الشريان يهاجم العريفي والعودة والعرعور
استنفذت أغراضها منهم وبدأ وقت الحساب
هيثم الخياط
مَثَلُ الحكومة السعودية (كَمَثَلِ الشيطانِ إِذْ قالَ
للإنسانِ اكفُرْ فلّما كَفَرَ قالَ إنّي بريءٌ منكَ إنّي
أخافُ اللهَ ربَّ العالمين). فهي ـ اي الحكومة ـ قد حرّضت
على العنف والإرهاب، وصدّرت فكره ورجاله والمال لتقاتل
به خصومها في أكثر من بلد، وآخرها سوريا.
اليوم بعد ان استنفذت أغراضها، انقلبت على داعش، تبييضاً
لجبهة النصرة التي لا يلمسها نقد في الإعلام السعودي،
وكلاهما ينتميان الى القاعدة، ونصرةً للجبهة الاسلامية،
السلفية الوهابية هي الأخرى، والتي لا تقلّ سفاهة ودموية
عنهما.
اليوم بعد ان تحفّز العالم لمحاربة الإرهاب.. تريد
الرياض ان تقول بأنها بريئة منه، وأنها تحاربه.
اليوم بعد أن صار السعودي في داعش يفجّر نفسه في آخرين
وبينهم سعوديين، فصار السعوديون يقتلون بعضهم بعضاً باسم
الجهاد في سوريا.. تعلن الرياض أنها بريئة، وتلقي باللوم
على بعض المشايخ وتحملهم المسؤولية.
وتناسى الأمراء أنهم اخرجوا القاعديين من السجون ليقاتلوا
في سوريا. تصوروا ان العالم نسي الفكر المتطرف والعنيف
والفتاوى التي أطلقها مشايخ السلطة والتي أدت الى زحف
المجموعات البشرية الطائفية الى سوريا. وتصور الأمراء
ان القاء التهمة على الآخرين، دولاً كتركيا وقطر وإيران
والعراق، سيعفيها من دعم القاعدة التي كبّت أموالها عليها.
وحتى تخلط الرياض الأوراق، جاءنا ومن قناة الإم بي
سي التي تمتلكها، وعلى لسان أحد اعلامييها وهو دواود الشريان،
ليفجّر هذه القنبلة حين قال:
(الشيخ الفوزان، حينما تحدث عن أن سوريا موطن فتنة؛
صمت سلمان العودة وصمت العريفي، وصمت سعد البريك، وصمت
العواجي. وهؤلاء كانوا يدورون حول الحمى، يستحون. أنتم
يا أبطال تويتر، انتم الذين غررتم بأبنائنا فذهبوا للجهاد.
أنتم المسؤولون. والمجتمع لازم يسائلكم. المجتمع لازم
يحاسبكم. أنتم من غرّر بعيالنا من افغانستان وأنتم تشحنونهم
وتقتلونهم في حروب انتهت كلها كافرة، ما ندري من الذي
بدأها ومن الذي أنهاها. ارحمونا، حرام عليكم، ولا واحد
من عيالكم قاتَلْ. الا تقولون: انها الجنّة، اذهبوا أنتم
للجنة ونحن سنتبعكم، دعوا أبناءكم يذهبون للجنّة. لماذا
تريدون عيال أبو مبارك وأم محمد يذهبون قبلكم؟ كل واحد
فيكم زَرِيَهْ الى هنا ـ يقصد يلبس البشت المقصبة باللون
الذهبي ـ ويغرد من الصبح: جاهد، لا تجاهد. ثم طبّ عليكم
العرعور. من الذي جاء بالعرعور الى البلد؟ وكيف تطلّعوا
القنوات الدينية؟ وصال من وراءها؟ والمجد أيش تصلّح؟ تبونا
نسكت؟ ما حنّا ساكتين! عيالنا يموتون في حروب كافرة، لن
نسكت! وسنبقى نصرّ على هذا الموضوع الى أن تحاسبوا؟ في
قضية أفغانستان فلَتّم ـ أي نجوتم من العقاب ـ وفي العراق
فَلَتّم، المفروض في سوريا ما يفلت أحد منكم).
في البرنامج أم محمد تبحث عن ابنها (البِزِرْ) الضائع،
وتتساءل من صَرَف له جواز سفر؟ من حرّضه على الخروج والقتال؟
أين هو الآن؟ لتكتمل الدراما ويتحمّل المشايخ المسؤولية
وتبقى أيدي آل سعود نظيفة جداً.
تقول أم محمد بلوعة وبكاء وهي تقول:
(مَنْ قصَّ جواز السفر لهذا الولد ـ البَزِر؟ مَن سمح
للبزِر هذا أن يسافر للخارج؟ أنا إبني مخطوف، أناشد كل
مسؤول وأرجو أن يرتّب لي لقاء مع وزير الداخلية، لأن هناك
أمور لا تُقال على الهواء. أنا تعبانه؛ أنا مريضة؛ أنا
النوم ما أنام؛ أنا الأكل ما آكله؛ الشرب ما يهنأ لي؛
آخر مكالمة سمعت فيها صوت ولدي تعذّبني؛ الليل والنهار
تعذّبني؛ أريد ولدي، أحسّه يُعذّب؛ يُقتل؛ ما أدري هل
هو حيّ أم ميّت؛ الله يحاسب كل مسؤول، كل واحد، تسبّب
في ضياع إبني من يدي، وذهب به الى القتل والهاوية. أنا
أعرف ولدي طفل بَزِر صغير ما عنده أفكار ولا أيّ شيء،
غير دروسه ولعبه. هذه آخرتها، يحرقون قلبي بولدي).
هذه الحلقة السلطوية المسيّسة بامتياز، اصبحت وسماً
على تويتر، فلنقرأ ردود الفعل على دعاوى الشريان، وعلى
دور الحكومة السعودية في التغرير بالشباب للقتال في الجبهات،
لا نصرة لدين، وإنما لسياسة الأمراء.
لم يكن الشيخ العودة، ممّن حضّ على خروج الشباب للقتال
في سوريا، وهذا امر معروف؛ وقد كتب للشريان: (أخي داوود.
رأيي منع الذهاب لسوريا أو غيرها؛ وعليك الإعتذار علناً،
او الإثبات؛ او الإستعداد للمحاكمة). لكن هل يستطيع الشيوخ
الآخرون الدفاع عن انفسهم بأنهم كانوا ضد تحفيز الشباب
للقتال في سوريا والعراق وغيرها؟ كلا.. حتى العريفي فإنه
حين أراد ان ينفي عن نفسه التهمة، ندّد باستعمال (أبنائنا
وقوداً للفتنة)! بالأمس كانت جهاداً واليوم صارت فتنة!
اعترض البعض على حشر اسم العودة ضمن قائمة محرضي الشباب
للقتال في سوريا، ورأوا ان السبب هو موقف العودة السياسي
من النظام؛ لكن لا بأس فقد تكون ذاكرة الشريان قد خذلته،
كما في مقالة فائق منيف.
لم يبرّيء المغردون النظام من قتل السعوديين في سوريا،
ولا في العراق ولا في أفغانستان، فهو كان من يقذف بهم
الى هناك للهلاك وللتخلص منهم ومنع احتمال معارضتهم له.
وحسب مغرد: (اذا كانت تكلفة اتهام الجاني الحقيقي ـ وهي
الحكومة ـ مرتفعة، فابحث عن جانٍ بديل بلا تكلفة). وتتساءل
شيمة العتيبي: (صحّ النوم! بعد ثلاث سنوات، تَوْكُمْ تستوعبون
أزمة الإرهاب وتجنيد الشباب؟)؛ ألم تسهّل الحكومة السفر
والقتال في أفغانستان بنصف قيمة التذكرة (والا شاكر على
المشايخ) يا داوود؟ اذن فلنحاسب المشايخ الذين أرسلوا
أبناءنا لسوريا، يقول سعود الغنام، ولكن من سيحاسب من
أرسل ابناءنا الى أفغانستان؟! (هنا لا مشاحة عند البعض
للقتال في العراق مادام ضد الشيعة)!
وتتوقف فاطمة للحظة وتسأل: (أساساً العرعور وشلّته
أكبر أبواق النظام السعودي. تضحكون على من أنتم؟). ويسخر
سامي المالك: (الشريان يقول: العرعور من جابَهْ للبلد؟)
ويرد: (ليش تسألنا حنّا؟ إسأل معازيبك!). اي اسأل من أتى
به وهم مشغّلوك الأمراء. اما المغردة حلا، فترد على الشريان:
(يقول لازم المجتمع يحاسبكم. حكومتك هي اللي ساكتة عنهم،
وعاطتهم الحرية، اليس من المفروض ان تحاسبهم؟).
الشيخ حسن فرحان المالكي، قال ان صرخة الشريان مشكورة
ولكن ناقصة، فهي قد تأخرت كثيراً، وان الحكومة تدعم الغلو
ثم تحاربه. وأيد المالكي محاسبة الغلاة وخاصة رؤوسهم وقنواتهم
السفيهة، وطالب بكشف الأسماء الخفية والحقيقية التي تدير
وتحمي التطرف كلّه. وتابع مبيّنا ان قنوات العربية وام
بي سي اسهمت في العبث والتحريض وقتل الشباب؛ وأشار الى
أربع وزارات حكومية حمت الفتنة والتحريض وتفكيك الوحدة،
وأولها وزارة الإعلام؛ وكذلك وزارة الشؤون الاسلامية التي
فتحت المجال للغلاة فوق كل منبر، وايضاً وزارتا التعلي
العام والعالي لانتاجهما الغلاة بوفرة، واضاف المالكي
وزارة الخارجية السعودية التي تستثمر الغلاة وأتباعهم
في أجندات سياسية؛ كما حمّل المالكي الصحافة المحلية مسؤولية
تفشي الغلو والإفساد، فعاش الغلاة سنوات من أخصب أوقاتهم
في التاريخ كلّه. ولأن الشر استطال، فعل الأقل يمكن محاسبة
رموز الفتنة الظاهرين جداً كالعرعور وقناة وصال. ويعتقد
المالكي أن الحكومة ارخت الحبل للغلو حتى شكّل له امبراطورية
عظمى من التنظيم والقنوات، وكانت مؤسسات الدولة بين مشارك
في تأجيج الغلو وصامت عنه. واعترف أن من الصعب أن نطلب
من نصف الدولة محاسبة نصفها الآخر، وختم: ثوار سوريا أسوأ
ثوار على وجه الأرض، قتلاً على المذهب، وكذباً على الخلق،
وعمالة للغرب، ومذهبية وجهلاً.
الجرح بتزايد عدد القتلى السعوديين في سوريا كبير في
نفوس المواطنين، خاصة وأن غطاء الشرعية عن (الجهاد) قد
أُزيح بعد أن تقاتلت داعش والنصرة والجبهة وسفكت الدماء
وعُلّقت الرؤوس، بل لُعبَ بها كالكرة. ام تندب حظها، وضعت
صورة ابنها: (وينك حبيبي. ما كنتُ اعلم بما يصير. لو علمتُ
ما وافقت على نفيرك. افتكرت الجهاد مثل أيام الصحابة.
لا أعلم. انه غدر). وتضيف موجهة كلامها للبغدادي: (آه
منكم. أتوكم يدافعون عنكم، وجازيتهم بالقتل والطعن. يا
ريتني أعلم أين ابني وأين مكانه، سوّيتو فيه شيء وهو يدافع
عنكم. حسبي الله)!
آه حقاً، وكما تقول المغردة ملاك: (التاريخ يعيد نفسه:
احداث ما بعد الجهاد في افغانستان تتكرر. والحمقى لا يتعلّمون).
قال أحد المفكرين: التاريخ لا يعيد نفسه، بل نحن الذين
نكرر غباءنا!
|