مقالة تكشف دسيسة
الـشـيـعـة ضـدّ السـنـّة؟!
كولن هالينان
في مقالة مشحونة بالدلالات السياسية والتاريخية والثقافية،
في ظل محاولات يائسة مازالت تقوم بها حكومات غربية، وفي
مقدمها الحكومة الأميركية بتنسيق مع حكومات عربية (معتدلة!)
من أجل تأجيج نار طائفية كادت جهود علماء المسلمين السنة
والشيعة تخمد أوارها لولا غباء المتطيفين الذين يزوّدون
الطامعين في خيرات هذه الأمة بالذريعة تلو الأخرى من أجل
تمزيق شمل هذه الأمة. كاتبة المقال تلفت الى خلفية تخطيط
أعدّته الادارة الأميركية وبالتنسيق مع أطراف إقليمية
من أجل إشعال فتنة مذهبية بين السنة والشيعة تحقق من ورائها
مآرب سياسية غربية، وتكون في نهاية المطاف خشبة إنقاذ
لهزيمة القوات الأميركية في العراق، وتكون مقدّمة لحرب
أخرى تنوي إدارة بوش شنّها ضد إيران، وصولاً الى تغيير
معالم الخارطة الجيوبوليتيكية في الشرق الاوسط.
فقد كتبت كولن هالينان في التاسع عشر من أبريل مقالة
في مجلة (دراسات السياسة الخارجية) تقول فيها:
في العام 1609 حدث أمر مخيف، ولكن ليس مخيفاً بالأسلوب
الذي تكون فيه الحروب مخيفة، وإنما بالطريقة التي حصل
فيها فتح صندوق الشرور الإنسانية (أسطورة صندوق باندورا)
فالملك جيمس الأول، ملك إنكلترا، إكتشف بأن تقسيم الناس
على أساس الدين فعل فعله كالسحر، وبذلك حكم على الإيرلنديين
ما يقرب الأربعة قرون من الدم.
وإذا ما كانت إدارة بوش ناجحة بجهودها الحالية في تقسيم
الإسلام بوضعه الشيعة ضد السنة، فإنها ستعيد إحياء التكتيك
الاستعماري القديم: فرق تسد، وتحافظ على هيمنتها على الشرق
الأوسط عن طريق طبقة نخبوية متسلطة متحالفة مع صناعة الطاقة
الأميركية والدولية. أما آليتها لذلك، بحسب الـ (نيويورك
تايمز) فهو تحالف مدعوم أميركياً لعدة أنظمة سنيّة بما
فيها العربية السعودية، الأردن، لبنان، ومصر الى جانب
فلسطين بقيادة فتح وإسرائيل، كما أن الجبهة المعادية للشيعة
ستشمل، على الأرجح، تركيا وباكستان.
إيران وما وراءها
إن الهدف ليس إيران ببساطة، إنما هو (الهلال الشيعي)،
وهو مصطلح كان أول من أطلقه الملك عبدالله، ملك الأردن
فهذا الهلال يشمل إيران، حزب الله في لبنان، ونظام بشار
الأسد العلوي في سوريا، فالعلويون أصلهم شيعي، أما الحكومة
الشيعية في العراق فمستنثناة عموماً بسبب تحالفها مع قوات
الإحتلال الحالية بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا.
وفجأة بدأ كلام من نوع (المد الشرقي) والتهديد الفارسي
بالظهور في الصحف الرسمية في المنطقة على الرغم من أن
العرب العاديين لا يعتبرون إيران بمثابة تهديد. وقد وجد
إستطلاع دولي أخير لمؤسسة الزغبي لبلدان مصر، المغرب،
العربية السعودية، لبنان، الامارات العربية المتحدة بأن
ما يقرب 80 بالمئة من أولئك المستطلعة آراؤهم إعتبروا
الولايات المتحدة واسرائيل الخطر الأكبر على أمنهم، في
حين وضع 11 بالمئة فقط إيران على القائمة، بالاضافة الى
ذلك، يعتقد أقل من 25 بالمئة منهم بأنه يجب الضغط على
إيران لوقف برنامجها النووي في حين أن 61 بالمئة يعتقدون
بأن لدى إيران الحق بالبرنامج النووي، حتى لو انتهى الأمر
بحصولها على أسلحة نووية.
في الواقع، إن معارضة إيران للولايات المتحدة ودعمها
للفلسطينيين أعطاها شعبية واسعة في المنطقة. وتكتب أميمة
عبد اللطيف، وهي منسقة مشاريع في مركز كارنيجي الشرق الأوسط،
في الأهرام الاسبوعية بأن (الإجماع في كل من الدوائر السنية
والشيعية يظهر بأن المحاولات للتأكيد على التنافس السني
ـ الشيعي ماهو الا بقصد تحويل الانتباه عن الاحتلال الاميركي
للعراق والأعمال العدائية الاسرائيلية المستمرة).
إن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تعمل لتغذية هذه
التوترات هو إيمان أساسي لا شك فيه بالنسبة للمسلمين من
كلا الجانبين. ويقول هؤلاء بأن في محاولتها لإنشاء تحالف
معادٍ لايران، تلجأ الولايات المتحدة الى إستراتيجية تهدف
الى رفع شبح الطائفية عبر العالم الاسلامي.
أما الهدف الأميركي، فقد يكون صفقة جديدة وأكبر من
هلال شيعي، بكل ببساطة. (هل يمكن أن تكون نهاية اللعبة
الأميركية إضعاف الإسلام من الداخل وتحويل الانتباه من
إستهداف المصالح الأميركية الى إستهداف الشيعة؟). يتساءل
جهاد الزين، الكاتب اللبناني في صحيفة النهار.
أما الهاجس الرئيسي بالنسبة للولايات المتحدة فهو النفط.
ففي حين ينحدر الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة، المكسيك،
وبحر الشمال، فإنه من المتوقع أن يزداد الاستهلاك الأميركي
بنسبة الثلث على مدى الـ 20 سنة عاماً المقبلة. فبحلول
2020 سيتم استيراد ثلثي النفط الأميركي وبما أن 65 بالمئة
من إحتياطي النفط المتبقي موجود في الشرق الوسط فليس على
المرء أن يكون صاحب نظرية المؤامرة ليستنتج بأن إستراتيجية
فرق تسد هدفها المحافظة على هذه السيطرة الاستراتيجية
لهذه الموارد الطبيعية.
إنما المحافظة على التوترات في الشرق الأوسط مربحة
أيضاً بشكل هائل لشركات الأسلحة الميركية. فمنذ العام
2006 أنفقت الامارات العربية المتحدة، السعودية، الكويت،
وعمان أو ستنفق على مدى العام المقبل، أكثر من 60 مليار
دولار على شراء الأسلحة.
إعادة النفخ
وفي حملتها فرق تسد، بحسب الصحافي سيمور هيرش، وضعت
إدارة بوش حداً لدعمها (مجموعات التطرف السنية التي تعتنق
رؤية عسكرية للاسلام والمعادية لأميركا والمتعاطفة مع
القاعدة). ويستشهد هيرش بمارتن أنديك، السفير الأميركي
الأسبق في إسرائيل عندما يقول (إن الشرق الأوسط متوجه
نحو حرب سنية ـ شيعية باردة، فالبيت الأبيض لا يقوم بمضاعفة
رهاناته فقط في العراق، وإنما أيضاً عبر المنطقة، والأمر
يمكن أن يصبح معقّداً جداً.
فـ (إعادة النفخ) حدثت. وكما كتب سفير إيران لدى الأمم
المتحدة في النيويورك تايمز: (من الذي لا يستطيع أن يتذكر
بأنه حتى يتم إحتواء ما دعي بالهلال الشيعي بعد ثورة 1979،
تم تغذية التطرف لدى الحركة السلفية الأصولية من قبل الغرب
ـ فقط لكي تتحول الى القاعدة والطالبان؟، ولماذا على نفس
السياسة في تقسيم المنطقة ان تحرز نتائج مختلفة الآن؟).
وفي حين أنه غالباً ما يتم تمثيل الشيعة ككيان موحّد،
فإن هناك في الواقع فروقات هائلة بين المجتمعات الشيعية.
فهم أكثرية في إيران، لكن الفرس مختلفون عرقياً عن العرب.
فالشيعة يشكلون كتلة ضخمة من الشعب المسلم في لبنان، ولكن
حسن نصر الله زعيم حزب الله، منتقداً حاداً للحكومة الشيعية
العراقية بسبب عملها بترابط وتوافق تام مع الاحتلال الإميركي.
وفي كل الأحوال، يشكل الشيعة 12 ـ 15 بالمئة من العالم
الاسلامي، وخارج إيران والعراق يشكل الشيعة أكثر فقط في
اليمن. فهم تقليدياً (مصورون بشكل غير كافٍ) بدرجة أقل
من الحقيقة، بحسب ما يقول جون آلترمان من مركز الدراسات
الاستراتيجية والدولية. فـ (إجتماعياً وإقتصادياً تعتبر
المجتمعات الشيعية مهمّشة أكثر، أقل تعليماً، وأفقر).
وإن الحقيقة بأن المجتمعات الشيعيةـ تحديداً في لبنان،
والعراق، ولكن أيضاً في العربية السعودية ـ قد ظهرت فجأة
على الشاشة لا علاقة لها بأي نوع من أنواع المؤامرة الايرانية
أكثر مما لها علاقة بالمقاومة المتنامية لطائفة من الصف
الثاني، تقليدياً، في الشرق الأوسط فـ (الانقسامات سياسية
واقتصادية، وليست طائفية) كما تقول أميمة عبد اللطيف.
وبالرغم من أن الانقسام بين السنة والشيعة يعود تاريخه
الى ما بعد وفاة النبي محمد في العام 623 بوقت قصير، فإن
الثغرة الكبيرة بينهما غالباً ما كان يتم المبالغة بها،
وكما يشير الخبير فريد هاليداي، من مدرسة لندن لإقتصاديات
الشرق الأوسط، فإن (الفوارق ضئيلة) وهي أقل بكثير من تلك
التي بين الكاثوليك والبروتستانت في الدين المسيحي، وبأن
الصراع بين الإثنين ما هو إلا تطور حصل مؤخراً أساساً،
فهو نتاج أزمة الشرق الأوسط السياسية في العقود الأخيرة.
فعلى سبيل المثال، الشيعة والسنة مترابطان معاً بزواج
الأفراد ويتقاسمان الأماكن المقدّسة منذ عقود.
ويحتج هاليداي قائلاً بأن: الحروب في كشمير وأفغانستان
شجّعت على الإنقسام لأن الجماعات السنيّة المسلحة كانت
قلب المقاومة. فالانقسامات الحقيقية قد تكون ضئيلة، إلا
أن الصراع الديني كان دوماً بديلاً لشيء آخر. ففي إيرلندا،
أدّى الصراع الديني الى تقسيم الإيرلنديين الأصليين من
المستوطنين البروتستانت وظلّ الفريقان يشدّان على خناق
بعضهما البعض. أما في مصر، فقد تلاعب البريطانيون بالأقباط
ضد المسلمين، ثم تلاعبوا باليونانيين المسيحيين ضد الأتراك
المسلمين في قبرض.
وكما اكتشف الإيرلنديون حقيقة فاجعتهم، فإن الخلافات
الضغيرة، إذا ما ربطت بسياسة أوسع، فإن بإمكانها أن تحوّل
قضايا الدين الداخلية الصغيرة الحصرية الى مسألة حياة
أو موت. فهذه النار ما إن يتم اشتعالها، حتى يصبح بإمكانها
تدمير التعايش الذي كان موجوداً لعقود، يقول هاليداي،
مشيراً للأمر، ولا يمكن لأحد أن يكون متاكداً أين ستنتشر
هذه النار ومن ستحرق.
|