اكتشاف مقبرة للهاشميين بمكة وتدمير منظّم للآثار
الخبر:
قادت الصدفة، في الرابع من اكتوبر الجاري، إلى اكتشاف
مقبرة أثرية يرجح أنه كان يقبر فيها بنو هاشم بن عبدمناف
وبنو عبدالمطلب بن عبدمناف موتاهم، وذلك في الشعب المتاخمة
للحرم المكي بمنطقة الغزة، وأسهمت أعمال حفريات للشركة
السعودية للاتصالات في اكتشافها.
وأكد المؤرخ الشريف راجح الكريمي أن المنطقة كانت فيما
مضى شعيبا يقطنها بنو هاشم بن عبدمناف وبنو عبدالمطلب،
وقد مضى على تلك الحقبة 1416 عاماً، مشيرا إلى أن ما يؤكد
هذه الفرضية عدم وجود رفاة للموتى، رغم العثور على قبور
تحتوي لحوداً جهزت بطريقة تختلف عن طريقة المقابر الحالية،
حيث رصت حجارة على الجانبين بعكس المقابر المعاصرة التي
يتم تجهيزها بطرق حديثة تستخدم فيها الخرسانة المسلحة.
وأوضح الشريف أن المنطقة جرى ردمها بالحجارة والتراب
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك درءاً
للسيول التي كانت تغمر المنطقة وتصل إلى الكعبة المشرفة،
لافتاً إلى أن المساحة الفاصلة بين تلك المنطقة والمسجد
الحرام لا تتجاوز 12 متراً، وهو ما تؤكده المصادر التاريخية
التي تشير إلى التفاف القبائل القديمة حول الحرم.
وقال المشرف على عملية الحفر لشركة الاتصالات المهندس
طاهر حسين إنه فوجئ وفريق العمل بوجود مقبرة عميقة أثناء
عمليات الحفر لإدخال كيابل أرضية ضمن الشبكة؛ وهو ما دعاهم
إلى إيقاف العمل وإبلاغ جهات الاختصاص.
التعليق: يا هيئة الآثار: قلبي
على مكة
انتظرت خمسة أيام على الخبر الذي نشر حول حفريات شركة
الاتصالات في مكة المكرمة التي توقفت بسبب العثور على
قبر من غير رفات، وذهبت الشكوك على أنه قبر يعود إلى العصر
الجاهلي.. انتظرت عل أحدا يقول كلمة واحدة عن العبث بآثار
مكة، أو أن تستنفر هيئة الآثار والسياحة وتطوق الموقع
وتستصدر أمراً بإيقاف الحفر في المنطقة كاملة، وتقوم بإنزال
رجال الآثار للتنقيب في الموقع، أو أن تواصل الصحف متابعة
ما الذي حدث لهذا الأثر؟ كل التوقعات تلاشت في الهواء..
فهيئة الآثار تعلم أن في كل يوم أثر يمسح أو يزال على
طول وعرض البلاد، وهي لا تمتلك إلا الرجاءات والسير بالتخفي
من أجل صيانة أو تغطية أثر هنا أو هناك.
مع نشر الخبر انتابني الأسف كما يحدث كل مرة مع إهمال
أو طمس أي أثر في هذه المدينة المباركة، فهي مدينة قد
نبشت أحشاء آثارها منذ زمن طويل، من غير أي غضب، بل في
أحيان تزال آثار إنسانية بمباركة ومثابرة لإزالة الأثر.
ونكاد نحن البلد الوحيد الذي يبارك محو سجل التاريخ
الإنساني بشهامة وشجاعة نادرتين.
ولأن مكة ابتليت ببعض حالات الاستثمار الأعمى، نجد
أن مشاريعها جميعها قامت في منطقة الحرم والاستيطان البشري
الأول، وأن جل هذه الاستثمارات هي استثمارات عقارية بحاجة
إلى قواعد وأساسات عميقة جلبت لها العمالة من بقاع العالم
الإسلامي، وهي عمالة في غالبها متواضعة وغير متعلمة ولا
تعرف ماذا يعني أثر أو تراث، وبالتالي كانت تعمق الأساسات
والقواعد في باطن الأرض مخترقة أي أثر مطمور أو غائر،
كما أن المستثمر لا يعنيه أثر بل تعنيه أرصدته البنكية
من قيام تلك الأبراج وجني الأرباح، ويتفق المستثمر وعمالته
في سوء تقدير الأماكن التي يعملون بها وربما يتفقان في
حرمة بقاء أي أثر إنساني، وفي ظل غياب المطالبة بحماية
الآثار، فيوميا هناك أثر يموت أو يهشم، وكارثة بعض الأبراج
المقامة في مكة أنها تغلغلت للأرض، فما اختفى عن أنظار
المتشددين المطالبين بطمس الآثار، تهشم بفعل المال الاستثماري
الأعمى.
والآن تقف بعض الأبراج على كنوز أثرية موغلة في القدم
براحة بال وكأنها تجلس في مزرعة استراحة.
يا الله يا مكة.. هكذا ذهب أثر أول استيطان بشري بسبب
الجشع.
وما زالت عمليات الحفر العميق متواصلة من غير استشعار
بأي فداحة ترتكب بحق الوطن والإنسانية.
عبده خال (عكاظ، 12/10/2010)
|
