الأشراف في مكة المكرمة
الحجاز وإمارة مكة
من الصعوبة تحديد بداية ونهاية حدود الحجاز بدقة، فالاسم
قد أطلق في مختلف الازمان على مجموعة مختلفة من الولايات
والمشيخات، وأطلق عليها في فترة ما مملكة الحجاز، وببساطة
شديدة فإن الحجاز يعني في العربية (الحاجز) أو (الحد)
ويشير الى الجرف العالي الذي يرتفع كالحائط خلف مكة ويسير
موازياً للساحل حتى حدود اليمن، وبالنسبة للبدو تعني الحجاز
عندهم المنطقة الجنوبية وأخذ الاسم فيما يتسع ليشمل المنطقة
الواقعة الى أقصى الشمال والمحاذية الى حدود الأردن الحالية.
الشريف شرف بن عبد المحسن الحسيني البركاتي
قائم مقام مكة المكرمة
|
وعند حدودها العديمة المعالم تتلاشى الحجاز داخل صحراء
النفوذ الكبرى وهضبة نجد المترامية الملتهبة وجبال الجنوب
الوعرة. وعلى أية حال، فإن وسط الحجاز هو الذي اعطاه أهميته
التاريخية والعالمية. حيث تقع فيه أقدس مدينتين إسلاميتين
هما مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويعتبر مأثرة عظيمة
ظهور تجمعات سكانية في هذه المنطقة المقفرة ذات الطبيعة
القاسية. مع ذلك انتعش هذان المركزان مدة ألفي عام. كانت
هذه التجمعات في بداية الأمر عبارة عن واحات تنبع من صخورها
البازلت السوداء عيون ماء حيث تستريح عندها القوافل وهي
في طريقها من أرض التوابل في جنوب الجزيرة العربية الى
مصر وبلاد الشام وتنتشر مدن الحجاز المحصنة وترتبط ببعضها
بقوافل الجمال المحملة مثل حبات خرز على خيط مسبحة.
لقد أضفى ظهور الاسلام في القرن السابع الميلادي الأهمية
للحجاز على مدى الدهر، فقد عزز فرض الحج كركن خامس من
اركان العبادة في الاسلام الأهمية السياسية والاقتصادية
لهذا الجزء من ساحل البحر الاحمر.
أصبح المتحدرون من نسل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
أي الاشراف بالعرف هم حماة الحرمين الشريفين بالوراثة.
وهم يرجعون الى إبنته فاطمة رضي الله عنها وزوجها علي
كرم الله وجهه. ورغم ان للرسول ذريّة من الذكور إلا أنهم
ماتوا وهم صغاراً لذلك استمرت ذريته من خلال حفيده الحسن
رضي الله عنه. والاسم العائلي المستخدم للمتحدرين من نسل
الرسول صلى الله عليه وسلم هو (الهاشمي) الذي جاء من إسم
جد الرسول. ولهذا عرفوا بالهاشميين الذي هو لقب الأسرة
الحاكمة حاليا في الاردن.
وقد كان للأشراف دائماً السيطرة على الحجاز وعادة ما
يمارسون الحكم تحت حماية قوة خارجية. في البداية وعقب
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ظلت السلطة في الحجاز
خلال الفترة القصيرة التي حكم خلالها الخلفاء (حماة الدين
والشرائع الاسلامية) في المدينة المنورة. وبعد ذلك انتقل
مركز السلطة الى دمشق أولاً مع الأمويين (661 ـ 749م)،
ثم الى أبهة البلاط العباسي في بغداد (749 ـ 1258م). ومنذ
انتهاء الحكم العباسي حتى الآن تعرضت سلطة الخليفة الى
تحديات كبيرة للسيطرة على المدن المقدسة بما تضفيه من
هيبة كبيرة على حاميها. وفي 1037م اعلنت الاسرة الشريفية
بشخص محمد العلوي أكبر أفرادها، استقلال الحرمين وإنشاء
إمارة مكة. وقد تعززت سيطرة الهاشميين على المنطقة بفعل
الشخصية القوية للأمير قتادة الذي جاء الى الحكم في 1174م
وقام بتوسيع الامارة شمالاً وجنوباً.
سيطر أبناء الاشراف مدة أربعة قرون بعد قتادة على إمارة
مكة حتى واجهوا تحدي الاسرة العثمانية في تركيا. وفي 1517م
بايع شريف مكة الشريف بركات السلطان التركي كخليفة للمسلمين
وأهدى اليه مجموعة من الآثار المقدسة كإجلال لسلطته. مع
ذلك كانت السيطرة التركية غير مباشرة ولم تحد من حرية
الأشراف. والواقع ان الاعانات المالية الجديدة الواردة
من تركيا قد مكّنت الأشراف من شراء ولاء البدو وإدارة
شؤون الحج. وقد انتهى هذا النظام الذي اعطى الأمير قوة
حقيقية مقابل منح السلطان مجد لقب (حامي الديار المقدسة)،
نهاية مفاجئة على يد طرف ثالث في عام 1803م. ففي ذلك العام
خرجت من قلب الجزيرة العربية جماعة أصولية عرفت بالوهابيين
تحت ذريعة تطهير الحرمين من التدنيس والانتهاك، وأطيح
بأمير مكة الشريف غالب. ومن المفيد استذكار ان أحفاد هؤلاء
الجماعة قد اطاحوا بحكم الأشراف في الحجاز بعد مئة واثنين
وعشرين عاماً.
لم يقبل الأتراك أن يمر هذا التحدي لسلطتهم بسلام خاصة
في منطقة حساسة كالحجاز حيث يتأكد ضعفهم عاماً بعد آخر
طالما تدير قوة أخرى شؤون الحج. استدعى السلطان العثماني
حاكم مصر، وهو جندي ألباني محظوظ يدعى محمد علي، لتجهيز
حملة وإخضاع الحجاز مجدداً الى الحكم التركي. يرتبط محمد
علي نفسه أسوة بأمراء مكة بنوع من الاتحاد المنفلت مع
السلطان في اسطنبول، ولكنه كان يضمر طموحات بإنشاء امبراطورية
عربية. لذلك قرر في عام 1813م، وبعد طرد الوهابيين من
الحجاز، تعيين مرشحه أميراً على مكة والسيطرة على هذه
المنطقة من الجزيرة العربية. فاستغل لتحقيق ذلك الانشقاق
الحاصل في صفوف الهاشميين حيث يوجد فرعان متنافسان هما
الزيدي وهو الأكبر والعوني وهو الأصغر. تم التخلص بهدوء
من غالب وهو من الفرع الزيدي وذلك بسقيه السم في سالونيكا
وحل محله أحد أفراد الفرع العوني. ونتيجة انشغال الاشراف
بالانشقاقات العائلية الطويلة، أصبح التلاعب بأمراء وفقاً
لأهداف القوى الخارجية ممارسة اعتيادية. وبعد ابتداء محمد
علي لهذه الممارسة، واجه الأمراء المعينون تحدي الفرع
الآخر من الأسرة الهاشمية.
في عام 1840، أخفق محمد علي في تحقيق غايته وعاد في
الأخير الى الحظيرة التركية. وأعاد السلطان الامارة الى
الفرع الأكبر ـ الزيدي ـ حيث كانت لهم الإمارة منذ 1037
وبشكل متواصل. وفي ذلك العام أقرّ الأتراك الحجاز كولاية
في الامبراطورية وعينوا والياً عليها تدعمه قوة ما تتمركز
في المدن الكبيرة. الا ان الحجاز تختلف عن غيرها من الولايات
من حيث أنها لا تدفع الضرائب ولا تخضع للتجنيد الالزامي
وتستلم إعانات سنوية من السلطان.
وليس من الغريب أن تكون السيطرة التركية على الحجاز
غير مباشرة بحكم مصاعب الاتصال بين مكة واسطنبول. لذلك
تأتي القوة الفعلية في الحجاز من صراع الإرادات ومكر الوالي
أو الأمير مع تدخل السلطان بين مرة وأخرى لتعيين امير
جديد من فرع هاشمي آخر. كانت تكتنف حياة الوالي في الحجاز
صعوبة كبيرة بحكم الحرارة اللاذعة لمكة المكرمة والرطوبة
الشديدة لجدة (والواقع من الضروري تقديم حوافز فورية للموظفين
الأتراك من أجل تشجيعهم على الذهاب هناك). هذا دون الحديث
عن الصراعات المتواصلة المشحونة بالمكائد مع الأمير. ومن
أجل اغراء الوالي للذهاب الى هناك، كان يتم تعيين امير
مطيع. من المفترض ان تكون مسؤوليات الطرفين محددة بشكل
جيد، حيث يمتلك الأمير السلطة على البدو وشؤون الحج فقط،
أما الواقع فإن الأمور كانت غالبا مختلفة عما قدر لها.
كان هذا هو ميدان الصراع المعقد الذي دار فيه الصراع
النهائي على السلطة وكسب فيه أمير مكة الحسين بن علي الاستقلال
التام للحجاز قبل أن ينتهي الاستقلال الحجازي والحكم الشريفي
نهاية مفاجئة. وصراع مثل هذا تعتبر فيه الشخصيات جميعاً
ذات اهمية ولعبة فيها النظم غير مكتوبة.
أمراء مكة من 1827 ـ 1925
ـ محمد بن عون (عوني) 1827 ـ 1851
ـ عبد المطلب (زيدي) 1851 ـ 1856
ـ محمد بن عون (عوني) 1856 ـ 1858
ـ عبد الله بن محمد (عوني) 1858 ـ 1876 (خلع)
ـ الحسين بن محمد (عوني) 1876 ـ 1879 (أغتيل)
ـ عبد المطلب (زيدي) 1879 ـ 1882 (خلع) ـ عون الرفيق
(عوني) 1882 ـ 1905
ـ عبد الإله بن محمد (عوني) 1905 (توفي في اسطنبول
بعد تعيينه مباشرة)
ـ علي بن عبد الله (عوني) 1905 ـ 1908 (خلع)
ـ الحسين بن علي (عوني) 1908 ـ 1916 (أصبح ملكاً على
الحجاز في 1916 حيث ألغيت إمارة مكة. وفي تلك السنة عين
الأتراك علي حيدر بن جابر (زيدي) ليحل محل الحسين إلا
انه لم يستلم منصبه فعلياً).
|