الدولة الوظيفية
كما الكيان الاسرائيلي، فإن للسعودية وظيفة محددة تضطلع
بها، تحدّدت من قبل القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات
المتحدة. وظيفية الدولة السعودية ليست طارئة، بل تعود
الى مرحلة مبكرة من عمرها، حين تقررت معادلة حماية العرش
السعودي مقابلة حراسة المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت وظيفة آل سعود
مواجهة الناصرية في كل المناطق المرشّحة للدخول في نطاق
تأثيرها، فكانت تموّل الخصوم في بلاد الشام والعراق لضرب
الناصرية، وخاضت حرباً في اليمن لمشاغلة الجيش المصري
واستنزاف قواه، وصمّمت نموذجها الديني الذي عرّفه سيد
قطب (الإسلام الأميركي)، الذي واجهت به الناصرية إلى جانب
تأسيس حلف بغداد، ورابطة العالم الإسلامي، التي ضمّت شاه
إيران، وملك الأردن، وكل القادة اليمينيين، واستمرت على
هذا الطريق حتى رحيل عبد الناصر سنة 1970.
ومع تفجّر حرب أكتوبر 1973 والإعلان عن استعمال النفط
سلاحاً في المعركة، كانت السعودية آخر من التزم وأول من
خالف قرار قطع النفط عن الولايات المتحدة، وبنسبة لا تتجاوز
5 بالمئة. ومع ذلك بدأت ما عرف بـ (الحقبة السعودية) التي
لعبت فيها مملكة آل سعود دوراً في (تيمين) اليسار العربي
حكومات، وحركات، ومثقّفين. فصار عرب النفط سادة وقادة
على شعوب العالم العربي، بعد أن أفل نجم القادة التاريخيين
من أمثال جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم..والأخطر من
ذلك، أن القضية الفلسطينية واجهت أسوأ مراحلها، بعد توقيع
الرئيس المصري السابق أنور السادات معاهدة سلام مع الكيان
الإسرائيلي في العام 1977، وتلتها مبادرة ولي العهد السعودي
والملك لاحقاً فهد التي طرحت في قمة فاس المغربية في العام
1981 والتي تنطوي على اعتراف بالكيان الاسرائيلي.
وفي الثمانينات من القرن الماضي، أصبحت السعودية لاعباً
رئيسياً في الإستراتيجية الدولية للولايات المتحدة، فقد
كان للسعودية حضور كثيف في القارة الأفريقية وكانت تموّل
حكومات أفريقية بهدف تطويق النفوذ السوفياتي. وفي أميركا
اللاتينية، كان للسعودية دور لوجستي كبير جنباً إلى جنب
وكالة الإستخبارات الأميركية (سي آي أيه)، وقوات التدخّل
السريع، وقد ارتبط إسم السعودية بفضائح في أميركا اللاتينية
مثل فضيحة تمويل ثوار (الكونترا) في نيكاراغوا. وكان رئيس
الإستخبارات العامة السابق تركي الفيصل قد اعترف في لقاءات
صحافية وتلفزيونية بدعم الجهود الأمريكية في التدخل وتمويل
ثوار الكونترا. وأكثر من ذلك، أن السعودية كانت توفّر
الدعم المالي لكل العمليات القذرة التي كانت تقوم بها
أجهزة الإستخبارات المركزية الأميركية في أرجاء متفرّقة
من العالم والتي يتطلّب تمويلها موافقة الكونغرس.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، وضلوع 15
سعودياً من أصل 19 إنتحارياً كانوا على متن الطائرات التي
ارتطمت ببرجي نيويورك وبمبنى البنتاغون، بدت السعودية
أكثر استعداداً لتعزيز طابعها (الوظيفي)، ولذلك قدّمت
منذ العام 2002 وحتى 2010 مبادرات غير مسبوقة كلها تصبّ
في مصلحة الولايات المتحدة والغرب. بدأت بمبادرة الملك
عبد الله للسلام في الشرق الأوسط في ماس 2002 والتي نصّت
على (انهاء الصراع العربي الاسرائيلي) وأيضاً (إنشاء علاقات
طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل).
ورغم السخاء السعودي في تقديم تنازلات جمّة للجانب
الاسرائيلي، فقد نظر إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق
إرييل شارون بأن المبادرة لا تساوي الحبر الذي كتبت به،
ما لم يتمّ إجراء تعديلات جوهرية في موضوعي (عودة اللاجئين)
و(القدس). واشتغل عرّاب العلاقات السعودية الاسرائيلية
الأمير بندر بن سلطان لأعوام من أجل إقناع عرب الاعتدال
بالتنازل عن (حق العودة) وتمييع النقاش حول (القدس)، حتى
تعلن تل أبيب من جانب واحد بأن القدس عاصمة أبدية للدولة
اليهودية. وبالفعل خرجت قمة الرياض في مارس 2007 بقرارات
هزيلة توارى فيها الحديث عن (عودة اللاجئين) و(القدس).
أما على مستوى المؤامرات، فكانت وظيفة الدولة السعودية
تقطر خزياً، منذ بيان (المغامرة) الصادر في اليوم الأول
للعدوان الاسرائيلي على لبنان في 12 يوليو 2006، وما تلاه
من بيانات في العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في ديسمبر
2008 ـ يناير 2009، والتخطيط لإسقاط النظام السوري بالتعاون
مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ونائب الرئيس السوري
السابق عبد الحليم خدّام، وأجهزة استخبارات اسرائيلية
وأردنية.
ولم تتوقف المؤامرة حتى اليوم على لبنان وسوريا والعراق..
في غضون ذلك، فوجئنا بخبر خارج النسق. يقول الخبر بأن
السعودية ولأول مرة تبلغ الحكومات الأوروبية تحذيرات بأن
عملاً إرهابياً يوشك أن يقع على الأراضي الأوروبية، وبعد
إسبوع من تحذيرات الرياض شهد العالم قصة (الطرود المشبوهة)
التي مثّلت مخرجاً نموذجاً لحكومات أوروبية مثل فرنسا
التي كانت تشهد اضطرابات متعاقبة في المدن الفرنسية على
خلفية خطة التقشف وتعديل نظام التقاعد..
السعودية، وليس جهازي السي آي أيه الأميركي أو إم آي
6 البريطانية، هي من مسكت الخيط الأول لخطة جلوبالية للقاعدة
تتمثل في القيام بعمل إرهابي لم يكشف عن طبيعته..
يذكّرنا الخبر بالنكتة الشائعة والتي تقول: أن ثلاثة
لصوص إتفقوا على خطة سرقة بنك فتقاسموا الأدوار على أن
يقوم أحدهم بمراقبة المنطقة التي يتواجد فيها البنك، ويقوم
الآخر بتنفيذ عملية السرقة، أما الثالث فيقوم بإبلاغ الشرطة.
|