ويكيليكس، وسياسة السعودية الباكستانية
محمد شمس
الباكستان، دولة تتهاوى، بالرغم من أنها (نووية)، وبالرغم
من أن الحكم (في جوهره) مقبوض عليه بيد الجنرالات.
الباكستان.. بلد الطهر!، تعيش صراعاً أقرب ما يكون
الى الحرب الأهلية الداخلية، منه الى صراع بين الحكومة
ومعارضيها.
أزمات الباكستان كثيرة: غياب الديمقراطية، أو ضعف مؤسساتها،
وتتالي الإنقلابات فيها.. والآن: التدخل الأميركي المباشر
عسكريا وسياسياً والذي دفع بالحكومة وجيشها ومخابراتها
العسكرية دفعاً باتجاه مواجهة مجاميع كبيرة من السكان،
فضلاً عن الإنتقاصات المخلّة بالسيادة والتي تقوم بها
الطائرات الأميركية والتي تقتل وتذبح من الجو مئات من
المواطنين تحت مسمّى الإرهاب.
|
رئيس الوزراء بوتو: شنقته
السعودية |
النخبة السياسية الفاسدة، وحكم العسكر القهري وتدخلاته
المستمرة وانقلاباته غير الرشيدة، وتضعضع الوضع الإقتصادي،
والتدخل الأميركي، والعدوى الفوضوية القادمة من أفغانستان..
كلها قضايا تسهم في تحويل الدولة الى (فاشلة) حسب التعبيرات
السياسية الحديثة.
لكن المشكلة الأكبر بنظرنا، والتي جرّت الى الكثير
من المشاكل المذكورة أعلاه هي: أن الباكستان أصبحت مزرعة
للسعودية، سياسة وأيديولوجيا، ما جعلها عرضة لكل الأمراض
القادمة من الرياض.
نتذكّر أن السعودية كانت ضالعة في الانقلاب العسكري
للجنرال ضياء الحق على الحاكم المدني علي بوتو أواخر السبعينيات
الماضية، حيث لم تقبل السعودية إلا بصلبه وإعدامه!، ليعلن
بعدها الجنرال بأنه سيطبق الشريعة الإسلامية، على الطريقة
السعودية، ولتنتكس الباكستان بعدها في المجالات كافة،
ما مهّد الى عملية اغتياله والإطاحة به.
السعودية كانت مهتمة بحاجاتها الأمنية، وقد وفّر ضياء
الحق لها نحو 30 ألف جندي باكستاني نقلوا الى القواعد
السعودية وبقوا هناك الى منتصف الثمانينيات الميلادية.
الباكستان عدّت ذخيرة سعودية إن احتاجت اليها.
لكن السعودية كانت بحاجة الى اختبار أيديولوجيتها في
بلد لا ينطق بالعربية، والباكستان كانت حاضناً جيداً لتلك
الأيديولوجيا السعودية، وهو ما دفع الأخيرة الى بناء الكثير
من المساجد، والى استقبال طلبة العلوم الدينية في الجامعة
الإسلامية بالمدينة المنورة، ليعودوا فيروجوا الى (العقيدة
الصحيحة) في ديارهم. وبسبب الوجود السعودي، اصبحت الأجواء
الإسلامية في الباكستان شديدة الراديكالية، أكثر مما هي
عليه من راديكالية، خاصة في فترة حكم الجنرال ضياء الحق
وتطبيقه المشوّه ـ كما آل سعود ـ للشريعة الإسلامية. حتى
الحركات الإسلامية المعتدلة، وجدت نفسها ـ وبسبب العامل
السعودي الذي اقتحم الساحة الدينية ـ تخسر الكثير من جمهورها،
ما دفعها الى شحن خطابها بالمؤثرات العاطفية والى حد ما
الطائفية وغيرها.
ذهب ضياء الحق، وبقيت السعودية على عدائها لحزب الشعب،
لا لسبب إلا لأنها تكره عائلة بوتو، على خلفية طائفية
أيضاً. مع أن حزب الشعب لا صلة له بالعامل الديني. وبقيت
الباكستان في اضطرابات وتغير الحكومات من حكم بوتو الى
نواز شريف الى انقلاب مشرف الى مقتل بوتو، الى حكم زوجها
زرداري، والحبل لازال على الجرار.
السعودية أصبحت منفى للعديد من القيادات الباكستانية.
حيث أصبح المنفى السعودي واحدة من المساومات بين القيادات
المتنازعة في إسلام أباد، والتي تحرص على أن تستجلب السعودية
الى جانبها، سواء كانوا عسكراً أو قيادات مدنية. ربما
يشذّ حزب الشعب عن هذا الأمر، حيث رفضت بوتو المنفى السعودي،
وفضلت بريطانيا عليه، كما أنها حين أرادت الإقتراب من
موطنها، اختارت دبي، وليس الرياض التي لا تكن لها ودّاً.
ما عسى السعودية أن تقول اليوم وقد وصلت الباكستان
الى مستنقع قريب من الحرب الأهلية؟
هل تحمّل نفسها وأيديولوجيتها بعضاً من المسؤولية على
الأقل؟
كلا!
بل على العكس. فالسعودية ـ كما هي نزعتها الإستعلائية
ـ تنظر الى الباكستان وقادته دونياً. إذا كان الأمراء
ينظرون بدونية الى العراق وقادته وهم عرب وأغنياء وجيران
وأبناء عشائر، فكيف سيكون حال الباكستان (الأعجمية) الفقيرة.
لا ننس هنا، أن الوهابية بالذات، والتي تشكل هوية الحكام
السعوديين وحاشيتهم، ذات جذر ليس عنصري فحسب، بل ومناطقي
أكثر ضيقاً أيضاً (العقيدة النجدية).
وثائق ويكيليكس، وفي سياق تغطية السعودية ومواقفها
للشأن الباكستاني، والذي جاء في بعض الأحيان بصورة عرضية،
كشف عن طبيعة النظرة السعودية واستعلائيتها، والسياسة
السعودية التي تفضل فئة على أخرى من الباكستانيين (لازال
السعوديون يتحدثون عن البقاء على مسافة واحدة من كل الأطراف
الباكستانية!!). بل أن الأمراء أخذوا يدينون حكام الفساد
في الباكستان (يأمرون بالبر وينسون أنفسهم)!!
وتكشف الوثائق حجم التدخل السعودي في الشأن الباكستاني،
وامتدادات تأثيره، حيث أن السعودية ليست مراقباً للشأن
الباكستاني بل صانعاً له، وشريكا فيه، كما يقول السفير
السعودي في واشنطن عادل الجبير.
إحدى وثائق ويكيليكس (رقم 07RIYADH2320) المؤرخة في
20/11/2007، والصادرة من السفارة الأميركية بالرياض، تكشف
عما أشرنا اليه آنفاً من خلال حديث للسفير السعودي في
أميركا عادل الجبير لموظف في الخارجية الأميركية حول زيارة
الرئيس مشرّف الى السعودية.
|
الجنرال ضياء الحق: إسلام
سعودي |
تقول الوثيقة التالي:
في 20 نوفمبر، دعا السفير السعودي
الى الولايات المتحدة عادل الجبير مساعد مدير مكتب المسؤول
عن الشؤون الخارجية (مدوّن ملاحظات)، في مقر إقامته على
الغداء. وخلال الوجبة، قال السفير الجبير بأن الرئيس الباكستاني
برويز مشرف وصل الى السعودية اليوم، 20 نوفمبر، وأنه سيلتقي
بالملك عبد الله، ووزير الخارجية الأمير سعود الفيصل،
ورئيس الاستخبارات العامة الأمير مقرن بن عبد العزيز،
وذلك بعد أن يكمل مناسك العمرة في مكة. ولفت الجبير الى
أن مشرف سيلتقى مع وزير الخارجية والأمير مقرن أولاً،
وبعد ذلك سيلتقي مع الملك عبد الله في المساء. الغرض من
هذه اللقاءات، حسب الجبير، هو الإطّلاع على الوضع وتقديم
وجهة نظرنا له.
2ـ نفى الجبير أن يكون مشرف قد
جاء إلى المملكة للقاء رئيس الوزراء الباكستاني السابق
نواز شريف المقيم في المنفى السعودي، بالرغم من أنه ـ
أي الجبير ـ تحاشى بحذر نفي مثل هذا اللقاء. عوضاً عن
ذلك، شدّد بوضوح على (أننا في السعودية لسنا مراقبين في
باكستان، ولكننا مشاركين).. وشدّد الجبير على أن الحكومة
السعودية عرضت على شريف تعهد الحماية واللجوء في المملكة
بعد اقتلاعه من قبل مشرف، في مقابل وعد منه بالابتعاد
عن النشاط السياسي لعشر سنوات. وأضاف بأن شريف بدأ يسعى
في اختبار هذا الوعد خمس أو ست سنوات في منفاه. نواز شريف
خالف وعده من خلال القيام بنشاط سياسي حين كان في المملكة،
بحسب الجبير. وأضاف بأنه حين سمحت الحكومة السعودية لشريف
بالسفر الى لندن، وعد أولاً السعودييين بعدم الانخراط
في النشاط السياسي أو العودة الى باكستان، ولكنه فيما
بعد سافر الى باكستان من لندن في مخالفة مباشرة لالتزامه.
3 ـ عبّر الجبير عن خيبة أمله
الكبيرة في شريف بنكثه لتعهداته للحكومة السعودية. وقال
بوضوح بأن الحكومة السعودية عملت بصورة مباشرة مع مشرف
لاعتقال شريف عند عودته الى باكستان وترحيله مباشرة الى
المملكة. وأبلغنا مشرف بأننا سنتسلمه ومن ثم إبقائه هنا
كضيف معزّز، حسب الجبير. وأضاف بأن الأمير مقرن كان الشخص
المعيّن من قبل الحكومة السعودية لاعتقال شريف. ولفت جبير
الى أنه سمح للأمير مقرن بالكشف عن شروط اتفاقية لجوء
شريف. وقال الجبير بوضوح أن الحكومة السعودية ستبحث في
ضبط تحركات شريف في المستقبل، مع أنه أفاد بأنه سيبقى
في البلاد فقط في وضع أقل شدّة من الإقامة الجبرية.
4 ـ أضاف الجبير بأنه يرى بأنه
لا شريف ولا رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو كانا
في وضع بديل مناسب لمشرف. ومع كل الأخطاء التي ارتكبها
مشرف، حسب قوله، يبقى الأخير الشخص الذي يجب عليك أو علينا
العمل معه الآن. وزعم بأن شريف لن يكون قادراً على السيطرة
على التمرد الاسلامي البشتوني في منطقة القبائل بالقرب
من افغانستان، بينما بوتو ستثبت بأنها عنصر تفرقة وتقسيم
ولا تصلح لحكم بلد قبلي يشبه الى حد كبير بلدنا ـ السعودية.
5 ـ أضاف الجبير بأنه بالنسبة
للحكومة السعودية، فإن استقرار باكستان قضية استراتيجية
جوهرية. ومنذ أن حازت باكستان على أسلحة نووية وعربات
نقلها، فإن الخيار الدراماتيكي المتاح من وجهة النظر السعودية
هو التالي: بإمكاننا إما دعم مشرف والاستقرار، أو يمكننا
السماح لإبن لادن بالحصول على القنبلة، حسبما أبلغ الجبير
ضيفه.
6 ـ تعليق: بوصفه مستشاراُ ملكياُ
رفيع المستوى عمل في خدمة الملك عبد الله لثمان سنوات،
تلتقي وجهات نظر الجبير بصورة عامة مع نظرات الملك بصورة
وثيقة. ويبدو من المحتمل بأن الملك، والأمير مقرن، والأمير
سعود الفيصل سيقدمون تعهدات لمشرف بدعم قوي في اللقاءات
اليوم. ونلحظ بأن السعوديين لديهم رابطة اقتصادية مع نواز
شريف، حيث أنه الأول من غير السعوديين الذي يتلقى قرضاً
لتنمية اقتصادية خاصة من الحكومة السعودية، بهدف تطوير
مشاريع تجارية هنا في المنفى ـ أي السعودية. سنزوّدكم
بالمزيد من من المعلومات حول هذه اللقاءات في حال الحصول
عليها لاحقاً (نهاية التعليق/ جفويلر).
وثيقة أخرى (رقم 08RIYADH7) مؤرخة في 2/1/2008، أي
بعد شهر ونصف من تاريخ الوثيقة الأولى، تتحدث عن التغييرات
الدراماتيكية التي أصابت الباكستان، حيث عادت بوتو كما
عاد نواز شريف، وأصبح مستقبل مشرّف في مهبّ الريح. بوتو
تتعرض لمحاولة اغتيال، وتقتل. وشعر السعوديون في داخلهم
بارتياح من أن نواز شريف هو الذي سيصل الى الحكم وليس
بوتو أو حزبها، وعدّ سعود الفيصل نواز شريف بأنه قوّة
استقرار لباكستان!. الوثيقة ـ آنفة الذكر والصادرة عن
السفارة الأميركية في الرياض، تتحدث عن لقاء جرى بين السفير
الأميركي في الرياض فورد فراكر، ووزير الخارجية سعود الفيصل
في مقر عمل الأخير بمبنى وزارة الخارجية. وكانت الباكستان
هي موضوع النقاش بين الرجلين. يلخص السفير الأميركي لقاءه
مع الفيصل على هذا النحو:
نقل السفير وجهة نظره حول اغتيال
رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو الى وزير الخارجية
السعودي سعود الفيصل في لقاء في وزارة الخارجية في 2 يناير.
وفي تعليق على الوضع الراهن في باكستان، عبّر الأمير سعود
عن دعمه القوي لإجراء انتخابات برلمانية. وأضاف بأن تأجيلاً
محدوداً للانتخابات حتى فبراير يعتبر مقبولاً، أخذاً في
الحسبان الوضع الحالي. ونصح الفيصل بأن يسمح للباكستانيين
بأن يحلوا مشاكلهم السياسية الداخلية دون تدخل خارجي علني.
ووصف وزير الخارجية رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز
شريف بأنه قوة استقرار، وأنه رجل يمكنه اختراق الخطوط
الحزبية وحتى المتطرّفين الدينيين.
|
الجبير للأميركيين: سنحتجز
نواز شريف! |
أما تفاصيل اللقاء فهو كالتالي، حسب تصنيف السفير الأميركي
نفسه:
2 ـ نقل السفير وجهة النظر
الواردة بخصوص اغتيال بي نظير بوتو الى وزير الخارجية
السعودي الأمير سعود الفيصل في 2 يناير. وفي رده على وجهة
النظر هذه، شخّص الأمير سعود الوضع الداخلي الحالي في
باكستان بأنه حساس وخطير، ووصف المناخ السياسي الحالي
هناك بأنه مسموم. وشدّد على الحاجة الى حفظ الاستقرار،
ولحظ بأن التحدي الرئيسي للرئيس مشرف هو حفظ وحدة القوات
المسلحة الباكستانية؛ وأفصح عن دعم قوي لإجراء إنتخابات
برلمانية مخطّطة، ولكنه قال أيضاً بأن تأجيلاً محدوداً
سيكون مقبولاً، بالنظر الى الوضع الجاري في البلاد. قال
الأمير سعود بأن تأجيل الانتخابات قد يكون فرصة بالنسبة
لباكستان للإفصاح عن كل ما يختمر في الصدور، وحذّر بأنه
لا بد من السماح لباكستان من حل أزمتها السياسية الحالية
داخلياً، دون ضغط خارجي مكشوف.
3 ـ في تعليق على اغتيال بوتو،
لفت الأمير سعود الى أنه كان خائفاً من نتيجة كهذه منذ
أن قرر رئيس الوزراء السابق العودة الى باكستان. ومن ثمّ
حذّر بأن حكومة الولايات المتحدة لا يجب أن تُرى بصورة
علنية وهي تمارس نفوذها في الشؤون الداخلية الباكستانية،
حتى لا تلهب بدون قصد قضايا ما من خلال تحريض المتطرّفين
الاسلاميين على المزيد من العنف. يتحدث الناس عن المتطرّفين
لدينا هنا، ولكنني اعتقد بأنهم أسوأ في باكستان، حسب تعليقه.
4 ـ وقال وزير الخارجية بأن رئيس
الوزراء السابق نواز شريف هو قوة استقرار، من وجهة نظره.
ووصف شريف بأنه قائد عابر للخطوط الحزبية، وحتى المتطرّفين
الاسلاميين، الذين عادة ما ينظر إليهم بأنهم غير منفتحين
على الحوار. من وجهة نظر الأمير سعود، يمكن أن يلعب شريف
دوراً هاماً في استقرار باكستان.
5 ـ هذه النظرات تقف على نقيض
واضح مع تلك التي لدى السفير السعودي في الولايات المتحدة
عادل الجبير. في حديث بتاريخ 31 ديسمبر مع (دي سي إم.
أنظر السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير مع مسؤول في
الخارجية الاميركية)، حيث كان الجبير نقدياً بدرجة شديدة
لشريف، وقال بصورة خاصة بأن شريف خالف وعداً قطعه للملك
عبد الله بمطالبته بصورة علنية الرئيس مشرف بالإستقالة.
وبناء على الجبير، وعد شريف الملك قبل عودته الى باكستان،
بتفادي مساءلة مشرف على قراراته السياسية الأخيرة بصورة
علنية. قارن الجبير أيضاً الوضع الجاري في باكستان بالوضع
في السعودية سنة 2003 حين شهدت المملكة حملة عنف من قبل
الارهابيين المرتبطين بالقاعدة. وأوضح بأن الحكومة السعودية
كانت قادرة على دفعها للوراء وفي الاخير الانتصار على
التطّرف، في جزء كبير منها من خلال إقناع علماء الدين
في المملكة بشجب الإرهاب بقوة. وعبّر الجبير عن أمله بأن
نتيجة مماثلة محتملة في باكستان.
|
الفيصل: شريف رجل الاستقرار!
|
6 ـ تعليق: التقابل بين وجهات
نظر وزير الخارجية والسفير الجبير جديرة بالملاحظة، حيث
من المحتمل أنها ـ أي وجهات النظر ـ تشير الى أن المستويات
العليا في الحكومة السعودية مازالت تناقش سياسة المملكة
ومن باكستان عقب اغتيال بوتو. ومن المحتمل أن وجهات نظر
الجبير قد تعكس الى حد وثيق من يدعمه وهو الملك (السفير
فراكر).
واضح حتى الآن، بأن تدخل السعودية في الشأن الباكستاني
عميق للغاية. حتى لكأن الباكستان تبدو وكأنها مجرد ملحق
في السياسة السعودية، وكأن ساستها يعيّنون من قبل الرياض.
بل أن الأخيرة تتعامل مع الباكستان وكأنها مزرعتها الخلفية،
وتشعر باهتمام بالغ فيما يحدث بها، وهي مهتمة بكل القادة،
وتصرف عليهم، كما هو واضح بالنسبة لنواز شريف ومن قبله
وبعده آخرين. هذا النفوذ العميق هل يعكس حالة صحيّة في
العلاقات بين البلدين؟ لا يبدو الأمر كذلك. فهناك وثيقة
أخرى سرية صادرة من السفارة الأميركية في الرياض (رقم
08RIYADH1541) ومؤرخة في 16/10/2008، تشير الى (توتر علاقات
باكستان مع السعودية) كما يقول نص موضوعها.
هل يعقل أن تتوتر العلاقات؟ نعم. فالسعوديون لا يحبّون
حزب الشعب، الذي فاز في الإنتخابات مقابل مرشحهم المفضل
نواز شريف بعد أن أطيح ببرويز مشرف. قد يكون هذا هو كل
السبب حتى الآن، حيث يستبعد أن يكون الخلاف عائداً الى
التدخل السعودي في الشأن الباكستاني، أو أن يعود التوتر
الى أن زوج القتيلة بوتو وهو آصف زرداري قد غضب على السعوديين.
تقول الوثيقة التالي:
1 ـ السعوديون غير مسرورين
بزرداري: أصداء المحاورين الباكستانيين في واشنطن واسلام
آباد في مكالمة تعريفية مع بولكونس، شخّص السكرتير الثاني
في السفارة الباكستانية سرفرز خانزاده بأن العلاقات السعودية
الباكستانية بأنها في طور التوتر. وقال بأن ذلك بسبب إنعدام
الثقافة لدى السعوديين في حكومة زردادي. وذكر بأن انخفاضاً
حاداً تمّ في المساعدة المالية السعودية لباكستان، وبأن
السعوديين لم يقدّموا قطرة واحدة من النفط بشروط تفضيلية
كانوا قد وعدوا بها العام الماضي (إرجع إلى سي ودي). وبدلاً
من ذلك، وخلال العام 2008، قدّم السعوديون مساعدة في هيئة
شيك بقيمة 300 مليون دولار، وكما هو واضح فإن ذلك أقل
من السنوات السابقة. وقال خانزادة معاتباً (لا يمكن أن
يكون الشحاذون مختارين). ويعتقد خانزاده بأن الحكومة السعودية
ـ كما يبدو ـ تنتظر حتى سقوط حكومة زرداري.
2 ـ تفضيل نواز: قال خانزاده بأن
الباكستانيين على قناعة بأن الملك السعودي عبد الله يفضّل
أن يرى باكستان تدار من قبل رئيس الوزراء السابق نواز
شريف، وأنهم قطعوا المساعدة عن باكستان للتعجيل بهذه النهاية.
نواز يعيش من الناحية العملية في السعودية، حسب خانزاده،
ويزعم بأن نواز قد جرى تفضيله حتى بمكان للصلاة محجوز
له في مسجد النبي في المدينة المنورة. وأضاف بأن إبنة
نواز متزوجة من حفيد الملك فهد، وبالتالي فقد أصبح عضواً
في العائلة المالكة السعودية (تعليق: السفارة غير قادرة
على تأكيد ما اذا كان ذلك صحيحاً).
3 ـ الوساطة الافغانية: زعم خانزداه
بأنه لم يتم إبلاغ الحكومة الباكستانية بصورة مباشرة بجهود
الوساطة الأفغانية السعودية، بالرغم من أنهم في الباكستان
يشككون فيما اذا كان نواز كان حاضراً، حيث أنه كان في
مكة في ذلك الوقت. وحيث أن الحكومة الباكستانية لم تعترض
على مثل هذه المباحثات من حيث المبدأ، فإنهم يعتقدون بأن
لديهم فرصة ضئيلة للنجاح بدون مشاركة أميركية وباكستانية.
4 ـ تعليق: ملاحظات خانزاده تتوافق
مع تقرير من اسلام آباد وواشنطن حول القلق الباكستاني
من تدهور العلاقات مع السعوديين. وفيما تميل مصادرنا السعودية
الى أن تكون أقل مباشرة، فإنهم لم يخفوا تحفظاتهم حيال
آصف زرداري. بالرغم من ذلك، يواصل المسؤولون في الالحاح
على جهود الدعم السعودي من أجل استقرار باكستان، ونتوقع
بأن يشارك المسؤولون السعوديون في الجولة القادمة من لقاءات
أصدقاء باكستان/ رندل.
لم يتغير موقف السعوديين في السنوات التالية، فهم قد
فشلوا في إسقاط زرداري، رغم ضغوطهم السياسية والإقتصادية،
ورغم تحريك المحسوبين عليهم في جهاز المخابرات العسكرية
الباكستانية ممن يتلقون الرواتب الشهرية من الخزانة السعودية.
ويبدو أن السبب يعود بدرجة أساس الى أمرين:
الأول، أن الولايات المتحدة ليست مقتنعة حتى الآن بصوابية
الرأي السعودي فيما يتعلق بالإطاحة بزرداري، فالنخبة الحاكمة
الباكستانية وإن كانت فاسدة جميعاً، فإن زرداري وصل عبر
صناديق الإنتخاب، كما أن الإطاحة به قد تفضي الى توترات
أكثر سوءً مما هو عليه الوضع الآن. وزيادة على ذلك لا
يمكن التيقن بأن نواز شريف سيكون أفضل من زرداري في الأداء،
خاصة وأن شريف سبق له وأن أصبح رئيساً للوزراء، ويومها
اتهم هو الآخر بالفساد وسوء الإدارة.
والسبب الثاني، أن زرداري حاول أن يطور قنوات علاقات
مع دول أخرى تعينه في وضعه الإقتصادي، وبالخصوص الصين
وإيران، وقد نجح في ذلك الى حدّ كبير.
لكن هذا لا يعني أن السعوديين قد غيّروا من مواقفهم
حتى اليوم.
ما يدلنا على استمرارية الموقف السعودي السلبي تجاه
الحكومة الباكستانية الحالية أن السيناتور بوند حين أراد
زيارة السعودية في أبريل 2009، أبلغته السفارة في الرياض
(الوثيقة رقم 09RIYADH496 والمؤرخة في 31/3/2009) بأن
السعوديين (يشعرون بقلق بالغ حيال التصدع السياسي في باكستان،
وقد عملوا بدرجة شاقّة من خلال سفارتهم في إسلام آباد
لجمع الأفرقاء الباكستانيين. وكانت العلاقات السعودية
مع باكستان قد توتّرت لأن السعوديين لا يثقون بزرداري
ويرونه وسياسيين باكستايين قياديين آخرين كفاسدين).
ذات الأمر حصل بالنسبة لهيلاري كيلنتون حين أرادت زيارة
السعودية ولقاء الملك في فبراير 2010، حيث أبلغت السفارة
الأميركية في الرياض كلينتون في رسالة سرية في 11/2/2010
(وثيقة رقم 10RIYADH178) بأن (الملك عبدالله يعتقد بأن
آصف زرداري يمثل العقبة الرئيسية لقدرة الحكومة على التحرّك
بوضوح لإنهاء مراكز إيواء الإرهابيين هناك. "فحين يعفن
الرأس، فإنه يؤثر على كل الجسد" حسبما يقول. وقد أبلغ
الملك الجنرال جونز بأن المساعد التنموية الاميركية ستعيد
بناء الثقة مع الجيش، والذي شدّد على إستبعاده عن السياسة
على خلاف تمنيات الولايات المتحدة).
مهما تكن الحال، فإن الباكستان المبتلاة بالأيديولوجيا
الوهابية العنفية المفرّخة للإرهاب، ستصل الى النتيجة
التي وصلت اليها دول أخرى كالمغرب والجزائر وتونس ومصر
والسودان ودول الخليج الأخرى واليمن، من أن النفوذ الأيديولوجي
السعودي مكلّف، وأن مكافحة العنف الداخلي الطائفي لن تنجح
إلا بمكافحة الوهابية، وقص أجنحتها وحصرها في مركزها السعودي
النجدي.
|