أنقذوا مكّة وأهلها
الحجاز تحت الطغيان السعودي
سعد الشريف
مكة تحتضر، وتراثها يدمّر، وشعبها يشرّد.
اذا قيل أن مكة المكرمة تحتضر، فهي فعلاً تحتضر. كل
تراثها الإسلامي أزيل على يد جهلة مشايخ الوهابية بموافقة
من آل سعود. بيت النبي، بيت خديجة، كل بيوت الصحابة، حارات
مكة، جبالها.. معالمها، لم يبق منها شيء تقريباً.
مكة تحتضر.. تراث الإسلام لم يبق منه إلا أقل من خمسة
بالمائة.. الحجازيون كشعب يتم تهجيره من مكة اليوم بحجة
التطوير؛ مدارس الحجاز أغلقت؛ حلقات العلم انهي مفعولها،
القضاء والأئمة والمؤذنون كلهم صاروا من نجد، التي هي
آخر من أسلم في جزيرة العرب، وأول من ارتدّ بعد وفاة الرسول
صلى الله عليه وسلم، ومنها ظهر مسيلمة وظهرت سجاح.
لم يبق لدى المكيين سوى بعض تراثهم وأحيائهم ولازالت
المعاول تشتغل الى اليوم لتنهي ذلك.
قفل الكعبة (السدانة) آخر ما تبقى لهم. هذه السدانة
ممتدة منذ الجاهلية، وبأمر رسول الإسلام بقيت فيهم الى
اليوم، ولكن حتى هذا جرت السيطرة عليه من مشايخ الوهابية
خلاف قول رسول الإسلام.
في مقابلة مع سادن الكعبة عبدالقادر الشيبي، بعد تغيير
الأقفال دون إذنه ودون حضوره بأمر من الشيخ السديس، كان
يكرر: (لم يبق إلا المفتاح.. لم يبق إلا المفتاح).
ألم المكيين كبير، ألم الحجازيين أكبر.. والمسلمون
غائبون عما يجري في مهبط الوحي والتنزيل.
هذه بعض نفثات الصدور المملوءة بالألم والمعاناة.
هند الشريف لها تغريدات عديدة تقول فيها: كلما استغاث
أهل مكة، تعرضوا لهجمة عنيفة إما تشكك في نواياهم او في
أنسابهم، أو تصمهم بالكلمة المقدسة: (طُرشْ بَحْرْ).
من يفعل هذا غير أصحاب الدم الأزرق في نجد؟
وتضيف: (حقوق الطيروالحجر محفوظة في مكة فما بالك بحقوق
البشر). والدعاية تقول: (شريعة الله ورسوله كما يقولون.
فأين تلك الشريعة)؟ وتبين هند كيف حارب من لا يخاف الله،
السادن وآله، وطعن في أنسابهم للتشويش على الحدث الأخطر،
وبعد أن تم محو الآثار النبوية، حان الآن دور محو وصاياه.
وحول دور السديس تقول أنه (يعيث في الحرم المكي فساداً
بحجة التطوير، وكل ما يفعله يفتضح، فيكذب ثم يسير في مخططه
بلا حسيب ولا رقيب. أهل مكة فاض بهم الكيل). وتكمل: (لا
يذلّ الكريم إلا اللئيم. قبائل وعوائل مكة المكرمة التي
استغنت بما منحهم الله، نُزعت منهم الإمامة وحلقات العلم،
وسدانة الكعبة وأملاكهم، وهُتكتْ آثارُ نبيّهم، وهُمّشوا
فلا رأيٌ لهم فيما يحدث في الحبيبة مكة، التي لا يعرف
قدر واديها وبئرها وجبالها سواهم).
الكاتب عبدالله فراج الشريف قال: (ما تعرّضت له وظيفة
السدانة من انتقاص للحقوق يجب أن ينتهي فوراً، فهي حقّ
شرعي لبني شيبة، لا يأخذه منهم إلا ظالم). ويبين الدكتور
عبدالمحسن هلال كذب رئاسة الحرمين النجدية من أن تغيير
قفل الكعبة تم بطلب من السادن السابق الذي مات. اما الصحافي
عمر المضواحي فعلق بألم: (ألا تعساً لقومٍ جعلوا من مدينة
الله، وأم القرى خصيمتهم يوم القيامة. هي البداية والنهاية،
ولا يضير أهلها كره كاره، او حقد حاقد). وتابع منبّهاً:
(المحاولات المستمرة لتذويب الهوية المكية، ونزعها ببطء
وبوتيرة مستمرة عن قبلة الإسلام وأم القرى، أمر يحتاج
الى التنبيه من خطورته).
لا تقلق، يا عُمر، فلن تكون مكّة المكرمة نجدية، ولا
خارجية.
اما الشيخ عبدالوهاب الطريري، فقال كلمة حق: (مما يحزن
القلب الى حدّ الفجيعة أن معالم مكة الجغرافية والتاريخية
التي حافظت الأمة عليها قروناً متتابعة انطمست في سنوات
معدودة. إن الذي يأتي من أصقاع الأرض الى البيت الحرام
لم يأتِ ليرى أعلى برج ولا أكبر ساعة، ولكن لتنظر عيناه
ويهتف قلبه: هنا كان رسول الله). وتمنى لو أن الإهتمام
الرسمي بسوق عكاظ الذي لم يُتفق على تحديد مكانه تحول
الى عناية بإرث النبوات ومعالم مكة الجغرافية. وسأل الطريري:
أين جبل أبي قبيس الذي أذن نبينا ابراهيم عليه؟ وأين شُعْبَ
بني هاشم الذي حوصر فيه النبي وآله، وشهد أصلب مشاهد الصبر
والثبات، وأين خَيْفَ بني كِنانَةْ حيث نزل المصطفى في
حجة الوداع؛ وأين شعب البيعة في منى حيث بايع الأنصار
رسول الله على النصرة فتغيّرَ مسار التاريخ؟ وما حالُ
جبل حراء حيث لقاء المصطفى الأول مع الروح القدس؟
في التاريخ ما تعدّى أحدٌ على مكة إلا وزال مُلكَه؟
المغرّدون الحجازيون لهم حضورهم في تويتر ومشاركتهم
في المواضيع السياسية الوطنية العامة، لكنهم ـ شأن بقية
المناطق المهمّشة ـ لهم اهتماماتهم الخاصة، التي يأتي
في مقدمتها: الحفاظ على الهوية الحجازية/ المكيّة، التي
تتعرّض للنسف والتدمير، وللأسف لم تلقَ التجاوب والتعاضد
المطلوب داخلياً وخارجياً.
تدمير التراث الإسلامي في مكة والمدينة على يد جهلة
الوهابية؛ ولصوص العقار والأراضي من الكبار هو ما يشغل
بال الجميع. وتسجيل تراث الماضي ونشره هو أهم مشاغلهم.
الهدف النجدي: تدمير الهوية الحجازية. ويزيد الأمر
سوءً مزاعم الوهابية بأن الرسول كان إمام السلفية، فهم
يريدون احتكاره لهم ايضاً! فيرد الكاتب عبدالله فراج الشريف
عليهم بأن السلفية مرحلة زمنية كما سمّى المرحوم البوطي
كتابه. الكاتب د. زهير كتبي ادخل المستشفى وبه ألم القلب،
وهو يقول بأن السبب ما يجري في مكّة، وكيف لا ينسدّ ويتعب؟
ونشر مقالة: متى يستيقظ الإستحمار عند من يهاجم الهوية
المكية. والسيد سمير برقة يتكلم عن تدمير أحياء مكة وخطط
اللصوص الذين سرقوا املاك الناس وحولوها الى فنادق والسكان
المحليين الى لاجئين.
محسن عبدالرحمن اشتكى بأن من ينتقد مدمري التراث وناهبي
الأملاك واللصوص الكبار فأنه يُرمى بتهم تهديد الأمن والفساد
والإرهاب. هي مكة المكرمة وليست مكة المطوّرة حسب زعمهم؛
وأن أهل مكة ليس فقط أدرى بشعابها بل وأيضاً بما هدم من
جبالها. وتساءل كيف يصبح اي حي عشوائياً؟ ما هي حقوق سكان
هذه الأحياء التي دمرت في مكة، ولماذا يدفع أهل الله ومجاوري
بيته ثمن ما يزعم من تطوير؟ ومن يتملّك بيوت الناس بعد
ازالتها؟
حال مكة مؤلم.. ولكن الله للظالمين بالمرصاد.
|