نشأت مكة ارتبطت بوجود الماء
آبار مكة المكرمة التاريخية
عادل غباشي
جاء إبراهيم عليه السلام، بأمر من ربّه، بزوجه هاجر
وابنه اسماعيل الطفل الرضيع، ووضعهما عند البيت بمكة،
التي كانت خالية من الماء والأنيس. وعندما غاب ابراهيم
عن أنظارهما توجّه الى ربّه بالدعاء: (ربّنا إني أسكنتُ
من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا
الصلواة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات
لعلّهم يشكرون). نفد الماء الذي كان مع أم إسماعيل، عندئذ
أخرج جبريل بأمر ربه ماء زمزم، وشربت أم اسماعيل وارتوت
وأرضعت طفلها، واطمأنت نفسها. وقد لعبت بئر زمزم دورها
المرسوم بدقة وعناية في اجتذاب الناس للإستقرار حولها.
هذا يظهر أن نشأة مكة المكرمة قد ارتبطت منذ البداية بوجود
الماء، الذي كلما توافرت كمياته زاد عدد سكانها والوافدين
إليها للحج، ومن ثم توسّعت رقعة العمران فيها، مما استتبع
بذل الجهد عبر عصور التاريخ للإهتمام بحفر الآبار وصيانتها
ببلد الله الحرام.
أشار عبد الله بن عباس رضي الله عنه الى الجهود الأولى
التي بذلها سكان مكة قبل الإسلام لحفر الآبار بقوله: (لما
انتشرت قريش بمكة وكثر ساكنها، قلّت عليهم المياه واشتدّت
المؤونة في الماء، حفرت بمكة آباراً).
نقش تأسيسي لبئرين حفرهما سليمان بن مهران
بنخلة الشامية (الشرائع حالياً) سنة 148هـ
|
الآبار التي حُفرت قبل الإسلام
بئر كُرّ آدم: قيل أنها تنسب لآدم. وليس هناك نص يعتمد
عليه في ذلك. وموقعها بالمفجر في شعب حواء (وهو ما يعرف
حالياً بالعزيزية).
بئر رُمّ: حفرها كلاب بن مرة، وكانت مشرباً للناس في
الجاهلية: ويقال إنها كانت لبني مخزوم، وكان موضعها في
أسفل مكة، فيما يعرف اليوم بالمسفلة.
بئر العَجول: كان موضعها في دار أم هانئ بنت أبي طالب
بالحزورة عند باب الوداع، وهي البئر التي دفع هاشم بن
عبد مناف أخا بني ظويلم بن عمرو النضري فيها فمات. وكان
لهذه البئر أهمية كبيرة في سقيا الحجاج منذ قبل الإسلام
الى أن تم إضافة أرضها الى المسجد الحرام في التوسعة الثانية
للخليفة المهدي سنة 169هـ/ 785م.
بئر جبير بن مطعم: يقال لها أيضاً البئر العليا، وكانت
تقع عند الردم الأعلى، ردم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ويقال: إن قصياً حفرها، فاندثرت، فعمل جبير بن مطعم بن
عدي على إعادة حفرها. وربما ينطبق عليها قول الفاكهي:
(خُمّاً وهي البئر التي عند الردم).
بئر بَذَّرْ: تشير رواية الى أن هاشم بن عبد مناف هو
الذي حفرها، بينما وردت رواية أخرى بصيغة التضعيف حيث
يقال إن قصيّاً حفرها فنثلها أبو لهب، وهي التي تقول فيها
بعض بنات عبدالمطلب: نحن حفرنا بذّر، بجانب المستنذر،
نسقي الحجيج الأكبر.
بئر سَجْلَة: حفرها هاشم بن عبد مناف، وورد في رواية
أخرى أن قصيّاً هو الذي حفرها وقال:
أنا قصي حفرت سَجْلَة
تروي الحجيجَ زغلة فزغلة
|
وكانت تقع بين الصفا والمروة، ووهبها عبدالمطلب الى
مطعم بن عدي.
بئر الطّويّ: حفرها عبدشمس بن عبد مناف، وكانت تقع
بسوق الليل بقرب مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
بئر أم جعلان: كانت لبني عبد شمس، وقد دخل موضعها في
توسعة المسجد الحرام.
بئر العَلوق: تنسب لبني عبد شمس، وكان موضعها بأعلى
مكة، قريباً من الردم الأعلى الذي بناه عمر بن الخطاب
رضي الله عنه.
بئر شُفَيّة: تنسب لبني أسد بن عبد العزى، وكان موضعها
في الجانب الغربي من المسجد الحرام، وقد ضُمّت الى أرضه.
بئر السنبلة: وتنسب لبني جمح، وتقع في أسفل مكة المكرمة.
بئر أم حَرْدان: لم يرد ذكر من حفرها، وكانت تقع عند
ردم بني جمح بأعلى مكة.
بئر رمْرَم: ورد إسمها هكذا عند الأزرقي، و (مرمرم)
عند الفاكهي، وهي تنسب لبني سهم، وقد دخلت أرضها في توسعة
المسجد الحرام في عهد أبي جعفر المنصور (136-158هـ/ 753-774م).
بئر الغَمْر: وتنسب لبني سهم.
بئر السيرة: ورد اسمها هكذا عند الأزرقي، و (اليُسَيْرة)
عند الفاكهي. ورد في رواية أن الذي حفرها هو مرة بن كعب
بن لؤي، بينما اشارت رواية أخرى الى أن الذي حفرها هو
لؤي بن غالب، وكانت تقع خارج مكة مما يلي عرفة.
بئر الرّوَا: حفرها مرة بن كعب بن لؤي (جد قصي) وكانت
تقع خارج مكة مما يلي عرفة.
بئر ميمون: حفرها ميمون بن الحضرمي، وكانت تقع بطريق
منى.
بئر أم أحْراد: حفرها بنو عبد الدار من قريش.
بئر السقيا: حفرها بنو مخزوم.
بئر الثريا: حفرها بنو تيم، وهي بئر عبدالله بن جدعان.
بئر النقع: حفرها بنو عامر بن لؤي.
بئر الأسود: تنسب الى الأسود بن أبي البختري وكانت
قريبة جداً من المسجد الحرام.
بئر حويطب: تنسب الى حويطب بن عبدالعزى، وكانت تقع
في بطن وادي مكة بفناء دار حويطب.
بئر خالصة: كانت تقع قريباً مأزمي عرفة.
بئر زهير: كانت تقع بأجياد في دار زهير بن أبي أمية
بن المغيرة المخزومي.
عناية المسلمين بالآبار حتى العهد
المملوكي
بعد فتح مكة، اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بتوفير
المياه فيها، وعلى هذا النهج سار الخلفاء الراشدون، ومن
أتى بعدهم من خلفاء وأمراء المسلمين وعامّتهم. حفر ابو
بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته بئر الياقوتة بمنى.
ثم حفر أبو موسى الأشعري بئراً عند الحجون نسبت إليه.
وعمّر عبدالله بن الزبير بئر السقيا عند مأزمي عرفات،
وبئراً بقيقعان.
أشار الأزرقي والفاكهي الى مجموعة من الآبار الإسلامية
منها: شوذب، محرش البرود، بكار، وردان، الصلاصل، عمرو،
الشركاء، عكرمة، الطلوب، معاوية بن أبي سفيان، عبدالله
بن عامر، المرتفع.
بئر طوى بجهة جرول في مكة المكرمة: يظهر في
الجانب الأيمن/ تحت من الصورة سطح البناء
القائم على البئر، وأمامه مخيم الحجاج المرافقين
للمحمل المصري
|
ويظهر أن المياه بمكة المكرمة كانت قليلة سنة 88هـ/
706م، فقد أشار الى ذلك الطبري بقوله: (وحجّ بالناس في
هذه السنة عمر بن عبدالعزيز، فلمّا كان بالتنعيم لقيهم
نفر من قريش فأخبروه أن مكة قليلة الماء وانهم يخافون
على الحاج العطش، وذلك أن المطر قلّ). ونتيجة لشحّ الماء
في مكة حفر الوليد بن عبدالملك بئراً بالثنيتين: ثنية
الحجون، وثنية طوى، وكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم
(جلد) الى جوار زمزم.
وينسب لأمير مكة أبي العباس عبدالله في ولايته (132-133هـ/
749-750م) بناء بئر عليها قبة في التنعيم. وفي النصف الأول
من القرن الثاني للهجرة، عمّر سليمان بن مهران بئرين في
الشرائع، كما اتضح ذلك من خلال نقش كتابي. وفي أثناء عمل
الخليفة المهدي في توسعة المسجد الحرام سنة 167هـ/ 783م،
ردمت بئر قصي بن كلاب، وأدخل موضعها في المسجد؛ فحفر عوضاً
عنها بئراً بقرب المسجد الحرام.
وفي سنة 217هـ/ 832م، أمر أمير مكة جعفر بن محمد بن
سليمان بن عبدالله بن علي العباسي بحفر بئر بأجياد الصغير.
وعمل بغا الكبير أبو موسى، أحد قادة جيوش خلفاء بني العباس
في النصف الأول من القرن الثالث الهجري على إعادة بناء
بئر أبي موسى الأشعري بعد اندثارها، وزاد في حفرها حتى
أنبط ماءها. وحوالي سنة 300هـ/ 912م، حفر الوزير علي بن
عيسى بئراً عظيمة في الحناطين، فخرجت عذبة شروباً وسماها
الجراحية.
واهتم الخليفة العباسي المقتدر بالله، ووالدته شغب
بعمارة بعض آبار مكة المكرمة، فعمرا سنة 302هـ/ 914م بعض
آبار الزاهر، إضافة الى ذلك فإنه ينسب للمقتدر حفر بئرين
من آبار العسيلة، كما نسب الى والدته حفر بعض الآبار.
وفي سنة 589هـ/ 1193م عمّرت زوجة تقي الدين بن صلاح الدين
يوسف بن أيوب بئراً برباط الدمشقية، ثم تبع ذلك ما قام
به المظفر صاحب أربل بعمارة بعض الآبار بمكة وعرفة، منها
بئر ميمون سنة 604هـ/ 1207م، وثلاث آبار بعرفة منها بئرات
سنة 605هـ/ 1208م، وبئر سنة 607هـ/ 1210م. وهذه كشفت عنها
أعمال لجنة عين زبيدة بعرفات سنة 1346هـ/ 1927م حيث عثرت
على آثار بئر قديمة في جبل الرحمة؛ فرفع العمال الأتربة
والحجارة الموجودة فيها، فظهرت آثار ماء. وكانت تلك البئر
منقورة بين الصخور، قدر قطرها بسبعة أمتار، وعمقها بثلاثة
وعشرين متراً، ووجد بين الأتربة حجر منقوش عليه ما نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أدام الله مولانا الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين،
أمر الأمير الأصفهسلار الكبير مظفر الدين بن زين الدين،
رضي الله عنه، بإبداع هذه البئر في موقف عرفة ومهبط الرحمة،
منهلاً لحجاج بين الله الحرام، ومسبلاً محبساً على كافة
المسلمين عامة، ابتغاء رضاة الله تعالى وطلباً للثواب،
في أيام عدل مولانا الأمير الشريف أمير الحرمين عزالدين
أبي عزيز بن إدريس ابن مطاعن الحسني خلد الله ملكه، والمتولي
على عمارة البئر العبد الفقير الى الله تعالى عمر بن إبراهيم
بن خلكان، غفر الله له وعبدالعزيز بن أبي بكر الأربلي
وقمر الدين الحلبي في سنة سبع وستمائة.
وينسب للملك المنصور صاحب اليمن بئر الزاكية جهة التنعيم،
ولزوجته بئر أم الحمام التي عمّرتها سنة 645هـ/ 1247م.
وفي سنة 758هـ/ 1356م، عمّر الأمير شيخون العمري الناصري،
أحد كبار رجال الدولة في مصر بئرين بمكة هما: بئر أدم
وبئر النجار المعروفة بـ (بئر المعلم)، التي عمرها بعده
الأمير جركتمر المارديني، صاحب الحجاب بالقاهرة، ومقدم
العساكر بمكة سنة 761هـ/ 1359م.
ومما ينسب لجهود المسلمين في سبيل توفير المياه لأهل
مكة وحجاج بيت الله الحرام، ما قام به الأمير قطلوبك،
أحد أمراء مصر، الذي جدد إحدى آبار العسيلة بعد اندثارها
سنة 792هـ/ 1389م؛ وما عمله الشهاب بركوت بن عبدالله المكين
الذي عمّر بئراً في الموضع المسمى خرابة قريش؛ وما عمله
العفيف الهبي، سفير الملك الأشرف صاحب اليمن، الذي عمّر
بئراً قرب باب الشبيكة؛ وما عمله القائد زين الدين شكر،
مولى الشريف حسن بن عجلان، الذي عمّر بئراً بأسفل مكة.
وفي سنة874هـ/ 1469م، تمّ حفر بئر الى جوار مسجد الخيف
بمنى لإيصال مائها الى السبيل المجاور للمسجد. ويصوّر
الفاسي في كتاب: (شفاء الغرام) ما آلت اليه آبار مكة في
القرن التاسع للهجرة/ الخامس عشر للميلاد، حيث أشار الى
أنه لم يعد يعرف في عهده من الآبار الجاهلية والإسلامية
التي ذكرها الأزرقي (من علماء القرن الثالث للهجرة/ التاسع
الميلادي) إلا القليل. وقدّم الفاسي تعريفه للآبار في
عهده كما يلي:
أولاً: الآبار داخل سور مكة
وعددها 58 بئراً وهي: بئر رباط السدرة وهي سجلة؛ بئر
رباط الشرابي؛ بئر بالمدرسة الأفضلية؛ بئر بالميضأة الصرغتمشية؛
بئر برباط أم الخليفة وهي العُطَيفية؛ بئر برباط القاعية؛
بئر بالمدرسة المنصورية؛ بئر عند باب الحزورة عليها جميزة
كبيرة حفرها المهدي العباسي؛ بئر في الدار المعروفة بالملاعنة؛
بئر بالمدرسة المجاهدية؛ بئر برباط كلالة بالمسعى؛ بئر
بالمطهرة الناصرية عند باب بني شيبة؛ بئر بميضأة الملك
الأشرف شعبان، عمرها جدّه الملك الناصر سنة 706هـ/ 1306م؛
بئر الحمام الذي بسوق الليل؛ بئر بقرب مولد النبي صلى
الله عليه وسلم بسوق الليل، تعرف بالسماطية لعلها بئر
عبد شمس بن عبد مناف بن قصي المعروفة بالطوى التي ذكرها
الأزرقي؛ بئر بقرب البئر السابقة تنسب لأبي مغامس أحد
تجار مكه لأنه عمّرها؛ بئر في دار عطية المطيبيز؛ بئران
في المعلاة بشعب عامر؛ بئر في البستان الذي عند باب المعلاة،
ويقال لها: المنقوس؛ بئر تعرف بأم الفاغية عند سبيل ابن
ظهيرة؛ بئر عند مسجد الراية، وهي بئر جبير من مطعم التي
ذكرها الأزرقي.
وذكر الفاسي عدة آبار بأجياد منها: بئر برباط الزيت،
وبئر برباط غزى، وبئر برباط ربيع، وبئر مما يلي رباط ربيع
في جانب الوادي، وبئر أم الزين، عند بيت الشريفة فاطمة
بنت ثقبة صاحب مكة، وبئر الوردية، وبئر عكرمة، وبئر الواسعة،
وبئر في حوض الرباع، وبئر عفراء، وبئر مسعود (ويقال لها
أيضاً أم الفاغية)، وبئر المعلم، وبئر عند بيوت الداجوة
يقال لها أم حجر، وبئر برباط بنت التاج، وبئر عند حمام
أجياد.
ومما ذكر الفاسي من آبار داخل سور مكة، ما جاء منها
بأسفل مكة، منها: بئر برباط الدمشقية، وبئر برباط الدوري،
وبئر برباط السبتية، وبئر يقال لها بئر النبي صلى الله
عليه وسلم، وربما تكون بئر السنبلة، وبئر خلف بن وهب الجمحي
التي ذكرها الأزرقي. وهناك بئران إحداها عند بيوت عرفطة،
يقال لها أم الحُمَرة، والأخرى عند البيوت المعروفة بالأشراف
ذوي علي، مما يلي باب الماجن، وهما بقرب الموضع الذي يقال
له بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومنها بئر في زقاق
ضيق نافذ بقرب أم الحمرة، وبئر في بستان علي بن يوسف بن
أبي الأصبع عند باب الماجن، وبئر قبالة هذه البئر في الودنة.
ومما جاء في الآبار التي داخل سور مكة، ما ذكره الفاسي
من آبار بمسيل وادي إبراهيم بالمسفلة ومنها: البئر المعروفة
بباب إبراهيم، وبئر برباط الموفق، وبئر تنسب للقائد زين
الدين شكر، مولى الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة، وبئر بجنبها
الى أسفل مكة في البيت المنسوب لأحمد بن عبدالله الدوري،
الفرّاش بالحرم الشريف، وبئر بقربها في بيت يعرف ببيت
الينبعي على يسار الذاهب الى باب الماجن، وبئر في جهة
الشبيكة يقال لها بئر النشو، وبئر في الشبيكة أيضاً بقرب
المقبرة عند بيوت رقية يقال لها: مجنة، وبئر قرب باب الشبيكة
عمرها العفيف الهبي، وبنى عندها سبيلاً هو الآن خراب.
وبأسفل مكة بئر أيضاً بالموضع الذي يقال له خرابة قريش
التي عمّرها الشهاب بركوت بن عبدالله المكين، وبئر في
وسط السويقة، وبئر في الموضع المعروف بـ (دار الحفرة)
بالسويقة، وبئر بقعيقعان عند وقف علي بن أبي بكر بن عمر
العطار.
فهذه الآبار هي التي حواها سور مكة، ولم يرد ذكر الآبار
التي لا ماء فيها، وجميعها مسبلة إلا البئر التي في بيت
المطيبيز بأعلى مكة، والبئر التي في بيت القائد زين الدين
شكر، والبئر التي في بيت أحمد الدوري، والبئر التي في
بيت الينبعي.
خارطة الآبار التي كانت بمكة المكرمة في القرن
الثالث الهجري
|
ثانياً: الآبار التي بين باب المعلاة
ومنى
وعددها 17 بئراً هي: بئر قرب باب المعلاة تنسب لأم
سليمان المتصوفة، وتنسب ايضاً للملك المسعود صاحب مكة،
وبئر الطواشي عند طرف المقبرة من أعلاها، وبئر البستان
الذي أنشأه القائد سعد الدين جبروة، وبئر ببستانه الذي
أمامه الى جهة منى، وبئر ببستان له بين البساتين الى جهة
شعب البياضة، وبئر خلف سبيل ابن شداد، وبئر في بستان ينسب
لابن فطيس أمام هذا السبيل، وبئر في محاذاة المعابدة يقال
لها أم قرنين، وبئر لا ماء فيها في الموضع الذي يقال له
الخرمانية، والبئر التي يقال لها بئر آدم على يمين التي
الى منى وليست على جادة الطريق، وممن عمرها الامير شيخون
العمري الناصري سنة 758هـ/ 1356م. ومنها بئر يقال لها
البياضية وبئر ميمون بن الحضرمي أخي العلاء ابن الحضرمي
بطريق منى، وممن عمّرها المظفر صاحب أربل سنة 604هـ/ 1207م،
وبئر محاذية لبركة السلم على يسار الذاهب الى منى، وبئر
النجار، وتعرف ببئر المعلم عبدالرحمن ابن عقبة المكي على
يسار الذاهب الى منى أيضاً، وممن عمّرها الأمير شيخون،
سنة 758هـ/ 1356م، وعمرها بعده الأمير جركتمر المارديني
صاحب الحجاب بالقاهرة، ومقدم العساكر بمكة سنة 761هـ/
1359م. ومنها بئر أمام هذه البئر عند رأس شعب البيعة الذي
في مسجد البيعة بمنى. ومنها البئر المعروفة بصلاصل وهي
من الآبار الإسلامية، وبئر بقرب هذه البئر يقال لها الجنينة،
وهي صلاصل في الجانب الذي يكون على يمين الذاهب الى منى.
ثالثاً: آبار منى
وعددها 15 بئراً، وهي: بئر الحجامية بقرب جمرة العقبة
في بستان عندها، وبئر كَدّانة في منزل المحمل المصري،
وبئر عَمّارة في الشعب الذي يلي ذلك وهي حلوة، وبئر الكُليبيّة،
حلوة أيضاً، وبئر الشّعبانية في بستان القاضي مجد الدين
الشيرازي، وبئر إسماعي (ويقال لها دَغْبَج) ، وبئر في
بيت الجعافرة عند بيت أبي مغامس في الطريق السفلي، وبئر
قرب شعب سمير، تنسب لموسى بن غصون، وبئر بقربها تنسب لابن
فُطيس، وبئر بقربها يقال لها أم النخلة، وتنسب لابن معيوف،
وبئر أم الحمام، حلوة، وهي بقرب أم النخلة، عمّرتها زوجة
الملك المنصور صاحب اليمن سنة 645هـ، ومنها بئر العراقيب،
حلوة، في شعب عمرو على يسار الذاهب الى عرفة.
وبمنى آبار أخرى في بعض بيوتها وهي غير معروفة.
رابعاً: آبار مزدلفة
بئر قبالة المشعر الحرام على يمين الذاهب الى عرفة،
وأخرى بقربها في الجهة اليمنى يقال لها بئر البقر، وثالثة
في الجهة اليسرى محاذية للمشعر الحرام في منزلة الركب
العراقي، وفيما بين مزدلفة وعرفة، يقال لها السقيا، على
يسار الذاهب الى عرفة.
خامساً: آبار عرفة
بعرفة آبار منها: بئر يقال لها الزيادية الكبرى، وأخرى
يقال لها الزيادية الصغرى، وبئر ثالثة يقال لها الشمردقية،
وهناك عدة آبار أخرى لا ماء فيها عمّرها المظفر صاحب أربل.
سادساً: آبار ظاهر مكة من أعلاها
وعددها 15 بئراً، منها: أربعة آبار تعرف بآبار العسيلة.
سابعاً: آبار مكة بأسفلها جهة
التنعيم
وبها 23 بئراً منها: بئر الملك المنصور صاحب اليمن
عند سبيله، وتعرف بالزاكية، ومنها الآبار المعروفة بآبار
الزاهر الكبير، وبعض هذه الآبار من عمارة المقتدر العباسي.
وبالقرب من الشبيكة آبار أخرى يقال لها (الزاهر الصغير)
وهي ثلاث آبار، وبقرب هذه الآبار بئر ببطن ذي طوى ويعرف
بـ (ذي طوى). وبأسفل مكة أيضاً بئر يقال لها الطندباوية.
وبأسفل مكة مما يلي بابها المعروف بباب الماجن عدة آبار،
منها بئر بقربه من خارجه، وبئر بالشعب الذي يقال له خم
(بخاء معجمة).
ظلت مجموعة الآبار التي أنشئت في مكة ومشاعرها المقدسة
تؤدي دورها في العصر العثماني، مما ترتب عليه تركيز أغلب
جهود العثمانيين في العناية بأمر الآبار على الإصلاح والتجديد
وزيادة تعميق الآبار ليكثر ماؤها. ففي عصر السلطان سليمان
القانوني عانى أهل مكة الكثير من قلّة مياه الآبار، حيث
وصفت حالة مياه الآبار في سنة 926هـ/ 1519م بأنها قليلة
جداً، كما وصفت سنة 940هـ/ 1533م وما بعدها بأن مياه الآبار
فيها قد جفّت. مما دفع السلطان سليمان القانوني الى توجيه
إبراهيم، دفتردار مصر، المعين لعمارة عين عرفة سنة 969هـ/
1561م أن يكون أول عمل يقوم به بمكة هو تنظيف جميع الآبار
التي يستقي منها الناس، وذلك بإخراج ترابها ثم زيادة حفرها
ليكثر ماؤها. اضافة الى قيام محمود الخادم المتولي زمام
ابنة السلطان سليمان في أثناء حجه عام 969هـ/ 1561م بالتوجه
الى الزاهر والشبيكة للكشف عن حالة آبارها ودفع من ماله
مبلغاً لإبراهيم دفتردار مصر للإنفاق منه على حفر بئر
في طريق المسفلة وبئر في الزاهر وزيادة حفر وتنظيف الآبار
النازحة.
وفي سنة 978هـ/ 1570م حج الوزير سنان باشا، وذهب الى
التنعيم جهة مسجد عائشة رضي الله عنها ليحرم للعمرة، فشاهد
ما يعانيه المسلمون من قلّة مياه الوضوء في ذلك المكان،
وحملهم له من أماكن بعيدة حيث إنهم لم يتمكنوا من الحصول
على الماء من البئر القريبة من مسجد عائشة بسبب انهدامها
واندثارها، مما حفّز الوزير على إعادة حفرها وبنائها،
بغية كسب الأجر والثواب عند الله.
وفي سنة 982هـ/ 1574م تمّ تعمير آبار مكة المشرفة وحفر
مجموعة كبير على يد الوزير محمد باشا الذي ينسب إليه بئر
الداوودية. وفي سنة 1125هـ/ 1713م أمر السلطان أحمد خان
الأول بإنشاء وتجديد عمارة مجموعة كبيرة من الآبار بمكة
المكرمة. وفي عهد السلطان مصطفى خان الثالث 117-1187هـ/
1757-1773م تم تعمير وتجديد الآبار الواقعة على الطريق
بين مكة والمدينة مما يرجح أن مجموعة الآبار الموجودة
حتى عام 1421هـ/ 2001م، بالزاهر قد تم حفر بعضها وتجديد
بعضها الآخر في الفترة نفسها التي أشار إليها النص، حيث
أن الزاهر يعتبر من أحياء مكة وطريقاً يوصلها بالمدينة
المنورة.
السلطان محمود خان الثاني 1223-1255هـ/ 1808-1839م
عمل على إعادة بناء ثلاث آبار لخدمة المعتمرين وسكان بلد
الله الحرام؛ أولاها تعرف ببئر الجعرانة، والثانية تعرف
ببئر طوى، والثالثة بئر بقرب السيدة ميمونة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم جهة شمال مكة.
وهناك بئر مجاورة لعلمي حدود حرم مكة من الجهة الشمالية
الغربية، ترجع في بنائها لسنة 1263هـ/ 1846م، أشار إليها
إبراهيم رفعت بقوله عن العلمين: (ومنهما يبتدئ الحرم من
الجهة الغربية، وبجوار العلم الشمالي ـ بالنسبة للقادم
من جدة الى مكة ـ بئر مبنية بالحجر سمك حائطها 1.10م وقطرها
أربعة أمتار وعمقها 15 متراً وبجوارها مشرب ـ سبيل ـ مبني
بالحجر بناءً متيناً، ومكتوب عليه أبيات باللغة التركية
بخط جميل، وتاريخ بنائه سنة 1263هـ).
في سنة 1279هـ/ 1862م حفر أمير مكة الشريف عبدالله
باشا بئراً بطريق التنعيم بالقب من منطقة الشيخ محمود،
كما بنى أيضاً بالقرب منها بئر تنسب لرجل هندي أنشأها
سنة 1283هـ/ 1866م.
أدّت مجموعة هذه الآبار دورها في تزويد مكة بالماء
الى جانب مياه العيون الواصلة إليها بواسطة القنوات. وكان
السكان يعتمدون على الآبار وحدها وقت انقطاع مياه العيون،
كما حدث في سنتي 960هـ/ 1552م، و 968هـ/ 1560م.
محمد لبيب البتنوني الذي زار مكة سنة 1327هـ/ 1909م
تحدث عن دور الآبار في تزويد سكان مكة بالماء في ذلك العصر
بقوله: (واهل مكة يشربون من ماء الآبار التي فيها مثل
زمزم أو التي في ضواحيها كالزاهر، والعسيلات، والجعرانة،
وغيرها أو من الصهاريج التي تملأ من مياه المطر أو ماء
الينابيع أو من عين زبيدة).
أما إبراهيم رفعت، فقد أشار الى الدور الكبير الذي
قامت به هذه الآبار سنة 1328هـ/ 1910م بعد أن دمّر السيل،
الذي وقع في ذلك العام، قنوات مياه العيون، مما جعل الناس
يعتمدون كلياً على مياه الآبار.
|