(إذا إبتليتم فاستتروا)!
دولة تصدّر إخفاقاتها للعالم
خالد شبكشي
لا نعرف على وجه الدقة من يزيّن للملك خصوصاً وللعائلة
المالكة عموماً فشل دولتهم أمام العالم، فتخرج في هيئة
إنجاز يستحق (براءة اختراع)؟ ولا نعرف على وجه اليقين
ما إن كان هذا (العالم) يصدّق ما يعرض عليه من إنجازات
سعودية. قبل نحو عامين بلعنا دهشتنا وصمتنا في مناسبتين
غريبتين: الأولى حين قررت الجمعية الوطنية الفرنسية (أي
البرلمان) الإستفادة من تجربة مجلس الشورى السعودي، وعجبنا
من ذلك أشد العجب لأنه من غير المعقول أن برلماناً عمره
يقرب من قرنين يستفيد من مجلس مشلول لا روح ولا سلطة له
وعلاوة على ذلك فإن عمره لا يتجاوز حينذاك العقد ونصف
العقد من الزمن. والثانية إعلان القنصلية البريطانية في
جدة عن نيّتها الاستفادة من تجربة لجنة المناصحة وتطبيقها
على السجناء في السجون البريطانية.
نوّد الإقرار هنا بأننا لم نتعقّب تفاصيل القرارين،
ولا كيفية إستفادة الفرنسيين والبريطانيين من المنجزين
الديمقراطي والأمني في دولة آل سعود، ولم يصلنا خبر من
أي منهما ما اذا قررت الجمعية الوطنية الفرنسية الأخذ
بالنموذج السعودي، وبذلك تصبح جمعية الشورى الفرنسية مثلاً،
ولا ندري ما إذا كانت السجون البريطانية قد اعتمدت نموذج
المناصحة فمنعت انتقال عناصر قاعدية بريطانية الى اليمن
أو الصومال، أو حتى في شوارع لندن التي لم تسلم حتى اليوم
من تسرّب عناصر إرهابية تعلّمت على فن الارهاب السلفي.
ولكن الواضح، كما يبدو من أمثلة كثيرة، أن ثمة فريقاً
يعمل على تزيين (قبائح) و(إخفاقات) الدولة السعودية ويحيلها
الى منجزات قابلة للتصدير. آخر ما قرأنا في هذا الصدد
كلاماً في جريدة (الإقتصادية) بتاريخ 24 أكتوبر الماضي
على لسان الدكتور عبد الرحمن السويلم عضو مجلس الشورى،
خلال الجلسة الثانية للمؤتمر الدولي للتجمعات والحشود
البشرية. وقد دار النقاش حول الجهود التي بذلت في تنصيب
الرئيس الأمريكي أوباما لجمع ما لا يقل عن 1.5 مليون شخص،
حيث يتحدث الخبير في التجمعات البشرية ديفيد مركوزي من
البيت الأبيض عن تجربتهم في هذا التجمع البشري وهو المسؤول
عن الإعداد لهذا الجمع. يقول السويلم ما نصّه (أن المسؤولين
في البيت الأبيض خلال تنصيب أوباما أخذوا تجارب الحج،
وشاهدوا كيف تدار هذه الحشود بغض النظر عن طبيعة الأمور
في هذه التجمّعات، بينما يحدث في الحج وما يحدث هناك وكذلك
الوقت والزمان واختلاف شرائح الموجودين). ثم يعقّب السويلم
(أن استفادة الموجودين من خبرة المملكة هي الأهم في الدرجة
الأولى).
حسناَ، لنفترض أن إدارة الحج كانت ناجحة، وهي غير ذلك
على الإطلاق بدليل حوادث الاختناق الجماعية، والفوضى المرورية،
وغير ذلك الكثير مما يعرفه الحجاج والمعتمرون، فهل الحشود
البشرية مقتصرة على موسم الحج في بلاد الحرمين حتى يأخذ
بها مسيو أوباما، أليس هناك حشود بشرية في أرجاء مختلفة
من العالم تفوق ما يجري في موسم الحج بمرات عدّة، وتدار
بطريقة منظّمة وراقية دون حاجة الى تهويلات رجال نايف
ولا عصيه.
يبدو أن حملة العلاقات العامة التي قامت بها السعودية
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتحسين صورتها على المستوى
الدولي، فتحت شهية الفريق العامل في الحملة الى درجة أغرتهم
بتحويل الوهم الى حقيقة، والزيف الى يقين ساطع، والأنكى
أن يتحوّل ما هو عار الى شرف ووسام. في خبر نشرته صحيفة
(الرياض) في 14 أكتوبر من العام 2008، عن زيارة وفد هيئة
الرقابة والتحقيق الى العاصمة الصينية بكين بدعوة من وزارة
الرقابة الصينية.
وبعيداً عن اللقاءات الودية وتبادل المشاعر الطيبة
بين الشعبين الصديقين، يقول الخبر بأن الصيّن عبّرت عن
رغبتها (في تعزيز العلاقات بين البلدين في جميع المجالات
وخاصة في مجال الرقابة ومكافحة الفساد). فقلنا الله يستر
على الصين، دخلت في مرحلة الإنهيار. لأن مجرد اقتراب الصين
من موضوع الفساد في بلادنا أو حتى الرقابة يعني أن ثمة
خللاً عظيماً في بنية الصين الإدارية، إذ لا يمكن لمرء
أن يتخيّل إفادة الصين مما (هو معمول به ومطبق في المملكة
من أنظمة وتشريعات لا سيما استراتيجية حماية النزاهة ومكافحة
الفساد). والسبب في ذلك أن دولة آل سعود قطعت شوطاً بعيداً
في تسهيل الفساد المالي والإداري حتى صارت الخطة معدّة
سلفاً لكل الذين ينوون الدخول في الجهاز البيروقراطي للدولة
فيسرقون كما يشاؤون دون حسيب ورقيب.
|
الأمراء هم لصوص الرياض! |
الملك عبد الله بحسب مجلة (فوربس) في 20 أكتوبر 2007
هو أغنى رئييس دول في العالم بثروة تفوق 22 مليار دولار
أميركي. ويملك أخوة الملك وأبناءه وأبناء إخوته ثروات
تقدّر بمئات المليارات من الدولارات. ويهيمن افراد العائلة
المالكة على الاقتصاد لاالوطني ويمتلكون كبريات الشركات
والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والاعلامية في البلاد.
ويسيطر آل سعود على 80 % من سواحل المملكة، كما يسيطرون
على 20% من أراض البلاد. فهل يمكن نقل هذه التجربة في
مكافحة الثروة الوطنية الى الصين مثلاً؟!
علاوة على ذلك، يتلقى كبار أفراد آل سعود مليارات الدولار
كعمولات غير قانونية في العقود الحكومية من شركات دولية.
فقد حصل الأمير بندر بن سلطان، العائد الى البلاد مؤخراً،
وهو رئيس مجلس الأمن الوطني وابن وزير الدفاع وولي العهد
على مامجموعة ملياري دولار من شركة بي آي أيه سيستمز فيما
يعرف بصفقة (اليمامة).
نقلت وكالة يونايتدر برس في 22 فبراير 2007 عن اقتصاديين
وقانونيين سعوديين بأن الخسائر التي تتكبدها المملكة نتيجة
الفساد تقدّر بنحو 3 تريليونات ريال (800 مليار دولار).
وكان مراسل (الجزيرة نت) في جدة قد ذكر في تقرير في 10
مايو الماضي عن كوارث السيول في عدد من المدن السعودية
من بينها جدة والرياض والدمام، أن نقاشاً داخلياً متصاعداً
جرى حول مصير الأمول المخصّصة للبنية التحتية في المملكة،
وذلك بعد كشف رئيس ديون المراقبة العامة أسامة فقيه عن
أن المشاريع الحكومية التي لم يتم تنفيذها إلى الآن وصلت
إلى أربعة آلاف مشروع، بقيمة ستة مليارات ريال سعودي،
وتعهد (بكشف الحقائق) في إشارة إلى الفساد المالي! فهل
تستوعب الصين هذا الدرس في الفساد من بلادنا مثلاً؟! وبعد
ذلك كله، هل يمكن للصين أو أي بلد في العالم الافادة من
تجربة السعودية في مكافحة الفساد، فهل ثمة فساد أكبر وأخطر
من الذي ننعم به في بلاد الحرمين؟!
ما يضحك الثكلى أيضاً خبرٌ نشر في 10 فبراير 2009 عن
وضع المملكة تجربتها في محاربة البطالة على طاولة وزراء
العمل العرب في القاهرة، حيث قدّم وزير العمل السعودي
السابق الدكتور غازي القصيبي (تجربة المملكة فى التشغيل
وتقليص معدّلات البطالة وتقييم لتجربة السعودة فى السنوات
الاخيرة) كما قدّم (تجربة جادة فى المملكة لضبط سوق العمل
الوطنى والدعوة الى تشغيل العمالة المحلية المدرية فى
المهن اليدوية التى لا تحظى بقبول اجتماعي بين السعوديين).
ما يبعث على الغرابة ما قاله المدير العام لمنظمة العمل
العربية أحمد محمد لقمان حين اعتبر (تمدد الأعمال الخيرية
التنموية فى المملكة من أهم عوامل نجاح التجربة السعودية
فى تقليص معدلات البطالة حيث تم إنشاء عدة صناديق لتشغيل
المواطنين في القطاع الخاص عبر تبرعات الأفراد والمؤسسات
منها صندوق تنمية الموارد البشرية السعودي الذى يقوم بعدة
مهام من بينها تقديم الإعانات لتأهيل القوى العاملة الوطنية
وتدريبها وتشغيلها في القطاع الخاص والمشاركة في تكاليف
تأهيل القوى العاملة الوطنية وتدريبها ودعم تمويل برامج
ميدانية ومشاريع وخطط ودراسات تهدف لتوظيف السعوديين اضافة
الى تقديم قروض لمنشآت تأهيل وتدريب القوى العاملة الوطنية
وتحمل نسبة من راتب من يتم توظيفه في القطاع الخاص بعد
تأهيله)، وقال (إن على رجال الاعمال والموسرين مسؤولية
اجتماعية تجاه الفقراء العاطلين على العمل وعليهم مساعدتهم
ليكونوا قوى منتجة فى المجتمع على طريقة المثل الصيني
"لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد").
إنه حقاً كلام في غاية الوقاحة، فلو كان المعني بما
قاله لقمان دولة أفريقية أو دولة غير نفطية لقلنا بارك
الله فيك يا لقمان فقد أبلغت النصيحة، ولكن الحديث ياسادة
عن دولة نفطية يبلغ دخلها السنوي 430 مليار دولار، وليست
بحاجة لتبرعات المحسنين ولا صدقات رجال الأعمال. لقد بلغ
القبح قبحاً حين يراد من (فاعل خير) أن يجود بحل لمشكلة
البطالة بعد أن بلغت مستويات قياسية، أو أن يكون (المحسنون)
من أهل الخير تدريب العاطلين عن العمل، أو تقديم المعونات
للفقراء منهم. هل نحن نتحدّث عن دولة أم عن جمعية خيرية،
أو عن مجتمع بلا دولة.
|