يتساءلون في اليوم الوطني:
أين هو الوطن؟
محمد الأنصاري
مرّ اليوم الوطني هذا العام كغيره من الأعوام باهتاً،
شغل الناس عنه بالصيام، وبأمور حياتهم. فالوطن غير محسوس،
والوطنية غائبة، وعبثاً تحاول الحكومة خلق شعور وطني فوقي
لا يلامس حقائق الأرض، وتوازنات السلطة، وثقافة التنوع.
رمضان، والعطلة فيه، ألغت عملياً الحدّ الأدنى من الإحساس
أو تذكّر أن هناك شيء إسمه يوم وطني، يوم توحيد السعودية
في 23 سبتمبر. في سفارات السعودية الخارجية، جرى الإحتفال
باليوم الوطني بعد عيد الفطر، حيث دُعي الدبلوماسيون وغيرهم
لحفلات باذخة.
وفي العام الماضي، صادف اليوم الوطني، عطلة نهاية الأسبوع
(الجمعة) فأصرّت الحكومة على تعويض اليوم بيوم آخر عمل
يجري الإحتفال به وتأكيده بين طلبة المدارس.
لن نسأل عن كيفية الإحتفال، فهي مجرد أحاديث من التاريخ
والماضي، فالمواطن يعيش همومه اليومية: الغلاء الذي جعلهم
على الحديدة بل جعلهم يأكلون الحديدة! وانهيار سوق الأسهم
المتواصل، والإختناق بممارسات المؤسسة الدينية وهيئات
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغياب الحريات وغيرها.
وكما في كل عام، تجد الى جانب حشود المقالات الباهتة
الموصّى عليها من رئيس التحرير (أي من وزارة الداخلية)،
نقاشاً حول المفاهيم الوطنية نفسها ومدى عمقها في المجتمع
السعودي، وما إذا كانت هناك إمكانية لاستزراع روح وانتماء
ومشاعر وثقافة وطنية في المجتمع السعودي في ظل نظام مثل
النظام السعودي القائم، وفي ظل سيطرة مذهبية وهابية على
كل الفضاء الثقافي السعودي.
الجدل هذا كشف عن حقيقة أن السعودية اليوم أبعد ما
تكون عن أية نزعة وطنية تقيها شرّ تفكك مناطقها الى دول،
وشرّ اصطدام سكانها مع المركز الوهابي على خلفية مذهبية
ومناطقية.
ويلحظ من النقاشات أن بعض المثقفين يرون بأن الحكومة
السعودية (آل سعود) ونخبة الحكم والإدارة في الدولة (النجديين)
لا يحملون سوى مفهوم غامض عن موضوع الوطنية، ويعتقدون
بأنه يمكن تركيز المفهوم في عقول الناشئة، ولكن بدون خطوات
عملية على أرض الواقع. ويجادل هؤلاء بأنه لا يمكن ان تكون
هناك هوية وطنية مثلاً، في ظل تغوّل المؤسسة الدينية الوهابية؛
ولا يمكن أن يكون هناك انتماء وطني فيما تدعم الدولة سياسات
التمييز بين السكان والمناطق؛ ولا يمكن أن يكون هناك ولاء
لكيان الدولة بدون تغيير حقيقي في البنية السياسية للحكم
ومشاركة المواطن في صناعة القرار. لا وطنية بدون مواطن
له حقوقه السياسية والإجتماعية؛ ولا وحدة وطنية يمكن الحفاظ
عليها بدون مشاركة واسعة لكل الأطياف والمناطق في السلطة
إدارة ومغنماً.
ولذا اعتبر هؤلاء المثقفين الحملات السنوية في اليوم
الوطني بأنها مجرد شعارات تضيع ولا جذور لها في الثقافة
المحلية ولا في ثقافة أهل الحكم.
مثل هذه النقاشات هي التي استثارت الصحافي النجدي داود
الشريان فكتب في الحياة (23/9) وتحت عنوان: (في مفهوم
الوطن والوطنية) دعا المثقفين السعوديين الى مجرد (ابتكار
أساليب جديدة للإحتفال) بدلاً من أن يصبح اليوم الوطني
(مناسبة لجلد الذات، وطرح أسئلة عويصة ومعقدة عن الوطنية
ومفهوم الوطن، ومناسبة لمعاودة تكرار الشكوك حول تشكل
هذا الوطن، واكتمال عناصر وجوده). فالشريان لا يريد نقاشاً
جوهرياً حول مسألة الوطنية والمواطنة والإنتماء وغيرها
من المفردات والتي تعتبر القضية الأساس التي تحسم مسألة
(إمكانية بقاء كيان الدولة الحالي) أو احتمالية تفككه
الى مكوناته.
الخشية لدى الكثيرين بأن الدولة غير قابلة للإستمرار،
لا يراد مناقشتها علمياً، وإنما الإكتفاء بالتمجيد، وإبقاء
الحال على ما هو عليه. لأن الطرف الأقلوي المتحكم بالمعادلة،
والمستأثر بالسلطة ومغانمها (نجد)، لا يريد نقاشاً يعزز
القناعة بأفول الدولة السعودية، كما يرى الشريان نفسه،
والذي اعتبر مناقشة القضايا الكلية إضعافاً للحسّ الوطني!!
ومن تلك القضايا التي تضعف الحسّ الوطني بنظره: الدعوة
الى حقوق المواطن، وقضية العدالة والحرية، والمساواة والكرامة.
الشريان يريد احتفالاً من نوع ما يمتدح اليوم الوطني،
أي مدح آل سعود وحكمهم فهذا قمة الوطنية! بحيث يغطي هذا
المديح على صلب المسألة الوطنية، واعتبر المطالبة بحقوق
المواطنة (مقايضة) بمعنى إن لم يتمتع المواطن بحقوقه فهو
لن يكون وطنياً. وهو يرى عكس ذلك: أي يمكن أن تكون مهاناً،
رعيّة بالمنطق القديم، عليك واجبات دون أن يكون لك حقوق،
ومع هذا فأنت تستطيع أن تكون موالياً وطنياً للنظام القائم
وللدولة القائمة التي تسيطر عليها الفئوية النجدية!
منطق عجيب.
وعرّف الشريان الوطنية بأنها (حال تشبه الحب يصعب
أحياناً تبريرها، وهي غير محتاجة لهذه المسوغات والجدل...
ومفهوم المواطنة والانتماء للوطن لا يختلف عن الانتماء
للاسرة، والارتباط بالاثنين لا يحتاج الى شروط ومقايضة).
أمثال الشريان من (فئة الدم الأزرق) بحاجة الى قراءة مكثفة
في هذا الموضوع، بدل التبسيط الساذج الذي لا يدل إلا على
جهل حقيقي.
وحذّر الشريان من النقاش في المفاهيم الكبرى: (إن استمرار
تعامل بعض المثقفين السعوديين مع اليوم الوطني بهذا الأسلوب
سيفضي الى نتيجة عكسية، فضلاً عن ان تضخيم ضعف الحس الوطني
وضبابية مفهوم المواطنة لدى المواطن السعودي، اشكالية
افتعلها بعض المثقفين وصدقها). والحقيقة إن الحكومة وأدواتها
هم من يغمض عينه عن الحقائق، وهم الذين لا يريدون أن يرون
المشكلة على حقيقتها، وهم الذين لا يريدون حل أزمة الدولة
الجوهرية. ما يحذر منه الشريان الذي وضع نفسه موضع الممثل
لمنطق النخبة الحاكمة والمنطقة المدللة، حقيقة موجودة
على الأرض، عبّر عنها الملك نفسه بأن (وطنية أبنائكم ضعيفة)!
من يستأثر بالحكم، ويسوّد ثقافة أقلوية، ومذهباً اقلويا،
ويحرم المواطن من حقوقه الأولية، حتى من لقمة العيش، ويحولهم
الى مجاميع فقيرة.. هم من يغمضون أعينهم عن الحقائق، وبظننا
فإنهم لن يفتحوا أعينهم إلا والدعوات للإنفكاك والإنفصال
عن الدولة تملأ الأجواء.
كثيرون لا يريدو البقاء في دولة (نجدية) وتحت وطأة
وهابيّة تكفر معظم المواطنين، وإن لم يصلح الحكم حاله
على أسس الدولة الحديثة، فإن الدولة السعودية لا شكّ ستفكك
اليوم أو غداً أو بعد غد.
وإذا ما كانت أكثرية المواطنين لم تشعر باليوم الوطني،
فإن الأقلية الوهابية المشاركة في الحكم حاربت اليوم الوطني
واعتبرته بدعة، وركّزت على الولاء الديني/ المذهبي/ الطائفي/
الوهابي كقاعدة توحيد اجتماعية! وشنّت عبر الإنترنت والتعليقات
الأخرى حملة على المفاهيم الوطنية.
كتاب آخرون، أشاروا بشكل باهت الى اليوم الحزين! وبتمجيد
من قلقلات لسان (طق حنك!).
نوع ثالث من الكتاب حاولوا تمرير مقالات ناقدة عن وطن
في طريقه الى الإنحلال، فحجبت مقالاتهم، ما دفع بأحدهم
الى نشرها عبر الإنترنت، ومثال ذلك مقالة لمحمد الرطبان،
انتشرت في اليوم الوطني. يقول فيها:
شو بدّي بالبلاد ؟.. الله يخلّي لولاد!
(1)
فكرت أن أغنّي للبلد في يومه العظيم : تذكرتك
يا صديقي ، وأصاب النشاز صوتي ! أتخيلك وحدك،
في غرفة مظلمة وباردة.. كنتَ تريد أن تغني له
على طريقتك. ولكن صوتك العذب لم يعجبهم.
كأنّ البلد لا تحبّ سوى غناء السماسرة، وحَمَلَة
المباخر، وقارعي الطبول.
(2)
فكّرت أن أغني لـ (الفرح) في يومك العظيم.. وتذكرت
أنه (مكروه)! وغير مستحب!
(3)
(وطني).. مللتُ من الأغاني المثاليّة! صرتُ
أميلُ أكثر إلى العبارات الواقعية، مثل: (الخبز..
قبل الحُبّ). والجوعى لا يفكرون بالحب.
والذين تطاردهم الأقساط، والديون، والفواتير المستحقة
.. لا يجدون الوقت لكي يحبّون أولادهم.
و.. (شو بدّي بالبلاد.. الله يخلّي الأولاد).
(4)
(وطني).. من الذي أختطفك منّي؟ (وطني).. لكي
تكون حرّاً، لا بدّ أن يكون (مواطنكَ) حرّاً.
(وطني) لكي تكونَ في الأعلى، لا بدّ أن يرفع مواطنكَ
رأسه إلى الأعلى. لا أن يكتفي برفعه في الأغاني..
وينحني في الشوارع ! (وطني).. أحبّكَ ورب الكعبة.
ولكن.. هل تحبّني أنت؟ أعلمُ أنكَ لستَ راتباً
أستلمهُ آخر الشهر. ولكن .. ماذا أفعل بمحبتك
و (الراتب) يسرقه اللصوص؟
(5)
(وطني) بحثتُ عنك، لكي أحتضنك وأقبّل جبينك.
ولكنني لم أجدك!
(6)
(وطني).. أرجو أن تقبل اعتذاري .. أنا – ولغتي
– خارج الخدمة مؤقتاً ! |
|