التطبيع الهادىء
الشراكة التجارية السعودية الاسرائيلية
محمد شمس
سبق آل سعود قادة دول الاعتدال الذي تربطهم اتفاقيات
سلام مع الكيان الاسرائيلي الى البدء بمشروع التطبيع بوتيرة
متسارعة، فما يجري يأخذ مسارين:
|
مردوخ شريك الوليد بن طلال
|
ـ تدريجي ولكن بوتيرة منتظمة ومؤثّرة، فالسعودية بدأت
منذ أيلول (سبتمبر) 2006 تتّبع سياسة الخطوة خطوة في تطبيع
علاقاتها مع الدولة العبرية، على أن تشكّل هذه الخطوات
مجتمعة مفتتحاً لعلاقات علنية وراسخة. وقد بدأت تلك الخطوات
من الإعلام حيث تستضيف القنوات الفضائية والصحف السعودية،
بعضها على الأقل، شخصيات سياسية إسرائيلية وتقديمها للعالم
العربي على أنها جزء أصيل من المشهد شرق الأوسطي، كما
فعلت قناة (العربية) وصحيفة (الشرق الأوسط) وموقع (إيلاف)،
ولذلك بات اعتيادياً ان نقرأ ونشاهد خبراً يقول بأن مسؤولاً
اسرائيلية ذكر لـ (العربية) أو لـ (الشرق الأوسط) أو (إيلاف)،
وهذا المسؤول قد يكون استخبارياً، أي من جهاز الموساد
الذي يحرص على المحافظة على سريّة نشاطه وتصريحات مسؤوليه.
ـ سري وشبه علني: هناك تقارير مستفيضة تحدّثت عن علاقات
تاريخية وطيدة بين الدولتين العبرية والسعودية، وفي الغالب
يصدر نفي من الجانب السعودي، خصوصاً حين تكون التقارير
منشورة في صحف نوعيّة وذات انتشار واسع مثل التايمز، وواشنطن
بوست، أو نيويورك تايمز..وهذه التقارير بدأت تتسرب منذ
بداية الثمانينات، حين بدأ الملك فهد (ولي العهد آنذاك)
يطرح مبادرة سلام مع الدولة العبرية في قمة فاس بالمغرب
في العام 1981، ثم بدأت تتكاثر تلك التقارير بصورة لافتة،
إلى أن أصبحت منذ سبتمبر 2006 واقعاً لا يمكن الهروب منه،
فقد زارت مراسلة صحيفة (يديعوت احرونوت) الرياض إبان القمة
العربية في مارس 2007، ثم زارت بعد ذلك الرياض مرة أخرى
ولم يتسبب ذلك في إحداث أي ردود فعل، تماماً كما هي اللقاءات
المتعاقبة بين مسؤولين كبار في الحكومتين الإسرائيلية
والسعودية، وأبرزها لقاء الملك عبد الله والرئيس الإسرائيلي
شمعون بيريز في نيويورك في قمة حوار الأديان في نوفمبر
2008.
نقول سبق آل سعود قادة دول الاعتدال في مجال التطبيع
الذي يأخذ أشكالاً متعددة، ولكنه في المجال الاقتصادي
يبدو أكثر نشاطاً، حيث يخوض الأمراء ورجال الاعمال الاسرائيليين
واليهود في أوروبا والولايات المتحدة منافسات تجارية مشتركة.
ومن اللافت، أن بعض المشاريع التجارية بين أمراء آل
سعود والاسرائيليين ذو طابع إنقاذي من جانب الأمراء لصالح
نظرائهم الاسرائليين لجهة درء خسائر محقٌّقة تحدق بمؤسسات
مالية أو شركات ترفيهية أو حتى فنادق. وقد وذكر موقع (كوميرشال
بروبرتي نيوز) الأمريكي المتخصص في أخبار البنايات التجارية
في مارس 2008 بأن فندق (نيويورك بلازا) تمّ افتتاحه بملكية
مناصفة بين شركة المملكة القابضة الذي يملكها عضو الأسرة
الحاكمة الوليد بن طلال ال سعود، وشركة العد الإسرائيلية.
وقد تم افتتاح الفندق بعد سنتين من الإصلاحات التي كلفت
400 مليون دولار، وشملت حمامات مطلية بالذهب، ورخاما في
كل انحاء الفندق البالغة عدد غرفة 180 غرفة و102 شقة فخمة؛
ومعدل ايجارها يبلغ 1000 دولار يومياً؛ ويحتفظ الفندق
ببار فخم يقدم أغلى أنواع الخمور.
|
الوليد بن طلال: أعمال تجارية
واسعة مع الصهاينة |
في 17 أغسطس الماضي، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية
عن تفاصيل مثيرة لتعاون إستثماري ضخم بين شركة سعودية
شهيرة ورجل أعمال إسرائيلي يدعى نوتشي دانكنير. وقالت
الصحيفة: إن هذا التعاون هو الأول من نوعه بين السعودية
و(إسرائيل)، موضحة أن مجموعة "IDB" التي يرأسها دانكنير
ستنشئ صندوقاً بقيمة مليار دولار للإستثمار في الأسواق
الناشئة بأمريكا الجنوبية وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط
وإفريقيا. وأضافت أن الصندوق الذي سيُطلق عليه "إمكو"
ستساهم فيه شركات من السعودية وقطر وبنك سويسري، في الوقت
الذي أبدى فيه دانكنير تفاؤله بنجاح المشروع. وتستثمر
شركة "IDB" مائتين وخمسين مليون دولار في الصندوق، فيما
سيركّز الصندوق على الإستثمار في مجال النفط والغاز، خاصة
في إندونيسيا.
وكانت صحيفة (هآرتس) قد ذكرت قبل ذلك أنه قبل انهيار
بنك ليمان برذرز بيومين حضر اليهودي صاحب البنك إلى إسرائيل
وأودع مبلغ أربعمائة مليار دولار في ثلاثة بنوك إسرائيلية
باسمه الشخصي، وهذه الأربعمائة مليار عائدة لأفراد من
العائلة السعودية كانت مودعة لاستثمارها في البنك المذكور،
وقد أدّت هذه الوديعة إلى تقوية الشيكل الإسرائيلي وأصبح
أقوى من الدولار واليورو (عندما تضخ هذا المبلغ الضخم
في اقتصاد صغير كالاقتصاد الإسرائيلي) بعد أن كان يتأرجح
لسنوات خصوصاً عندما باعت وريثة بنك لؤمي الإسرائيلي (أقوى
بنك في إسرائيل) باعت بنكها لبنك أمريكي بعشرين مليار
دولار وذهبت للعيش في كندا، وقد تأرجح الشيكل كثيراً على
هذا البيع. وقد ذهب وفد من العائلة المالكة السعودية إلى
أمريكا وطالب بنك ليمان برذرز بوديعته فقال لهم الأمريكيون:
يجب أن تساهموا في الأزمة المالية العالمية، لقد خسرت
أمريكا في هذه الأزمة أضعاف هذا المبلغ، كما وأن العائلة
السعودية تملك ضعف هذا المبلغ في بنوك سويسرا حيث أن مجموع
حسابات ست آلاف أمير سعودي أربعمائة مليار جنيه إسترليني
(حصة سويسرا منها 180 مليار حسب قانون ضريبة التركات السويسري
45%، والملك فهد لوحده حسابه 20 مليار جنيه إسترليني في
بنوك سويسرا).
في 24 فبراير الماضي أعلن عن أول شركة بين الأمير الوليد
بن طلال وروبرت مردوخ (اليهودي الأميركي من أصل استرالي)
صاحب أكبر امبراطورية اعلامية في العالم، ومالك أكبر شركة
اعلامية (نيوز كورب) العملاقة والتي تضم شبكة سكاي نيوز،
وشبكة فوكس نيوز، إضافة الى عدد من استوديوهات هوليوود
وصحف يومية كبرى مثل صن ودايلي ميرور وغيرها..الشراكة
وصفت بأنها (خارجة عن المألوف)، فيما طرح بول هاندلي سؤالاً
كبيراً: ما الذي يجمع أحد أشرس المدافعين عن اسرائيل مع
عضو في الأسرة الحاكمة السعودية المحافظة؟. وكتب هاندلي:
عزز قطب الاعلام روبرت مردوخ والامير الوليد بن طلال شراكتهما
الخارجة عن المألوف التي تجمع احد اشرس المدافعين عن اسرائيل
مع عضو في الاسرة الحاكمة للمملكة العربية السعودية المحافظة.
يقول هاندلي بأن الملياديرين وضعا جانباً اختلافهما على
مستوى السياسة واعلنا عن التوصل الى صفقة مربحة في مجالي
التلفزيون والانتاج السينمائي.
وأعلن الامير الوليد من الرياض أن مجموعة روتانا الاعلامية
التي يملكها ستبيع 9.09% من أسهمها لشركة (نيوز كورب)
العملاقة التي يملكها مردوخ، مع إبقاء المجال مفتوحاً
أمام مضاعفة هذه الحصة في غضون الاشهر الـ18 المقبلة.
وسبق للرجلين أن تقاربا على مستوى الأعمال إذ أن مجموعة
المملكة القابضة التي يملكها الوليد إشترت 7% من أسهم
(نيوز كورب) كما ان روتانا تبث اعمالاً تنتجها فوكس انترتاينمنت
التابعة لمردوخ عبر قناتيها (فوكس سيريز) و(فوكس موفيز)
اللتين تبثان من دبي. وأكد الطرفان ان الشراكة بينهما
تهدف الى الاستفادة من السوق الواعدة في الشرق الاوسط.
وقال جيمس مردوخ نجل روبرت مردوخ ومدير نيوز كورب في
اوروبا وآسيا ان (المشاركة في روتانا توسع حضورنا في منطقة
يشكل الشباب نسبة كبيرة من سكانها كما ان اجمالي ناتجها
الداخلي مرشح لتجاوز اقتصاديات الدول الاكثر تقدما خلال
السنوات القادمة).
|
نيويورك بلازا، استثمار سعودي
يهودي مشترك |
إلا أن التقارب بين الرجلين ليس بديهياً. فوسائل الاعلام
البارزة التي يملكها مردوخ مثل فوكس نيوز و(وول ستريت
جورنال) و(نيويورك بوست) في الولايات المتحدة كما التايمز
وسكاي وذي صن في بريطانيا، غالباً ما تتهم بتأييد اسرائيل،
أو حتى بمعاداة العرب. ومردوخ الاسترالي الأصل لا يخفي
تأييده الواضح والصريح منذ عقود لاسرائيل، وقد حصل على
عدة جوائز من المنظمات اليهودية.
أما الأمير الوليد بن طلال والذي يقود شبكة إعلامية
واسعة متخصصة في الترفيه والتسلية، والتي لا تخضع لقيود
وقوانين الدولة أو المؤسسة الدينية المحافظة، بل ينظر
إليها على أنها شبكة إفساد إخلاقي، من خلال مجموعة روتانا
التي تدير شبكة من القنوات المتخصصة والاذاعات والمجلات
فضلاً عن الانتاج الفني، وتبث مجاناً في الدول العربية
التي يعارض جمهورها آراء مردوخ على نطاق واسع. ورغم أن
قناة (روتانا خليجية) قامت ببث مسلسل (وادي الذئاب) التركي
المدبلج الذي يتضمن مشاهد تظهر عناصر الاستخبارات الاسرائيلية
والمسؤولين في الدولة العبرية بطريقة سلبية جداً، وكان
هذا المسلسل مؤخراً في صلب ازمة دبلوماسية بين اسرائيل
وتركيا، إلا أن الوليد بن طلال يمثل أحد منفّذي السياسة
الاعلامية السعودية التي بدأت تكشف عن أبعاد تطبيعية مع
الكيان الاسرائيلي تماماً كما هي قناة (العربية) ومجموعة
إم بي سي، وكذلك قنوات روتانا حيث يتم العمل على إشاعة
خطاب متصالح مع الكيان الاسرائيلي عبر لقاءات مع المسؤولين
الاسرائيليين وتكثيف الخطابات عن عملية السلام ومبادرات
التسوية وتوجيه انتقادات شديدة لحركات المقاومة الفلسطينية.
يزعم الامير الوليد بأن الشراكة بين روتانا ونيوز كورب
تستهدف تغيير لغة وسائل مردوخ الاعلامية ازاء القضايا
العربية، مع العلم ان قناة فوكس نيوز الاميركية متهمة
بانها مقربة من المحافظين الجدد وكانت من أشد مؤيدي اجتياح
العراق. يستدرك الوليد بن طلال (ان فوكس ليست وحدها ضد
العالم العربي، انها حالة اميركية وسنفعل ما بوسعنا لتصحيح
اللهجة).
من نافلة القول، يعد الوليد بن طلال من أبرز المساهمين
في مجموعات كبرى مثل سيتي غروب المصرفية و(ابل) و(ساكس)
و(بروكتر اند غامبل) و(بيبسي كو). وكان الوليد قدّم مساعدة
بعشرة ملايين دولار لمدينة نيويورك بعيد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر
2001. الا أن عمدة نيويورك حينها رودي جولياني رفض المساعدة
واستنكر رسالة وجهها الوليد وبدا أنه يربط فيها بين الاعتداءات
والسياسات الاميركية في الشرق الاوسط.
وفي رد فعل على عقد الشراكة بين الوليد ومردوخ، شنّت
مجلة (شاشتي) المصرية في 2 مارس الماضي هجوماً على الوليد
بن طلال على خلفية الصفقة مع روبرت مردوخ. وحذّرت المجلة
من قيام شركة (روتانا) بالدخول فى شراكة مع مجموعة (نيوز
كورب) التي يملكها اليهودي الأسترالي الأصل روبرت مردوخ
رائد الإعلام العالمي، من خلال صفقة تسمح لمردوخ بامتلاك
من 10ـ 20% من أسهم روتانا في شراكة تجمعهم. وأكدت المجلة
الصادرة عن دار التحرير أن مالك المجموعة الإعلامية العالمية
الأسترالي الأصل يدعم بشكل واضح وصريح الكيان الصهيوني
مادياً وإعلامياً.
وتكمن الخطورة في أن روتانا تملك حالياً 20% من حقوق
بث المحطات التليفزيونية فى السعودية ومصر وتمتلك أكثر
من 70% من الأغاني العربية وأكثر من 50% من الأفلام المصرية
السينمائية و80% من أفلام ذات العرض الحصري والأول. واعتبرت
المجلة فى بيان ذيل بتوقيع منى نشأت رئيس تحرير المجلة
أنه من حق (الشركة السعودية) السعي للدخول في تكتلات عالمية
لتعزيز مكانتها لكن في الوقت نفسه من حق المصريين كذلك
أن يطمئنوا على التراث الفني والسينمائي الذي سيصل للإسرائيليين
على طبق من ذهب من خلال صفقة الشراكة مع (مردوخ).
وقالت المجلة إن (نيوز جروب) معروفة عالمياً من خلال
مجموعتها الإعلامية ومن أهم العاملين في قطاع الإعلام
عبر استوديو century 20 للأفلام وfox وsky وnational star
geographic إضافة لعدد كبير من المطبوعات العالمية. وأكدت
منى نشأت أن المجلة تقود حملة إعلامية من خلال النقاد
والمهتمين بالشأن السينمائي للتحرك لأخذ ضمانات لمنع عرض
الأفلام المصرية في إسرائيل فيما بعد.
|