شباب في الثمانين!
نايف يرث الملك وولي عهده في حياتهما!
محمد فلالي
ما كان الديوان الملكي موفقاً في تعليقه على خبر إصابة
الملك بانزلاق غضروفي، حين افتتح بيانه بالقول أن الإفصاح
عن إصابة الملك برهان على الشفافية في التعامل مع الشعب.
يقول بيان الديوان في 12/11/2010 ما نصه:
(تمشياً لمبدأ الشفافية الذي انتهجه خادم الحرمين الشريفين
الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله -
فيما بينه وبين أبنائه وبناته من شعب المملكة العربية
السعودية، فإن الديوان الملكي يوضح أن خادم الحرمين الشريفين
- يحفظه الله - يعاني وعكة صحية ألمّت به في الظهر تتمثل
في تعرّضه - يحفظه الله - لانزلاق غضروفي، وقد نصحه الأطباء
بالراحة وذلك ضمن البرنامج العلاجي الذي وضع لمقامه الكريم).
في اليوم التالي 13/11/2010 وحسب وكالة الأنباء السعودية
(واس) فإن الملك عبدالله أناب نايف بن عبدالعزيز الذي
يشغل منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية،
أنابه ليس في تسيير شؤون المملكة، وإنما في أمرٍ محدد
وهو (الإشراف على راحة الحجاج وحضور حفل استقبال رؤساء
بعثات الحج)!
كان يفترض بشفافية الملك ان تتقدم قليلاً وتعلن الأمر
يوم الإثنين 8/11/2010، وهو يوم جلسة مجلس الوزراء التي
لم يحضرها الملك، وترأسها الأمير نايف نفسه، أو يكون الإعلان
عن خبر مرض الملك في اليوم التالي لجلسة مجلس الوزراء.
وكان يفترض بشفافية الملك والعائلة السعودية الحاكمة،
أن توضح لنا ـ نحن الشعب المسعود ـ لماذا أناب الملك الرجل
الثالث في الدولة الأمير نايف، وليس الرجل الثاني وهو
ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع؟!
وشفافية الملك كان ينبغي أن تتسع، وتوضح للجمهور لماذا
لم ينب الملك نايف في إدارة الدولة، وأوكل له مجرد إدارة
شؤون الحجيج؟!
ثم لماذا لم تكن هنالك شفافية بشأن صحة الملك نفسه،
وكذلك صحة ولي عهده شبه المقيم في الخارج (بقصره بأغادير
بالمغرب)، وصحة نايف الذي يكاد يحبو، وسلمان الذي أجرى
مؤخراً عملية جراحية في العمود الفقري.. فضلاً عن صحة
أمراء آخرين يديرون الدولة أو كانوا جزءً منها، كوزير
الخارجية السعودي سعود الفيصل، أو صحة الأمير بندر الذي
عاد الشهر الماضي الى الرياض، أو صحة مشعل الذي يعتبر
أكبر أبناء عبدالعزيز الأحياء بعد الملك ورئيس هيئة البيعة،
أو صحة الأمراء طلال ومتعب وبدر وغيرهم؟
|
نايف وسلطان في قصر الأخير
بأغادير |
لماذا يعتبر الحديث عن صحة هؤلاء شأناً خاصاً؟
بل لماذا لم يعلن من قبل عما أصاب الملك العجوز؟!
ثلاث مرات يصاب فيها الملك بنوبة قلبيّة، ولم يعلن
عن ذلك بتاتاً، أما حين يصاب بانزلاق غضروفي فيعلن عن
ذلك، ويعدّ الأمر (شفافية من الملك)!
يا ولد يا شفّاف!
لم يكن الاعلان عن الإنزلاق الغرضروفي للملك له علاقة
بالشفافية المسعودة.
كان الأمر اضطراراً بكل معنى الكلمة.
لقد حدث ما حدث للملك في موسم الحج، وهو الموسم الذي
يستعرض فيه الأمراء والملوك أنفسهم، ويعرضوا خلاله منجزاتهم،
وهو مناسبة للعلاقات العامة والتواصل مع شخصيات العالم
العربي والإسلامي.. لا بد للملك أن يمضي ما تعارف عليه
من لقاء بعثات الحج، وهو أمرٌ كان يفعله كل من حكم الحجاز،
قبل حكم آل سعود أنفسهم. ثم على الملك أن يظهر نفسه في
يوم العيد ويحضر الصلاة.
ولما أُصيب الملك بانزلاق غضروفي في ظهره، كان لا بد
من القول أن الأطباء نصحوه بالراحة التامّة، وإلاّ فإن
الملك عبدالله الذي يمثل جناحاً في الحكم لم يكن يريد
أن يحوّل صلاحياته، حتى التشريفية منها، الى الجناح السديري
المنافس. لكنه (الإنزلاق الغضروفي) اللعين، ونصائح الدكتور
التي لا يمكن لملك زاد على السابعة والثمانين من العمر
أن لا ينصت اليها!
إذا كان ولا بدّ من تسليم صلاحيات للجناح المنافس..
فلتكن إذن في حدودها الدنيا: (أمور البعثات والحجّ وأداء
صلاة العيد على كرسي العجزة بالنيابة عن الملك)!
ولا بد أيضاً من إرسال رسالة الى الجمهور تقول بأن
الملك عبدالله لم ينقل صلاحياته الى الجناح السديري، إلا
بشكل محدود في موضوع محدود، ولفترة محدودة، وأن تتضمن
بيانات الديوان الملكي ما يوضح ذلك بدون لبس.
ولكن لمن تحوّل صلاحيات الملك في غيبته الغضروفية؟!
قانونياً يفترض أن يقوم بالأمر ولي العهد، الأمير سلطان
بن عبدالعزيز آل سعود، وزير الدفاع، وخليفة الملك.
لكن هذا الأمير أمضى السنوات الثلاث الماضية مريضاً،
قضى معظمها خارج السعودية بين جنيف وأميركا وقصره بأغادير،
ولازال موجوداً في هذا القصر الأخير، حيث سبق ان أعلن
الديوان الملكي ان سلطان غادر البلاد اليه منذ ما قبل
الصيف الماضي، ولازال متواجداً هناك.
ماذا يصنع سلطان هناك، ولماذا لا يعود الى البلاد ويمارس
دوره؟
لا يمكن القول أنه تمّ تهميشه، فلازال الجناح السديري،
ليس فقط مسيطراً على البلاد، بل مهيمناً عليها، وما اخذه
الملك من صلاحيات ليس شيئاً يعتدّ به، فهذا الجناح السديري
هو الذي يدير الدولة عملياً.
الواضح أن سلطان البالغ من العمر 85 عاماً لا يستطيع
أن يقوم بمسؤولياته بسبب مرضه. بل أنه لا يريد ـ فيما
يبدو ـ العودة الى البلاد، بل سيقضي ما تبقى له من حياة
في أغادير التي أصبحت (رياضاً ثانية) يستقبل فيها المسؤولين
العرب والأجانب ويوقع فيها بعض الوثائق الضرورية لتسيير
مملكة آل سعود من بعد، وكأنها دارة لهم.
بديهي ان الملك عبدالله لا يستطيع أن ينيب ولي عهده
المصاب بالسرطان، والمشرف على الموت، ليتولى امر الحجيج
أو ليحضر صلاة العيد.
لا يوجد إلا الخليفة الثاني غير المحبوب: وزير الداخلية
الأمير نايف، والمريض هو الآخر، والذي يعتبر من الناحية
العملية ملك البلاد غير المتوج، نظراً لما بين يديه من
صلاحيات يمارسها.
|
ماشاء الله شباب ولكن في
الثمانينات من العمر! |
نايف ـ ورغم أنه ليس مكتمل الصحة، ويعاني من اللوكيميا
ومن الركبة وعمره يقترب من الثمانين ـ إلا أنه أصحّ عجزة
آل سعود المرشحين للحكم!
ويمكن القول بأن نايف صار ملكاً حقّاً دون أن يعلن
عن وفاة الملك أو ولي عهده.
لقد وقع معظم صناعة القرار على المستوى الداخلي بيده،
كما تقع الثمرة الناضجة في حضن النائم تحت ظلال الشجرة!
مسيرة الأمراء العجزة الى أين؟
فتحت قصة عجز الملك عن ممارسة مهمامه ولو مؤقتاً، مترافقة
مع عجز ولي العهد وإقامته في الخارج.. فتحت مسألة الخلافة
والصراع عليها بين أمراء الجيل الثاني (أبناء الملك المؤسس/
عبدالعزيز) والتي لازالت تنذر بانفجارات غير متوقعة، خاصة
بعد تعطيل هيئة البيعة كمرجعية لاختيار الملك القادم،
حتى قبل ان تبدأ، وذلك حين قبل الملك بتعيين نايف نائباً
ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
نحن نعيش ونتعايش مع جيل الإنحطاط من الحكام السعوديين
حسب التنصنيف الخلدوني لنهاية الدول.
يحكم المملكة اليوم جيل من الأمراء أبناء الملك عبدالعزيز،
مؤسس الدولة.. وهو جيل عجوز، أظهر خلال العقدين الماضيين
عجزاً في إدارة الدولة، وأربك مكانة العائلة المالكة محلياً
وخارجياً بسبب عدم قدرته على الإيفاء بمتطلبات القيادة
في أدنى شروطها، وهي توافر الصحة لدى الطبقة الحاكمة.
فالملك عبدالله، ذو المهارات المحدودة، وصل الى الحكم
متأخراً (2005)، ولم تعد له حيوية الشباب وهو يبلغ من
العمر 87 عاماً، وهو مصاب بعدّة أمراض، بينها القلب، حيث
تعرّض لعدّة أزمات، وهو لازال مداوماً على التدخين والكحول.
أما ولي العهد سلطان، فيبلغ من العمر 85 عاماً وهو
مصاب بسرطان القولون، وهو يمضي ـ حسب التعبير الرسمي ـ
فترة نقاهة، بدت متواصلة يصحبه فيها شقيقه امير الرياض
سلمان، الذي ترك هو الآخر كلّ مهامه الرسمية في الرياض
وبقي ملازماً لشقيقه سلطان. مهمات ولي العهد في إدارة
وزارة الدفاع فترة مرضه التي لاتزال مستمرة الى الآن بيد
ابنه خالد بن سلطان وشقيقه الأمير عبدالرحمن.
الأمير نايف، وزير الداخلية، وبالرغم من أنه يحتل مرتبة
متأخرة في التراتب العمري (السن) بعد الملك ورئيس هيئة
البيعة الأمير مشعل، وولي العهد سلطان، وبعد الأمير طلال،
وبعد شقيقه عبدالرحمن نائب وزير الدفاع (من مواليد 1929)
البالغ من العمر 81 عاماً، اضافة الى امراء آخرين كمتعب
وبدر. إلا أن وزير الداخلية هذا سيكون على الأرجح الملك
القادم، خاصة بعد تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
وينظر البعض الى نايف باعتباره (الرجل القوي) بين العائلة
المالكة رغم مرضه المتزايد، وضعف قدراته على المشي.
يبقى من الطبقة السياسية القيادية الأولى، الأمير سلمان،
أمير الرياض منذ أكثر من نصف قرن حتى الآن. وسلمان كان
ينظر اليه حتى وقت قريب بأنه أكثر الأمراء شبابية وحيوية،
ولكنه أجرى عدّة عمليات جراحية كان آخرها في عموده الفقري
في اغسطس 2010، وهو ـ أي سلمان ـ يبلغ من العمر 74 عاماً،
ويحمل بين يديه أرشيف العائلة المالكة الخاص، ويدير شؤون
أفرادها الخاصة ويحل مشاكلهم.
أما مستقبل الحكم، فينبغي التذكير ابتداءً بأن المملكة
لا تُحكم وفق أولوية السنّ. فقد تم تجاوز هذا المبدأ مراراً.
بعد مقتل فيصل تم تجاوز ثلاثة أمراء كبار دفعة واحدة:
يأتي في المقدمة الأمير محمد بن عبدالعزيز المعروف بأبي
الشرين، وكان يومها رأس العائلة المالكة وكبيرها، وقد
تنازل طوعاً بالملك لشقيقه الملك خالد والذي يأتي في المرتبة
التالية من حيث السن مباشرة.
وهناك أميران آخران: سعد وناصر، تمّ تجاوزهما للترشح
لمنصب ولاية العهد، وجاء من يليهما وهو ولي العهد فهد،
الذي أصبح فيما بعد ملكاً. وقد عاد هذان الأميران (سعد
وناصر) ليطلبا موقعاً في الحكم بعد وفاة خالد عام 1982،
فنهرهما أخوهما محمد بن عبدالعزيز ونصحهما بأن يفعلا ما
فعل حفاظاً على ملك آل سعود حسب قوله. وهكذا اصبح فهد
ملكاً وعبدالله ولياً للعهد، وكان كلا الرجلين (فهد وعبدالله)
يقدران لأخيهما الأكبر ما فعل ولا يفوتان المناسبة لإظهار
الإمتنان اليه.
ومن الأمراء الذين تمّ تجاوزهم في تراتبية الملك: الأمير
مشعل، وهو يكبر الأمير سلطان ولي العهد بعام، ويصغر الملك
بعام، وكان مشعل وزيراً أسبق للدفاع، بعد وفاة شقيقه وزير
الدفاع منصور فخلفه في الوزارة عام 1950. ولكن مشعل لم
يستطع الحفاظ على المنصب، وبالتالي ضعف حظه في الحكم وتنازل
عن دوره كملك قادم مقابل إغراءت مالية من سلطان والجناح
السديري. يبلغ مشعل من العمر 86 عاماً، وهو رئيس هيئة
البيعة باعتباره أكبر الأمراء سناً بعد الملك.
وممن جرى تجاوزهم الأمير طلال، والذي اطلق عليه في
الستينيات الميلادية الماضية لقب الأمير الأحمر، وهو يبلغ
من العمر 80 عاماً، ولكن حظوظه في الحكم ضئيلة، وقد اقصي
عنه منذ معارضته لعائلته في الستينيات الميلادية، واقترح
يومها دستوراً للدولة يحد فيه صلاحية الأمراء، وألف كتاباً
كان بمثابة (رسالة) الى المواطنين (رسالة الى مواطن).
كان طلال وزيراً للمالية، وسفيراً في باريس، وتولى مهام
أخرى.
هناك ايضاً متعب (1931) وبدر (1932) وكلاهما يكبران
نايف (1933) سنّاً ويعترضان على توليه السلطة، بل ان متعب
ترك منصبه عام 2009 ولم يحضر الوزارة كوزير للإسكان بمجرد
ان تم تعيين نايف نائباً ثانياً لمجلس الوزراء.
بسبب تقارب الأعمار بين الأمراء المرشحين للملك، ونظراً
للتطورات الطبيعية المتوقعة، فإن المنون قد يتخطّف الأمراء
واحداً تلو الآخر، مما يعني عدم استقرار شديد في النظام،
شبيه لما حدث في عقد الثمانينيات في الإتحاد السوفياتي،
والذي أدّى الى إلقاء الحمل على واحد أكثر شبابية من أعضاء
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهو غورباتشيف، فبدأ بإصلاحات
متأخرة قادت الى نهاية الإتحاد المعروفة اليوم.
كثيرون يقولون أن أمراء العائلة المالكة من كبار السن
الماسكين بزمام السلطة هم أعضاء اللجنة المركزية العجزة
والمعارضين للإصلاح، وهناك من يتوقع نهاية مشابهة للدولة
ونظام الحكم في المملكة لأسباب مشابهة. ربما لهذا السبب
تجدّدت الدعوات للإسراع بتسليم الجيل الثالث (جيل الأحفاد)
مقاليد السلطة، فالنظام السعودي قد شاخ وقد يموت في أي
لحظة، ومن هنا فالدماء الجديدة قد تعيد له بعض الحيوية،
وإن كان الجسد مهترئاً.
لكن الجيل الثالث ليس شاباً بالضرورة، وأكثره في الستينيات
من العمر، ومبتلى بأمراض أيضاً: (سعود الفيصل، تركي الفيصل،
بندر بن سلطان، خالد بن سلطان، محمد بن فهد، ومحمد بن
نايف، متعب بن عبدالله، وآخرين). هذا الجيل لا يمتلك حكمة
العجزة، وهو جيل أكثر من اولئك رعونة وفساداً. ومعه انه
يدير الجزء الأكبر من السلطة تحت نظر آبائهم أو أعمامهم،
إلا أنهم لا يمثلون نسيجاً متماسكاً، كما لا يمثلون البديل
الأصلح، فهم مستبدون أكثر من الجيل الثاني، بعكس ما يتوقع
الغربيون.
|