الملك ويكيليكس!
الوجه الآخر للملك عبدالله
فريد أيهم
الصورة التي تمّ تسويقها عن الملك عبدالله ـ وحتى قبل
أن يصل الى الحكم ـ لم تكن هي الصورة الحقيقة له.
منذ أن كان ولي العهد، دأب (صانع الملوك) الراحل عبدالعزيز
التويجري على تلميع سيّده الملك عبدالله (ولي العهد آنذاك).
كان التويجري يقول لزواره مستعرضاً إن عبدالله (طيّب،
وذكي) وأنه (عروبي) وأن (الحكومات الغربية) لا تحبّه،
بل تحبّ منافسيه من الطرف الآخر. ولطالما ردّد التويجري
للمقربين من زوّاره، بأن (سيّده) عبدالله، يتعرض لمؤامرات،
وربما يتعرّض لمحاولة اغتيال بسبب مواقفه العروبية، وعلاقاته
المتميزة مع الدول العربية خاصة عراق صدام، وسوريا حافظ
الأسد. كل ذلك من أجل تحبيب ولي العهد للجمهور، الكاره
لأميركا وحلفائها، وزيادة الضمانة من أن ولي العهد سيصبح
الملك القادم في خضم المنافسة التي كانت بعض فصولها شرسة
بين جناح ولي العهد والجناح السديري الذي يمثله الملك
فهد وأشقاؤه الستّة.
ولما اقترب ولي العهد (الملك حالياً) من العرش، بعيد
إصابة الملك فهد بالجلطة الدماغية في عام 1996، وتبيّن
أنه عاجز تماماً عن ممارسة مهامه.. نشطت دعاية التويجري
وأبنائه لسيدهم، بانتظار الإستحقاق الأكبر، ويومها أطلقت
عليه صفات أكبر من حجمه تماماً.
|
صانع الملوك التويجري وسيّده
|
قالوا أن عبدالله هو (رجل الإصلاح الأول!)، وزعم هو
ـ أي عبدالله ـ بأنه كذلك!. وفي خطوة ذكيّة لتحصيل المزيد
من الإلتفاف الشعبي ودعم المثقفين، استقبل عدداً من دعاة
الإصلاح واستلم وثيقتهم (وثيقة الرؤية) وقال لهم ـ تماماً
مثلما لقّنه مستشاروه التويجريون الذين يطلق عليهم البرامكة
ـ بأن: (رؤيتكم مشروعي)! وتبيّن لاحقاً بأن الرجل ليس
لديه مشروع إصلاحي، بل لا علاقة له بالإصلاح من قريب أو
بعيد. كل ما فعله هو أنه أقام مؤتمري علاقة عامة حول حوار
الأديان موجهة للخارج، حضر أحدهما بيريز وليفني وآخرون.
واخرى (وطنية) في الداخل لاستقطاب الخارج أيضاً، ترك لها
مناقشة مواضيع تافهة، مثل موضوع الشباب، والمرأة والتعليم
والتوظيف والخدمات الصحية!! ودون ان تكون لمقترحات هذه
المؤتمرات الوطنية العجيبة اية علاقة بالتطبيق.
واشتطت الدعاية السعودية في تلميعها لعبدالله، ووصفته
بأنه (رجل الحكمة) و(التضامن العربي).. وإذا بخمس سنوات
من عهده تكشف حجماً هائلاً من التآمر على أكثر من دولة
وجماعة عربية وغير عربية. أكثر من انقلاب، وأكثر من انقطاع
علاقة، وأكثر من توتر مع رؤساء حكومات ودول. تبين أن عبدالله
عنيف وجاهل معاً.
ومن الدعاية الكبيرة التي روجت لعبدالله وصفه بأنه
(ملك الإنسانية)!! المحب لشعبه والحريص على رفاهيته، وما
أشبه. وكان الملك ـ وفي فترة ولايته للعهد وحمى الصراع
على السلطة ـ قد زار منازل فقراء، ما كشف عن حجم مهول
للفقر في السعودية. وتوقع الجميع ان يفعل شيئاً بعد أن
يصبح ملكاً، ولكن حتى اليوم لازال الفقراء أكثر فقراً،
رغم تشكيل لجنة مكافحة الفقر لمعالجة حياة 30% من السعوديين
يعيشون تحت خط الفقر، حسب المصادر الرسمية.
وقال مروجو الدعاية وصانعو الملوك بأن الألم يعتصر
الملك عبدالله على فلسطين، وأنه متشدد ضد اسرائيل. وإذا
به يكون الأكثر انحيازاً لها، والأكثر تنازلاً لها عبر
مبادرته العربية، والأشرس في مواجهة أعداء اسرائيل: حماس
وحزب الله وسوريا وإيران. بل لم يشهد تاريخ السعودية تنسيقاً
اسرائيلياً سعودياً على مستوى رفيع مثل الذي حدث في عهد
(العروبي جداً) الملك عبدالله!!
الحق.. فإن الملك فهد وبعد مقتل الملك فيصل غيّر وجه
السعودية على الصعيد الخارجي، ودفع بها الى الإنحياز أكثر
باتجاه اليمين الأميركي والى أبعد حدّ كان ممكنا. يومها
أصبحت السعودية طرفاً في حروب إقليمية وصراعات دولية:
(انفجار بئر العبد الذي استهدف فضل الله؛ الكونترا، تمويل
الأحزاب الأوروبية لإسقاط احزابها الشيوعية خاصة في فرنسا
وايطاليا، المساهمة في حرب العراق ضد ايران، تمويل حرب
تدمير العراق ومن ثم محاصرته بعد الكويت، تمويل حرب اليمن
عام 1994 لتخريب الوحدة، حرب أفغانستان، حرب زائير، وغير
ذلك).
وحين جاء الملك عبدالله الى الحكم، بدا أنه يقتفي أثر
الملك فهد في السياسة الخارجية، بل أصبح أكثر سوءً منه.
يكاد لا يوجد محرم قومي أو وطني إلا وتم ارتكابه في السنوات
الخمس الماضية. وجه السعودية كما تكشفه وثائق ويكيليكس،
كما وجه الملك عبدالله، لا بدّ أن يكون مدهشاً، حيث التآمر
والتحريض على الحروب وتمويلها وتدبير الإنقلابات، والتنسيق
المتواصل مع اسرائيل والأميركان في كل ما يتناقض مع مصالح
العرب والمسلمين.
لقد نشطت الدعاية السعودية ردحاً من الزمن في تلميع
صورة الرياض وحكومتها؛ كما نشطت في إظهار الملك عبدالله
بمختلف الصفات الحميدة، لكن ويكيليكس أرتنا وجه الرياض
الحقيقي كصانعة للفتن والحروب والمؤامرات، ووجه الملك
عبدالله الحقيقي الاستعلائي الممتليء غباءً وجهالة.
فشكراً لويكيليكس مرّة أخرى!
|