مصر تستكشف دورها بعد هزيمة حلف المعتدلين
هل تخرج القاهرة من أسر الرياض؟
إعادة العلاقات المصرية الإيرانية ومن أيّ باب جاءت
يعني تحرّراً للسياسة المصرية
من الأسر السعودي، وإعادة بناء القوة المصرية الموازية
لتركيا وإيران
هاشم عبد الستار
لم تتلق الرياض بارتياح نبأ اعتزام القاهرة وطهران
إعادة تسيير خطوط النقل الجوي بينهما. كان هذا شأن واشنطن
أيضاً، التي كانت أكثر صراحة في إعلان رأيها. وأما تل
أبيب فعكست قلقها عبر ما سرّبه مسؤولوها الى الصحافة وخاصة
يديعوت أحرنوت.
أن لا تشعر واشنطن وتل أبيب بالإرتياح أمرٌ ميسور فهمه.
فالعداء الأميركي والإسرائيلي لإيران ليس جديداً. والعلاقات
مقطوعة بين البلدين وطهران منذ ثلاثين عاماً، أي منذ انتصار
الثورة هناك عام 1979.
لكن الأمر مختلف بالنسبة للسعودية، التي لها سفارة
فاعلة في طهران، والتي وقعت عشرات الإتفاقيات معها أواخر
القرن المنصرم وبداية القرن الحالي. والطيران السعودي
يغرد في سماء طهران ومشهد، كما أن الطيران الإيراني يحطّ
في الرياض وجدّة والدمام.
فلمَ تنزعج الرياض من الخطوة المصرية، مادامت القاهرة
بعيدة كل البعد عن سقف العلاقات المتوافر حالياً بين طهران
والرياض؟
|
هل يخرج مبارك من الجيب السعودي؟
|
لماذا حلالٌ على الرياض أن تقيم علاقات مع طهران، وتفتح
سفارتها هناك وتبيع بضائعها في المدن الإيرانية، في حين
أنه حرامٌ على مصر ـ الدولة المركزية ـ أن تفعل معشار
ذلك؟!
الجواب واضح على كل هذا. فالسعودية ـ كما اسرائيل وأميركا
ـ تخشى أن تكون بادرة فتح المطارات مجرد الخطوة الأولى
لتطبيع العلاقات بين البلدين. والسعودية تريد ديمومة استخدام
العلاقات المصرية ـ الإيرانية، وإبقاءها متوترة، كأداة
مساومة وضغط في علاقاتها هي مع طهران. وإن ترطيب العلاقات
بين مصر وإيران ينظر اليه من الرؤية الاستراتيجية السعودية
على أنه شرّ كبير:
ـ فأولاً إن مجرد تحسن العلاقة بين القاهرة وطهران،
وليس إعادة العلاقة الطبيعية الدبلوماسية المقطوعة، يعني
بشكل تلقائي خسارة السعودية للورقة المصرية التي تشهرها
في وجه إيران.
ـ وثانياً، إن مصر قد استدعيت خليجياً ـ وقبلت هي بكامل
رغبتها وربما زايدت على ذلك أيضاً ـ لكي تلعب دوراً سياسياً
تحريضياً ومخلب مواجهة مع ايران، بل ان مصر لم تتورع أن
تخوض في أوحال الخطاب المذهبي رغم أنه لا علاقة لها به
من قريب أو بعيد، مثل تصريح حسني مبارك الشهير فيما يتعلق
بولاء شيعة الخليج لإيران. مصر كانت تعتقد بأن تأجيج الخلاف
مع إيران وتصعيده من قبلها سيفسح لنفوذها الطريق في الدول
الخليجية الصغيرة خاصة الإمارات. وإذا بمصر بعد عقود تكتشف
أنها هي ذاتها كانت مجرد أداة في السياسة الخليجية المتعلقة
بإيران، وبالتحديد في يد السعودية/ الإماراتية، ولم تقبض
مما فعلته سوى بضعة مليارات من الدولارات كمساعدات، وأصبحت
السياسة الخارجية المصرية في معظم فصولها محكومة بقرار
من الرياض بدرجة أساس. وعليه، فإن اعادة العلاقات المصرية
الإيرانية ومن أيّ باب جاءت يعني تحرّراً للسياسة المصرية
من السجن الخليجي، السعودية منه بشكل خاص.
ـ وثالثاً، ويتعلق بدور مصر الإستراتيجي في المنطقة،
فهي كانت تنظر الى نفسها كقوة معطّلة لغيرها من القوى
(إيران) وليس قوة صانعة للمبادرات والسياسات، فتكون مؤثرة
وفاعلة ومبادرة، وتربط مصالحها الإستراتيجية السياسية
والإقتصادية والأمنية كإحدى دول الشرق الأوسط الكبيرة
التي وجدت نفسها ملزمة بالتعاون: كما هو الحال مع تركيا
وإيران. مصر انزوت بنفسها وجمدت قواها، ولم يفدها طيلة
العقود الثلاثة الماضية في تعطيل قوة إيران، ولا أن تكون
مثل تركيا اقتصاديا وسياسيا؛ ولم تنشّط لها دوراً لا على
الساحة الأفريقية ولا على الساحة العربية.
لكي تستعيد مصر دورها، فإنها بحاجة الى أن تتصالح مع
القوى الكبرى اللاعبة في الشرق الأوسط وأن تنسّق معها
الجهود: تركيا وإيران، بالدرجة الأولى؛ وسوريا والسعودية
والجزائر بالدرجة الثانية. معنى هذا لو حدث، أن مصر تتجه
لتنويع خياراتها، وتحويل جهدها في اتجاه آخر، غير اتجاه
السعودية.
ـ ورابعاً، تدرك السعودية أن تغييب الدور المصري عن
المنطقة بشكل عام، جعل من مصر تابعاً للرياض وأميركا واسرائيل،
في أكثر المواقف السياسية. لكن السعوديين يدركون أيضاً،
بأن دورهم في المنطقة لم يصعد الى الأعلى باعتبار غياب
المنافسة المصرية على الزعامة، خاصة ان مصر صارت تابعاً
في مجمل مواقفها للسعودية. السعودية بقت ضعيفة، والدور
المصري الضعيف المخنوق لم يفد السعوديين إلا في التخريب،
كما هو الحال واضحاً في العراق ولبنان وإيران.
الآن تحاول مصر اعادة استكشاف دورها بعد هزيمة حلف
المعتدلين العرب، وحاولت ان تميز نفسها عن السعودية في
الموضوع العراقي، وبصورة أقل في الموضوع اللبناني، وتخشى
السعودية ان يتمدد التميز المصري ليشمل الموضوع الإيراني،
رغم أنه من المبكر الحديث عن ذلك. لقد رفضت مصر كل الدعوات
الإيرانية لإعادة العلاقات بين البلدين بذرائع مختلفة
أمنية وسياسية ومصلحية والأهم إرضاءً للسعودية وإسرائيل
وأميركا. لكن الذين حدث، أن إيران لم تضعف، ولم تحاصر،
بل الذي حوصر هو الدور المصري الخارج عن سياق المصلحة
المصرية ومكانة مصر الإستراتيجية.
|