسائية الداخلية
وضع بعيداً في الخلف من المخزن، فيما تتراوح الألوان المتوافرة
بين الأبيض والألوان المنسجمة مع لون الجلد. وكانت هناك
شكاوى ضد أحد المحال الذي كان يبيع ملابس بلون وردي.
ونقلت التايمز عن زبونة (في الـ 30 من العمر) تبدو
في حالة رضى عن المركز التجاري الجديد، وتقول (ذهبت الى
مركز تجاري في تل أبيب الأسبوع الماضي مع زوجي للمرة الأولى
وكان هناك قدر كبير من الجنس. كان مريعاً. وقد أصيب زوجي
بصدمة. فقد كانت المرة الأولى والأخيرة. ونحن مسرورون
لأنهم افتتحوا مركزاً تجارياً مناسباً هنا).
تلك الصورة ينقلها الكاتب عن الطائفة الهاريدية في
الكيان الاسرائيلي، ثم يعلّق قائلاً (كل ذلك يبدو مألوفاً
بصورة واضحة بالنسبة لسكّان السعودية، حيث أمضت السلطات
الرسمية هناك عقوداً من أجل السعي للفصل بين الجنسين).
ثم نقل ما ذكرته دونا أبو ناصر، مراسلة وكالة أسوشييتد
برس من تقرير بعنوان (تجربة العشاء خارج البيت) في الرياض.
يقول الكاتب بأن الفارق يكمن في أن الوهابيين في السعودية
لديهم شرطة آداب تقوم بفرض نمط الحياة الخاص بهم على الآخرين،
بينما الحال في (اسرائيل) يختلف، حيث أن الهاريديين يواجهون
غالباً معارضة من اليهود العلمانيين. وكانت هناك جدالات
حامية فيما يرتبط بتعديل خطوط سير الحافلات كونه، أي التعديل،
ينطوي على (مخاطر روحية) التي قد تنتج عن المرور بجانب
جامعة بار إيلان. وبحسب (جيرزواليم بوست)، فإن واحدة من
مصادر القلق لدى الهاريديين صعود نساء من تلك الجامعة
في الباص وهن بملابس غير محتشمة.
يقارن الكاتب بين هذه الصورة من المجتمع الإسرائيلي
وصورة أخرى من المجتمع الوهابي، ويقول بأن التطوّر في
مجال التسوّق الخاص بالنساء في بني براك يمكن أن تجد له
نظيراً في السعودية، حين قررت وزارة العمل بأن المحال
التي تبيع الملابس النسائية الداخلية يجب ألا تسمح للنساء
بمباشرة البيع للزبائن. وهدّدت الوزارة بالبدء بحملات
تفتيش حينذاك وحذّرت بأن المحال التجارية التي لا تلتزم
بالقرار ستواجه عقوبة الغرامة المالية. وفي الوقت الحاضر،
فإن الغالبية العظمى من هذه المحلات تشغّل رجالاً كمساعد
بائعين (غالباً من الجنسية اللبنانية)، وفي استطلاع جرى
في العام 2006 في مدينة جدة تبيّن أن من بين 247 محلاً
تجارياً يبيع الملابس النسائية الداخلية ومواد التجميل
هناك فقط 3 نساء موظفات في هذه المحلات. وقد بدا واضحاً
المتاعب التي نشأت فيما بعد من جراء توظيف رجال في محال
بيع الملابس النسائية.
يقول الكاتب بأنه بالرغم من التشريعات الرسمية التي
تفرض نوعاً من الفصل، أو على الأقل الإخفاء، فإن الكلمة
غير الرسمية هي أن مكتب العمل، الذي يراقب الوضع، سيكون
رحيماً في ترك صاحب المحل اختيار الطريقة المناسبة لتطبيق
القانون وفي السماح للعائلات بدخول أقسام النساء.
هذا كان في الجانب الاجتماعي بأبعاده العقدية، ولكن
ثمة مشتركات كبرى على مستوى مشروعي الدولتين، وهي مشتركات
تبدو مثيرة للإنتباه وتستدعي قراءة معمّقة وجديرة بالمتابعة
واقتفاء الجذور لما تنطوي عليه من دلالات. المشتركات الكبرى
بين الدولتين السعودية والعبرية يمكن رصدها على النحو
التالي:
ـ نزعة اقتلاعية: في العقيدة الإسرائيلية الأصلية ثمة
إحساس متفجّر بالتميّز على المستوى البشري، ويعود ذلك
الى الزعم بأن اليهود هم شعب الله المختار، وأن الله اختارهم
دون بقية أقوام البشرية قاطبة لأن يحكموا الأرض، وهذا
الإحساس سمح لهم بارتكاب الجرائم بدءً بقتل الأنبياء ومن
ثم الانتقام لما أصابهم في أوروبا قبل وإبان الحرب الكونية
الأولى، من الشعب الفلسطيني في عملية اقتلاع غير مسبوقة
في تاريخ العالم الحديث لشعب بأكمله من أرضه ومحو كل التاريخ
القديم والحديث للشعب الفلسطيني بكل طوائفه بما فيها الطائفة
اليهودية. هذه النزعة يشترك فيها الإسرائيلي مع الوهابية
التي قامت هي الأخرى على اعتقاد بأنها تمثل العقيدة الصحيحة
وأنها تجسيد لمعنى (أهل السنة والجماعة)، وأن بقية المسلمين
ليسوا على شيء منذ موت الشيخ إبن تيمية في القرن الثامن
الهجري، وأن كل من لا يتبّع عقيدة الشيخ محمد ابن عبد
الوهاب فهو على غير هدى بل هو أقرب الى أهل الضلال، ويصبح
حلال الدم والمال والأرض والعرض للمجاهدين من أهل التوحيد،
وقد خرج بذلك غالبية المسلمين من مسمى أهل الإيمان وقذف
بهم في دائرة الشرك والإبتداع.
ـ مشروع احتلالي: قامت الدولتان السعودية والإسرائيلية
على مدّعيات تاريخية، فكان الإحتلال اليهودي لفلسطين يقوم
على دعوى (أرض الميعاد)، فيما كان الإحتلال السعودي للجزيرة
العربية محثوثاً بدعوى (ملك الآباء والأجداد). وهذه النزعة
الإحتلالية مثّلت محرّضاً دائماً على التوسّع، والمصادرة،
ورفض مبدأ الشراكة باعتبار أن من يقوم باحتلال أراضي الغير
لا يكترث به، ولا يعير لإرادته، وكرامته، وحقوقه أهمية
من أي نوع.
ومن المشتركات اللافتة، أن خلال فترة تشكيل الدولتين
كان قادتهما يتطلعان الى إنشاء إمبراطوريات، إذ لايزال
العلم الإسرائيلي يعكس تطلّعاً مفتوحاً للدولة العبرية
المنشودة، والتي تمتد من النهر الى النهر، وكذلك الحال
بالنسبة للدولة السعودية حيث كان عبد العزيز يطلق قواته
(الإخوان) شرقاً وغرباً، حتى أنه كان يتطلع لأن تشرب ماشيته
من ماء الفرات، في إشارة الى خضوع العراق تحت سلطانه.
ـ ايديولوجية متطرفة: (دولة يهودية؛ ودولة/ مملكة سلفية)،
ومن المدهش أن تصدر دعوات من الجانبين الاسرائيلي والسعودي
على تأكيد هذه النزعة الاستئصالية، حيث يشترط نتنياهو
على حركة حماس الاقرار بأن اسرائيل دولة يهودية، في وقت
طالب فيه أحد رجال الدين الوهابيين بتبديل اسم المملكة
العربية السعودية وتحويلها الى المملكة العربية السلفية،
وكان الأمير نايف يدعو بكل فخر أن المملكة سلفية.
ـ الرعاية البريطانية للولادة والحماية الأميركية للإستمرار:
تتفق كل مصادر تاريخ الشرق الأوسط الحديث على حقيقة أن
لبريطانيا العظمى دوراً محورياً في إقامة الدولتين العبرية
والوهابية في فلسطين وشبه الجزيرة العربية. فلولا وعد
بلفور (1917) بإقامة وطن قومي لليهود لما كان للدولة العبرية
أن ترى النور، ولولا الدعم البريطاني لإبن سعود لما كان
لمملكته أن تقوم لها قائمة. فقد كتب مستشاره الإنجليزي
جون فيلبي خطاباً للمقيم البريطاني في الخليج برسي كوكس
عام 1918 (إبن سعود رجل يحتاج إلى صداقة بريطانيا وتتأيدها
حتى يستطيع أن يساعد أهدافها ومطالبها، مع العلم بأن أول
ما يحتاج إليه هو السلاح والمال. والحقيقة أن المال له
عنده اعتبار كبير لإيمانه بأن حصوله عليه وعطاياه منه
لأنصاره هو المبرر لسياسته أمام هؤلاء الأنصار حتى يقبلوا
العمل مع الأجانب (الإنكليز) ضد المسلمين (دولة الخلافة).
وهذه المسألة حساسة جداً). وأضاف قائلاً (قدمت لابن سعود
مبلغ الخمسة وعشرين ألف جنيه ذهباً التي حملتها معي بتكليف
منكم (أي من بيرسي كوكس)، وأفهمته أنها دفعة مقدمة لتمويل
حملته ضد "حايل" طلب ابن سعود وألح للحصول على "زيادة
" لأن مصاريفه كثيرة والكل يطلب "الذهب").
تجدر الإشارة الى أن بيرسي كوكس هو جنرال بريطاني من
أبوين يهوديين لعب دوراً مركزياً في رسم خارطة المنطقة
بعد انهيار الدولة العثمانية، وتقلّد عدّة مناصب، وفي
العام 1911 منح لقب سير لقاء خدماته إبان الحرب العالمية
الأولى. وقد تعرّف كوكس على عبد العزيز عبر عنصر المخابرات
البريطاني وليم شكسبير، وكان نائباً لكوكس في منطقة الخليج،
حيث كان كوكس يشغل منصب المقيم السياسي في بوشهر منذ العام
1904، وقد أرسله كوكس لمساعدة ابن سعود، وقتل في معركة
جراب في 25 يناير 1915، وكان يقود سلاح المدفعية السعودية
في المعركة. وقد كتب شكسبير رسالة لكوكس يقول فيها بأن
عبد العزيز (سيستقل بقيادة الجزيرة العربية إذا توصّل
إلى فرض الوحدة على قبائلها)، يقول ذلك في وقت لا تزال
الدولة العثمانية هي رمز وحدة الأمة، وأن مشروع عبد العزيز
كان حينذاك انفصالياً بامتياز، تماماً كما كان مشروع الدولة
اليهودية المدعوم بريطانياً في فلسطين. وقد كان هدف بريطانيا
من الاتفاق مع ابن سعود هو دعم قتال الأتراك وحلفائهم
من آل الرشيد، مما يخفف الشغط على قواتهم المهاجمة للعراق.
في نوفمبر 1916 استلم بيرسي كوكس مهامة في الكويت،
وأصبح الآمر الناهي البريطاني في شؤون الخليج، واستطاع
قبل ذلك عقد معاهدة دارين في 26 ديسمبر 1915 حيث قابل
ابن سعود بمعية جون فيلبي، واستمرت العلاقة بين كوكس وابن
سعود، حتى توّجت باتفاقية العقير في 2 ديسمبر 1922 والتي
رسم فيها كوكس خارطة المنطقة ووزّع الحدود، ففرض حدود
نجد مع الكويت وكذلك مع العراق. وقد بكى عبد العزيز أمام
برسي كوكس لأنه كان يأمل بالحصول على أكبر مما حصل عليه
من أراضي الكويت والعراق.
ولكن السؤال: ماسرّ العلاقة بين ابن سعود والإنجليز؟
في واحدة من خطابات جون فيلبي (مستشار الملك عبد العزيز)
بخط اليد والخطاب مؤلف من 32 صفحة بتاريخ 2 يونيو 1918،
كتبه من (وادي الدواسر)، للسير برسي كوكس (المقيم البريطاني
العام في منطقة الخليج وكان مكلّفاً من حكومة الهند البريطانية،
وكان يقيم في البصرة ثم في بغداد)، يقول فيلبي (طبقاً
للقرآن فلا ينبغي أن يكون هناك قتال بين أخيار المسلمين
– أي الوهابيين (حسب نص الخطاب) – وبين المسيحيين لأنهم
من أهل كتاب، والتسامح معهم توجيه من الله. أما قتال المسلمين
الأخيار وجهادهم فلا يكون إلا مع المشركين والكفار، وأول
الكفار والمشركين هم الأتراك العثمانيون – وأيضا الأشراف
الهاشميون – وباختصار كل "المحمديين فيما عدا الوهابيين").
الأخطر في خطاب فيلبي يكمن في الفقرة التالية (ليس
من شأننا تصحيح الخطأ في هذا الموضوع، بل على العكس علينا
تعميق كراهية "ابن سعود" لكل المسلمين من غير الوهابيين
، فكلما زادت هذه الكراهية للجميع كان ذلك متوافقاً أكثر
مع مصالحنا). هل ثمة ما يجمع هذه الكراهية الوهابية مع
الكراهية الإسرائيلية للعرب والمسلمين؟
ـ كيانان قاما على تراب مقدس، هما: (القدس الشريف،
الحرمين الشريفين) وقاما بمحو الآثار الاسلامية فيهما
(تهويد القدس، وتوهيب الحرمين الشريفين بطمس معالم الرسالة
الاولى والصحابة وزوجات وبيت النبوة). وهذا مشترك يكاد
يضاهي المشتركات الأخرى من حيث المنهجية المعتمدة في الكيانين
في التعامل مع المقدّسات الإسلامية، فبعد احتلال المدن
الشريفة الثلاث، اشتغلت المعاول والجرّافات على إزالة
الآثار الاسلامية، ومحو كل ما يمت الى نبي الإسلام صلى
الله عليه وسلم وزوجاته وأهل بيته وصحابته رضوان الله
عليهم أجمعين.
|