نهاية العصر السعودي
عمر المالكي
لم تعد قادرة، حتى مع فرضية وجود رغبة، على لعب دور
قطبي، رغم كل الفرص الذهبية التي تمرّ عليها دونما جهد
منها يذكر، وبحسب تصريح للأمير سلمان خلال زيارته الأوروبية
في مارس الماضي بأن بلاده لا تسعى نحو الفرص ولكن الفرص
تأتي إليها. تحدّث بعض المراقبين منذ العام 2004 عن عودة
العصر السعودي مجدداً، بعد سبات طويل بسبب تراجع مداخيل
البترول، وانغماس العائلة المالكة في مشكلات داخلية من
بينها العجز المالي الطويل الأمد الذي دام منذ العام 1983
وحتى العام 2003، وما تخلّل ذلك من تحديّات محلية وإقليمية
منذ احتلال النظام العراقي السابق للكويت في 2 أغسطس (آب)
1990، وانطلاق ظاهرة الصحوة السلفية، والمطالبات الشعبية
بالإصلاح، وتفاقم مشاكل البطالة والخدمات والتعليم والأمن،
وصولاً الى سقوط النظام العراقي في 9 إبريل 2003، وتفجّر
العنف السلفي محلياً، واندلاع المواجهات المتنقّلة في
مناطق متفرّقة من المملكة.
من خسائر السعودية
|
|
|
لم تخسر حماس فحسب،
الأهم خسرت ورقة فلسطين |
|
وخسرت مواقعها في لبنان بعد
حرب تموز |
|
وخسرت موقعها في افغانستان
بعد اسقاط الطالبان |
|
وخسرت الحليف السوري الذي
كان يعضدها |
|
وخسرت بغباء مكانتها في
العراق وفضلت التخريب |
|
وانحدر نفوذها في اليمن بشن
حرب على أهله |
بدأت السعودية بالتعافي نسبياً بعد احتواء خطر العنف
القاعدي في الداخل والذي بدت معالمه في بداية العام 2004،
ثم اعتقال الرموز الاصلاحية في مارس 2004، وكل ذلك جاء
على وقع ارتفاع مفاجىء في مداخيل النفط والذي أسّس لمرحلة
جديدة تنتقل فيها العائلة المالكة من مرحلة الدفاع الى
الهجوم ليس على المستوى المحلي فحسب، بل وعلى المستويين
الاقليمي والدولي للتعويض عن غيابها وخسارتها صورتها بعد
هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. حينذاك، فحسب، بدأ الحديث
عن عودة الدور السعودي، وعن حقبة جديدة تضطلع فيها السعودية
بدور ريادي على المستوى الإقليمي. يتذكّر المراقبون تصريحاً
لاذعاً لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع الذي وصف فيه
الدبلوماسية السعودية بالشلل، ما أثار حفيظة وزير الخارجية
السعودي سعود الفيصل، الى حد أن الدبلوماسية السعودية
بدت متوحشّة في رد فعلها على النظام السوري وبلغ الحقد
السعودي مستوى التحريض والتخطيط لقلب النظام السوري بالاتفاق
مع حكومات أوروبية.
وفي الجرد الإجمالي لخسائر السعودية خلال العقد الأخيرة:
سقوط حكومة طالبان في افغانستان العام 2001، سقوط النظام
العراقي البعثي في العراق العام 2003، واغتيال رئيس الوزراء
اللبناني الأسبق رفيق الحريري الحليف الاستراتيجي للسعودية
في لبنان العام 2005، وتالياً سقوط الرهان على تقويض حزب
الله في حرب تموز 2006، وخسارة الرهان على هزيمة حماس
في قطاع غزة في العدوان الاسرائيلي في ديسمبر 2008 ـ يناير
2009، وخسارات متفرّقة ولكنها ذات أهمية كبيرة من أبرزها
الحرب على الحوثيين في اليمن، والتي كشفت عن هزال شديد
في الدولة السعودية..
محاولات ترميم الدور السعودي لم تسفر حتى الآن عن نتائج
إيجابية، بل إن الفتن الطائفية التي حاولت السعودية اشعالها
في أكثر من بلد عربي (لبنان، سوريا، العراق، اليمن..)
جرى احتواء مفاعيلها الاجتماعية والأمنية.
أفغانستان.. دور سعودي مقطوع
محاولات متعاقبة جرت في السنوات الماضية من أجل إعادة
تموضع في المعادلة الافغانية، ولكن حتى الآن النتيجة مخيّبة.
ما تسعى السعودية إلى تحقيقه في أفغانستان يتلخّص في هدف
واحد: منع إيران من تعزيز نفوذها في هذا البلد، وتمكين
حلفائها (طالبان على وجه الخصوص)، للحصول على حصة كبيرة
في الحكومة الافغانية. تفعل ذلك بالسياسة حيناً، وبالتمويل
السري أحياناً كثيرة، بما في ذلك تمويل العمليات العسكرية
لطالبان، كما كشفت تقارير ريتشارد هولبروك، المبعوث الأميركي
الخاص للرئيس باراك أوباما الى أفغانستان وباكستان في
العام الماضي.
في مناسبات سابقة، جمعت السعودية بين قيادات من حركة
طالبان ومسؤولين في حكومة كرزاي، غير أن الضغوطات السعودية
على طالبان أفضت الى إعلان الأخيرة إنسحابها من المفاوضات
ورفضها إبرام صفقة مع حكومة كرزاي. في الآونة الأخيرة،
انطلقت السعودية في محاولة أخرى للجمع بين حكومة كرزاي
وحركة طالبان، وبحسب المصادر فإن واشنطن هي من طلبت من
الرياض التحرّك للضغط على حركة طالبان من أجل القبول بحل
سلمي تمهيداً للخروج من أفغانستان.
السعودية التي تفتّش عن أي فرصة لقطع الطريق على النفوذ
الإيراني في أفغانستان، قبلت الدعوة الأميركية على الفور
للتدخل من أجل تسوية الأزمة الأفغانية، عن طريق إعادة
محاولة إقناع حلفائها القدامى في حركة طالبان لقبول خيار
التفاوض مع حكومة كرزاي. السعودية تخشى دون ريب الفشل،
لأن ثمة سوابق للفشل في الملف الأفغاني، ولذلك تميل الى
أن تحصد الثمار الناضجة بدل من حرث الأرض وتخصيبها وانتظار
النتائج، ما يعني أنها تريد أن يقتنع الأفغان جميعاً بجدوى
التفاوض ثم تتدخل هي للعب دور تسهيل العملية فحسب. ثمة
قناعة تفيد بأن مجرد تدخّل أي طرف للوساطة سيعمد الطرفان
المتنازعان (الحكومة وطالبان) إلى رفع سقف مطالبهما ما
يؤدي في النهاية إلى الفشل.
السعودية حاولت منذ العام 2008 وبطلب من الولايات المتحدة
أو حكومة كرزاي أو بوحي من خصومتها مع إيران التدخّل لدى
حلفائها في أفغانستان لقبول مبدأ التفاوض، على غرار المفاوضات
السرية مع طالبان في مكة المكرمة العام 2008، رغم أن الظروف
الصعبة التي تمرّ بها القوات الأميركية وقوات الناتو عموماً
في أفغانستان تفرض على السعودية تدخّلاً عاجلاً، خصوصاً
بعد أن بلغت الحرب في أفغانستان درجة الحراجة، أو بحسب
توصيف رئيس الاتحاد السوفياتي الأخير ميخائيل جورباتشوف
بأن أفغانستان توشك أن تتحوّل الى فيتنام ثانية، وطالب
الولايات المتحدة بالإنسحاب الفوري. وإذ لا يمكن للأخيرة
الإنسحاب دون ترتيبات فهي تتوسّل حلفائها في المنطقة مثل
السعودية للعمل على تسهيل عملية الإنسحاب بأقل الخسائر،
و(العثور على استراتيجية للخروج من حرب لا تحظى بشعبية).
واشنطن، كما الرياض، تجد في خسارة العراق وأفغانستان
ربحاً صافياً لإيران، الأمر الذي يدفع السعودية للإستجابة
لضغوط الولايات المتحدة من أجل القيام بدور إنقاذي والتدخّل
في الشأن الافغاني للحيلولة دون خسارة نفوذهما في هذا
البلد. الولايات المتحدة لم تعد تنظر الى السعودية بوصفها
صاحبة الحلول السحرية والخلاصية، فهي قد لجأت في الوقت
نفسه الى تركيا والإمارات الى جانب باكستان من أجل الدخول
في خطة مفاوضات السلام في أفغانستان تمهّد لانسحاب هادىء
ومثمر. فالولايات المتحدة تتطلع الى منظومة دول حليفة
تشارك في جهود التسوية في الحرب الأفغانية. وكما يبدو،
فإن مستوى التوقّعات لدى السعودية ليس عالياً، ولذلك فقد
حسمت الرياض دورها في مجرد المساعدة، ريثما تنضج كل جهود
الدول الحليفة في مسعى المفاوضات بين الحكومة وطالبان.
قد يكون هاجس الأمس القريب بكونها راعية للحركات الدينية
المتشدّدة هو ما يدفع بها كيما تأخذ مسافة احترازية، ولكن
الغربيين يدركون تماماً بأن لدى السعودية نفوذاً واسعاً
وتأثيراً كبيراً على حركة طالبان، أو على الأٌقل على قيادات
الحركة، وهو ما ثبت في قبول الأخيرة المشاركة في مفاوضات
سلمية في مكة المكرمة العام 2008، بالرغم من معارضة واشنطن
لتلك المحادثات، ولكن الجهود الأخيرة تؤكّد أن واشنطن
كانت وراء تحرّك السعودية للوساطة مع أنها لا تزال حذرة
خشية الفشل. ولذلك، فإن السعوديين يريدون الاطمئنان الى
قبول الفصائل الافغانية بصورة جديّة بمبدأ المفاوضات.
في كل الأحوال، فإن السعودية لا تجد نفسها قادرة على
السير بخطوات حثيثة في المسار الأفغاني، ولا تريد الانخراط
في رهانات لا تضمن نجاحها، خصوصاً وأن رهانها الأخير يتم
تحت مرأى ومسمع القوى الإقليمية والدولية، على عكس رهاناتها
السابقة التي كانت تتم بصورة سريّة. مشكلة السعودية الكبرى
تكمن في أن نجاح دور الوساطة الذي ستقوم به لا بد أن يضمن
تأييد إيران، ما يفرض عليها تفاهماً مع الأخيرة بشأن أفغانستان.
لبنان.. هدوء سعودي متفجّر
الكل ينتظر موقفاً سعودياً قاطعاً بخصوص (المحكمة الدولية)،
التي بدا كثير من اللبنانيين وغيرهم على قناعة تامة بأنها
منغمسة في السياسة بصورة فاضحة، ولابد من إنتزاع ملف (الحقيقة)
من مخالب التحقيق الدولي، الذي تجاوز من وجهة نظر كثير
من اللبنانيين حدوده.
السعودية تريد الحفاظ على نفوذها الحالي، والذي لولا
(الحقيقة) المؤجّلة لربما تعرّض لمخاطر جمّة. ولكن هذا
النفوذ يتعرّض اليوم لتحديات جديدة، بعد أن أظهر السوريون
وحلفاؤهم في لبنان موقفاً ثابتاً من أن استغلال المحكمة
الدولية لأغراض سياسية سيفضي الى نهاية الحريرية السياسية،
وبالتالي نهاية النفوذ السعودي في لبنان. السعودية أدركت
ذلك، ووصلت الرسالة اليها واضحة من دمشق والضاحية من أن
لا مساومة على الفتنة، وأن من يريد العدالة فإن طريقها
ليس عبر المحكمة الدولية الحالية، بل أن ما سيسفر عن المحكمة
هو فتنة خالصة.
تجاذبات سعودية ـ سورية ولبنانية ـ لبنانية دامت أكثر
من نصف عام حتى الآن، أي منذ الجلسة الشهيرة بين رئيس
الحكومة اللبنانية سعد الحريري والأمين العام لحزب الله
حسن نصر الله والتي أبلغ الأخير فيها بأن القرار الإتهامي
الذي سيصدر سيوجّه لعناصر (غير منضبطة) لحزب الله، ما
دفع بالأخير وبالمعارضة اللبنانية عموماً إلى الاستنفار
لمواجهة ما اعتبرته (مؤامرة أميركية واسرائيلية) على المقاومة.
تبلّغ السعوديون موقف المعارضة اللبنانية والحزب وعلاوة
على ذلك موقف سوريا الذي بدا واضحاً هو الآخر من أن أي
اتهام لحزب الله يعني في نهاية المطاف إتهاماً لسوريا.
تحرّكت السعودية لجهة تأجيل موعد صدور القرار الاتهامي
فجاء الجواب مجدداً: ليس المطلوب تأجيلاً للقرار الظني
بل إلغاءً لأي قرار يوجّه فيه أصابع الإتهام لحزب الله،
فجاء الجواب السعودي بأننا لا نقوى على تعطيل المحكمة
الدولية لأن ذلك يتطلب مواجهة مع واشنطن. أقصى ما نجحت
الدبلوماسية السعودية في تحقيقه هو تأجيل قصير المدى لصدور
القرار الظني، وقيل لبنانياً بأن الموعد تأجّل الى مارس
القادم، دون ضمانات مؤكّدة.
|
وهابية السعودية مصدر القتل
والتدمير في العراق |
جاءت الخطبة المقتضبة لأمين عام حزب الله حسن نصر الله
على خلفية دخول محققين دوليين إلى عيادة نسائية في الضاحية
الجنوبية والتي أعلن فيها مقاطعة المحكمة الدولية، لتستحث
تحرّكاً سعودياً عاجلاً من أجل استيعاب تداعيات قرار نصر
الله داخلياً، كونه يؤسّس لمرحلة جديدة تكون فيها السعودية
في قلب الصراع اللبناني ـ اللبناني. بدأ الحديث عن ورقة
سعودية الى سورية قبل يوم من وصول مبعوث الملك ونجله الأمير
عبد العزيز بن عبد الله.
وصل المبعوث الى دمشق ولم يصدر عن الأخيرة ما يبشّر
بانفراج أو حتى بوعد بذلك، واقتربت التحليلات من نقطة
تفيد بأن ثمة عرضاً سعودياً لدمشق بمقايضة المحكمة الدولية
بحصة وازنة في العراق. لم تحصل السعودية على ما تريد في
العراق، ولذلك أبقت على موقفها من قضية المحكمة الدولية،
وصدرت التصريحات السلبية من دمشق بخصوص رسالة نجل الملك،
كما صدرت تصريحات صادمة للقيادة السعودية من قبل قادة
الكتل السياسية الكبرى باستثناء العراقية حيال المبادرة
السعودية.
العراق.. دور سعودي مستحيل
في خطوة مفاجئة دعا الملك عبد الله في 30 أكتوبر الماضي
المسؤولين العراقيين الى إجراء محادثات في الرياض ترعاها
الجامعة العربية بعد عطلة عيد الاضحى لتجاوز ما أسماه
(معضلة تواجه تشكيل الحكومة)، وفق ما نقلت وكالة الانباء
السعودية الرسمية. وجاء في النداء (الجميع يدرك بأنكم
على مفترق طرق تستدعي بالضرورة السعي بكل ما أوتيتم من
جهد لتوحيد الصف. والتسامي على الجراح. وابعاد شبح الخلافات.
واطفاء نار الطائفية البغيضة).
الذين قرأوا الخبر من الخارج توقفوا عند سر إطلاق مثل
هذه النداء في الوقت الذي وصلت فيه المساعي العراقية المحلية
مستوى تقدماً نحو تشكيل الحكومة. لبنانياً قرأ البعض من
المعارضة نداء عبد الله بأنه يستبطن رداً على الموقف من
رسالة الملك عبد الله الى دمشق عبر نجله عبد العزيز. حيث
جاءت الرسالة الى دمشق والنداء الى بغداد في وقت متقارب
جداً. قناة (أو تي في) العونية اعتبرت نداء عبد الله بأنه
دعسة ناقصة لجهة محاولتها منفردة إقامة طائف عراقي، لأنها،
بحسب القناة، أثارت التساؤلات الآتية:
أولاً، ألا يعني وضعُ الدعوة السعودية تحت مظلةِ الجامعة
العربية، استبعاداً لإيران؟ وهل يؤدي ذلك الى تسهيلِ الحل؟
ثانياً، كيف يُدعى المالكي الى الرياض، فيما المسؤولون
السعوديون يقاطعونه منذ مدةٍ طويلة، حتى أنهم لم يصافحوه
في قمةِ الدوحه؟
ثالثاً، ماذا يعني تأجيلُ موعدِ هذه الدعوة، الى ما
بعدَ عطلةِ الأضحى؟ ألا يعني ذلك تأجيلَ الملف اللبناني،
من قبل الرياض نفسِها، الى ما بعد ما بعد ذلك؟
رابعاً، هل المقصود إذن، مزيدٌ من إضاعةِ الوقت، لتمرير
القرار الظني، ليصيرَ بعدَه، لكلِ حديثٍ...حادث؟
وخلصت القناة من هذه التساؤلات الجديّة الى نتيجة واحدة
أن (خطوةُ الرياض في بغداد، تنذرُ إذن بتفجيرِ الوضعِ
في بيروت).
في اليوم التالي من اطلاق النداء، عقد سعود الفيصل
وزير الخارجية مؤتمراً صحافياً بدا فيه غير ملمٍ بكل تفاصيل
المبادرة الملكية، وقال بأنه لا يعلم إن كان الملك الرئيس
السوري بشار الأسد على المبادرة تجاه العراق.
في الاعلام السعودي، مديح مفتعل لمبادرة الملك عبد
الله، أبرزها مقالان لكل من عبد الرحمن الراشد وتركي السديري.
في مقال للأول بعنوان (العراقيون ومفاجأة الملك عبد الله)،
قدّم الراشد له بكلمات مثيرة للشفقة كقوله (أدهشنا الملك
عبد الله) وأن المبادرة (أهم خطوة)، وأنها (أكبر خطوة
سياسية بحق العراق في سبع سنوات) وأن المبادرة بمثابة
(مشروع مصيري لمستقبل العراق). وبحجم التطلّع المبالغ
فيه يومىء الراشد الى الخوف من فشل المبادرة، بفعل فاعل
(وفي العقل السعودي لا بد أن يكون الفاعل إيرانياً).
أما رئيس تحرير جريدة (الرياض) تركي السديري فكتب مقالاً
بعنوان (افكار راقية تتجه للعراق)، فأطنب في توصيف شخصية
الملك عبد الله (..الملك عبدالله بن عبدالعزيز رجل تقدم
كل وثائق سيرته الشخصية منذ كان ولياً للعهد ثم ملكاً
وفي كل علاقاته هو دائماً ذلك الرجل النزيه البعيد النظر
الذي رفض دائماً أن يكون طرف نزاع أو أن يتغاضى عن أي
تحامل..). بالتأكيد، يدرك السديري بأنه لا يكتب لسياسيين
أو مطّلعين على سياسة الملك عبد الله، ولا يكتب لغالبية
العراقيين الذين سمعوا من الملك عبد الله مباشرة تصريحات
صادمة حول بلادهم.
بالتأكيد لم تكن دعوة نزيهة للقادة العراقيين، بل هي
محاولة للإلتفاف على توافق إيراني سوري على المالكي، وتوافق
الأغلبية الشعبية على تشكيل الحكومة. إنها محاولة لوقف
التوافق العراقي وضمان حصة وازنة لحلفاء السعودية في العراق
قبل تشكيل الحكومة.
جاء الرد الكردي سريعاً برفض دعوة الملك، حيث رفض التحالفان
الوطني والكردستاني في الأول من شهر نوفمبر الدعوة وجاء
في بيان مشترك للتحالفين أن (تشكيل الحكومة يتم عبر تفعيل
مبادرة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني من
أجل الوصول إلى حكومة شراكة وطنية عبر البرلمان والدستور).
وأضاف البيان (الحوار العراقي - العراقي الجاد المبني
على التحالفات الوطنية التي تشكلت نتيجة تقارب الأهداف
السياسية والمتبنيات قد بدأ يقترب من تحقيق انسجام وطني
يمهد لانعقاد مجلس النواب وفقا لمواد الدستور وقرارات
المحكمة الاتحادية).
|
شبه اجماع عراقي على رفض
المبادرة السعودية |
في قراءة إيلي شلهوب من جريدة (الأخبار) اللبنانية
ما يستحق النظر: أن مبادرة الملك عبد الله جاءت دون أي
ممهّدات له تتيح نجاحه، على غرار تنسيق مباشر، أو عبر
وسطاء، مع دمشق وطهران، اللتين كانت واضحة رغبتهما، خلال
الأسابيع الماضية، بإعادة تعويم ملك السعودية، على قاعدة
أنهما حصلتا على ما تريدانه في المنطقة، فما الضرر من
إعادة الاعتبار للسعودية بما يحصن البلاد من الفتنة الشيعية
ـــــ السنية المزمعة. بل إن أي اتصال لم يجر مع المعنيين
في العراق، وفي مقدمتهم جماعة المالكي، الذي من غير المفهوم
كيف اعتقد حكام الرياض أنه من الممكن أن يقبل الذهاب إلى
السعودية واستعادة منصبه تحت عباءة ملكها الذي يدرك أبو
إسراء أن عبد الله لا يكنّ له سوى مشاعر السوء.
بعض الخبثاء من العالمين بخفايا الأمور يتحدثون عن
خطوة سعودية استباقية في محاولة لفرض معادلة (رزمة الحل
الواحدة) على السوريين والإيرانيين الذين يتمسكون بتجزئة
الملفات، التزاماً منهم بالاتفاق السوري ـــــ السعودي
على فصلها. ويضيف هؤلاء أن (ما يعرف بالمحور السوري ـــــ
الإيراني بات يمتلك اليد الطولى في لبنان والعراق، وغيرهما
من ساحات المنطقة. في المقابل، يعتقد السعودي بأنه لا
يزال يمتلك روافع في لبنان، أقلها المحكمة الدولية والقرار
الظني، يستطيع من خلالها أن يجري مقايضة من نوع ما. يريد
حصة في العراق. لا يمكنه احتمال انكسار للسنة هناك من
النوع الذي يتهدد الزعامة السعودية للسنة في المنطقة.
مبادرته التفجيرية الأخيرة لا يمكن قراءتها إلا في هذا
السياق)، وخصوصاً أنها تأتي مع نضوج الحل السوري الإيراني.
قراءة أخرى قدّمها ساطع نور الدين من جريدة (السفير)
في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري بعنوان (انتكاسة سعودية)
اعتبر ردود الفعل العراقية على مبادرة الملك عبد الله
بأنها بمثابة انتكاسة للدبلوماسية السعودية، وقدّم لتلك
النتيجة بسؤال عن سبب وقوع الملك عبد الله في الحرج. ويقول
(لعلها كانت مبادرة عفوية من الملك السعودي الذي غلّب
طبيعته وشخصيته على قراءته السياسية للمعضلات والمصالح
العراقية، فقفز في المجهول من دون أي تخطيط أو تقدير مسبق،
لما يمكن أن تكون عليه ردود الفعل القوى السياسية العراقية،
التي أثبتت طوال الشهور التسعة الماضية انها عصية على
مختلف ضروب السياسة والدبلوماسية وعلى جميع أشكال الوساطات
الخارجية، وهي تعيش في عالمها الخاص وتستلهم ماضيها «الصدامي»
الفريد). ولكّنه يستدرك على عرضه الموجز لخلفية مبادرة
الملك بالقول:
(لا يعقل أن يكون الملك قد أطلق هذه المبادرة من دون
أن يمهد لها بالتواصل مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي
ناصبته السعودية العداء والخصومة، وسعت، وربما لا تزال،
الى إخراجه من المنصب، سواء في صناديق الاقتراع أو في
شروط الائتلاف. ولا يعقل أن يكون الملك قد أغفل حقيقة
أن القادة الأكراد يشعرون أنها لحظتهم التاريخية لكي يعلنوا
من مؤتمر اربيل المرتقب انهم هم الذي يصنعون الحكومات
العراقية، وهم الذين يحددون مستقبل العراق، الذي لم يستطع
أحد لا في الداخل ولا في الخارج ان يضع تصوراً واضحاً
له حتى على الورق).
وفي رد الفعل العراقي كان (مفاجأة مدوّية فعلاً أن
يرفض القادة العراقيون أو معظمهم ذلك العرض السعودي الاستثنائي
الذي كان يمكن أن يجاملوه، على غرار ما فعلوا هم سابقاً،
وعلى نحو ما فعل سواهم من المتحاربين والمتخاصمين في أكثر
من بلد عربي، حيث ذهبوا الى الرياض وتداولوا في حروبهم
الأهلية وسبل الخروج منها ووقعوا وثائق وعهوداً لم تصمد
يوما واحدا بعد توقيعها في مكة على مقربة من الحرم، وبحضور
شهود لا شك في شهادتهم!).
وفي النتيجة يقول نور الدين (مهما قيل في المبادرة
وردودها، فإنها انتكاسة حقيقية للدبلوماسية السعودية،
أو على الاقل لدبلوماسية الملك عبد الله تحديدا، لا يمكن
أن تنسب الى اعتراض إيران أو تحفظ سوريا أو تردد تركيا
أو صمت مصر. لان هذه الدول واجهت وستواجه مواقف مشابهة
لدى مقاربتها الوضع العراقي المستحيل. وهي على الأرجح
ليست سعيدة الآن بما تعرضت له الرياض من حرج يصيب جوهر
الدور العربي في العراق، مثلما يصيب أي دور إقليمي أو
دولي محتمل في ذلك البلد الذي لم يكن حكمه من قبل صدام
حسين استثناء ولا كان احتلاله من قبل الاميركيين عابراً).
وانعكاس ذلك لبنانياً بدا واضحاً للذين يرغبون في ربط
الملفات الإقليمية والعربية ببعضها وتأثيراتها المتبادلة
حيث اعتبر ساطع نور الدين الانتكاسة السعودية في العراق
ستكون لها تأثيرات مباشرة على الوضع الللبنانية. يقول
بأن (القراءة اللبنانية لهذه الانتكاسة لا تخلو من القلق
على تلك الدبلوماسية التي كانت وتبقى أحد أهم عناوين التهدئة
في لبنان، إن لم تكن شرطها الوحيد).
رفض عراقي وتفجيرات سعودية
ما إن تبلّغت السعودية رفض غالبية القوى السياسية العراقية
للمبادرة السعودية حتى اشتعلت أحياء بغداد بالتفجيرات
مساء الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، مخلّفة وراءها
عشرات القتلى ومئات الجرحى. الانهيار المفاجىء للوضع الأمني
في بغداد لم يكن نتيجة لتدهور أمني، بل لوضع سياسي مرفوض
سعودياً ، فقد جاءت التفجيرات العشرة في أحياء متفرّقة
من بغداد دون سابق انذار، بل يمكن القول بأن المبادرة
السعودية لم تكن عفوية، بل تكشف عن أن التخطيط بين السعودية
وحلفاءها العراقيين والمقرّبين من قائمة (العراقية) أن
يتم تقديم مبادرة سعودية وفي حال رفضت يكون التفجير الأمني
هو الجواب الفوري، وبحسب المثل العراقي (يا ألعب أو أخرب
الملعب). والتفجيرات في حقيقتها رسالة موجّهة الى رئيس
الحكومة العراقية الحالي نوري المالكي الذي بنى حملته
الانتخابية على المنجز الأمني.
السؤال يدور حول مدى التنسيق الأمني بين السعودية وجماعات
مسلّحة عراقية، وخصوصاً المرتبطين بفلول البعث حيث تفيد
تقارير متعددة بأن عدداً كبيراً من الضباط البعثيين العراقيين
باتوا يعملون لحساب السعودية سواء داخل العراق أو في دول
خليجية مثل البحرين. وبحسب مصادر عراقية فإن جهاز الاستخبارات
السعودية الذي يديره الأمير مقرن بن عبد العزيز يقوم بالتنسيق
بين خلايا القاعدة من السلفيين وضباط بعثيين للتخطيط لعمليات
عسكرية داخل العراق. ونقل مصدّر مقرّب من حكومة نوري المالكي
بأن أجهزة الأمن العراقية تمتلك وثائق على ضلوع السعودية
في عمليات أمنية ضخمة بهدف تخريب العملية السياسية وإطاحة
حكومة نوري المالكي.
ونقلت صحيفة (الأخبار) في 3 نوفمبر (تشرين الثاني)،
عن أوساط نوري المالكي قولها بأن ما جرى مساء الثاني من
نوفمبر (تشرين الثاني) كان (رسالة سعودية واضحة لا لبس
فيها: لقد رفضتم مبادرتنا، حسناً، لكن عليكم أن تعرفوا
أن لدينا أوراقاً يمكننا لعبها، نستطيع أن نمثّل تهديداً
حقيقياً لكم، إذا لم تستجيبوا لمطالبنا. لكننا ندرك أننا
لن نتخلص من هذا التهديد الإرهابي حتى لو استجبنا. ستكر
سبحة المطالب). وتضيف: (يريد السعوديون العودة إلى العراق.
يريدون عودة كاملة مهما كان الثمن).
وتعرب الأوساط نفسها عن اعتقادها أن السعوديين، (لما
طرحوا المبادرة، لم يكن المقصود منها تحقيق إنجاز، بل
القول إن التوافق الذي يحصل في العراق ليس هزيمة بالنسبة
إليها ولطروحاتها، بل بالعكس يجري بموافقتهم ورعايتهم).
وتوضح أن (السعوديين كانوا بحاجة إلى مخرج لتصريحاتهم
السابقة عن أنهم يتحفظون على أي حكومة يرأسها المالكي.
كان المخرج بالنسبة إليهم تلك المبادرة التي حرصوا على
التوضيح أنها لا تهمّش المالكي ولا تضع شروطاً عليه. ولما
سقطت المبادرة كان ما كان، رغم أن المالكي كان حريصاً
بدوره على التأكيد أن الاعتذار عن رفض المبادرة لا ينبع
من كونها سعودية، بل من رغبة في حل داخلي متوافر، يتوقع
أن يبصر النور خلال أيام).
العراقيون في أغلبهم باتوا على قناعة بأن ما جرى في
الثاني من نوفمبر كان محاولة سعودية لمقايضة الأمن بالسياسة.
مصادر عراقية رسمية ذكرت بأن رسالة الدم السعودية تزامنت
مع رسالة سعودية أخرى جرى تسريبها الى أوساط نوري المالكي
لإبعاد شبهة التورط في تفجيرات بغداد بأن السعودية لا
تمانع من التجديد لنوري المالكي وأنها طلبت من أحد قادة
قائمة (العراقية) زيارة المالكي لإبلاغه بهذا الأمر.
|