العلاقات السعودية الإيرانية
الخلفية السياسية لوثائق ويكيليكس
محمد شمس
خلال السنوات العشر الأخيرة، كان الجهد السعودي السياسي
مركّزاً على أمرين:
الأول، استعادة ثقة واشنطن
وصداقتها وتحالفها وحمايتها للنظام السياسي في الرياض،
بعد الإهتزازات الشديدة التي أصابت تلك العلاقة إثر أحداث
سبتمبر 2001. هذا الأمر تحقّق بسرعة نسبيّة، فلم تمض سوى
أربع سنوات على الحادث حتى عادت الأمور الى مجاريها (تقريباً).
والأسباب كثيرة ليست كلها عائدة الى الجهد والمال السعوديين
اللذين بذلا بسخاء، ولا الى التنازلات السياسية السعودية
التي قدمت على حساب القضية الفلسطينية وغيرها.. ليس هذا
فحسب، بل ويعود الأمر أيضاً الى الإخفاق الأميركي في احتلاله
العراق وأفغانستان، وحاجة الأميركيين الى الدور السعودي
مجدداً، مع أنه بلغ أقصى حالات ضعفه على المستوى الإقليمي.
الثاني، محاربة النفوذ الإيراني
على كل الأصعدة، حتى ليبدو الآن بأن ليس هناك أمرٌ يشغل
الأمراء السعوديين غير إيران؛ وتحركات إيران؛ وأسلحة إيران؛
والتطورات العلمية والصناعية والنووية في إيران، وكذا
نفوذ إيران المتواصل في المنطقة والعالم والذي وصل الى
أعماق أفريقيا وإقامة أحلاف صلبة مع دول أمريكا اللاتينية.
بحق نقول.. ليس هناك موضوع آخر يشغل الأمراء السعوديين
غير هذا الأمر. بل أن العديد من القضايا تراها الرياض
بعيون صراعها مع إيران. أي أن رؤية السعودية ومواقفها
تجاه العديد من القضايا سواء في الباكستان أو أفغانستان
أو العراق أو لبنان أو السودان أو اليمن أو الجزائر أو
حتى روسيا والصين فضلاً عن رؤيتها لإسرائيل العدو، والقضية
الفلسطينية.. كلها تتحدد وفق أولويات الصراع السعودي الإيراني.
حتى في موضوع النفط إنتاجاً وتسعيراً، والذي يفترض أن
يكون القاعدة الذي تتفق عليه الدول المنتجة، فإنه قد تأثر
سلباً بتوتر العلاقات بين البلدين، حيث رأت السعودية ـ
مثلما فعلت في منتصف الثمانينيات الماضية ـ إضعاف إيران
من خلال تقليص إيراداتها النفطية عبر التلاعب بالإنتاج
وعدم التزام السعودية بحصتها المقررة منه.
لقد كرّسنا مساحات واسعة من المقالات والأبحاث في مجلة
(الحجاز) طيلة السنوات الثمان الماضية من عمرها، لتغطية
تطورات الصراع بين السعودية وإيران، وقاربنا الموضوع من
زوايا مختلفة، نظراً لحاكمية العلاقة بين البلدين وهيمنتها
على التفكير السعودي الى أقصى الحدود، حتى أن السعودية
تخلت عن ملفات أو استعادة اهتمامها بها بناء على تحركات
الخصم الإيراني. الموضوعات التي طرقتها (الحجاز) عن الصراع
الإيراني السعودي كثيرة، وهي قد تتبعته مذ كان في بدايته
قبل أن ينفجر بعيد احتلال الأميركيين للعراق، واتخاذ ايران
سياسة الهجوم بدلاً من الدفاع في عهد أحمدي نجاد.
لإعطاء خلفية عن الموضوع، فإن السعودية وبمبادرات إيرانية
كثيرة قادها رفسنجاني وولي العهد عبدالله (الملك حاليا)
أسفرت عن إعادة بعض الدفء في العلاقات بين البلدين، وتوقيع
العديد من الإتفاقيات بين البلدين في شتى المجالات، وذلك
أواخر القرن الماضي، ولكن لم ينفذ معظمها.
كانت إيران ومنذ توقف الحرب العراقية الإيرانية عام
1988 مشغولة ببناء نفسها بصمت، ولم تدخل في صراع مع أحد،
ولم يكن الغرب يعير الإيرانيين اهتماماً كثيراً، لأن السياسة
الأميركية كانت في مرحلة هجوم على المنطقة، خاصة بعد تكسير
صدام حسين وإخراجه من الكويت، وعقد مؤتمر مدريد، ثم عقد
اتفاق أوسلو، الخ..
بعد أحداث سبتمبر 2001، وبدلاً من أن تهاجم أمريكا
السعودية باعتبار بصماتها واضحة فيما حدث، اختارت تصفية
العراق واحتلاله ومهدت لذلك باحتلال أفغانستان. السعوديون
صفقوا وساعدوا الأميركيين لتحقيق ذلك، وكانت أمريكا تدير
معاركها في افغانستان من قاعدتها في الرياض، وكان يهم
السعوديين بدرجة أساس بعد إسقاط صدام حسين: خنق النظام
الإيراني وإسقاطه بعد أن أصبح بين فكّي كمّاشة القوات
الغربية/ الأميركية في البلدين المحتلين. لكن الإيرانيين
بادروا الى الهجوم، معتمدين في ذلك على استثماراتهم السابقة
مع المعارضين في البلدين، وعلى اعتماد سياسة تطفيش الأميركيين،
وبالتالي اطمأن الإيرانيون بأن من هم في حكم كابل او بغداد
ليسوا أعداءً، وأن الأميركيين أصبحوا غارقين في أوحال
البلدين يبحثون عن وسيلة تحفظ ماء وجههم للخروج.
السعوديون من جانبهم تنازلوا عن أوراقهم في أفغانستان،
فاضمحلّ نفوذهم هناك بشكل كبير. وفي العراق لم يبنوا لهم
نفوذاً بل فرّطوا في القيادات العراقية التي حاولت مراراً
أن تكون صديقة لهم وفي مقدمها جميع القيادات الشيعية والكردية،
وعمدوا الى مناصبتها العداء الصريح. هنا شعر السعوديون
بأن الأميركيين ليس فقط لم يستطيعوا تطوير هجومهم من العراق
باتجاه طهران أو حتى دمشق، بل أن طهران ودمشق صارت لهما
الكلمة الأولى في العراق توازي بل وتتغلب على الكلمة الأميركية.
والسعودية لم تبن لها نفوذاً مستقلاً، وانما اعتمدت على
النفوذ الأميركي الذي أخذ بالتراجع والإنحدار ولازال.
|
يداً بيد.. أم تآمر وطعنٌ
في الخلف؟! |
زاد الإنزعاج السعودي أكثر وأكثر، فأراد الأمراء تعويض
خسارتهم الطائفية في العراق، بربح آخر في دمشق: إسقاط
الحكم في دمشق مقابل إسقاط الحكم في بغداد!. فهذا من وجهة
نظر السعوديين يمثل خسارة لإيران وحلفائها، ويعيد التوازن
للمنطقة سياسياً وطائفياً، حسب وجهة نظرهم. وهنا جاء اغتيال
الحريري ـ على يد سلفيين سعوديين على الأرجح لازالوا معتقلين
في سجون لبنان ـ لتنفتح البوابة الجهنمية السعودية على
دمشق بغية اسقاط نظامها. كان الأميركيون يتمنون من السعودية
احتضان دمشق لتخريب تحالفها مع طهران، أو لتقف على الحياد،
لكن السعوديين أبوا إلا أن يجربوا إسقاط النظام، وقد تولّى
الأمر صانع المؤامرات بندر! بحيث لم تتخلّ الرياض عن نهجها
التآمري إلا متأخراً بعد أن تأكد فشلها وتبينت استحالة
نجاح مشروعها (التكويع السياسي الذي مارسه الملك عبدالله
بحجة اعادة التضامن العربي في قمة الكويت 2009 كان بحق
إعلان فشل صريح للسعودية وبداية اعادة اللحمة في علاقاتها
مع دمشق، ولكن من موقع الأضعف).
في 2006 زاد الإمتعاض السعودي من إيران الى حدّ الهوس.
لقد أيّدوا وشجعوا الإسرائيليين لضرب حزب الله، ورأوا
أن ذلك سيكون تمهيداً لتدمير إيران. الذي حدث هو العكس
تماماً. أكثر من هذا، فإن إيران أخذت في السنوات الأخيرة
تقدم نموذجها في الحكم، كما في بناء الدولة المتطورة علمياً،
التي تنتج العلم، وتسجل الإختراعات، وتصبح دولة صناعية
حتى في الميدان النووي، الأمر الذي جعل الحكم السعودي
بائساً حين المقارنة، من حيث الإيديولوجية ومساحة الحرية
السياسية الديمقراطية النسبية (انتخابات وتغيير وجوه)،
وحرية التعبير والعبادة، وغير ذلك.
لهذا كلّه، استقطبت إيران الألق والإهتمام، ما ازعج
السعوديين كثيراً. واعتبرت إيران ـ والى حد كبير ـ وارثة
النفوذ السعودي المتآكل في المنطقة العربية والإسلامية،
خاصة بعد تخلّي السعودية ومصر عن القضية الفلسطينية وتآمرهما
على حماس.
لا بدّ إذن من مواجهة سعودية مع إيران التي قزّم حضورها
ونشاطها وتصاعد قوتها السعوديين ونموذج دولتهم. وبدت حماسة
السعوديين لا تقل عن حماسة الإسرائيليين في التحريض على
ايران وحشد العالم لمواجهتها بكل الوسائل بما في ذلك الوسيلة
العسكرية. وظهر أن البلدين (اسرائيل والسعودية) ينسقان
جهدهما في واشنطن لتحقيق ذات الغرض: المزيد من الضغوط
والعقوبات واستعجال العمل العسكري الأميركي ضد ايران.
قال الملك عبدالله لصحيفة فرنسية الصيف الماضي بأن إيران
دولة يجب أن تزال من الوجود. وقال سعوديون آخرون بأن إيران
مجرد دمّلة يجب أن تُفقأ سريعاً. وطفحت أجهزة الإعلام
السعودية ولسنين طويلة ولاتزال لا هم لها إلا إيران وتصيّد
أي خبر عنها لتحويره واستغلاله في الدعاية ضدها (اوضح
الأمثلة قناة العربية وجريدة الشرق الأوسط).
لكن الغرب وأميركا اللذان لم يستطيعا القضاء حتى على
الحفاة الطالبانيين، كيف يمكن لهما أن يحاربا الإيرانيين؟
هذا مستحيل. ولكن السعوديين عبر بندر ابلغوا بوش الإبن
بأنهم على استعداد للمشاركة في الحرب وليس تمويلها فحسب.
ثم تراجع السعوديون وقالوا بأنهم على استعداد للمشاركة
فيها بالمال وغيره إلا استخدام الجيش السعودي مباشرة.
تمنى السعوديون أن تبادر إسرائيل بالحرب، فقال لهم المتطرف
أفيغدور ليبرمان بأن الصهاينة لن يقاتلوا بالنيابة عن
الآخرين الخليجيين!
ولازال المسعى السعودي يشجع على الحرب ويتمناها.
وهناك حروب أخرى تخوضها السعودية تمهيداً لتكسير إيران:
حرب على الجبهة الصينية والروسية لتطويقها سياسياً ومحاصرتها
اقتصاديا؛ ومشاركة سعودية نشطة في حلقة الإستخبارات الغربية
التخريبية داخل إيران (تمويل جند الله وحركات انفصالية:
الأحواز)؛ أو المشاركة في جهد قتل العلماء النوويين الإيرانيين
واختطافهم (اختطاف العالم النووي الإيراني شهرام أميري
من السعودية أثناء تأديته العمرة).
ما ذكر آنفاً يمثل خلاصة التطورات بين السعودية وايران
خلال السنوات العشر الماضية. وقد رصدتها (الحجاز) في مقالات
عديدة هذه بعض عناوينها:
■ من عبدالناصر الى حسن نصر
الله، ومن الخطر المصري الى الخطر الإيراني: الحروب الدينية
والطائفية في السياسة الخارجية السعودية
■ تحالف سعودي اسرائيلي على
قاعدة العداء لإيران: امريكا تغيّر خارطة الأصدقاء والأعداء
في الشرق الأوسط
■ محاولات بعث الدور السعودي
على قاعدة الصراع الطائفي
■ بندر يدير الحرب على إيران
من واشنطن
■ المحرضون والرابحون: تحضيرات
أميركية لحرب خليجية أخرى
■ الملك ينصح إيران ويؤكد
على العامل المذهبي
■ الصراع السعودي الإيراني:
المذهبية والمكسب السياسي
■ ازدواجية السياسة السعودية:
تجاذب الخوف بين طهران والرياض
■ نجاد في الرياض: ملفات
الصراع والتنافس والحرب!
■ التجاذب السعودي الإيراني:
استعلان صراع النفوذ
■ جولة الملك عبدالله في
آسيا: تدشين سياسة شرقية لفك طوق الغرب
■ تخبط في الرؤى وردود الفعل:
الملف الإيراني وتطورات الموقف السعودي
■ الرياض تتحول الى مطبخ
مؤامرات: واشنطن تلوّح بالبوارج، والسعودية بالفتنة الطائفية
■ بلوغ الحافات القصوى: السعودية
تدخل مرحلة هستيريا سياسية
■ تحالف اسرائيلي سعودي:
بندر يزور إسرائيل، ويحرّضها على حرب حزب الله
■ صانعة الحروب تثأر لنفسها
■ معركة استخباراتية بين
الرياض وطهران
■ مخاوف الرياض من تفاهم
إيراني أميركي: قلق الخروج السعودي من الموسم السياسي
■ مستقبل السياسة الخارجية
السعودية: انحدار رغم وفرة النفط والغطاء الأميركي
■ التائهون المنهزمون يبحثون
عن حل: الفيصل في باريس، وبندر في موسكو!
■ تناغم بين تل أبيب والرياض:
علاقات علنية وسرية تمهيداً للتطبيع
■ تصويب المواجهة باتجاه
إيران بالتعاون مع اسرائيل
■ كيف ترى السعودية إيران؟
■ الصراع على سوريا: السعودية
تبحث عن اجماع عربي لمواجهة التحدي الإيراني
■ مقدمات الصراع السعودي
الإيراني على النفوذ: السعودية تدخل المعركة بعد أن انتهت
■ المعركة السياسية الصامتة
بين طهران والرياض
■ الصراع الإقليمي بين إيران
والسعودية
■ الرياض وبكين في معركة
طهران وواشنطن: النفط السعودي Vs النووي الإيراني
■ الهواجس السعودية تصل مداها
حين يجتمع الإتراك والإيرانيون
■ السعودية وإسرائيل والحرب
القادمة مع إيران
■ السعودية تشتري موقف روسيا
■ الجهد السعودي في الحرب
الإستخباراتية بين إيران وأمريكا
■ اسرائيل والسعودية: شريكان
في الحرب على إيران
الى أيّ حدّ كان اتجاه التحليلات التي قدمتها (الحجاز)
صحيحاً؟ هذا ما يمكن ان تجيب عليه الوثائق في الصفحات
القادمة.
|