نجاد في الدوحة، وأمير قطر في جدّة
الوساطة المستحيلة!
لا يتوقع ان تتحسن علاقة السعودية بايران إلا لتنتكس
مرة أخرى وبدون سبب واضح أو يستحق
محمد فلالي
في أغسطس الماضي كان أمير قطر في زيارة للعاصمة الإيرانية
طهران.
وفي 5 سبتمبر الجاري ردّ الرئيس الإيراني الزيارة فزار
الدوحة.
وفي اليوم التالي 6 سبتمبر طار امير قطر الى جدة للقاء
الملك السعودي، قيل أنه حمل رسالة طمأنة من نجاد الى السعودية
بأن ملفها النووي سلمي؛ وقيل أنه حمل مقترحاً ايرانياً
لتطوير العلاقات الخليجية الإيرانية وعوامل تعزيزها ومسائل
تتعلق بتهدئة بواعث القلق الخليجية.
غني عن القول بأن العلاقات السعودية الإيرانية متوترة
الى أبعد حدودها.
جوهر المشكلة بين البلدين لا يعود الى الملف النووي
الإيراني، ولا إلى ما يضخم من تدخلات إيرانية في الشؤون
العربية ـ وبينها القضية الفلسطينية والعراقية؛ ولا إلى
توتير الأمن في الخليج، وغير ذلك.
جوهر الخلاف بين البلدين، يعود الى أن إيران كقوة إقليمية
أساسية كسرت النفوذ السعودي في المنافسة السياسية على
صعيد المنطقة العربية، وبالتالي همّشته وأشعرت المسؤولين
السعوديين بأن مكانتهم على مستوى المنطقة العربية والإسلامية
قد تضعضعت الى ابعد الحدود.
يختلف البلدان ـ إيران والسعودية ـ في خياراتهما السياسية؛
وفي أيديولوجيتهما الدينية؛ وفي طموحاتهما؛ وقوتهما. لكن
هذا كلّه لا يبرّر التوتر الشديد التي تشعر به السعودية
تجاه إيران.
هناك من يقول بأن السعودية غضبى لأن إيران تتدخل في
الشؤون العربية: العراق؛ لبنان؛ فلسطين بالتحديد.
ومثل هذا العذر متهافت: فالذي يغضب لأن ايران ـ الدولة
غير العربية ـ تتدخل في هذه الدول، يفترض أن يغضب على
كل الدول غير العربية التي تمارس نفوذاً مشابهاً. لماذا
تقبل السعودية لنفسها أن تشارك الأميركيين في احتلال العراق،
وتقبل بالنفوذ الصهيوني فيه، وتقبل بأن يكون لتركيا ولكل
من شاء دوراً في العراق، في حين أن أكبر حدود لإيران هي
مع العراق، فكيف لا يكون لها مصالح ونفوذ، وكيف لا تتدخل
وهي ترى نفسها مطوقة من الأميركيين والغربيين من افغانستان
والعراق؟ ولماذا لم تغضب السعودية على ما قامت به اسرائيل
في لبنان واحتلته، ولا تغضب من النفوذ الفرنسي والغربي
عامة فيه، وحتى الروسي والأرمني، فضلاً عن التركي لا أحد
يعترض عليه!! إن هذا كيل بمكياليين. وإذا كانت قضية فلسطين
عربية، فلماذا تخلت عنها السعودية وغضبت لأن إيران أخذت
تدعم فصائل المقاومة فيها.
القضية الاساس هنا أن النفوذ الإيراني يختلف عن غيره
من ناحيتين: الأولى، أن معظم التدخلات الأخرى مقبولة طالما
أنها تعمل ضمن المنظومة الغربية ومصالحها، في حين أن إيران
ليس فقط لا تعمل ضمن محور الغرب، وإنما ايضا شكلت محوراً
مستقلا خاصاً بها. لا يستثير النفوذ الروسي ـ مثلاً ـ
غضب السعودية، وهو نفوذ منافس أحياناً للغرب، أما النفوذ
الإيراني فله حكاية أخرى. إنه نواة لمحور جديد يتشكل في
المنطقة والعالم له صفة أيديولوجية تستثير الغرب. والثانية،
أن هذه المنافسة الإيرانية تتبع محوراً له أيديولوجية
منافسة للأيديولوجية السعودية، من جهة الدين/ المذهب.
بمعنى أن ما تقبله السعودية من منافسة من بلد مثل تركيا،
قد لا تقبله ـ بسبب الحساسية المذهبية ـ من ايران.
وعلى أية حال، لا يشك مطلقاً بأن حراك السياسة الإيرانية
همّش الدور السعودي وأضعفه، في منافسة شهدنا فصولها خلال
السنوات العشر الماضية.
ليس الخطأ في وجود المنافسة بحد ذاتها؛ فعالم السياسة
قائم على التنافس. والسعودية مشكلتها أنها نافست جهة صعبة
المراس، تتمتع بالحيوية والخبرة والتخطيط. المنافسة مسموح
بها في السياسة، ولكن السعودية أضعف من أن تنافس إيران
في أي حقل أرادت، والسياسة مجرد حقل من الحقول. والمشكلة
الأخرى التي واجهت السعودية هي أن خيارها السياسي كان
أقل القاً وخياراتها السياسية ورهاناتها الإستراتيجية
كانت خاطئة.
|
نجاد في الدوحة |
ليس هو خطأ إيران أنها تفوقت على السعودية في المنافسة..
بل هو خطأ السعودية التي ركبت السفينة الأميركية وراهنت
على خيارات خاطئة.
لم يقل أحد للسعوديين تعالوا وكونوا ضد حماس وضد مقاومة
اسرائيل، وتعالوا قدموا مبادرتكم العربية لاسرائيل واعترفوا
بها بلا ثمن، أو تعالوا وادعموا محمد دحلان!
السعوديون هم الذين اختاروا السياسة الخطأ في لبنان
ووقفوا الى جانب اسرائيل في حربها؛ وكان نهجهم فيه متحيزاً
لفئات طائفية أو لمنهج طائفي.. هم من تجاهل الأكثرية الشيعية،
وهم من وقف ضد الأكثرية المسيحية التي يمثلها الجنرال
عون، وهم الذين اختاروا أن يحاربوا بأموالهم وإعلامهم
الآخرين. وبالتالي هم الذين خسروا أيضاً.
السعودية هي التي كانت متحمسة لإسقاط نظام دمشق، وهي
تتحمل خطأ رهانها هذا! وهي التي راهنت على تخريب الوضع
في العراق وإرسال عناصر القاعدة السعوديين والأموال السعودية
لتخريبه، وهي التي ترفض بسط الشرعية العربية على الحكم
فيه، لا لأنه عميل للأميركان بل لأنه عميل لإيران!! وبالتالي
لم تجن إيران إلا ما زرعته، وكذا هو حال السعودية، التي
خسرت المنافسة.
الرهانات السياسية هي سبب الإخفاق السعودي سواء قبالة
ايران أو سوريا أو حماس أو حزب الله أو حتى الحكم القائم
في بغداد!!
لا تنقص السعودية وايران مبادرات، ولا اتفاقات، فهناك
عشرات الإتفاقات والمعاهدات الإيرانية ـ السعودية التي
ابرمت بين عامي 1994-2000، وشملت كافة الجوانب الإقتصادية
والسياسية والأمنية والعلمية والثقافية والدينية وغيرها.
القليل من تلك الإتفاقات تم تفعيله، وبحذر كبير من الجانب
السعودي.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز قال في اغسطس الماضي بأن
نظام طهران يجب أن يزول من الوجود كما نشرت ذلك الصحافة
الفرنسية. وهناك قناعة قارّة في العقل السعودي الرسمي،
السياسي منه والديني/ الوهابي، تقول بأن لا إمكانية لتلاقي
إيران مع السعودية. والسبب ليس في نقصان مساحة اللقاء؛
ولا تضارب المصالح، على العكس المصالح الإقتصادية واسعة
للغاية.. بل أن الحاكم على العلاقات (من الجانب السعودي)
هو الرؤية العقائدية التي ترى في إيران عدواً مطلقاً.
فترات تحسن العلاقات خلال ما يقرب من سبعة عقود كانت محدودة
زمنياً، حتى في زمن الشاه الذي تشاركه السعودية التحالف
مع واشنطن.
والنظام الايراني الحالي هو بالقطع بنظر السعودية أخطر
عليها من نظام الشاه، فالأخير كان محكوماً بمعادلة التحالف
مع الغرب، مثله في ذلك مثل آل سعود. أما النظام الحالي
فله رؤية مختلفة ومستقلّة، وهو لا يحتكم إلا الى مصالحه
الخاصة وتقييمه الخاص لها. ثم إن نظام الشاه لم يكن ينافس
السعوديين أيديولوجياً، فنظامه ليس إسلامياً، ولم يهتم
بأن يكون له دوراً متميزاً في القضية الفلسطينية، وقد
وجد السعوديون فرصة مناسبة للتحالف مع الشاه ضد نظام البعث
بداية السبعينيات الميلادية ودعم الملا مصطفى البرزاني.
النظام الحالي في طهران، بمنطق السعودية، دخل تفاصيل
الحياة السياسية العربية وقضاياها وكأنه واحدٌ من العرب،
وكان دخوله اقتحامياً فضح السعوديين وغيرهم من المعتدلين
العرب. السعوديون كانوا يقولون في مواجهة عبدالناصر والعروبيين
الآخرين بأن القضية الفلسطينية قضية اسلامية، وكانوا يرفعون
شعار الإسلامية مقابل شعار العروبة. أما الآن مع ايران
فيرفعون شعار العروبة مقابل الشعار الاسلامي الجامع، وأخذ
السعوديون يعيبون على القوميين العرب والعروبيين كيف أنهم
تنكروا لعروبتهم وتوافقوا مع ايران!
هل تحتاج السعودية الى طمأنة من ايران بأن مشروعها
النووي سلمي؟ وهل يهم السعودية ذلك؟ السعوديون مستعدون
أن يخضعوا الى اسرائيل مسلحة نووياً ـ فذلك أهون على نفوسهم
ـ من أن يروا إيران (ذات السبعين مليون نسمة) تملك تكنولوجيا
نووية سلمية!
مشكلة السعودية مع ايران أكبر من أن تحلها وساطة قطرية.
الأمر مرتبط بخيارات سياسية حادة، وبأيديولوجيات حاكمة
على المصالح (من الجانب السعودي على الأقل).
لا يتوقع ان تتحسن علاقة السعودية بايران إلا لتنتكس
مرة أخرى وبدون سبب واضح أو يستحق. حتى الآن يصعب البحث
عن أسباب تدهور العلاقة بين البلدين. لا يعلم على وجه
اليقين مالذي يزعج السعوديين، غير ما يقولونه من تدخل
ايراني في الشؤون العربية. لو طبق السعوديون ذات المبدأ
وبصدق، فإنه لن تبق لهم دولة يقيمون علاقة معها!
محاولة امير قطر الأخيرة للتوسط لن تنجح. هذا مؤكد
ضمن المعطيات الحالية.
|