بين زمنين
عقارب الساعة يمكن أن تعود إلى الوراء
ورد في العنوان الرئيسي في الصفحة الأولى من جريدة
صوت الحجاز التي كانت تصدر في مكة المكرمة وفي العدد 266
يوم الثلاثاء 12 جمادى الأولى 1356هـ الموافق 30 يوليو
1937 ما يلي: المظاهرات في المملكة العربية احتجاجاً على
تقسيم فلسطين: اسواق مكة تسيل بجمهور الشعب ـ جده والطائف
والبلاد تضج صاخبة ـ الحوانيت تقفل أبوابها ـ أبناء المدارس
يضجون في الأسواق ـ أصوات الخطباء تثير حماس الأمة. وفيما
يلي التفاصيل:
المظاهرات في العاصمة (مكة المكرمة): استيقظت العاصمة
صباح الاثنين على ضجيج الهتافات التي كانت تملأ الفضاء
احتجاجاً على خبر اذاعة تقرير تقسيم فلسطين. استيقظت العاصمة
على هذا الهلع ومشت جموعها تسيل بها الأسواق والشوارع
وتجمهر الطلبة في أبواب الحرم على رؤوسهم بنودهم، راياتهم،
ثم اندفعوا إلى داخله في زحام واجتمعوا في اروقته. انطلقت
جموعهم الى ظاهر المسجد حيث كانت الشوارع تسيل بجمهور
الأمة وأرباب الحرف والصناعات فمشت الأسواق في زحام وضجة
وهتاف حتى وصلوا إلى ساحة قصر الحكم في الغزة حيث انطلقت
أصوات الخطباء في عرضها من على شرف بوابتها في اصوات كأنها
دوي المدفع في تأثير بالغ حماسه، فكان من الخطباء الأستاذ
السيد محمد شطا، والاستاذ أحمد العربي في شباب من مدرسة
تحضير البعثات ودار المعهد والفلاح، وكان الجمهور المزدحم
المتحمس يقاطع الخطباء بالهتاف العالي والاستنكار البالغ
والتصفيق الحاد، وشوهد العشرات من شباب الأمة تبدو عليه
الاستجابة.. ومشى جمهور المتظاهرين في حماسة المتقد وشعوره
المندلع كاللهب يصطفق بين دفتي الشارع العام منحدراً في
طريقه إلى دار الحكومة حتى انتهى اليها فعلت الاصوات واشتد
الهتاف واعتلى الخطباء الشعبيون على شرف منه فدلعوا أوار
الحماس وأوقدوا لهيبه بكلمات بليغة مؤثرة. وهنا تقدم سعادة
مدير المعارف وأعلن باسمه واسم وكيل مدير الشرطة العام
شكر الامة على نبل شعورها وعظيم احساسها ووعد بتبليغ أصواتهم
إلى مسامع حكومة جلالة الملك المعظم، وأكد لهم أنه وزميله
سيحرصان على دقة ابلاغ هذا الشعور، وسيسعيان من جانبهما
على استرحام حكومة جلالة الملك المعظم لنعمل عملاً نافعاً
في سبيل اخوانهم الفلسطينيين، ورجا بالحاح إلى جمهور المتجمعين
أن ينصرفوا إلى أعمالهم مطمئنين إلى تبليغ أصواتهم ورفعها
إلى المقامات السامية.
المظاهرات في جده: وجاءتنا رسالة جدة طافحة بوصف المظاهرات
العظيمة التي فاضت بها الأسواق والتي ازدحم فيها المتجمهرون
في طول الشوارع العامة وتحت بيوت القناصل والمفوضيات وتعطلت
من جرائها حركة الأعمال التجارية والحكومية. وفي الرسالة
أن الجمهور تحمس بشدة تحت دار المفوضية البريطانية. وجاء
في الرسالة ان المتظاهرين من الطلبة كانوا ينادون تحت
اعلامهم المنشورة (فلسطين لا تتجزأ ، فلسطين الوطن القومي
العربي، قرار اللجنة الملكية مرفوض). وانتهى طواف المتجمهرين
الى دار القائم مقام فقابلهم سعادة وكيله فابتدره الشيخ
محمد حفني والشيخ محمد مختار بخطابات مؤثرة وعقب عليهم
جملة من شباب المدارس بكلمات أظهروا فيها استنكار المتجمهرين
للاعمال الواقعة في فلسطين، فاستجاب سعادته لحماسهم وهدأ
من روعهم، ووعدهم برفع مطالبهم إلى مسامع حكومة جلالة
الملك المعظم، ليعمل جلالته بما عرف فيه من غيرة ونبل.
المظاهرات في الطائف: أقفلت أمس (الاثنين) جميع الحوانيت
والمتاجر واضرب العمال والصناع وسالت جموع المتجمهرين
زرافات الى مسجد ابن عباس فغص بهم وازدحم بجموعهم، وكان
الوقت بعيد العصر فاعتلى المنبر سعادة الشيخ عبدالله الشيبي،
فتحدث في حماس وبلاغه مؤثرة عن مصائب فلسطين اليوم وأعمال
اليهود وتتابع الخطباء بعده فاستثاروا عواطف الجمهور الثائر
وقوطعت خطاباتهم بالهتاف العالي والتصفيق الحاد، واندفع
الجمهور تحت هذا التأثير منطلقين إلى قصر الحكم حيث اشتد
تظاهرهم وعلا صراخهم، فقابلهم معالي وكيل النائب العام
فتقدم للكلام أمامه عن المتجمهرين الاستاذ عبدالوهاب آشي
بخطاب بليغ مؤثر ألهب حماس الامة، فهدأ معالي وكيل النائب
من أعصاب المتجمهرين ووعدهم بتبليغ أصواتهم إلى مسامع
سمو النائب العام ليرفعها سموه بدوره إلى ديون جلالة الملك
المعظم.
في المدينة المنورة وينبع والوجه: والمفهوم أن الأهالي
في المدينة المنورة وينبع والوجه ساهموا في مثل ذلك وقاموا
بمثل ما قام به اخوانهم في المدن السابقة وننتظر التفاصيل
لنشرها في غير هذا العدد.
في الجوف: أبرق إلينا مراسلنا في الجوف بما يأتي: في
الثلاثة الأيام الماضية قام الأهالي هنا بمظاهرات ضد القرار
الصادر بتجزئة فلسطين وحضروا أمام قصر الحكومة طالبين
من الامارة رفع احتجاجهم .... والاستياء مستول على جميع
طبقات الشعب.
* * *
في هذا الزمن الرديء، مُنعت المظاهرات الداعمة للإنتفاضة
عام 2001، وقمع القائمون بها في مناطق مختلفة من المملكة،
وفي مدن المنطقة الشرقية، حدث ما يشبه ما ذُكر آنفاً،
وشارك النساء والرجال، واستمرت المظاهرات عدة أيام الى
أن أخمدت بقوة الشرط. واليوم أيضاً، يعاقب الإصلاحيون
المعتقلون بتهمة أنهم يريدون تأسيس حق التظاهر للمواطنين،
فصارت هذه التهمة كافية للزج بهم في السجن (راجع محاضر
الإتهام والتحقيق في العددين الماضيين).
|