مالك قناة المستقلة يهاجم الإعلام السعودي
إعلاميون مهمتهم (الإرتزاق)!
فريد أيهم
كان عضواً في حركة النهضة التونسية. وكان يميل الى
الإعلام، كصحفي، واشتغل في مجلة العالم التي كانت تصدر
في لندن، وتموّل من إيران. وفجأة، ترك أصحابه القدامى
في النهضة وهاجمهم بأسوأ مما كان يفعل بن علي؛ وفي الإطار
قطع معظم علاقاته القديمة، وقرّر أن يستثمر علاقاته التي
بناها كصحفي في تأسيس مجلة الدبلوماسي ومن ثمّ محطة المستقلة،
حيث نال بعض الدعم من السودان، واليمن، اضافة الى بعض
الكويتيين.
قامت محطة المستقلة، فكانت من أولى المحطات العربية
التي تبث من لندن، وكان لها جمهور في البلدان العربية،
خاصة في السعودية، حيث دأب على استضافة المعارضين السعوديين،
وانفتح على صديق قديم له يعمل في واشنطن لينال بعض التمويل
من وقفية الكونغرس ليخصص جزءً من القناة لدعم الديمقراطية
(كان تظهر بإسم الديمقراطي)!
المهم.. لم يغب عن بال الهاشمي الحامدي المتطلّع للمال،
أنه غير متوفر إلا في البلدان الخليجية، وخاصة السعودية.
من محطته كان يعرض نفسه في كل المناسبات، بأنه حاضر
لزيارة السعودية، والتعاون معها. وكان يقول لمن يستضيفهم
من المعارضين، بأنه إنما يمنحهم مساحة ليقولوا رأيهم،
فإلى حين فقط، ريثما تنفتح كوّة في العلاقة مع السعودية.
وهكذا كان.. تدخّل بعض الاخواسلفيين، وتواصلت معه اجهزة
استخبارات سعودية.. وقرر الإنقلاب، وكلّ شيء بثمنه!
تحولت المحطة (المستقلة) الى منبر وهابي، لها هدفٌ
أكبر وهو: إشعال الفتنة الشيعية السنيّة، وبهذا يخدم العائلة
المالكة السعودية، ليس فقط في تأجيج الفتنة، وإنما في
إيجاد اصطفاف سنّي معها، على اسس طائفية بحتة.
واستمر الحامدي في منهجه، وفتح باباً على الرئيس التونسي
السابق بن علي، فعاد الى تونس، واستقبله الرئيس وزوجته،
وظهر على الشاشة فامتدحهما، وقال أنهما أهدياه كتاب الله
(القرآن). لكن الثورة سرعان ما عصفت ببن علي؛ فانضوى الحامدي
مع السلفيين التوانسة، بغطاء سعودي، ليمثلهم في الانتخابات
البرلمانية وكذلك في انتخابات رئاسة الجمهورية! لكن التيار
السلفي التونسي في مجمله كان يميل الى القاعدة وداعش،
والى مشايخ الوهابية المعارضين للسلطة، ولم تكن التغييرات
السياسية الراديكالية تغريه للإنخراط في اللعبة السياسية.
وهذا كان سبب أفول نجم الهاشمي الحامدي، وتقلص الدعم السعودي
عنه، او حتى قطعه قبل نحو عامين، حسب وثائق وزارة الخارجية
السعودية التي نشرها موقع ويكيليكس.
وهكذا.. وبعد سنوات من الصفاء، والتمويل السعودي لنشاطه
ولقناته (المستقلّة)، فتح الهاشمي الحامدي، النار بحذر
على آل سعود، منتقداً إعلامهم، وجدارتهم في حكم الأماكن
المقدسة؛ ما دفع أتباع الحكومة الى وضع هاشتاق بعنوان:
(المرتزق الهاشمي يهاجم السعودية).
(المفسدون) يرعون الحرمين!
ماذا قال الهاشمي الحامدي؟
قال: (اذا استمرت السعودية في دعم ورعاية وتشجيع قنوات
المجون والرقص الخليع، فإنه لا يحقّ لها أن تقدّمَ دروساً
في الأخلاق لأحد، أو ادّعاء تمثيل أهل السنّة). وأضاف:
(اذا استمرت القيادة السعودية في تبني قنوات أم بي سي
والعربية ودعمها ورعايتها، فإنني، وكثير من المسلمين،
لن نقبلَ بأهليتها لرعاية الحرمين الشريفين). ومضى: (كيف
نصدّق دعواكم في احترام هيبة الحرمين الشريفين، ومؤسساتكم
تعلن وتدعم ام بي سي والعربية، غير عابئة بما تروجه في
كل بيت عربي من رقص ماجن وخليع؟)؛ وواصل: (افهموا.. ام
بي سي والعربية رؤية ورسالة. اذا تهاونتم بنصيحتي فإنها
ستسقط الدولة السعودية بالضربة القاضية، بأفلامها ومسلسلاتها
وبإعلاناتكم). ومضى ليضرب تحت الحزام متسائلا: لماذا لم
تردع دعوة محمد بن عبدالوهاب، السعودية، من رعاية اعلام
المجون؟ ثم.. (بالعقل والشرع، أليس ما تبثه ام بي سي والعربية
يضع أهلية رعاية الحرمين الشريفين موضع تساؤل؟).
وناشد الحامدي من أسماه خادم الحرمين بأن ينقذ (أحفاد
المهاجرين والأنصار في السعودية من قنوات العربية وام
بي سي)؛ زاعماً بأن من واجبه الدفاع عن السعودية، التي
احبها واحب شعبها وملكها، وان ما يقوم به مجرد نصيحة.
وحين قيل له: لماذا قلبتَ على السعودية من مناصر الى عدو
طاعن، قال: (انا ما قلبت على السعودية، بالعكس. انا خائف
جدا عليها. اذا تعمّق التناقض بين اعلامها ومقتضيات خدمة
الحرمين الشريفين، ان تجري عليها السنن).
قيل للحامدي انك مرتزق وتطلب (الرز السعودي/ اي الدعم)،
وتشتم لتبتز، ردّ: (انا عندي رز كثير والحمد لله)؛ و(الرز
عندي وايدْ، واتبرع به للقناة السعودية الأولى)؛ وأكمل:
(لو كنت اريد المال لأيّدتكم في موقفكم الداعم لانقلاب
السيسي في مصر، ولسكت يوم أُعفي الشيخ الشثري). لكن الحامدي
الذي شتم شركة الاتصالات السعودي اس تي سي، لأن دعايتها
تذهب لقنوات ام بي سي، قال انه لا يمانع ببث اعلاناتها،
والمح الى انه يتمنى لو امكنه ان يبث المباريات الكروية
السعودية من قناته، فهذا أفضل دعم يحصل عليه لو تحقق.
الحامدي الذي ساهم عبر قناته في تأجيج الفتنة الطائفية
بين الشيعة والسنة، و الذي كان أثيراً لدى مشايخ الوهابية،
انقلب بعد أن تم ايقاف الدعم السعودي عنه، وحين انتقد
وشتم، فهم منه الأقربون والأبعدون ان ذلك مجرد ابتزاز:
إما تعطوني أو أفضحكم! ولهذا تم الرد عليه من قبل الإعلام
السعودي صحافة ومحطات تلفزة، اضافة الى مغردي السلطة،
ومعارضيها، في حملة غير مسبوقة، اذ يبدو ان الكثيرين يكرهونه.
فنان الموالاة فايز المالكي، قال ان هجوم الحامدي يثير
الشك بأن أحداً دفع له مالاً لقاء الهجوم على السعودية.
والصحفي خالد الوابل كان ناضجاً حين قال: (حينما نرضى
ونصفق له اذا مدحنا، فيجب أن لا نزعل اذا هاجمنا. الأفضل
ان نغيّر سياستا في التعامل مع مثل هؤلاء). اما الصحفية
هيلة المشوح فسخرت من الحامدي وقالت أن (قلبه عامر بالإيمان)؛
فردّ احدهم: (بل عامر برزم الرز التي ربما انقطعت). والاعلامي
طراد الأسمري وصف الحامدي بانه مرتزق، وكان يشبّح لبن
علي، وشتم مرتزقة للنظام السعودي آخرين يقتاتون على الصراع
السني الشيعي مثل الجزائري العسكري أنور مالك، والفلسطينية
إحسان الفقيه.
|
ووصفت الصحفية حليمة مظفر الحامدي بأنه (مرتزق منافق،
تتوجه بوصلة قلمه لمن يدفع اكثر). والمفكر محمد علي المحمود
علق: (عندما كنا نفضح تفاهته ايام ترشحه للرئاسة التونسية،
كان المتأسلمون يقولون: كفاية انه ضد الشيعة)؛ والعُمَري
قال صدقاً بأن الهاشمي اشتغل على اثارة الفتنة الطائفية
مستعينا بالمتطرفين ومستغلاً لعاطفة السذج والجهلة. في
حين انزعج الداعية الوهابي ناصر القطامي من تشكيك الحامدي
في قدرة المملكة على إدارة الحرمين، مذكراً إيّاه بيد
الخير التي امتدت اليه.
نعم.. هكذا هم العبيد، تارة يمدحون وتارة يشتمون حسب
مصالحهم. قال أحدهم. وسألت فضيلة الجفال: (ما سبب متابعة
تونسي لمائة وواحد وثمانين شخصاً في تويتر، تسعون بالمائة
منهم سعوديون وخليجيون. أين الإهتمامات التونسية؟). والمعارض
عمر بن عبدالعزيز رأى بأن (وضع السعودية الإقتصادي لا
يسمح بنثر الرز على أفواه المطبّلين، فانقلب على السعودية).
وأضاف بأن الهاشمي كان يعلم منذ زمن ان السعودية تمول
ام بي سي، فلماذا اليوم بدأ بالهجوم عليها بحدة؛ الجواب
هو: الرز. لكن المشكلة فيمن اعتمد سياسة شراء الذمم، فما
جرى من الحامدي (أمر طبيعي. فلسفة شراء الذمم عبر شِوالْ
الرز، غير مضمونة النتائج على المدى الطويل).
وبالنسبة للمعارض عبد العزيز الهاشمي، فهو يقول: (أنا
أكره هذا الإعلامي المرتزق، ولكن اللي قاله اليوم ـ بشأن
الإم بي سي ـ حق). والإعلامي الرسمي سلطان القحطاني، انزعج
من فكرة تدويل رعاية الحرمين، مع ان الحامدي يتحدث عن
نزع الولاية السعودية كلية عن الأماكن المقدسة. وأضاف
القحطاني بأن الحامدي يستخدم قنوات خاصة لابتزاز المملكة،
فهو (مبتز كاذب) برأيه.
والأستاذ سعود البلوي رأى الحامدي في الرياض في أكثر
من مناسبة، وقال أنه ـ اي الحامدي ـ كان يحرص على ارتداء
الثوب السعودي، ولكنه (اليوم يزايد علينا. هذا لؤم). وأحد
الموالين للنظام صُدم مما يقول الحامدي، فقال: (واأسفاه
كم كنا مخدوعين فيك أيها المتلوّن). كيف تشتم حكومتنا
الرشيدة. سقط القناع!
قناع مَن؟
هل هو قناع المرتزق، أم قناع من يشتري المرتزقة في
اعلامه وحروبه السياسية والعسكرية؟
هل يتراجع الهاشمي؟
تدخل بعض مشايخ الوهابية (الشيخ السعيدي) لإقناع الهاشمي
الحامدي بأن يكفّ عن النقد. والحقيقة فإن الحامدي لم يكن
يريد ان يفتح معركة مع السعودية، ولم يتوقع أن يُجابه
بهكذا حدّة من قبل جمهور ظنّ أنه سيواليه، على الأقل الجمهور
السلفي الذي لا يحبّ قنوات ام بي سي، ويؤيده الرأي فيها.
ما أراده الحامدي مجرد تلويح وقرصة خفيفة لأذن لآل سعود،
حتى تعود المياه الى مجاريها، ويعود (الرز) كما كان!
توقف الحامدي بزعمه لأن الشيخ السعيدي وإثنان آخران
نصحاه بأن يتوقف عن الربط بين ام بي سي آل سعود، وبين
اهليتهم لادارة الحرمين، فاعتذر عن اساءته كما قال؛ كما
اعتذر لمشايخ الوهابية وآل الشيخ. لكنه فيما يبدو أعاد
النظر مرّة أخرى في القضية، فوجد نفسه خاسراً، ولم يحصل
على مبتغاه المادي، فما كان منه إلا أن عاد وواصل هجومه
على قنوات الإم بي سي، وهو ما عدّه الموالون هجوما مبطنا
على حكامهم. ويبدو ان الهاشمي الحامدي لن يتوقف قبل أن
يحصل على مبتغاه!
الحامدي زعم فقال: (راجعت نفسي، ووجدت اني أخطأت بحق
شعب السعودية، وفي حق الملك سلمان شخصياً، عندما ربطت
بين رعاية الحرمين الشريفين، ورعاية قنوات أم بي سي. أعتذر).
واستغفر الحامدي الله لأنه ظلم الشيخ محمد بن عبدالوهاب،
مؤسس الوهابية، لأنه نسب تلك القنوات لدعوته. ولكن الحامدي
لم يعتذر عما قاله عن قنوات الام بي سي؛ وعزا تغيّر موقفه
الى نصيحة اصدقاء ثلاثة سعوديين قريبين من السلطة، واضاف
بانه سيغلق ملف حديثه عن تلك القنوات، ولكنه في الحقيقة
عاد ولم يفعل.
المحامي والحقوقي عبدالعزيز الحصان علق بالتالي: (مرتزق
محلّي معروف، يقنع مرتزق عربي) ويقصد هنا الشيخ السعيدي
والحامدي. والمعارض عمر الزهراني يقول ان التسوية جاءت
على ظهر الشعب المسعود حيث تم الدفع للحامدي الذي نفى
الأمر، وقال ان السعيدي عَلَم، ولم يتعامل معه بالريال
او بالإسترليني.
لكن خالد الشثري، رجل الاعمال النجدي المقرب من آل
سعود، فضح الحامدي، وذكره بلقائه بالأمير نايف وزير الداخلية
السابق، وبفضل من أحسن اليه، وباستقبال الملك للحامدي
في مكة، والأخطر انه قال: (لستُ بحاجة لأطلب من المستشار
في الديوان ع. السعيد أن يكشف محتوى الظرف الذي تسلّمتَهُ
والذي فاق توقعك، وأسست بفضله قناة الديمقراطية. هل ترغب
بالمزيد؟). لكن الحامدي المشاكس رد على الشثري قائلاً
بأن لقاءه بالأمير نايف كان بارداً جافاً خرج منه الى
المطار؛ وزعم بأن الملك لم يقدم له أي ظرف (يحوي مالاً
او شيكاً) وطلب البيّنة من الشثري.
هذا واستمرت الصحف السعودية في مهاجمة الحامدي، بل
حتى التلفزيون الرسمي، وكلها تصفه بالإرتزاق. كتبت هيلة
المشوح في عكاظ مقالاً بعنوان: (عندما يغرّد المرتزق نباحاً)؛
وكتب هاني الظاهري مقالا بعنوان: (من الوزير الى المرتزق
الأجير: شَطَّبْنا!). وفي صحيفة الجزيرة، كتبت صيغة الشمري
مقالا بعنوان: (لا تغضبوا من نباح الهاشمي)!
الموالون لم يقبلوا اعتذار الهاشمي، في زمن الحزم كما
يقولون. وامير سعودي يعلق: (جعلنا دول تخضع وتعتذر فكيف
بشخص مثل الهاشمي). والاخواني محمد العزام يقول انه مع
إعتذار الهاشمي، ولكن سبق السيف العذل، فقد خسر الهاشمي
الحكومة السعودية وجمهورها. وعلق المعارض الدكتور حمزة
الحسن على استغفار الهاشمي واعتذاره، ولكن بلغة ساخرة:
(وَنِعْمَ الإستغفار!، فالظلم ظلمات!. والإعتذار من شيم
الكرام!. أنا بَعَدْ ظلمتك، وظننتُ بكَ ظنَّ السوء). حتى
ضاحي خلفان، رئيس شرطة دبي السابق، قال: (كان الهاشمي
طيب. مرة وحدة واصبح يسب الخليج. لَعْنَبُو القروش، كيف
تقلب المَرْبُوش؟). والمعارض في المنفى سعود السبعاني
لم يتوقع نهاية صاحب (المستغلّةْ) سريعاً، بعد أن (ركله
المعازيب وكلاء الرزّ السعودي). اما الشيخ حسن فرحان المالكي
فقال عن الهاشمي بأنه (مهتم بمراقبة الصور والتنانير،
وهو من أبرز من بثّ العنف والتكفير وبطريقة مخادعة، يدركها
العاقل، ولا تخفى على البليد. بَطِّلْ مكرْ).
وهكذا، فإن مشكلة السعودية مع مرتزقتها، ناجعة ولكن
الى حين.
فالمرتزق، بقدر ما يخرسه المال، يُنطِقُه أيضاً حين
يتوقف الدعم!
وبمقدار ما يُظَنّ بقدرة المال السعودي على كسب الإعلاميين،
فإن سياسة الدفع المالي، تكشف أيضاً عن أن الرياض قابلة
للكسر، وأن حرصها على كسب المرتزقة الإعلاميين، ليس فقط
لضرب خصومها، وإنما لمنعهم من الكتابة او بث البرامج ضدّها.
قيل بأن سليم اللوزي (مؤسس مجلة الحوادث اللبنانية)
كان أول من استخدم هذه السياسة: (ادفع بالتي هي أخْشَنْ)!
فيتم الدفع له، وإذا ما تأخّر، أو أراد زيادة المدفوعات،
يلوّح بنشر خبر أو تعليق في مجلته.
وعلى نهج اللوزي، نشأت صحف ومجلات لهذا الغرض الإبتزازي،
حتى وصل الأمر الى الهاشمي الحامدي وقناته المستقلة.
ومن يراقب وثائق الخارجية السعودية التي كشفت عنها
ويكيليكس، يتبين بوضوح ان سفارات الرياض تدفع لمئات من
محطات الراديو والتلفزة والجرائد والصحف في كل بلد تتواجد
فيه ممثلية دبلوماسية سعودية.
هذا الهوس بالإعلام، اضافة الى بناء امبراطورية اعلامية
سعودية خاصة بالعائلة المالكة، يكشف عن رعب سعودي منه،
بمقدار ما يكشف عن رغبة في السيطرة عليه.
لكن كل هذه الأموال التي تضخها السعودية الى مرتزقتها،
أو لإسكات من تريد اسكاته، لم تفلح في الحفاظ على سمعة
العائلة المالكة، بل أن هذا الإعلام لم يقنع المواطن السعودي
بغير حقيقة آل سعود المستبدّة والفاسدة والإجرامية. حتى
كأن الإعلام السعودي موجه للخارج، ومقنع للخارج بأكثر
مما هو مقنع للداخل السعودي نفسه. ولا أدلّك على ذلك،
أن أكثر قنوات يتم مهاجمتها في السعودية هي القنوات الرسمية
المحلية، او القنوات التي تمولها كالعربية التي تسمى (العبرية)
ومثلها قنوات الام بي سي، وقنوات أيه آر تي، وغيرها.
كان من رأي السفير السعودي الأسبق في لندن، غازي القصيبي،
أن بلاده لا يجب أن تدفع لأحد من الإعلاميين! لأن هذه
العادة السيئة بنظره، تجعل الحكومة تحت ضغط الإبتزاز المستمر
الذي لا يمكن أن يتوقف، بحيث يصبح كل مرتزق يعتقد بأن
له الحقّ في أن توفر له الرياض المال الذي يطلبه، أو على
الأقل الراتب الشهري المستمر سواء خدم النظام أو لم يخدمه!
وفي الحقيقة، فإن ال سعود حاولوا تجربة هذه السياسة،
وتحمّل الشتائم والتشهير لفترة من الزمن، الى أن يتأكد
المبتزون بأنهم لن ينالوا شيئاً. لكن (حوصلة) الرياض لم
تتحمّل النقد والتشهير، فعادت من جديد الى سياسة الدفع
المالي. الواضح ان السعودية لا تستطيع إلا أن تدفع، والسبب
أن فضائح آل سعود أكبر من أية دولة أخرى، ورغم حقيقة ان
الرياض انهارت سمعتها في السنوات الأخيرة، بسبب سلوك الأمراء
والملوك، فإنه لولا المال لكان وضعها أكثر صعوبة.
إن الفساد والإجرام السعودي الذي يغطيه الإعلام المحلي
والأجنبي والعربي، ليس كأي فساد او اجرام، فهو من حيث
الحجم مهول، ولا يمكن لبلد يزعم تطبيق الشريعة ويحتضن
الأماكن المقدسة أن يتحمّل نشر غسيل لا ينقطع دون أن يثير
الرأي العام الإسلامي عامة. ومن هنا، فإنه ما بقي الفساد
والإجرام والإنحراف في السلوك السعودي، فإن سياسة: ادفع
بالتي هي (أخشن) ستستمر، ولن يتعلم آل سعود درساً من الهاشمي
الحامدي أو غيره.
|