لا مبرر لمنع الزيارة والتضييق على الناس
فلنحتف ببدر.. ولنهتم بآثارها الخالدة
د. محمد عبده يماني
أشعر بسعادة غامرة كلما ذهبت إلى المدينة المنورة لزيارة
المسجد النبوي الشريف والسلام على رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فأمر بمدينة بدر الخالدة، حيث جرت تلك المعركة
العظيمة، وألتقي بصفوة من أهالي بدر الكرام من الأشراف
والسادة وقبائل صبح والظواهر وبعض الأفخاذ من قبائل الحوازم
والمحاميد والأحامدة والرحلة والكحلة وعوف وبني محمد وجهينة،
وأتجول بين جنبات بدر، خاصة مسجد العريش الذي وقف عنده
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقابر الشهداء حيث نسلم
على شهداء المعركة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وألتقي في هذه المناسبات بصفوة من العلماء والمحبين الذين
يزورون هذه المدينة ويفرحون بالاطلاع عليها وعلى آثارها،
ويتذكرون ما جرى على هذه الأرض من نصر لرسول الله صلى
الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة الكرام، حيث نصرهم
الله وأيدهم وبقي هذا المعلم الخالد نتذكره ونحاول أن
نذكر أولادنا بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته
في بدر.
هنا وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هنا عسكر الجيش على قلته في هذا المكان من هذه المدينة
الخالدة..
هنا وقف رسول الله على العريش..
وهنا صف الصفوف..
وهنا بئر الحباب بتاريخه العريق..
وهنا ساحة المعركة..
وهنا قبور شهداء بدر الذين دفنهم صلى الله عليه وسلم
بيديه الشريفتين..
وهنا كثيب الحنان وهو العدوة الدنيا، وهناك العقنقل
مكان معسكر مشركي مكة وهو العدوة القصوى كما سماها القرآن
الكريم: «إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب
أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي
الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي
عن بينة وإن الله لسميع عليم»
وهنا الملص الذي هرب منه أبو سفيان إلى الساحل ونجا
بالقافلة..
|
د. محمد عبده يماني |
فكل هذه المعالم والآثار باقية كلوحات عظيمة تشهد على
نصر الله عز وجل لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
في هذه المدينة ذات التاريخ العريق التى جرت على أرضها
أول غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته
إلى المدينة المنورة، وهي كما ذكرت الحدث الرابع من الأحداث
العظمى التي وقعت على التوالي منذ نزول القرآن على سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء فقد كان هذا الحدث
العظيم هو الأول ثم كانت حادثة الإسراء والمعراج، تلك
المعجزة العظيمة والتي نزلت فيها سورة كاملة من القرآن
وتحدث عنها القرآن في أكثر من مناسبة ثم حادثة الهجرة
بعد أن عانى ما عانى عليه الصلاة والسلام وصبر وتحمل أذى
قريش وصلفها وأذيتها.
وجاء الإذن بالهجرة إلى المدينة المنورة، ثم جاءت هذه
الغزوة الكبرى والتي كانت علامة بارزة وحدثا عظيما زلزل
كيان قريش التي استهانت بالأمر وتغطرست وتكبر زعماؤها..
وشاء الله عز وجل أن ينصر عبده ورسوله ويؤيده فمزقهم وهزمهم
وردهم على أدبارهم خاسرين.
ومن هنا نرى أن الواجب علينا أن نهتم بهذه الآثار الخالدة
في مدينة بدر ونتيح المجال أمام الحجاج والزوار للمرور
بهذه المدينة والوقوف عندها ورؤية آثارها وتذكر ذلك اليوم
العظيم يوم غزوة بدر بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم
ونصر الله تعالى للمسلمين وتأييده لهم بملائكة من السماء
وتثبيتهم وعونهم.
وهو يوم نتذكر فيه ثبات تلك الفئة المؤمنة المجاهدة
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اللحظات الخالدة
يوم أن ثبت ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، معظمهم بلا سلاح
يصلح لمعركة وليس معهم غير فرس واحد ولا يلبس الدروع منهم
غير سبعين، وفي مواجهتهم زهاء الألف من المشركين المجهزين
بالسلاح الكامل ومع الفارق الشاسع بين الفئتين تحقق للفئة
القليلة النصر الساحق على الفئة الكثيرة بإذن الله ..
وكان بذلك يوم «بدر» يوم الفوز والنصر المبين.
وقد كان الكفر قبل يوم بدر مزهوا والباطل مستعليا عاديا،
والناس يرقبون الموقف في حيرة، ويظنون بمقاييسهم أن الغلبة
لا محالة لأعداء الله، كما أرجف بذلك اليهود يتوقعون هلاك
المسلمين، حتى جاء يوم «بدر» فأبلج الحجة، وقضى على الأوهام
والظنون، وتحقق نصر الله لعباده المؤمنين، فأصبحت معركة
فاصلة سماها الله في وحيه «يوم الفرقان» فرق فيها بين
الحق والباطل في يوم «بدر». وتمضي السنون والقرون، فما
تمر بالمسلمين شدة إلا وذكروا يوم بدر، ولا حققوا نصرا
إلا وتمثلوا بيوم «بدر»، ولا أرادوا صمودا إلا وتنادوا
بأمجاد «بدر».
هذه هي إذاٍ بدر الموقعة، وبدر القرية، وأنا أشعر نحو
هذه المدينة بحب كبير، وأفرح كلما زرتها وتجولت بين مواقع
البطولات فيها، وقد شاء الله أن تظل هذه المدينة بكرا
ترى فيها الآثار والمواقع كما كانت. يوم بدر هنا وقف رسول
الله صلى الله عليه وسلم، هنا خطط، هنا جاهد، هنا رفع
يده الشريفة يدعو الله ويسأله النصر.. هنا العريش .. وهنا
العدوة الدنيا، وهنا العدوة القصوى هنا نزلت الملائكة
.. هنا قبور الشهداء .. وهناك مصارع المشركين.
ومن فضل الله أن سكان هذه المدينة حافظوا عليها وقاموا
على رعاية آثارها وهم من الناس المحترمين الذين يفرح الإنسان
بلقائهم والحديث معهم وفيهم من العلماء والمؤرخين من يأنس
الإنسان إلى الحديث معهم وأشهد أنهم ممن يحافظ على العقيدة
الصافية وتعاليم الإسلام.. ويتبعون السنة النبوية الشريفة،
ويكرمون من نزل بهم من الضيوف.
فما أجمل أن يمر أولادنا كذلك في رحلاتهم المدرسية
بمثل هذه المدينة الخالدة ويطلعون على آثار أول غزوة في
التاريخ الإسلامي والتي جاءت بنصر عزيز من الله عز وجل
وكانت إيذانا بانطلاق الدعوة الإسلامية وتثبيت عراها،
وأنا أرى أن منع الناس من الزيارة أو التضييق عليهم لا
مبرر له لأن أي إنسان يزور هذه المدينة ويرتكب أي خطأ
أو مخالفة يجب أن يوجه فبدلا من منع الناس نقوم بتوجيههم
إلى الطريقة الصحيحة للزيارة والسلام على شهداء بدر بالصورة
الشرعية ثم التجول في أنحاء هذه المدينة الخالدة ورؤية
آثارها وسوف تكون نقطة مهمة من نقاط السياحة التي تجمع
بين المتعة للسائح وتعميق الإيمان في قلب من يزور بمكانه
هذا النبي الكريم والرسول العظيم الذي نصره الله وأيده
وهزم أعداءه على قلة من كان معه من رجال، وقفوا بإيمانهم
الذي زلزل جحافل مشركي قريش.
وختاما فإنه لابد من نظرة جادة إلى هذه المدينة الخالدة
والعناية بها وباثآرها وبمرافقها وإنشاء مكتبة متكاملة
فيها ومتحف يضم الآثار المحفوظة لدى الناس، فهي واجهة
مشرقة من واجهاتنا الإسلامية، ولا غرو أن مثل هذه المشاريع
تعين الزوار والقادمين على معرفة تاريخ هذه المدينة والاطلاع
على ما بها من آثار خالدة، والمتحف بصورة خاصة يفيد في
أن يرى الناس نماذج من تلك الآثار الباقية، ومن الممكن
الاستفادة من المعلمين وأهل الخبرة من أهالي بدر لجمع
مالديهم من آثار وتوظيف أبنائهم في مراكز للتوعية؛ لأن
هذه فرصة لتوظيف الشباب في مثل هذه الأعمال وهم أدرى بشعابها
من خلال ما تعلموه من أجدادهم وآبائهم، وكم أتمنى أن نهتم
بموقع مقابر الشهداء وتنظيم الزيارة له بصورة تتفق مع
الشريعة ومع ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة
رضوان الله عليهم من بعده عندما سلموا على هؤلاء الشهداء.
|