ترامب يدافع عن رهانه على الدمية - الوحش

هل يحمي ترامب ابن سلمان أم نفسه؟

حاول ترامب ان يحمي محمد بن سلمان والنظام السعودي بالقدر الذي يستطيعه. السؤال الرئيس:
هل يتخلّى عن ابن سلمان، ويحتفظ بالسعودية كبقرة حلوب؟

محمد شمس

الجريمة التي ارتكبها النظام السعودي في قنصليته في إسطنبول، وراح ضحيتها الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، اثارت عاصفة اعلامية وسياسية على مستوى العالم كله.

البحث عن مرتكبي الجريمة ومن يتحملون مسؤوليتها، اتجه في مسارين متلازمين:

أحدهما، صوّب على النظام السعودي، وخصوصاً الرجل القوي فيه، ولي العهد محمد بن سلمان.

والثاني، ركّز الانظار على الادارة الاميركية، والرئيس دونالد ترامب شخصيا.

وفي حين سعت الادارة الأميركية، ومعها القليل من وسائل الاعلام الأميركية، رسم خطوطاً فاصلة بين ترامب وفريقه من جهة، والقيادة السعودية من جهة ثانية.. كان واضحا ان من الصعب ان تتمكن هذه الادارة من النأي بنفسها عن تصرفات صنيعتها في المملكة السعودية، وان العلاقة التي نسجها ترامب نفسه، وكبار مسؤوليه، مع الملك سلمان وابنه، لا تترك اي مجال للتمييز بينهما، او اعطاء هامش للتصرف الفردي من قبل ولي العهد السعودي.

 
واشنطن بوست: انضم ترامب لآل سعود لتغطية جريمة مقتل خاشقجي!

لقد بالغ ترامب نفسه في تظهير تلك العلاقة، وتباهى بأنه يطلب فيُستجاب طلبه؛ فهو يأمر فينفذ آل سعود أمره؛ وانه بات فعلا يملك مفاتيح ثروة هذه البلاد، عبر ارتهان قيادتها لقراره واستراتيجيته.

الصحافة الاميركية لم تميز بين ادارة ترامب والحكومة السعودية، وتوجهت اليهما معا ـ وخصوصا صحيفة واشنطن بوست ـ بالدعوة الى اظهار الحقيقة، والتزام الشفافية وكشف تفاصيل الجريمة.. بل أن ما شهدناه طيلة ايام الازمة منذ اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، هو تجاوز حدود الجريمة، للبحث عن ارتباطات وعقود خاصة للرئيس الاميركي وحاشيته في السعودية.. وعن مراهنات واسعة من قبل ادراة ترامب على الدور السعودي على الصعيد المالي والنفطي والسياسي ايضا، سواء ما يتعلق بحصار ايران، او بتصفية القضية الفلسطينية، واقامة تحالف خليجي إسرائيلي، يضمن هيمنة الامبريالية الاميركية على المنطقة.

ما نقوله هنا، لم يعد في اطار التخمينات، بعد ان صدرت عن الرئيس الاميركي ومساعدية تصريحات علنيه بهذا الشأن، وهي تؤكد على ضرورة الحفاظ على عقود التسليح والاستثمارات السعودية في السوق الأميركية، ودور هذه المملكة في ابقاء التوتر المذهبي في المنطقة على مستوى عال، لارباك ايران ومنعها من تثبيت نفوذها الاقليمي.

السؤال: هل يحمي ترامب النظام السعودي ام يحتمي به؟

اميركا لا تحمي احدا، بل تبحث عن مصالحها كقوة امبريالية مهيمنة على العالم.. هذه قاعدة لا نحتاج الى مناقشتها، بل ان التاريخ القريب والبعيد زاخر بالامثلة عن تخلّي واشنطن عن ادواتها والانظمة العميلة لها، ولم تمنعها من السقوط والفشل، بل هي تساوم بشكل علني وصريح، وتبيع من يعتقدون انهم حلفاءها في اسواق المصالح والصفقات مع الشركاء الدوليين.

والنظام السعودي ليس امرا مختلفا عن هذه القاعدة.. ولكن الصورة يمكن مقاربتها بشكل مختلف.

فالرئيس الأميركي، والطبقة السياسية المتحلقة حوله، يقودان اميركا والعالم في اتجاه جديد.

هذه الغوغائية والشعبوية التي يتعامل بها ترامب في ادارة اقوى دولة واكبر اقتصاد في العالم، ليست امرا عبثيا، بل هي استراتيجية منهجية لها مفكروها ومروجو سياساتها.

 
الضحية والقتلة.. من وراءهم؟ وأين جثته؟

واذا كان البعض يسجل على الرئيس ترامب عداءه للاعلام الاميركي التقليدي، في وقت يعرف الجميع قدرة هذا الاعلام على صياغة الرأي العام، وتوجيه المواقف والسياسات، بل والقدرة على صناعة الانظمة واسقاط الرؤساء، حتى داخل الولايات المتحدة.. فإن علاقاته بأجهزة المخابرات والبنتاغون والمؤسسات السياسية لا تقل سوءا وعداوة.

ببساطة.. فإن ترامب الآتي من خارج (السيستم) او الاستابليشمنت كما يعرف في اميركا، يريد في الحقيقة تحطيم هذا النظام القديم لمصلحة نظام جديد، يمكن فهمه من هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي التي يتعامل بها ترامب منذ حملته الانتخابية.. وذلك بالتواصل المباشر مع الجمهور دون واسطة المؤسسات التقليدية السياسية والامنية، وهو جمهور يمكن استثارته بوهم الدور والحرية والقدرة على صناعة الحدث والامساك بالقرار.

وترامب تعامل بالطريقة ذاتها مع مؤسسات المجتمع الدولي مع حلفائه وشركائه، فلم يقم وزنا لمجلس الامن ولا الاتحاد الأوروبي، ولا الاتفاقيات الدولية والعلاقات التاريخية مع (الحلفاء).. وغني عن القول انه لا يضع مسائل حقوق الانسان في حساباته على الإطلاق.

ترامب في نهجه الجديد هذا، لم يجد الا حليفين في العالم كله: الكيان الصهيوني والنظام السعودي.. واكتفى بهما لضمان التغطية العقائدية والمالية، ضاربا بعرض الحائط كل المعايير التي حكمت العالم بقيادة اميركا ليس بعد الحرب العالمية الثانية وحسب، بل في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتفرد الولايات المتحدة في قيادة العالم.

ان وصول محمد بن سلمان الى قمة سلم القيادة، وامساكه بعرش آل سعود، يشبه الى حد كبير وصول ترامب من خارج المؤسسات، وبطريقة قيصرية غير تقليدية، بل مفاجئة لكثيرين.. وما يفعله هذا الامير الشاب المتهور (ابن سلمان).. هو صورة مصغرة لما تريده واشنطن من تدمير المؤسسات والعلاقات وكل ما يمت الى النظام القديم بصلة.. ضمن استراتيجية الفوضى الخلاقة في أدق تعابيرها... فالقوة الحقيقية ليست بمراكمة القوة، وهو ما بلغ حده الاقصى على الصعيد العسكري، بل هو في تفتيت القوى المنافسة، وابطال دورها، عبر بناء نظام عالمي جديد ليست جزءا منه.

لذا لم يعد مفاجئا ان نسمع من يؤكد ان سقوط النظام السعودي سيشكل ضربة قاصمة للمشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة، وفي العالم. كما ان اي ضربة للمشروع الترامبي في الولايات المتحدة سيعجل بسقوط الدكتاتورية السعودية.

لقد ربط كلاهما نفسه بالاخر الى حد التلازم.. وترامب عندما يستميت في الدفاع عن محمد بن سلمان، واستعداده لتقديم تنازلات تطال من السعودية نفسها، فإنما يدافع عن رهانه على هذه الدمية - الوحش الذي تم تصنيعه لخدمة المشروع الأميركي، كما يريده ترامب والامبريالية الاميركية الجديدة.

فهل سعى ترامب فعلا لحماية النظام السعودي؟

الأداء الاشكالي والملتبس للرئيس الاميركي وأركان ادارته، واساليب تفاعلهم مع جريمة قتل خاشقجي، بحجمها وخصوصيتها، اثارت المزيد من الشبهات، حيث ركز الكثيرون على ان ترامب يسعى لحماية ولي العهد السعودي، المتهم الاول عن جريمة اغتيال الصحافي السعودي، ومواصلة علاقته الخاصة مع هذه المملكة التي باتت محل ادانة ونبذ من المجتمع الدولي.

من الإنكار الى التهديد
 
كوشنر، صهر ترامب.. هل يتخلّى عن ابن سلمان حتى لا يغرق معه؟

ليس من المعروف حتى الان، ما اذا كان الرئيس الأميركي، قد فوجئ بعملية تصفية الصحافي السعودي في قنصية بلاده في إسطنبول.. الا ان الثابت هو أن ترامب قد فوجئ برد الفعل الدولي الذي فجرته الجريمة السعودية الشنعاء. وقد بدا ذلك واضحا من الاستخفاف الذي ابداه الرئيس الاميركي بالحادثة، وادعائه بأنه يجهل تفاصيلها وكيفية حدوثها.

كان ذلك بعد ايام من وقوع الجريمة، وهو تماما ما فعله ولي العهد السعودي، الذي صرح بعد ثلاثة ايام من الاعلان عن اختفاء خاشقجي، والشكوك حول مقتله، بأنه متأكد من ان خاشقجي قد أجرى معاملة عادية في القنصلية، وخرج بعد دقائق او ربما ساعة.. ولكنه لا يعرف الى أين.. نافيا اي مسؤولية عن مصيره، ومؤكدا انه لو كان هناك اي معلومات اخرى لكان اُبلغ بها من موظفي القنصلية.

وواضح ان الرئيس ترامب كان يتبع الايقاع ذاته الذي يعزف عليه محمد بن سلمان، اذ ليس من المعقول ان يتأخر زعيم اقوى جهاز مخابراتي في العالم مدة أسبوع، ليعبر عن قلقه بشأن مصير خاشقجي.. الا انه في الواقع واصل انكار معرفة اي شيء عن اختفائه! والغريب أنه لم يكن قد تحدث بعد مع المسؤولين السعوديين، ولكنه وعد بأنه سيفعل ذلك (لاحقا).

وظل ترامب يراوح مكانه في تصريحات شبه يومية، لا يقدم فيها موقفا حاسما. فما يقوله صباحا، ينسفه بما يعاكسه مساء، حتى اضطر تحت ضغط الاعلام والتسريبات التركية، وازدياد عدد رجال الكونغرس الذين عبروا عن مواقف ادانة للسعودية، وتأكيد ضلوع قيادتها في الجريمة.. اضطر الى التصريح بأن خاشقجي قد يكون قتل على أيدي «قتلة مارقين».

وحتى لا نمعن في التحليل، فقد جاءت تصريحات ترامب عقب اتصال أجراه في اليوم ذاته مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. وفي عشية ذلك اليوم صدر الموقف السعودي الأول، الذي يعترف بمقتل خاشقجي في القنصلية، دون تحديد أسماء الفاعلين، وذلك جراء اشتباك بالايدي، للتخفيف من وقع الجريمة المروعة، والرواية التي انتشرت عن تقطيع جثته بالمناشير.

وحتى يوم 18 أكتوبر الجاري، دافع الرئيس الأمريكي عن السعودية، وانتقد التسرع بإدانتها حسب تعبيره.

وحذّر ترامب في مقابلة مع وكالة الأنباء الأميركية «أسيوشيتد برس»، من الاندفاع إلى الحكم بإدانة المملكة السعودية، متبنياً موقف الرياض المطالب بضرورة الصبر حتى انتهاء التحقيقات «الشفافة» و»العادلة» التي ستكشف الحقائق.

وبعد اقل من اربع وعشرين ساعة، صدرت رواية سعودية ثانية، عن مقتل خاشقجي بطريق الخطأ غير المقصود! أما جثته فقد سلمت لمتعاون محلي ـ مجهول الهوية ـ اُوكل اليه امر دفنها في مكان مجهول.

 
مديرة السي آي أيه..
تفاصيل تصفية خاشقجي مروعة، وبقاء النظام السعودي ضرورة أمريكية

الرواية السعودية التي نقلتها رويترز كانت مبتذلة وصادمة، الى درجة أثارت موجة عارمة من السخرية والرفض، في الاوساط الاعلامية والسياسية على السواء.. وفي اليوم التالي خرج ترامب، ليبلغنا بأنه غير راض عن السيناريو السعودي، لكنه ببساطة أيضا، لا يريد أن يخسر استثماراته وصفقاته مع الرياض.

فبعد ان قال فور صدور التقرير السعودي انه جدير بالثقة، عاد ترامب وتراجع سريعا، موضحا أنه من الواضح وجود خداع وأكاذيب في ما أعلنه السعوديون، مشدداً على أنه ينبغي ألا تضر قضية خاشقجي بصادرات الأسلحة من الولايات المتحدة إلى السعودية في إطار عقود بقيمة 110 مليارات دولار، أعلن عنها سابقا.

وامضى ترامب اسبوعا اخر في مواقفه المتذبذبة من جهة، والتضليلية من جهة اخرى، بينما كانت المواقف الاميركية الأخرى، قد قطعت شوطا متقدما في كشف خيوط المؤامرة التي قادها محمد بن سلمان، لاستدراج وقتل جمال خاشقجي. وحتى الثالث والعشرين من أكتوبر الجاري، لم يكن ترامب قد ذكر اسم ولي العهد نافيا ضلوعه في الجريمة، الى ان القى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان خطابه، بينما كانت مديرة سي اي ايه في انقرة، حيث قال ترامب إنه إذا كان هناك مسؤول عن جريمة قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، فسيكون ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

فقد نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن ترامب قوله، ردا على سؤال حول تورط الأمير محمد بن سلمان المحتمل في جريمة قتل خاشقجي: «حسنا، الأمير يدير الأمور هناك (في السعودية) أكثر من أي شخص آخر في هذه المرحلة، فهو يدير الأمور، وإذا كان هناك أي شخص مسؤول فسيكون هو».

وفي هذه الاثناء كشف جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي وكبير مستشاريه، عن النصيحة التي قدمها إلى ولي العهد السعودي، الذي تربطه به علاقات شخصية ودية، وقال أنه شدد في اتصال بينهما على أن العالم كله يتابع قضية خاشقجي، ويدور الحديث عن «اتهام ووضع خطيرين للغاية»، وحث وليَّ العهد على ضمان الشفافية الكاملة في التحقيق، وأخذ القضية على محمل الجد. بينما اعتبر ترامب، أن التستر على مقتل الصحفي السعودي، يمثل أسوأ عملية للتغطية على جريمة على الإطلاق.

ولم يتطور الموقف الاميركي اكثر من ذلك، رغم الاعلام عن ان مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. أيه) جينا هاسبل، قد اطلعت الرئيس دونالد ترامب في الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري على المستجدات بخصوص التورط السعودي في قتل الصحفي جمال خاشقجي.

وكانت معلومات صحافية نشرتها الواشنطن بوست نقلت عن هاسبل، انها أطلعت الرئيس على فحوى تسجيل صوتي استمعت له خلال زيارتها القصيرة لتركيا، عن استجواب وقتل الصحفي السعودي بطريقة مروعة.

ومن هذا السياق يتبين التالي:

 
هل حان ذبح البقرة الحلوب؟!

ان الولايات المتحدة لم تبادر الى قيادة التحقيقات، او عمليات البحث عن مصير خاشقجي، وحقيقة ما جري في القنصلية السعودية في ذلك اليوم المشؤوم. بل هي على مستوى البيت الأبيض، تعاملت ببرود تام، مع قضية يفترض انها أساسية، وتتعلق بصحافي يعمل ويقيم في الاراضي الاميركية.

المواقف التي اعلنها الرئيس ترامب، جاءت متخلفة عن مجمل الموقف الدولي ومتأخرة عنه بأيام، بل نكاد نجزم ان قوة الدفع التي احدثتها الصحافة الاميركية بالذات، كانت تجر ترامب جراً لاتخاذ موقف.

مواقف ترامب كانت تخدم سيناريو تبرئة السعودية اذا امكن، والا فإبعاد المسؤولية عن الامير محمد بن سلمان.

هذه المواقف جاءت متلازمة ومتناغمة مع المواقف السعودية، ولا تشكل اي ضغط عليها.

النأي بالنفس أمريكياً!

الى جانب سياسة الانكار، والدفاع المستميت عن «الحليف» السعودي، كانت دوائر اتخاذ القرار في البيت الابيض تعلم وترى ان (كرة الثلج) تزداد تضخما، حتى باتت جبلا يصعب تجاهله. ومع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية، وخروج مواقف حادة من زعماء اوروبيين ورئيس الوزراء الكندي، رأت تلك الدوائر ان يجري التخفيف من مسؤولية البيت الابيض عن جريمة الامير محمد بن سلمان، والتقليل من الاثار المحتملة لسقوطه، او الاصرار على عدم معاقبته على جريمته.

وبدأت محاولات الناي بالنفس والتبرؤ من هذا العمل الطائش والوحشي، وترددت على لسان ترامب تصريحات لا يلبث ان يتراجع عنها، تتهم محمد بن سلمان مرة، او تعبر عن فظاعة ووحشية الجريمة وعدم القبول بها.

واتخذت الادارة الاميركية بعض الاجراءات التي تواكب الاتجاه العالمي المتنامي لمعاقبة النظام السعودي، وتحميله المسؤولية المباشرة عن جريمة اغتيال خاشقجي.

وعلى الرغم من وقوف الصحافة الاميركية صفا واحدا الى جانب الواشنطن بوست، للمطالبة بكشف ومحاسبة المتهمين وفي مقدمهم محمد بن سلمان.. لم يعد أمام ترامب وبعض الاصوات التي تحاول حرف البوصلة، الا تبرئة الادارة الاميركية من تهمة التواطؤ او التغطية على المجرمين، او على اقل تقدير عدم الالتصاق بشكل تام مع نظام دموي، يقتل الصحافيين، كما يقتل الاطفال في اليمن ويجوع الملايين.

من جانبها، نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية، مقالا تحليليا مطولا، للكاتب ستيفن كوك، يقول فيه إن السعودية بصدد (اغتيال السياسة الأميركية في الشرق الأوسط من خلال تحركاتها غير المدروسة). ويضيف الكاتب أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا يعمل على تشويه سمعته فحسب، بل إنه قد يتسبب في تدمير السياسات الأميركية في المنطقة.

ويرى كوك أن هناك أسبابا وراء هذا التركيز الكبير على قضية مقتل خاشقجي، من بينها أنه كان يعمل لدى صحيفة أميركية، بالإضافة إلى العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركية دونالد ترامب والسعودية، وخاصة مع ولي العهد. ويواصل بأن هذه العلاقة، من شأنها أن تضفي قدرا كبيرا من الانحياز غير النزيه لصالح السعودية، رغم أن عددا من الجمهوريين البارزين يرغبون بشدة في فرض عقوبات مشددة على السعودية.

وبالفعل، فقد كان لافتا تصدر رجال كونغرس جمهوريين مشهد الادانة لمحمد بن سلمان، في محاولة لانقاذ مركب الحزب من نزق وجموح ترامب ومحمد بن سلمان معا، خصوصا ان هذه الازمة جاءت في توقيت محرج للغاية، في خضم حملة الانتخابات النصفية الحساسة للجمهوريين.

وراحت مصادر اعلامية تشيع بأن السعودية ـ التي وصفها ترامب بالبقرة الحلوب، والتي تحولت الى محور حملته الانتخابية لتجديد الكونغرس، من خلال مطالبة الملك سلمان باسلوب مذل بالدفع ـ لم تكن سوى مصدر إزعاج، بسبب موجة من القمع غير المسبوق، تحت واجهة رقيقة من ادعاء الاصلاح والتحديث.

المتهم ترامب
 
عضو الكونغرس ليندسي غراهام.. لن نقبل بابن سلمان في السلطة!

الحملة الاعلامية الضعيفة، التي حاول ترامب رفدها بتغريدات متناثرة على تويتر، بغرض الدفاع عن ابن سلمان، او عن نفسه ومصالحه الشخصية، أو عن حزبه الذي يمكن ان يخسر الانتخابات النصفية.. لم تستطع الصمود، امام الهجوم الكاسح لصحيفة الواشنطن بوست، ونيويورك تايمز، وقناة سي ان ان، وعشرات بل مئات وسائل الاعلام والمواقع الاليكترونية، التي تبنت فرضية مقتل خاشقجي، بفعل خطة ادارها واجازها محمد بن سلمان، وبغطاء تام من الادارة الاميركية.

ورأت الصحف الأميركية، إن دعم الرئيس الأمريكي لولي العهد السعودي، أسهم في جموحه وتهوره الذي وصل إلى حد إخفاء أو قتل أحد أبرز الصحفيين السعوديين داخل مبنى القنصلية السعودية في تركيا.

وقالت الواشنطن بوست في افتتاحيتها، في 10 اكتوبر الجاري، إنه ومنذ عامين، لم يكن أحد يتصور أن حكام السعودية، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، سيُشتبه بهم في خطف أو قتل واحد من منتقديهم، عاش في واشنطن وكتب بصورة منتظمة في صحيفة «واشنطن بوست»، أو أنهم سوف يجرؤون على تنفيذ مثل هذه العملية في تركيا، الحليف الآخر للولايات المتحدة وعضو الناتو.

وترى الصحيفة الأمريكية، أن هذا النظام الذي يقوده محمد بن سلمان، الذي ثبت أنه شخصية متهورة بسبب طموحه الجامح، قد يعكس تأثير الرئيس ترامب، الذي شجَّع ولي العهد على الاعتقاد، خطأً، أن كل مشاريعه ومخططاته سوف تتحقق بدعم أميركي.

وتابعت الصحيفة أنه «وعكس الرؤساء السابقين، لم يُثر ترامب قضايا حقوق الإنسان مع القادة السعوديين، على الرغم من أن ولي العهد سجن المئات من النشطاء الليبراليين، ومن ضمنهم النساء اللاتي دافعن عن حق المرأة في قيادة السيارة».

وفي 25 اكتوبر الجاري، هاجم الكاتب في صحيفة الغارديان البريطانية، أوين جونز، الموقف البريطاني من قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. وقال في مقال له حمل عنوان: «بريطانيا تبيع نفسها لآل سعود.. عار علينا»، بأن (هناك تدقيقاً في علاقة بريطانيا الدنيئة بواحدة من أكثر الديكتاتوريات بغضاً على وجه الأرض، وهي السعودية، التي قتلت صحفياً، وشنّت حرباً في اليمن خلّفت أسوأ أزمة إنسانية في العالم).

ويرى الكاتب أن «هناك علاقات متشابكة بين النخبة البريطانية، ونظام يقطع رؤوس معارضيه»، وضرب مثالاً بطوني بلير، عندما كان رئيساً للوزراء، حيث مارس ضغوطاً على المدّعي العام من أجل إنهاء فضيحة فساد ضخمة في صفقة أسلحة للسعودية.

وفي العديد من المقالات التي نشرتها كبريات الصحف الغربية، بدأ البحث في السجلات القديمة، وكشفت تاريخ هذه العائلة السعودية الحافل بالجريمة وانتهاك حقوق الانسان.. كما جرى كشف منظومة المصالح المادية التي تربط ترامب وعدد من الزعماء الغربيين بالعائلة السعودية الحاكمة، كما تبحث عن الدور الذي أُسند لهذه العائلة في اطار حدمة المشروع الاميركي الجديد في المنطقة.

ومن هنا، فقد عاد التساؤل ليطرح من جديد، ليس عن طبيعة العلاقة بين ترامب وولي العهد السعودي، وبين الاستراتيجية الاميركية الجديدة والدور السعودي، وحسب، بل عن تلازم مصيرهما، والاثر السلبي لفضائح كل منهما على الاخر.

واذا كانت عين ترامب على الترليونات السعودية المجمدة في البنوك والاستثمارات الأميركية..

واذا كان ترامب يمارس سياسة الابتزاز بشكل علني وفج، بحيث تسبب بالاحراج لقيادة المملكة..

فإن الكثيرين تذكروا تصريح ترامب نفسه عن البقرة الحلوب، التي يتوجب ذبحها اذا جف ضرعها، ويتساءلون عما اذا كان باستطاعته ان يفعل ذلك دون ان يلحق الاذى بنفسه، بعد ان زاد من مراهناته على هذا النظام وقدرته في خدمة سياساته.

فهل فعلاً.. آن اوان ذبح البقرة السعودية؟

ربما!

ولكن ليس بسبب جفاف ضرعها، ولكن بسبب اضطراره، بعد ان باتت البقرة مصدر قلق للعالم اجمع.. العالم الذي يناصبه ترامب العداء.

الصفحة السابقة