اعتقالات: العهد السلماني المرعب!
إعداد سامي فطاني
لم يعد تويتر كما كان في السنوات الماضية.
معظم الكتاب والمغردين يخشون على أنفسهم.
مئات توقفوا عن التغريد.
وأمثالهم تم تحذيرهم، واعتقال المئات منهم.
عاد الكثيرون لاستخدام الأسماء المستعارة، لعلّ ذلك
يمنع السلطات الأمنية من ملاحقتهم في التعبير عن آرائهم.
حتى الموضوعات التي يتم التطرق اليها في تويتر، لم
تعد في كثير منها تحمل قيمة كبرى كما في الماضي.
وفي الموضوعات الحساسة، يكثر المطبلون من جيش المباحث،
ويختفي أصحاب الرأي، عن التعليق.
لكن لازال تويتر يمثل مختبراً لقراءة الرأي العام الشعبي
في مملكة آل سعود. ولازال الوسيلة الشعبية الأولى في التعبير
عن الهموم والآراء، وفي البحث عن التحولات في الإتجاهات
السياسية والفكرية والنفسية للمواطنين.
المملكة من الخارج شيء مختلف، تصنعه الدعاية الرسمية
الحكومية، أما في الداخل فهناك عالم متلاطم من الأفكار
والنشاطات والإبداعات، ترسم صورة أخرى لها ولشعبها ولنظام
الحكم فيها.
ورغم القمع السعودي، فإن من المستحيل على أي نظام شمولي
مستبدّ ان يقهر شعوباً مسلحّة بمواقع التواصل الاجتماعي.
المواضيع التي شغلت المواطنين هذا الشهر كثيرة أهمها
موضوعا: الاعتقالات في الوسط السلفي/ الصحوي/ الاخواني؛
والآخر يتعلق بدعوات
الإحتجاج، التي لازالت مستمرة.
شنّ النظام حملة اعتقالات في الوسط الدعوي السلفي الصحوي،
وشملت الاعتقالات العشرات من المشايخ المعروفين والدعاة،
كما شملت افراداً لا يمتون بصلة الى التيار السلفي الاخواني
(الاخواني)، من مغردين وقضاة وحقوقيين وغيرهم.
توقيت حملة الاعتقالات، جاء في سياق الصراع مع قطر،
وقبل ثلاثة ايام من حراك الجمعة ١٥ سبتمبر
الجاري، لكن خطط ضرب التيار الصحوي، وتحميله مسؤولية فشل
ال سعود لعقود مضت، كان من صلب استراتيجية محمد بن سلمان.
مغامرة ضرب التيار تفجر القاعدة الشعبية للنظام (ونقصد
القاعدة النجدية السلفية). وهي واحدة من مغامرات تتكاثر
منذ جاء محمد بن سلمان وابوه الى الحكم، بدأت بالحرب مع
اليمن، ولن تنتهي باعتقال رموز التيار الصحوي، مروراً
بالأزمة مع قطر، وغيرها.
وحتى الآن، فهناك العشرات من الرموز قد تم اعتقالهم،
وماكنة الاعتقالات مستمرة؛ وهناك اصوات تؤيد هذه الإعتقالات
باعتبارها طريقاً لاصلاح الوضع السياسي والاجتماعي، في
حين يرى الآخرون انها دلالة جديدة على ان النظام يتخبط
في سياساته، وان الإصلاح لا يمر عبر القمع والاعتقالات،
فضلا عن انه ليس في اجندة النظام سوى القمع.
الصحفي جمال خاشقجي المتهم بالإخوانية، تفاجأ بالاعتقالات
وقال ان (بلادنا ورجالها لا يستحقون ذلك)؛ وبرر: (لا بد
ان هناك سوء فهم). ونسي خاشقجي ان الاعتقالات هي جزء من
حملة مخططة قادها دليم/ سعود القحطاني، مستشار ابن سلمان
الاعلامي برتبة وزير، مالذي تحدث عن مكافحة المعارضين
ضمن قائمة سوداء وضعها لصالح سيده ابن سلمان، وقال: (سيتم
دراسة كل الأسماء الموجودة في هاشتاق القائمة السوداء،
اضافة للأسماء المرصودة من الدول).
بعد ايام من الاعتقالات الأولى، قالت رئاسة امن الدولة
بأنها رصدت واعتقلت خلية تجسسية لصالح دولة خارجية، وتقصد
قطر. وبدأت الآلة الإعلامية بتمجيد حملة القمع، وانضمت
اليها صحف خليجية متعاطفة مع النظام؛ مع ان الملك زعم
بداية حكمه بكفالة حرية التعبير.
وتضامن مع آلة آل سعود الإعلامية المغرد برتبة وزير
خارجية للبحرين خالد بن أحمد آل خليفة الذي قال: (نقف
مع السعودية في كل خطوة تتخذها لحماية شعبها من أعداء
الأمة، ودعاة الأرهاب، ووكلاء التنظيمات وأعوان الشياطين)؛
معل العلم ان الاخوان والسلفيين في البحرين يشغلون مناصب
عليا في البحرين، وكان من بينهم وزراء، فلماذا يحرض على
قتل المواطنين في السعودية واعتقالهم، في حين لا يفعل
الشيء ذاته في بلاده البحرين؟!
هناك صورة مثيرة تم تداولها سابقاً في تويتر، تُظهر
ناصر العمر وهو يتسلم حقيبة من احد شيوخ قطر، المسؤول
السابق لقناة الجزيرة؛ اضافة الى صور أخرى استخدمت للإدانة.
واستخدم جيش النظام الإلكتروني ارشيف تويتر لمحاسبة المشايخ
المغردين بأثر رجعي، وهو امر اعتاد النظام فعله مع كل
المعارضين.
حتى الكلام الجميل يصبح أداة إدانة، كتغريدة العودة:
(وطن الإنسان حيث يجد نفسه ويحفظ كرامته)؛ أو كما هو الحال
مع تغريدات عبدالله المالكي الذي يجعل الانسان وكرامته
محور كل شيء.
اللواء المتقاعد ابراهيم آل مرعي، الذي كان ولازال
من رؤوس الحربة الاعلامية في العدوان على اليمن، والذي
اتهم بالعمالة لقطر، فإنه حول التهمة على خصوم النظام
الآخرين وأيد اعتقالهم ضمن (من تم شراؤهم من قطر) بزعمه.
قيل ان سبب اعتقال العود والقرني هو تغريدة تحمد الله
وتدعوه بأن يؤلف بين قلوب الحكام. جاء ذلك تعليقاً على
اتصال تميم بمحمد بن سلمان. الصحيح انه لا توجد لدى آل
سعود مشكلة في اختلاق اي تهمة واي مبرر ان ارادوا سجن
احد.
الحملة القمعية تساوقت مع تصفية حسابات الليبراليين
المزعومين، مع التيار السلفي، حسب المغرد أحمد الذي قال
ان اولئك المزعموين يرفضون خطاب الكراهية ضد امريكا، ولكنهم
يدعمونه ضد أبناء جلدتهم.
هذا ما دفع الاعلامي فائق منيف للقول: (بعد وعّاظ الصحوة
بدأت ظاهرة وعّاظ الليبرالية التي تحمل نفس الخصائص، مثل:
الفجور في الخصومة، وتأليب السلطة، واختلاق القصص، وتأجيج
الأتباع). ووصف سليمان العيسى هؤلاء الليبراليين بأنهم
(مدعو ليبرالية، الليبرالية أسمى من أن يكونوا من أنصارها.
هم فاشيون بدرجة متقدمة، وأعداء للحرية والمساواة).
وظهر هاشتاق تحريضي ضد العريفي، بعنوان: (العريفي يتاجر
بالدين)، وهو فعلاً يتاجر بالدين، ولكن لم تكن متاجرته
تمثل مشكلة للحكومة والليبراليين المزعومين، فالحكومة
هي ايضاً تتاجر بالدين؛ وإنما أزمة العريفي تتعلق بموقفه
من الحكومة (الموالاة بحذر. قال احدهم انه نصح العريفي
وعايض القرني والعودة بأنهم سيدخلون سجن الحائر. وقال
آخر بأن العريفي يستفيد من عدد المتابعين شأنه شأن غيره،
وإن كانت أسعار اعلاناته مبالغ فيها. وقال ثالث بأنه لم
يعد يثق في المشايخ ولا في وعاظ الليبرالية (لأن الله
لم يهبني العقل لأضعه بين أيديهم. تحرروا لله الواحد الأحد).
اما بخيت الزهراني فيعلق بأن الله أعلم بنوايا العريفي
(ولكن الاسترزاق بالتمشيخ الممقوت أمرٌ ينافي جوهر الدين).
هذا يخالف غضب مغرد آخر، الذي تحدث عن (قومٍ يحتالون
علىة الدنيا بالدين. ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرّ
من الصَبْر. يلبسون للناس مسوكَ الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب).
هذه اللغة أغضبت المغرد عبدالله الذي انتفض فقال: (عجيب
والله. الشعب بدأ يتطاول على مشايخ دين وعلماء وداعين
للإسلام بالسب والقذف. ان كان هو ـ اي العريفي ـ سيء،
فماذا فعلت أيها الرديء للإسلام؟). وكما يستفيد الخصوم
من ارشيف بعضهم البعض في التحريض، ذكرنا المغرد متعب المتعب
بأن العريفي: (رأى الملائكة بسوريا؛ قسّم الجن الى سنّة
وشيعة؛ وأنه محترف بالإعلانات التجراية برداء الدين؛ وأنه
يدعو للنفير، في حين ان جهاده في طرابزون بتركيا). ودافعت
صحيفة تواصل المتطرفة عن العريفي فقالت بأن من يقف وراء
هاشتاق (العريفي يتاجر بالدين) هم علمانيون وطائفيون وليبراليون.
|
من جانبه ابتهج المغرد عيسى علي بالاعتقالات وقال:
(أخيراً... عقبال المشايخ اللي يتاجرون باسم الدين لمصالحهم،
وأستغرب من التعليقات اللي ضد الاعتقال). مغرد آخر هو
سعد القحطاني، يكاد لا يعرف الفرق بين الناقة والجمل،
أيّد الحكومة في اعتقال العودة وحسن فرحان المالكي، فكلاهما
(يخدم العدو ضد وطنه بطريقته، حروري وسروري).. اي ان المالكي
حروري ـ خارجي؛ والعودة سروري ـ إخواني.
الناشط علي، رأى ان هدف الاعتقالات هو تثبيت حكم ابن
سلمان الذي يلقى معارضة داخلية حتى بين العائلة المالكة.
وحسب العلامة الأثري: (في عهد الملك عبدالله، من ينتقد
الحكومة يُعتقل؛ وفي عهد سلمان والدب الداشر: من يصمت
ولا يطبّل للحكومة يُعتقل).
الهاشتاقات كثيرة تلك التي حوت اسماء المعتقلين. فكل
معتقل وضع له هاشتاق، حتى ضاق الفضاء الالكتروني من كثرتها
في ظل السلطة المتغطرسة المهتزّة، كما تقول الدكتورة مضاوي
الرشيد. لكن الاعتقالات وفق قاعدة احدهم له دلالة مهمة:
(أي نظام قبل سقوطه تظهر عليه علامات معينة، وهذا ما يحدث
الان مع نظام آل سعود). اما الدكتورة مضاوي الرشيد فدافعت
عن الشيخ العودة، فهو لم يرفع السلاح (لذا خطره أعظم من
الإرهابيين). والاعلامي الموالي عبدالله الجهيمي، يرى
ان لا حلّ مع الإخوان السعوديين سوى البتر (هم حالة ميؤوس
منها، ولا يمكن الوثوق بهم).
رانيا تقول ان محمد بن سلمان لم يكن وجه السعد، الا
للصهاينة. والمحامي المنفي والحقوقي المعروف عبدالعزيز
الحصان، علق بان الاعتقالات لم تتوقف منذ زمن، واعتبر
ذلك عبثاً. واعتبر تعليق جمال خاشقجي ابن النظام تدليساً.
اما المحامي الآخر في المنفى اسحاق الجيزاني فانتقد العودة
وقال انه صمت خشية السجن (ولو انه صدع بالحق فسُجنْ لكان
خيراً له)، وزاد مغرد آخر جرعة النقد فقال: (حتى السكوت
على الباطل لم يجنبه السجن). لقد اضحى الكلام جريمة كما
يقول الاصلاحي المعتقل عبدالله الحامد:
ان الكلام جريمةٌ
يا ويلَ مرتكب النقاش
المغرد ابو عنز الجامي، استعار كلام سلمان العودة حين
اعتُقل الشيخ الطريفي، فهدّأ العودة يومها الغضب الشعبي،
فكرر كلامه الجامي هنا مع تغيير الاسم: (الشيخ سلمان بخير
نسأل الله التيسير. هو ليس اعتقالاً بل بمكان لائق لنقاش
بعض الأمور). وفي وقت تبشرنا حسابات المباحث (حساب مجموعة
نايف) بأن هناك اعتقالات كثيرة قادمة لزوار قطر وأهل الطحين
ونشيد: في الجنّة حورية؛ تؤكد تلك الحسابات على ما تسميه
(مخططات العودة لتدمير بلادنا. فهل نسمح له؟ لا ورب الكعبة).
وبشرنا الداعية الرسمي عبدالله آل معيوف بأن يثق في
حكمة الملك وحُسن سياسته، وأنه لن يظلم أحداً؛ لكن حماد
الشمري شكك في الولاء للمشايخ لأن (بعضهم حزبي باع الوطن،
والبعض الآخر اعتبر الوطن «لوثة جاهلية»..).
المغرد سالم سداح يسخر بأن الصمت يؤدي الى السجن: (اذا
كان الكلام من فضة، فالسكوت فيه اليُوكِنْ الأسود). والصحفية
سليطة اللسان، الفاعلة ضمن كتيبة المباحث نورة شنار، وصفت
العودة بالخيانة والغدر بالشعب وقيادته، وانتقدت ما اسمته
الدين التخريبي الإخواني، وفرحت الشنار بايقاف ابن النظام
جمال الخاشقجي عن الكتابة: (تم تطهير الصحف السعودية من
قلم يركع ويسجد للفكر الاخواني. الى سلّة المهملات يا
خونة).
من جانبه، أظهر جمال خاشقجي استغراباً من اعتقال الكاتب
في الشأن الاقتصادي عصام الزامل: (عصام الزامل تعتقلونه؟!
عصام كان هنا بواشنطن يخدم بلده بمرافقة وفد رسمي. مالذي
يجري؟). انه القمع يا جمال الذي بررته سابقاً يرتد عليك
وعلى أمثالك!
وتصحح مضاوي الرشيد، بأن النظام ينسب كل معارضة له
الى الخارج كقطر وايران، فتقول: (معارضة النظام بدأت منذ
أن دخل ابن سعود الى الرياض). ونددت بصمت رفاق المعتقلين:
(كيف تنام ورفاق دربك بالسجن؟ حسّ بليد، وشعور من جليد).
واضافت بأن الاعتقالات رد على فشل النظام سياسياً في معركته
ضد قطر، فحاول تركيع الشعب بدلاً منها.
وتحمس شيخ المباحث نايف العساكر بتنظيف البلاد ممن
اسماهم (سَلَقْ عزمي بشارة). والمغرد كارلوس قال: (في
هذا البلد القمعي، لو قلت: المجد للصهيونية لن تُعتقل)؛
يؤيد ذلك بدر بن طلال الرشيد الذي يرى هدف الاعتقالات
هو (تفريغ الساحة من جميع الأصوات المؤثرة، تمهيداً لتطبيع
العلاقات مع الكيان الصهيوني بشكل رسمي وعلني).
الدكتور المعارض فؤاد ابراهيم اعتبر تحريض بعض النخب
للسلطة وتشجيعها على اعتقال خصومهم، بأنه عيب وعار ودناءة
وخسة. واضاف نختلف مع شيوخ الصحوة ولكن لا نقبل اعتقالهم
بل ندينه ونستنكره. واحد رجال المباحث يكتب باسم مستعار
ووجه مستعار، سخر من المعتقلين فقال: (ظنوا ان القائمة
السوداء مجرد ترهيب أو مزحة. قواعد اللعبة تغيّرت). وواصل
مباحثي آخر: (والدليل على ان القواعد تغيرت انك يا خميني
بريدة ـ يقصد العودة ـ في ابو زَعْبَلْ). والصحافي العامل
في جهاز المباحث محمد الساعد يحرض: (اتْحَزَّم يا بو فهد
واضربْ كل خاين) وهدد: (إنْ عدتم عدنا بسيف وبندقية).
الاخواني المتطرف الذي كان أول من طالب بنسف العوامية
من قاعها، خالد العلكمي، يخشى الاعتقال ويطالب بالتثبت
وعدم نشر اسماء؛ ويقول انه لا يجوز استعداء السلطة والمجتمع
على الخصم؛ واعلن براءته من اصدقائه المعتقلين واصطف مع
الحكومة ضدهم واصفاً اياهم بـ (المتآمرين). اما الشيخ
الاخواسلفي المتلوّن سعد الدريهم، فجاء بتغريدة ملتوية
يمكن فهمها على أكثر من وجه. قال في هاشتاق: القبض على
خلايات استخباراتية: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
المغردة وداد منصور، علقت على خلية التجسس المزعومة
ساخرة بأنه (أول خلية تجسسية تكتشفها السعودية وليس لها
علاقة بإيران)! لقد اعتقلت وداد اثر هذه التغريدة، حسب
بعض المصادر. لكن رجل المباحث الداعية عبدالعزيز الموسى
خرج عن الحد حين قال: (من جاء ذكرهم تصريحاً او تلميحاً
في بيان أمن الدولة، هم من المفسدين في الأرض، وجديربقتلهم،
واراحة العالم من أذاهم، لأنهم شر على العالم أجمع). رد
على الموسى حساب ساخر فقال: (اخرس. لا تفت في اباحة الدماء،
وانت ما عندك الا شهادة ثاني ثانوي انتساب).
وأخيراً يصف سامي الطويل حملة القمع السلماني بأن (الوطن
يتطهر من الأنجاس).
السؤال: أي وطن؟ ومن هم الإنجاس حقاً؟!
|