كان حراماً وصار حلالاً
توفيق العباد
التشدد والتسرّع هو ما جعل فقهاء الوهابية يتوسعون
في تحريم الكثير من القضايا والمخترعات. وكان السياسي،
المقصود العائلة المالكة، يرى في التشدد فائدة في خنق
المجتمع، وإبراز نفسه بأنه البديل الأفضل من حكم المشايخ،
ولكي يلجأ الناس اليه ليكون حلاّلاً لمشاكلهم.
التضييق على المواطنين بتوسعة فضاء المحرمات، رغم حليّتها،
أدى الى التشكيك في مشايخ النظام، وربما في الدين نفسه،
حتى أن نسبة الملحدين في السعودية تفوق البلدان الاسلامية
الأخرى، حسب بعض المطلعين. لقد اخرج المشايخ مواطنين من
دين الله أفواجا بسبب تشددهم، وسيرهم خلف الأمراء، وتحريمهم
أموراً يريد السياسي تحريمها وهي حلال، خاصة ما يتعلق
بانتقاد الحاكم وممارسة الحرية لمواجهة فساده وتغوّله.
|
|
|
لبس النصارى مستحب عريفياً!
|
|
البلوتوث خطر على اهل التوحيد!
|
النتيجة هي هذا الهاشتاق (كان حراماً وصار حلالا)،
والذي يسخر من المشايخ وفتاواهم، والذي جعل الكثير منهم
يشكك حتى في صفاء نواياهم. الهاشتاق استقطب آلاف المغردين
والصحفيين والناشطين، ما يدلّ على ان المجتمع قد قذف من
داخله حِمَماً على وعاظ السلاطين.
الصحافي ناصر الصرامي عرض كيف ان بيع الورود واهدائها
في المستشفيات وللمرضى كان حراماً وصار حلالاً. والتحريم
كان من هيئة كبار العلماء في فتوى مطنطنة. لكن لازال هناك
من يحرم شراء الورود واهدائها حتى اليوم.
الشيخ سعد الدريهيم صار لديه تحوّل، فبالأمس كان من
يطلب قيادة السيارة مجرد عجائز يمجّهنّ الشيطان لقبحهن.
واليوم كان له رأي آخر، فهو حقّ لها، وشنّع بأولئك الذين
يرون قيادتها هدم لمعاقل الفضيلة. وزاد مستسخفاً العراك
بشأن السيارة، لأنها تنمّ عن عقليات نَخِرَة.
|
غرامة حلق اللحية مع الفاتورة!
|
عند بعض حنابلة مصر كانت القهوة حراماً واليوم صارت
حلالاً. لذا لا تستغرب اجتهاداتهم الحالية في اشارة الى
مشايخ السلفية، كما تقول المغردة هيفاء. ويُنقل ان مواسير
المياه في مصر كانت محرمة في مساجد القاهرة، ولم يفت بحلّيتها
سوى الأحناف، لذا سمي الصنبور بـ (الحنفيّة)! وتساءل الداعية
طارق السويدان المكروه من مشايخ السلفية: لماذا كانت الصور
الفوتوغرافية حراماً قبل ٣٠ عاماً والان لا يتحدثون عن
ذلك، فهل صارت حلالاً؟ وهل سننتظر ٣٠ عاماً أخرى ليحللوا
حرام اليوم؟
المناهج الدراسية والصور في المدارس حتى للطيور والحيوانات
يوضع تحت رقبتها خط، كي لا يُطلب منك نفخ الروح فيها!
وحسب الصحفي خلف الحربي في مقالة له: (يسرقون أعمارنا
ثم يعتدلون) فإن سيدة اصبحت عجوزا الآن أحرقت صورها وصور
ابنائها بناء على فتوى احد المشايخ، وبعد عشرين عاماً
تراجع الشيخ عن فتواه، ولكنها لا تعرف كيف تستعيد ذكريات
الزمن الجميل التي أحرقها الشيخ قبل اعتداله.
اليوم كما يقول ابراهيم الحراش، أغلب المشايخ مثبتين
صورهم في تويتر. الدشوش (جمع دش) كانت حراماً، والآن أغلب
من يظهر في قنوات الساتلايت هم انفسهم. وكذلك في اعلانات
الشوارع!
قائمة المحرمات كثيرة بحجة سد الذرائع، منها: الراديو
والتلفزيونات، وحتى اللقاحات كلقاح الحصبة لأنه يرد قضاء
الله، وتحريم البرق والهاتف والجوالات والجغرافيا والتصفيق
وكرة القدم وغيرها. فضلاً عن لعبة الكيرم التي عوقب بسببها
مواطنون في القطيف. وحلق اللحية كان يتبعه التغريم مالياً
كما هذه الوثيقة العجيبة، وفي بعض المدن يجري تعزير حالق
اللحية بالجلد.
|
|
القرني: احذري يا أختاه
التلفون! |
البايسكل او السيكل كان يسمّى (حصان إبليس) ثم تطور
الأمر ان سمح بقيادة السيكل برخصة، كما تشير هذه الوثيقة
عام ١٩٥٩م. لا غرو اذن ان يجيز لنا المتطورون من المشايخ
الذين لا يعيشون عصرهم بأنه يسمح للمرأة بقيادة السيكل!
تهانينا!
تعليم المرأة لم يبدأ في مملكة التطرف إلا عام ١٩٦٠
وبشرط ان يكون تحت اشراف المشايخ انفسهم، وكان الكثيرون
اعتقلوا لمحاولتهم فتح مدارس اهلية خاصة ببناتهم، بل ان
الأديب المشهور عبدالكريم الجهيمان سُجن بسبب نشره مقالة
تؤيد تعليم الفتيات!
وحسب المغرد فهد اليحيا، فإن نحو ٩٠٪ مما هو حديث او
تقني حاليا كان محرماً سابقاً، ثم أحلّوه ـ يقصد المشايخ
السلفيين ـ واستحلّوه وتحلّلوه.. واستلموا اللي بعده.
اي راحوا يحرمون أشياء أخرى! والزهراني يقول بأن هناك
اشياء كثيرة كانوا يحرمونها ولكنهم بعدئذ تسابقوا عليها،
وسنرى هذا مع قيادة المرأة للسيارة.
فتاوى مطولة في مجلدات الدرر السنية في الأجوبة النجدية،
تحرم اشياء ما انزل الله بها من سلطان، وكأن القاعدة لديهم
مقلوبة كما يقول ابو طالب، فالأصل عندهم ان كل شيء حرام
وليس حلالا. ومن بينها كرة القدم مثلاً بحجة العورة، حتى
ان احدهم كان يتساءل وهو طفل: ما هو الضرر العظيم لركبة
اللاعب المشهور ماجد عبدالله على الإسلام؟
وهذا الخلف ابن لذلك السلف، فهذا عائض القرني صاحب
دعاية: كلمني على ببلي، يكتب كتاباً: (احذري التليفون
يا فتاة الإسلام). من يصدق أن هذا التلفون الى الثمانينيات
الميلادية حرام، وكتب الجهل تتكرر طباعتها؟!
ومن يصدق ان التصفيق لازال حراماً عند أكثر المشايخ
ربما. حتى ان ولي العهد/ الملك فيما بعد/ فهد القى كلمة
في وفود اسلامية فصفقوا، فاستلم الشيخ ابن باز الميكرفون
ونَهَرَهم! بل حتى تقنية البلوتوث تم تحريمها لجهلهم،
حتى ان المغرد توفيق سخر وقال بأنه ذاهب لكي ينتحر، فمن
سيشاركه؟
السفر الى بلاد الشرك حرام، ولبس البدلة حرام، بل لبس
القبعة كذلك، حتى ان الأديب حمد الجاسر قال ذات مرة انه
لو امر الملك بلبس لباس النصارى لفعلنا، فما كان من المشايخ
إلا أن جلدوه، وهو علامة الجزيرة، وقد ذكر ذلك في احد
كتبه. وبلاد الشرك تشمل كل بلد لا يحكمها آل سعود، بما
في ذلك مصر وتركيا، وقد احتج المشايخ على ابن سعود في
هذا. اكثر من هذا: بعض بلدات السعودية كانت تعتبر بلد
شرك، حتى في نجد نفسها، فالدكتور بادي يتحدث عن تصنيف
بلدته (الدوادمي) كبلد شرك، وان احدهم جاء على جَمَل فسلم
عليه القوم، وحين اكتشفوا ان جاء من الدوادمي قالوا له:
ردْ لنا سلامنا!!
الآن كل شيء صار حلال: فالمشايخ يتبطحون في تركيا،
وغيرها بل يلبسون البدلات ويتمشون في لندن والعواصم الأخرى!
ومع هذا هناك من يحرم السفر للخارج. وهناك من يحرم ابتعاث
الطلبة للدراسة حتى اللحظة، وكأن مهمتهم تأخير طوفان التغيير
القادم.
ومن الأمثلة فتاوى المشايخ بعدم جواز تخصيص يوم السبت
او الأحد عطلة، اما اليوم فصارت حلالاً رغماً عنهم، فولي
امرهم امر بذلك. وكان محرماً القول بأن الأرض تدور، او
حتى ان الغرب وصل الى القمر، وكانوا يكفرون من يقول بذلك،
وهناك كتاب لابن باز في هذا الشأن، وكان مطلوبا من مدرس
الجغرافيا ان يعلم تلاميذه ان هذه النظرية تتعارض مع القرآن!
كل شيء محرم الا ان يوصي ولي الأمر، او تكون هناك منفعة
للبعض. فحتى الغش ببيع الفلورز والريتويت صار حلالاً!
وكثير من المشايخ على تويتر يشترون متابعين لتضخيم اهميتهم.
طاعة ولي الأمر واجبة، وحقوق الإنسان بدعة، الآن لدينا
منظمتان رسميتان لحقوق الإنسان، تضللان العالم! لكنهما
حلال! وحتى حديث (وإن أخذ مالك وجلد ظهرك).. بدأ بعضهم
يقول انه حديث ضعيف، وقد كان لا يأتيه الباطل من بين يدي
الراوي!
|
حقوق الإنسان
عند السلطان! |
|
يسرقون أعمارنا
ثم يعتدلون |
ماذا يعني كل هذا؟ محرمات واضحة كالربا تركوها وعدوا
على الحلال فحرّموه؟ اليس التحريم والتحليل صار خدمة لفئة
معينة من وعاظ السلاطين والأمراء الحاكمين؟ لماذا يقتل
الانسان في وطنه ويظلم وتسلب حقوقه، ونرى الفتاوى تترى
لتبرير وتحليل أفاعيل الطغاة وجلاديهم بحق معارضيهم او
مخالفي رأي الوعاظ؟
|