أساسها التخريب والتفجير وإشعال الفتن الطائفية
ويكيليكس وسياسة السعودية العراقية
سعد الشريف
بضع وثائق عن السعودية تسربت من موقع ويكيليكس، كشفت
الموقف السعودي من العراق وبعض خلفياته.
لم يكشف الموقف الحقيقي والرسمي أحدٌ آخر غير المسؤولين
السعوديين أنفسهم، ابتداءً من الملك وانتهاءً بوزير خارجيته
سعود الفيصل، مروراً بأمراء كبار آخرين.
أي أن أهم ما جاءت به الوثائق لا يتضمن تحليلات للموقف
السعودي من العراق. وإنما رصداً له من لسان الملك وإخوته
وطابور الأمراء الساسة.. ما يعني أن ليس هناك تقوّلاً
على السعودية وحكامها، ولا اجتهاداً لمعرفة مواقف رجالها،
ولا تحليلاً يرجم بالغيب ويتهم ساستها بما ليس فيهم.
ما هو منشور في الوثائق في مجمله عبارة عن (محاضر جلسات)
تمت بين المسؤولين السعوديين والأميركيين، قام الدبلوماسيون
الأميركيون بتسجيل ما دار فيها، لرفعها الى وزارة الخارجية
أو أحد أقسامها، بغية الإستفادة منها وحفظها.
أي أن ما تم تسجيله من مواقف سعودية في تلك المحاضر،
لا يستهدف تضليل (الذات الأميركية).. فقد سجل ما سجّل
لتقويتها وتبصيرها.
|
المالكي يرفض إملاءات عبدالله
|
والسعوديون من جانبهم لم ينفوا شيئاً حتى الآن مما
نشر عنهم وعن مواقفهم في شتى الإتجاهات، سواء تعلق الأمر
بإيران أو العراق أو لبنان أو الباكستان أو اليمن أو غيرها.
كل ما قالوه على لسان المتحدث باسم الخارجية السعودية
أسامة النقلي، هو ( هذه الوثائق لا تعني المملكة العربية
السعودية. والمملكة لم تلعب أي دور أيضاً في نشرها) والمملكة
(لا تعلم شيئاً عن صحتها، وبذلك لا يمكن لها التعليق عليها)
وزاد: (سياسة المملكة ومواقفها كانت دائماً واضحة)!! وبرر
عدم الرد على ما جاء في الوثائق بأنه (ليس للمملكة أي
دور في صياغتها، كما أنها لا تعلم عن مدى صحتها وموثوقيتها
ولذلك فإن المملكة لن تعلق عليها)!!
يا له من تعليق سعودي بائس، ويا له من وضوح مُسعوَد!
وحين أبلغت أميركا حلفاءها السعوديين والعرب مسبقاً
بتسريب الوثائق قبل أن تنشر، جاء ذلك صادماً لهم، وحسبما
قال جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية كلينتون (الشرق
الأوسط ـ 9/12/2009): (ردود الفعل من الجميع تقريباً كانت
عبارة عن صدمة، من كيف يمكن أن يحصل هذا الأمر، وغضب)!
وأضاف: (لقد تأثر عمل دبلوماسيينا.. لدق حضرت اجتماعات
حيث قال المسؤول: لا تدوين للملاحظات. وطلب مسؤولون في
اجتماعات أن يغادر مدون الملاحظات الغرفة)!
(الحجاز): موثوقية التحليل عن
الموقف السعودي تجاه العراق
الإتجاهات العامّة للسياسة السعودية تجاه العراق تمّ
التعبير عنها في عشرات المقالات في مجلة (الحجاز). وبالتالي
لم تحمل الوثائق المسربة لنا ـ نحن أسرة تحرير المجلة
ـ إلا القليل من المفاجآت.
فيما يلي (بعض) عناوين المقالات المنشورة في (الحجاز)
في أعدادها المختلفة، وهي قد تعطي لمحة عمّا يمكن للمرء
أن يتوقع قراءته من مواقف سعودية في الوثائق المسرّبة
عبر ويكيليكس:
■ السعودية والعراق والقادمون
الجدد: معركة النفط في المرحلة القادمة
■ لماذا وكيف: المبادرة السعودية
حول القوات الإسلامية في العراق
■ دلالات مكتومة: بيان التيار
السلفي حول المقاومة في العراق
■ النجاة من الحرب الطائفية
في العراق: السعودية تتنصل من بيان الـ 26 عالماً
■ العراق مصدر الإلهام والخطر
والإحراج
■ السعوديون في العراق: أجساد
تحت الطلب
■ سعود الفيصل يحذر من التقسيم
بلغة تقسيمية: العراق بين مبادرة عربية توحيدة أو تمزيقية
■ دعم العلمانيين ومحاربة
النفوذ الإيراني أبرز سماته: رؤية للدور السعودي المنتظر
في العراق
■ هل تخاف السعودية جارتها
الشمالية؟: السعودية والعراق الديمقراطي الفيدرالي
■ تطور جديد في سياستهم الخارجية:
لمن يستعرض السعوديون عضلاتهم؟ (تحليل لتصريحات سعود الفيصل
الحادّة تجاه قيادات عراقية؛ وضد إيران وسوريا).
■ تأجيل زيارة الملك الى
واشنطن: دعم الإرهاب في العراق كان عائقاً (حول تحريض
رئيس مجلس القضاء الشيخ اللحيدان الوهابيين على الجهاد
في العراق وليس في السعودية)
■ سلفيو السعودية: النائحون
على الزرقاوي
|
بالأحضان وطعن في الظهر!
|
■ مصالحة المالكي وعفو عبدالله:
دبلوماسية التعاون الأمني (حول زيارة المالكي الى السعودية
ودول الخليج)
■ الدخول بعقلية وصائية:
خيارات السعودية في العراق
■ السعودية: هلال أم بدر
شيعي؟ حلف سياسي أم أيديولوجي؟
■ «سور صين» سعودي لعزل العراق!
■ هل هناك مشروع سعودي في
العراق: السعودية تلتحق بمشروع أمريكي وليست مؤهلة للقيام
بدور مستقل
■ (العبقرية) السعودية تخسر
المعركة إن لم تحولها الى حرب طائفية
■ توازن القوى الإقليمي:
العراق وصراع النفوذ
■ الرياض تخطط لإسقاط حكومة
المالكي
■ الغياب.. التخريب.. الإستتباع
: إيقاع الدور السعودي المرتبك
■ رسالة الى الرياض قبل الإنسحاب:
إعلان حجم المشاركة السعودية في العنف داخل العراق
■ السعودية تدخل والعراق
في معركة كسر العظم: 30-40 انتحارياً سعودياً يدخلون العراق
شهرياً
■ قبل الانسحاب الأميركي
من العراق: الرياض تتخذ الى واشنطن مآبا
■ السعودية والعراق: الإلتفاف
بسياسة جديدة
■ الإنتخابات العراقية: اللعبة
الطائفية لم تخدم السعودية؟
■ الخوف من الإصلاح: لماذا
لا تقبل السعودية بالعراق الجديد؟
■ السعودية متأخرة الى العراق:
الإنتخابات ونهاية الوهم السعودي
■ سدنة الاستبداد السعودي
ينظرون للإنتخابات العراقية
■ السعودية وزمن العراق
■ الرياض غضبت على المالكي
ولم يغضب أحدٌ لغضبها
■ السعودية أمام تحد عراقي
جديد
■ الصورة العراقية في المخيال
السعودي
■ العراق وصراع النفوذ بين
الرياض وطهران
■ السعودية واللاعبون الرئيسون
في العراق
ما توصلت (الحجاز) إليه في مقالاتها المختلفة حول السياسة
السعودية في العراق منذ الإحتلال الأميركي له حتى الآن،
هو التالي:
■■ الرياض لا ترى العراق
إلا بعين طائفية. ولا ترى الشيعة فيه بملايينهم إلا (طابوراً
خامساً) لإيران. الرؤية السعودية للعراق بعيون طائفية؛
والإستئثارية الإنتحارية في السياسة السعودية، تلغي أية
إمكانية بناء نفوذ سعودي داخل العراق.
■■ السعودية انتهجت سياسة
تخريب الوضع في العراق بأي طريقة كانت، بما في ذلك دعم
القاعدة والزرقاوي، ودفعت بمجاميع من المتطرفين الوهابيين
لممارسة الجهاد في العراق بدل السعودية التي أصابها بعض
تفجيرات القاعدة.
■■ الرياض كانت ولاتزال تنتهج
سياسة محاصرة النظام السياسي في العراق، لا لأنه عدو أميركا،
أو عميل لها، بل لأنه لا يوجد لديها مشروع في العراق،
ولا تمتلك نفوذاً سياسياً وازناً فيه.
■■ الرياض تمارس سياسة الإستعلاء
والوصاية على العراقيين حتى الآن، وهي تكره المالكي بالذات
لأنه يرفض الإملاءات السعودية، ولذا فإن السعودية واحدة
من الدول القلائل التي لا يوجد لديها تمثيل دبلوماسي في
بغداد.
■■ السعودية تخشى ان يكون
العراق بديلاً لها، لغناه النفطي، ولمكانته الإستراتيجية،
وإذا ما استقرّ فإنه قد يكون الحليف الأقرب لواشنطن بدلاً
من الرياض.
|
الملك يلتقي متكي ويهدده:
أمهلكم سنة واحدة.. وإلاّ!! |
■■ لا توجد رؤية سعودية مستقلة
للوضع العراقي، بل تراه ملحقاً لسياستها وصراعها مع ايران.
■■ الرياض شديدة الغيظ من
أن واشنطن فشلت في إيقاف التمدّد الإيراني الى العراق،
وواشنطن تنتقد الرياض لأنها بمقاطعتها للعراق أفسحت المجال
واسعاً للنفوذ الإيراني فيه.
■■ راهنت السعودية على التخريب
والعنف لتدمير العملية السياسية والإستقرار في العراق؛
وواشنطن تدرك حجم العنف القادم من السعودية وبدعم الأمراء
فيها. لكن مشاريع السعودية في العراق فشلت جميعاً حتى
الآن، لأنها استعدت أكثرية العراق من الأكراد والشيعة
(أكثر من 80% من السكان).
■■ لم يكن للسعودية نفوذ
سابق في العراق، ولم تبحث عن نفوذ لها فيه إلا متأخرة،
ولكن ليس على قاعدة تقاسم النفوذ مع اللاعبين الآخرين،
بل على قاعدة اجتثاث مواقع غيرها والجلوس محلّهم. وهي
حاولت اقتحام العراق بغطرسة على قاعدة التوازنات الطائفية
الإستئصالية، وليس على قاعدة الشراكة بين مكوّنات الشعب
العراقي.
الملك يوضح سياسته العراقية لبترايوس
وكروكر
والآن لنأتِ الى الوثائق المسربة من ويكيليكس، ولنقرأ
كيف يعبّر المسؤولون السعوديون الكبار بأنفسهم عن سياستهم
العراق، وبقدر لا تنقصه الصراحة، وبشكل لا يمكن لأحد أن
يختلق على لسانهم الكذب.
الوثيقة السرية الأميركية رقم 08RIYADH649 والصادرة
من السفارة الأميركية في الرياض، والمؤرخة في 20/4/2008،
كان موضوعها: (الملك عبد الله وأمراء كبار حول سياسة السعودية
تجاه العراق)، وقد كشف فيها الملك وكبار الأمراء أوراقهم
للأميركيين (الجنرال ديفيد بترايوس، والسفير الأميركي
في بغداد رايان كروكر)، وقالوا بأنهم لن يفتحوا سفارتهم
في بغداد، مرة بذريعة الأمن، ومرة أخرى حتى يلبي المالكي
شروطهم التي لم يفهمها حتى الأميركيون. ويتحدث السعوديون
عن وعود قدمها المالكي لهم أثناء زيارته للرياض، ولكن
الملك يوضح في وثيقة أخرى أن المسألة لم تكن وعوداً من
المالكي، وإنما إملاءات حاول الملك وإخوته أن يفرضوها
على المالكي فلم ينفذ منها شيئاً، وقد قدمت الإملاءات
بلغة استعلائية غير دبلوماسية، سنجد الكثير من الأدلة
عليها في الوثائق.
ملخص الوثيقة يقول:
التقى السفير السعودي في العراق رايان كروكر والجنرال
ديفيد بترايوس مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، ووزير
الخارجية الأمير سعود الفيصل، ورئيس الاستخبارات العامة
الأمير مقرن بن عبد العزيز، ووزير الداخلية الأمير نايف،
وذلك خلال زيارة تمت في الفترة ما بين 14 ـ 15 أبريل.
الملك والأمراء الكبار استعرضوا بالتفصيل السياسة السعودية
تجاه العراق، وعرضوا نفس النقاط. وقالوا بأن المملكة لن
ترسل سفيراً الى بغداد، أو تفتتح سفارة لها هناك، حتى
يرضى الملك والمسؤولون السعوديون الكبار عن تحسّن الوضع
الأمني، وحتى يروا الحكومة العراقية قد طبّقت السياسات
التي فيها فائدة لكل العراقيين، وحتى يتم تعزيز الهوية
العربية للعراق، ومقاومة النفوذ الإيراني.
وقال سعود الفيصل بأنه أرسل دبلوماسيين سعوديين الى
بغداد للتعرّف على موقع للسفارة السعودية. ولكنه قال (الملك
ببساطة منع من الذهاب أبعد من ذلك) على خلفية الأوضاع
الأمنيّة.
ليس الأمن هو المشكلة، فكل دول العالم فتحت سفاراتها
في بغداد، بما فيها معظم الدول العربية والخليجية.. وإنما
مشكلة السعوديين مع العراق هو أن أكثرية شعبه من الشيعة
والأكراد! وأنها تريد منهم أن يخوضوا معركة لمصلحتها وبالنيابة
عنها تجاه إيران. لذا كانت معاقبة الحكومة العراقية بحجة
أنها جزء من إيران، ولا تأتمر بأمر الرياض! كما يريد الملك
عبدالله. تكمل الوثيقة:
وفي نقطة منفصلة قال سعود الفيصل (إن الملك رفض أيضاً
اقتراحاً بإرسال سفير سعودي الى بغداد، لأن ذلك قد يعطي
دعماً سياسياً جوهرياً للحكومة العراقية، فيما يقاوم هو
أي نفوذ إيراني). وقد عبّر الملك عن شكوكه إزاء رغبة الحكومة
العراقية بمقاومة إيران. وقد أفصح مراراً عن شكوك حيال
رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نفسه، بالتلميح الى
(ارتباطاته الإيرانية). وقال الملك السعودي بأنه لا يثق
بالمالكي لأن رئيس الوزراء العراقي (كذب) عليه في الماضي
حين وعده بأن يتّخذ خطوات ولكنه لم يفعل. الملك لم يقل
بالدقة ما هي تلك الوعود التي تمّت مخالفتها. وقد أعاد
وجهة نظره بأن المالكي يحكم العراق ممثلاً لمذهبه الشيعي
وليس كل العراقيين.
|
مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب
برنان يلتقي الملك |
إذا كان المالكي يمثل الشيعة وفق حكم ديمقراطي أكثري،
فإن الحكومة السعودية تمثل الوهابيبن وهم أقليّة لا تزيد
عن ربع السكان، ولا تعتمد اي وسيلة انتخابية ولا تمثل
شعبها تمثيلاً صحيحاً، ولا تساوي بين مواطنيها. لكن الأمراء
السعوديين يحبّون أن يقدموا دروساً للآخرين عن الحريات
والديمقراطية التي لا يملكون منها شيئاً ولا يمارسونها،
بل وإنهم يريدون أخذ دور الأستاذ لتعليم العراقيين ـ الذين
ينظر السعوديون اليهم بدونيّة واستعلائية ـ دروساً في
العروبة التي باعها الأمراء السعوديون لأميركا واسرائيل،
وفي الإسلام الذي امتطوه وطوّعوه خدمة لواشنطن وأحلافها،
وفي الوطنية التي لا يعترفون بها في ديارهم ويسمونها وثنية.
جاء السعوديون (ليثرموا البصل على رؤوس العراقيين) كما
يقال في اللهجة العراقية الدارجة، وليرشدوهم الى مبادئ
لم يلتزم بها آل سعود يوماً ما.
لنقرأ رأي الملك أكثر، فهو يبدو غير قادر حتى على الإعتراف
ما أنجزه المالكي حقّاً، في حين نسب الإنجاز للأميركيين
الذين لم يدّعوه!، ولنقرأ المقترح الذي يراد تمريره للسيد
السيستاني وكيف يتحدث السعوديون عن (السيستاني وشعبه!)
وكأنهم يتحدثون عن شعب بينهم وبينه بُعد المشرقين، لا
علاقة له بالعروبة ولا بالجوار ولا بالدين:
يعتقد الملك بأن التحسّن في الوضع الأمني ليس عائداً
الى تحسّن أداء الحكومة العراقية وإنما للأداء الأميركي.
أما وزير الخارجية السعودية فاقترح بأن تشجّع القيادة
الأميركية في العراق آية الله السيستاني للحديث عن عراق
موحّد، ومصالحة وطنية بين مختلف الطوائف والجماعات العراقية.
يقول سعود الفيصل: (لقد دفعتم ثمناً باهظاً من دمكم وثرواتكم،
وإن السيستاني وشعبه استفادوا بصورة مباشرة، ولديكم مطلق
الحق في طلب ذلك منه).
الحاجة الى مقاومة إيران: قطع
رأس الأفعى
تأتي مسألة تحريض الملك عبدالله للأميركيين كي يشنّوا
حرباً ضد إيران في سياق سياسة السعودية العراقية. لاعجب
فإن من مشاكل السعودية أنها أرادت العراق واحداً من ساحات
صراعها مع إيران، في حين أرادته الأخيرة واحداً من ساحات
صراعها مع تل أبيب وواشنطن. الوثيقة نفسها ـ والتي راجعها
قبل إرسالها الى واشنطن كل من بترايوس وكروكر ـ تتحدث
عن قطع رأس الأفعى الإيرانية. تقول الوثيقة تحت عنوان:
(الحاجة الى مقاومة إيران):
اتفق كل من الملك، ووزير الخارجية، والأمير مقرن، والأمير
نايف، على أن المملكة بحاجة الى التعاون مع الولايات المتحدة
لمقاومة وتقليص النفوذ والتدخل الإيرانيين في العراق.
وكان الملك على وجه التحديد صارماً في هذه النقطة، وقد
لقي صداها لدى الأمراء الآخرين.
عادل الجبير السفير السعودي في واشنطن أعاد التذكير
بنداءاته المتكررة الى الولايات المتحدة بمهاجمة إيران
وبالتالي وضع نهاية لبرنامجها النووي (لقد أخبركم بقطع
رأس الأفعى)، وقال بأن العمل مع الولايات المتحدة لتقليص
النفوذ الإيراني في العراق هو أولوية استراتيجية بالنسبة
للملك وحكومته.
ويبدو أن الحماسة السعودية الشديدة لمواجهة إيران بعصا
أميركا وحتى إسرائيل، سلاحاً أو عقوبات، وسواء كان الفعل
مشروعاً ومبرّراً أو مرّ عبر آليات الأمم المتحدة أم لم
يمرّ.. تبدو هذه الحماسة خارجة عن أصول التفكير السياسي
الهادئ، وتعكس أحقاداً سعودية بأكثر مما تعكس مصلحة سعودية.
كل الأمراء كانوا متحمسين في مواجهة إيران، لا يختلف في
ذلك رئيس الإستخبارات عن رئيس الدبلوماسية:
وزير الخارجية السعودي، دعا في الجهة المقابلة، الى
عقوبات أميركية ودولية أكثر شدّة تجاه إيران، وتشمل المنع
من السفر، وقيود أخرى على الإقراض البنكي. وردّد الأمير
مقرن نفس المواقف، مشدّداً على أن بعض العقوبات يمكن تطبيقها
دون موافقة هيئة الأمم المتحدة. وقال وزير الخارجية أيضاً
بأنّ استعمال الضغط العسكري ضد إيران لا يجب استبعاده.
ملك متوتر وأمراء تحرّكهم الأحقاد
تظهر الوثائق الملك عبدالله كما كل المسؤولين السعوديين
من العائلة المالكة متوترين للغاية من كل شيء له علاقة
بالعراق أو إيران أو حزب الله أو حتى حماس وسوريا، بل
ومفردة (الشيعة) بشكل عام. التوتر الطاغي في الوثائق التي
نشرتها ويكيليكس بنظرنا أمرٌ غير مسبوق، اعتماداً فقط
على المقارنة بالوثائق التي نشرتها الخارجية البريطانية
حتى الآن.
أمراء وحكام السعودية من خلال الوثائق يظهرون فاقدي
التوازن والإتزان، يتكلمون على المكشوف ولا يراعون الأدب
والدبلوماسية، وحديثهم مصحوب بغطرسة قاتلة (قد تكون في
أحد أوجهها شبيهة بالغطرسة الإسرائيلية التي أودت بالإسرائيليين
الى الهزيمة في حرب تموز 2006). السعودية غير متواضعة
البتة، وتعاليها واضح حتى على إيران ومسؤوليها. ولطالما
ذكرنا قراء (الحجاز) بأن السعوديين فسّروا زيارات المسؤولين
الإيرانيين المتكررة الى الرياض بما فيها زيارات الرئيس
نجاد، بأن الجميع مضطر لخطب ودّهم والتنازل لهم، وأنهم
قوّة لها شأنها يجب أن تستشار في كل أمر، وتوافق على كل
خطّة، وإن كانت ـ اي السعودية ـ تفعل ما يحلو لها. والحقيقة
فإن السعودية إذا ما قورنت مع إيران تتقزم الى أبعد الحدود،
سياسياً وعلمياً وعسكرياً وأداءً دبلوماسياً. يكفي أن
نشير الى أن ندوة البحرين الأخيرة في 4-5 ديسمبر الماضي
والتي حضرها متكي، أن هذا الأخير كان نجم الحفل، وأن كلينتون
سعت لمجرد الحديث معه وهو يرفض. قارن هذا بما يقوله الملك
هنا عن متكي وبلغة استعلائية. ولنا أن نستغرب كيف أن ملكاً
يتنازل ويطلع الأميركيين على كل نشاطاته ويتحدث الى مسؤولين
هم في العرف أدنى مرتبة منه بكثير، يتهاوى الى الحضيض
ويتبقى لديه مجال للتهديد والإستعلاء.
الوثيقة السرية رقم 09RIYADH447 والمؤرخة في 22/3/2009،
والمرسلة من السفارة الأميركية في الرياض الى خارجية واشنطن،
تتحدث في مجملها عن موقف السعودية من العراق وإيران، وإن
كان موضوع الوثيقة أخذ إسماً آخر وهو: (لقاء مستشار مكافحة
الإرهاب جون برنان مع الملك السعودي عبد الله). فقد التقى
الملك في قصره بجون برنان في 15 مارس 2009 ولمدّة ساعة
ونصف وناقش معه موضوع مكافحة الإرهاب ومعتقلي غوانتنامو
اليمنيين، ولكن الأهم في الأمر مناقشة موضوع العراق وإيران.
|
الوثيقة التي توضح سياسة
الملك والأمراء من العراق |
توضح الوثيقة بما لا لبس فيه بأن الملك السعودي كان
شديد التوتر، وأن بلاده تبدو زاهدة في العلاقات مع إيران،
وأن نقطة الخلاف هو النفوذ الإيراني في العراق. لقد وضعت
السعودية نفسها في منافسة أكبر من حجمها وقدراتها. من
يدقق في مفردات الملك يشعر بأنه يحتقر الإيرانيين، على
خلفية عنصرية. كان الملك فيصل يحارب قومية عبدالناصر بالزعم
أن القومية العربية ضد الإسلام، والآن حين ترفع إيران
شعار اسلامية القضية الفلسطينية وتدعم حماس يقول لها الملك
عبدالله صراحة: (إنكم فرس)! ليته قال للأميركيين أو الإنجليز
أو الصهاينة أو حتى الروس والصينيين: لا تتدخلوا في شؤون
فلسطين لأنكم لستم عرباً!
تقول الوثيقة التي سجلت الحوار بين برنان والملك:
قال الملك إنه أبلغ وزير الخارجية الإيراني متكي قبل
دقيقة من اللقاء مع برنان بأن على إيران التوقّف عن التدخل
في شؤون العراق، وأضاف بأنه أعطى إيران سنة كحدّ أقصى
لتحسين علاقاتها مع السعودية. وقال الملك لبرنان بأنه
يجلس على نفس الكرسي الذي كان يجلس عليه متكي قبل لحظات.
ووصف الملك المحادثة مع وزير الخارجية الإيراني بأنها
كانت ساخنة، وتضمنت نقاشاً صريحاً حول التدخّل الإيراني
في شؤون العراق. ردّ متكي على الملك حول تدخّل إيران في
شؤون حركة حماس بأن (هؤلاء مسلمون)، فرد الملك: (لا، هؤلاء
عرب. أنتم كفرس لا حقّ لكم بالتدخل في قضايا العرب). وقال
الملك بأن الإيرانيين أرادوا تحسين العلاقات، وأنه ردّ
باعطاء متكي مهلة (سأعطيكم سنة ـ لتحسين علاقاتكم ـ وبعد
ذلك، ستكون النهاية).
هذه لغة شخص مُستَعْلٍ يهدد بقطع العلاقات، ولكن التهديد
لم ينفذ. رحم الله امرئاً عرف قدر نفسه وبلده!
الملك تسيّره عواطفه وأحقاده الشخصية، وليس العقل والحكمة
المزعومة التي قيل انه يتصف بها، والتي لم نرَ في الوثائق
إلا نقيضها. بالنسبة لنوري المالكي، فإن الملك عبدالله
أعرب عن عدم ثقته الكاملة في رئيس الوزراء العراقي
نوري المالكي، وأن أمله ضئيل في تحسّن العلاقات السعودية
العراقية طالما بقي المالكي في منصبه.
حسنٌ.. ها هو المالكي رئيساً للوزراء مرّة أخرى، رغماً
عن السعودية، فما عساها صانعة؟ وماذا يحتاج العراق أصلاً
من السعودية؟ لم يأت من الرياض غير القنابل البشرية وفكر
الإرهاب والتآمر. قال الشاعر العربي ذات مرّة: زعم الفرزدقُ
أنْ سيقتل مربعاً/ إبشر بطول سلامة يا مربعُ!. ولكن لنقرأ
المقطع التالي من لقاء برنان بالملك فهو في غاية الأهمية:
يقول الملك (يقول البعض بأن الغزو الاميركي سلّم العراق
الى إيران على طبق من فضة، هذا بعد أن حاربنا صدام حسين).
وقال الملك بأن ليس لديه (أي أمل من أي نوع في رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي، وأن السفير الأميركي في العراق
كروكر على اطلاع تام بوجهات نظري). وشدّد الملك على أنه
رفض توسّلات الرئيس بوش بلقاء المالكي. وقال الملك بأنه
قابل المالكي في بداية عهده، وأنه أعطاه قائمة مكتوبة
من الالتزامات للمصالحة في العراق، ولكنه أخفق في تلبية
أي منها. ولهذا السبب، على حد قول الملك، ليس للمالكي
مصداقية (لا أثق بهذا الرجل. هو عميل إيراني). وقال الملك
بأنه أبلغ كلاً من بوش ونائب الرئيس السابق تشيني (كيف
أستطيع أن أقابل شخصاً لا أثق به؟)، لقد (فتح ـ المالكي
ـ الباب للنفوذ الإيراني في العراق) منذ أن تسلّم السلطة،
وقال الملك بأن ليس لديه أي أمل على الإطلاق في المالكي،
أو اللقاء معه.
وقال الملك (نحن أهرقنا دماً سوياً في الكويت والعراق)،
والسعودية تقدّر ذلك بشكل كبير. وإن الصداقة قد تكون قضية
صعبة وتتطلب عملاً، ولكن الولايات المتحدة والسعودية عملا
على امتداد 70 سنة أي ثلاثة أجيال.
حاربنا صدام حسين.. أهرقنا دماً سوياً.. لا أثق بهذا
الرجل.. هو عميل إيراني.. رفض الملك توسلات بوش بلقاء
المالكي.
لغة مغرورة واستعلائية، وأشد ما فيها من استعلاء سعودي
قاتل قول الملك أنه أعطى المالكي قائمة مكتوبة من الإلتزامات/
الأوامر، وأن الأخير لم ينفذ أي منها. ولهذا هو لا يثق
به!
السؤال إذا كانت السعودية تستطيع أن تقول (لا) لأميركا
في الشأن العراقي، فهل تستطيع أن تقول (لا) في الشأن الفلسطيني؟
لقد أجابت (الحجاز) عن هذا التساؤل في واحد من مقالاتها،
وبيّنت أنها تستطيع لو أرادت. ولكن عليها أن تدفع الثمن.
أما بالنسبة للعراق فهو ملعب للجميع، وضحاياه عرب ومسلمون.
وأما أن يتجاوز السعوديون الخطوط الحمراء فيواجهون سياسة
أميركا الصهيونية فهذا يضر بأصل العلاقة الأميركية السعودية.
والسعوديون اعتادوا التضحية بقضية فلسطين من اجل ترقيع
علاقاتهم مع أميركا (المبادرة السعودية جاءت لتخفيف غضب
أميركا على آل سعود بعد أحداث 9/11).
عموماً فإن لغة الملك لا تبني للسعوديين إلا نفوذاً
رملياً في العراق! والأحمق لا يحرق إلا منزله ولا يحزّ
إلا نحره!
وجهة نظر العراقيين من الخطر السعودي
في الوثيقة الأميركية السرية رقم BAGHDAD002562، والصادرة
من السفارة الأميركية ببغداد في 24/9/2009، والتي حملت
عنوان (اللعبة الكبيرة، في الهلال الخصيب: العراق وجيرانه،
الجزء الاول).. هنالك شرح وتحليل خاص قدّمه السفير الأميركي
في بغداد حول الموقف العراقي من السعودي... وهو يجيب على
تساؤل..
لماذا السعودية، وليست إيران، قد تمثّل التحدي الأكبر
للسياسيين العراقيين الذين يحاولون خلق حكومة مستقرة ومستقلة؟.
بعض السياسيين، وليس الكل، يعتقد بأن هدف الرياض هو تعزيز
النفوذ السني، وتبديد هيمنة الشيعة، وتشكيل حكومة عراقية
ضعيفة ومفككة.
|
برنان يلتقي الملك، الشرق
الأوسط 8/9/2009 |
لسنا معنيين كثيراً برأي المسؤولين العراقيين في جيرانهم
جميعاً، السوريين والإيرانيين والأتراك والكويتيين والأردنيين..
بل يهمنا هنا رأيهم في السعودية ومواقفها. يرى السفير
الأميركي في بغداد أن علاقات العراق مع جيرانه تمثّل عنصراً
حسّاساً في جهوده لحفظ الأمن والاستقرار وتطبيع موقعه
في الخليج والمنطقة بصورة عامة. وفيما حقق العراق تقدّماً
جوهرياً في 2008 ـ 2009 في هذه الجبهات، يبقى هناك بعض
العمل غير الناجز، وخصوصاً فيما يرتبط بالعلاقات مع السعودية،
والكويت، وسوريا. تفجيرات 19 أغسطس 2009 ـ التي استهدفت
وزارة الخارجية العراقية، والتي استهدفت استطراداً العلاقات
العراقية في طور التحسّن مع جيرانها ـ تمثّل تراجعاً خطراً
لذلك التقدّم. التفجيرات حذّرت المسؤولين العراقيين الكبار
من أن جيران العراق ـ من العرب السنّة ـ على وجه الخصوص
ينظرون الى المكاسب الأمنية السابقة على أنها قابلة للتراجع.
فيما يتعلق بالسعودية، يشرح السفير الأمر بأن العراق
ينظر الى العلاقات مع السعودية باعتبارها الأكثر تحدياً
بالنظر الى أموال الرياض، التي يجري تخصيصها بشدّة لكل
الأعمال المناهضة للشيعة، وبالنظر الى الشكوك بأن الشيعة
الذين يقودون العراق سيعزّزون بلا مناص النفوذ الإقليمي
الإيراني. الآراء الواردة من العراق ترى أن الهدف السعودي
ـ وهو هدف معظم الدول العربية السنية، بدرجات متفاوتة
ـ هو تعزيز النفوذ السنّي، وتبديد هيمنة الشيعة، ودعم
تشكيل حكومة عراقية ضعيفة ومفكّكة. ومن المصادفة، أن الجهود
الإيرانية مصممة وبوضوح على تحقيق حكومة طائفية يهيمن
عليها الشيعة، بحيث تكون ضعيفة، وغير معترف بها من جيرانها
العرب، ومنفصلة عن الجهاز الأمني للولايات المتحدة، وتعتمد
استراتيجياً على إيران. وكل هذه الأهداف ليست في صالح
الولايات المتحدة.
ويعتقد السفير الأميركي ضمنياً بأن الموقف المتشدد
تجاه العراق الذي تمثله السعودية والذي يعتمد محاربة الشيعة
ومحاصرة الحكومة العراقية سياسياً، يتناغم مع الإستراتيجية
الإيرانية في جذب العراق الى جانبه بحيث يتخلّى عن محيطه
العربي وعن علاقته مع الولايات المتحدة. لهذا كانت توصية
السفير على النحو التالي..
في المدى البعيد، نحتاج الى إزالة هذه الأفكار لجهة
المشهد الأمني لما بعد مجلس التعاون الخليجي والذي يضم
العراق بصورة كاملة، ويطوّر طرقاً لاحتواء النفوذ الإقليمي
الايراني، ويشكّل الموقف الخاص الذي يمكن للعراق أن يحتله
في الخليج بطريقة تدعم مصالحنا ومصالح شركائنا في الخليج.
لكن هذه الرؤية الإستراتيجية وإن رأت واشنطن أنها تخدم
أمن الخليج وحلفائها في المنطقة، إلا أن السعودية لا تقبل
بأن يكون العراق عضواً في مجلس التعاون الخليجي، لأنه
سيكون من الناحية الفعلية سيّد الخليج، وستتوج زعامته
على حساب السعودية. إذا ما أصبح العراق عضواً في مجلس
التعاون الخليجي، فإن خطره السياسي والعسكري سيكون الأدنى،
وسيكون مفيداً في احتواء التهديد الإيراني إن وجد.. ولكن
الثمن لكل هذا، هو إضعاف الدور السعودي على مستوى الخليج.
لهذا لا يقبل السعوديون إلا باستثناء العراق من محيطه
الخليجي ومن محيطه العربي (مع ان الزعم والتهويل بأن عروبة
العراق في خطر!!) ووضعه في خانة العدو لكل الخليج، وإثارة
الهواجس حول توجهاته ومستقبله، وإثارة الطائفية لوضع الحواجز
أمامه ومنعه من ممارسة دوره الطبيعي في المنطقة.
ذات القضية يمكن تطبيقها على اليمن، الذي يريد هو الآخر
أن يكون عضواً في مجلس التعاون الخليجي، تدعيماً للأمن
في المنطقة، وحفاظاً على وحدته وحتى لا تتسرب المشاكل
من جيرانه اليه أو العكس (كما في حال قاعدة السعودية).
لكن السعوديين يرفضون أيضاً عضوية اليمن، الذي يعتبر الأكثر
عدداً من الناحية السكانية في الجزيرة العربية، والذي
يرجح أن يكون استقراره وتطوره الإقتصادي منافساً للموقف
والزعامة السعودية. بالطبع هناك دول كالكويت تشاطر السعودية
موقفها وإن كان لسبب آخر: (معاقبة اليمن لموقفه المؤيد
لاحتلال العراق للكويت عام 1990)!
مناهضة التشيّع كسياسة خارجية
الوثيقة آنفة الذكر، وقعت على مربط الفرس بالنسبة لسياسة
السعودية الخارجية، وذلك حين استخدمت عنواناً جانبياً
نصّه: (العربية السعودية: مناهضة التشيع كسياسة خارجية).
وتحت هذا العنوان قالت بأن المسؤولين العراقيين
ينظرون الى العلاقات مع السعودية باعتبارها الأكثر
إثارة للمشاكل، بالرغم من أنهم ـ أي المسؤولين العراقيين
ـ عادة ما يكونوا حذرين في حديثهم مع المسؤولين الأميركيين
ويتفادون توجيه انتقاد حادّ أكثر مما ينبغي، بالنظر الى
العلاقات الأميركية الوثيقة مع السعوديين.
يلحظ المسؤولون العراقيون بأن التصريحات الإنفجارية
المناهضة للشيعة من قبل شخصيات دينية سعودية غالباً ما
يسمح لها بالإنتشار دون قيد أو استنكار من القيادة السعودية.
وهذه الحقيقة تعزز وجهة النظر السعودية بأن دين الدولة
السعودية ـ أي الاسلام الوهابي ـ يغفر كل التحريض الديني
ضد الشيعة. هذه التصرفات المناهضة للشيعة تمثّل وجهات
النظر السعودية الرسمية تجاه عراق يقوده الشيعة. ومن الناحية
التقليدية، ينظر السعوديون الى العراق على أنه حصن سنّي
ضد انتشار التشيّع، وضد النفوذ السياسي الإيراني. في أعقاب
التفجيرات في المناطق ذات الأكثرية الشيعية والتي وقعت
في يونيو 2009 وأدّت الى مقتل العشرات، أشار رئيس الوزراء
المالكي بصورة علنية الى أحد خطابات إمام مسجد سعودي في
مايو 2009، وقال (لقد لحظنا بأن كثيراً من الحكومات كانت
تصمت بريبة حيال الفتاوى التي تحرّض على قتل الشيعة).
واضح للعراقيين بأن المتفجرات والعمليات الإنتحارية
في الأسواق والمساجد والتي تستهدف العراقيين كان الأساس
العقدي التنظيري لها سبباً أساس في وقوعها. وواضح أيضاً
أن الفتاوى الكثيرة التي صدرت من السعودية تتناغم مع الموقف
السياسي الرسمي السعودي سواء في العراق أو غيره، إن لم
تكن مدفوعة سياسياً من قبل الحكومة السعودية نفسها. وهذا
القتل المبني على أسس أيديولوجية والذي راح ضحيته عشرات
الألوف من البشر، هو ما يدفع ضحاياه لاعتبار الأخطار السعودية
أشدّ من أية أخطار أخرى. ففي حين تروج السعودية وحلفاؤها
بمن فيهم الأميركيون الى أن العراق يواجه خطراً إيرانياً
سياسياً أو حتى ديمغرافياً ـ كما يحلو للسعوديين الإعتقاد..
فإن الأمر الماثل للعيان بالنسبة للعراقيين هو ما يسمونه
بـ (المفخخات) والإنتحاريين السعوديين الباحثين عن الجنّة
بين جثث القتلى من النساء والأطفال في الأسواق والمساجد
والمدارس.. هؤلاء هم الخطر القائم من وجهة نظرهم. ترى
هل يمكن مجادلتهم بعكس ذلك؟!
وتمضي الوثيقة لتؤكد دور المال والإعلام والعنف والتآمر
والطائفية والأيديولوجيا الوهابية السعودية في تخريب الوضع
العراقي الداخلي وتوتيره وتأجيل التحامه.. وربما جرى كل
ذلك تحت عنوان: الغيرة والدفاع على أهل السنّة في العراق!
ولكن ليس كل السنّة وإنما العرب منهم فقط (15-20% من السكان)..
ولكن الغيرة السعودية لم تأت إلا متأخراً، فهي لم ترهم
وهم يقتلون على يد الإحتلال، ولا قبل ذلك وقت الحصار في
فترة التسعينيات الميلادية وحتى سقوط بغداد عام 2003 والذي
قتل ما يقرب من مليون طفل عراقي..
حتى الآن يستعمل السعوديون أموالهم وسلطاتهم الإعلامية
لدعم التطلعات السياسية السنيّة، وفرض نفوذهم على الجماعات
القبليّة السنيّة، وتقويض المجلس الأعلى الإسلامي في العراق
الذي يقوده الشيعة، والتحالف الوطني العراقي، ومجلس الأمن
الوطني. مستشار الأمن الوطني: صفاء الشيخ أبلغنا مؤخراً،
بأن النفوذ السعودي في العراق كان بارزاً، ربما أكثر بروزاً
من النفوذ الإيراني في هذه اللحظة، بالنظر الى الرصيد
المالي والاعلامي الهائل المستثمر في العراق، وبالنظر
الى الانشغالات الداخلية الايرانية [بعد الانتخابات الرئاسية
الأخيرة]. ولاحظ الشيخ بأن (الرسالة الإعلامية) للسعودية
قد تبدّلت في السنوات القليلة الماضية من كونها عدائية
للحكومة العراقية، ومتعاطفة مع التمرّد (القاعدة وغيرها)،
الى كونها تركّز جهودها أكثر فأكثر على رسالة المجلس الإسلامي
الأعلى في العراق. وبحسب مستشار رئيس الوزراء العراقي:
صادق الركابي، فإن السعوديين يعارضون التحالف الوطني العراقي
بقيادة الشيعة.
يقيّم الشيخ أيضاً أن السعوديين سيحاولون تقويض المجلس
الإسلامي الأعلى والتحالف الوطني العراقي وتقديم الدعم
للجماعات السنيّة لمواجهة النفوذ الايراني.. وهي خطوات
يمكن أن تنهي بصورة غير مباشرة دعم المالكي، في حال استمر
في تطبيق تحالف غير طائفي في الانتخابات. يقيّم هؤلاء
الهدف السعودي ـ وهدف معظم الدول السنيّة الأخرى بدرجات
متفاوتة ـ بأنه تعزيز للنفوذ السنّي، وتبديد لهيمنة الشيعة،
ولتشكيل حكومة عراقية ضعيفة ومفكّكة. (تعليق: من المصادفة،
أن إيران ترى أيضاً بأن في مصلحتها قيام حكومة عراقية
ضعيفة، بالرغم من أنها ستكون تحت سيطرة شيعية قوية).
وفي التقييم النهائي للوثيقة التي أعدها السفير الأميركي
ببغداد، فإن السعودية ـ من وجهة النظر العراقية ـ تلحق
الضرر الأكبر بالعراق، لأنها تموّل عنف القاعدة، وتتآمر
على الحكومة القائمة خلافاً للعرف الدبلوماسي، وبدوافع
الحقد. فضلاً عن أن السعودية تحشد الوضع الإقليمي ضد حكومة
بغداد بما يمنع الإستقرار السياسي للعراق ككل.. ومما جاء،
التالي:
يرى بعض المراقبين نفوذاً سعودياً ضاراً ومؤذياً بدرجة
أكبر. نقلت مقالة صحافية عراقية مؤخراً عن مصادر استخبارية
عراقية، لم يكشف النقاب عن هويتها، تقييمها بأن السعودية
تقود الجهد الخليجي لتقويض حكومة المالكي، وأنها تموّل
هجوم القاعدة حالياً في العراق. ونقلت الصحيفة أيضاً عن
النائب حيدر العبادي، الحليف السياسي للمالكي، تشديده
على أن الجيران الخليجيين العرب أرادوا تقويض الاستقرار
في العراق. وألمح عدد آخر من أصدقائنا الكبار الى نوايا
حاقدة مماثلة لدى بعض الجيران، بما يجعل تلميحاتهم واضحة
ـ وإن لم تكن صريحة ـ بأنهم يقصدون السعودية.
وختاماً..
لقد فعلت السعودية ما يمكنها فعله، بل الحد الأقصى
منه، لتخريب الوضع في العراق.
آخر ورقة اعتمدتها كانت الإنتخابات، وقد جاءت بالمالكي
مرة أخرى الى الحكم.
ولكن قبلها جاءت بمبادرة لتخريب محاولات الأكراد تشكيل
الحكومة. استاء الجميع من أن السعودية تقدمت بمبادرة هوائية
اعلامية دون أن تستشير احداً من القوى العراقية، وحين
تم رفضها الفوري، ماتت في مهدها بعد أقل من 24 ساعة، وخرج
سعود الفيصل في مؤتمر صحافي يتحدث بلغة اعتذارية للأكراد.
كان للرفض العراقي ثمناً، فقد توالت التفجيرات في بغداد
وغيرها وقضت على العشرات. وفهم الجميع الرسالة السعودية،
ولكن القافلة سارت، والحكومة الآن في طريقها الى التشكّل.
ترى ماذا ستصنع السعودية؟ وهل بيدها أن تفعل أكثر مما
فعلت؟ وأي نفوذ لها سيُبنى في المستقبل؟
|