مقال لتركي الفيصل يثير سخطاً شعبياً
متحدون ضد من ولمصلحة من؟
تحت عنوان متحدون ضد الإرهاب نشرت صحيفة الواشنطن بوست في 17/9
الماضي مقالاً للأمير تركي الفيصل أراد أن يبيّن فيه عمق التحالف
السعودي الأميركي، وكيف خدمت السعودية واستخباراتها المصالح
الأميركية الاستراتيجية، حيث تدخلت السعودية في كثير من القضايا التي
لا علاقة لها بها ولا تعنيها. الغرض من المقال واضح للغاية: ردّ على
الحملة المعادية للسعودية وكيف أنها تستطيع أن تقدم نفس الخدمات
القديمة للإستراتيجية الجديدة الأميركية التي تحولت من محاربة
الشيوعية الى محاربة الإسلام والحركات الاسلامية.
حول تعاون السعودية مع أميركا في مكافحة الشيوعية والحركات
المعادية للغرب عموماً قال تركي: ''عملت الادارة العامة للمخابرات
(السعودية) ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية معاً لمكافحة
المنظمات الارهابية ذات التوجه الشيوعي حول العالم، اذ تبادلنا
المعلومات حول ''أبو نضال''، الى جانب منظمة ''الالوية الحمراء''
الايطالية، و''بادر ماينهوف'' الألمانية، و''الجيش الاحمر
الياباني''، بالإضافة الى الكثير من المنظمات والمجموعات الاخرى التي
تهدد المصالح الاميركية ـ السعودية''. فهل هددت هذه الحركات المصالح
السعودية، أم أن مصالح أميركا والسعودية متطابقة كما يريد أن يوحي
الأمير؟ أو أن الصحيح فعلاً هو أن السعودية مجرد تابع للمخابرات
الأميركية؟.
والقضية أكبر من تعاون مخابرات، بل انسياق تام في دعم المصالح
الأميركية حتى وإن كان ذلك خلاف المصالح السعودية. فالأمير تركي
يعترف بما هو معلوم ''ان زيادة السعودية لانتاج النفط، في منتصف
الثمانينات، وهي الخطوة التي أدت الى خفض أسعار النفط ومهدت السبيل
أمام فترة ازدهار عالمي... ومساهمة السعودية في القتال ضد
''الكونترا'' في نيكاراغوا، ربما لم تكن لتقع كذلك، لولا التعاون
السعودي ـ الاميركي''.
وندد تركي بأحداث سبتمبر، وزعم أمراً غريباً هو أن ''السعودية
دولة عانت من الإرهابيين خلال الأربعين عاماً السابقة''. متى وكيف
ومن هم الإرهابيون الذين عانت السعودية منهم؟ إن من تعاون مع أميركا
ضدهم لم يكونوا أعداء السعودية ولم يبتدئوها بالعداء كالكونترا
والألوية الحمراء وغيرهما. الدليل الذي ساقه تركي هو أن والده الملك
فيصل قتل ''نتيجة عمل إرهابي'' هل هذا دليل؟ كلنا يعلم أن مقتل فيصل
كان نتيجة خلاف بين العائلة المالكة.
فقاتل الملك كان أميراً هو فيصل بن مساعد بن عبد العزيز، الذي قتل
عمّه لأن الأخير قتل أخاه خالد. فما دخل هذا بالإرهاب، اللهم إلا أن
يكون قد قصد وجود أمراء إرهابيين، وفوق هذا فهناك شكوك كبيرة في أن
فيصل كان قد تم بتخطيط من المخابرات الأميركية نفسها.
وحول تعاون السعودية مع المخابرات الأميركية في قضية ابن لادن،
يقول تركي الفيصل التالي: ''بصفتي مديرا للمخابرات العامة، كنت اعتبر
اسامة بن لادن، لبعض الوقت، هدفا لإدارة المخابرات. وعندما تبنى
الارهاب عام 1994، اتخذت الحكومة السعودية خطوة غير مسبوقة وجردته من
جنسيتها. وفي عام 1996، عرض الرئيس السوداني تسليمه للسعودية، شريطة
موافقتها على عدم محاكمته، بيد ان السعودية رفضت ذلك العرض، لأننا
نريد ان يمثل بن لادن أمام العدالة. تبادلنا، في ذلك الوقت، وبتوجيه
من القيادة السعودية، المعلومات التي حصلنا عليها حول بن لادن مع
وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية. وفي عام 1997، أسس الأمير
سلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع، لجنة استخباراتية مشتركة لتبادل
المعلومات حول الارهاب، بصورة عامة، وحول بن لادن و''القاعدة'' على
وجه الخصوص''.
هذا بالرغم من أن السعودية لم تشر الى أي دور قام به بن لادن داخل
السعودية.
فقد حاولت تلبيس قضية الخبر الشيعة، في حين حملت أحداث عنف
وتفجيرات الرياض مسؤوليتها لجماعات صغيرة قالت الحكومة أن لا علاقة
لها بالخارج. وابن لادن فيما يبدو لم يتقصد أمراء السعودية وملوكها،
وإن كان هذا الأمر قد لا يدوم بحسب رأي كثيرين، خاصة وأن العائلة
المالكة جعلت من نفسها حرباً ضدّه حتى بعد تجريده من الجنسية
السعودية.
المهم أن التعاون السعودي الأميركي في ميدان الإستخبارات، فيما
يتعلق بالعراق وأفغانستان والسودان والحركات الإسلامية وإيران وكثير
مما سكت عنه معروف في تفاصيله العريضة، ونحن ننتظر منه هكذا مقالات
تتحدث بصراحة وعلانية حول الدور السعودي، حتى وإن كان المخاطب هو
الرأي العام الغربي ولأغراض أخرى أهمها توضيح استعداد السعودية لخدمة
الإستراتيجية الغربية وأنها حاضرة بالخدمة دائماً لأصدقائها
الأميركيين.
ويحوي مقال تركي الدعائي تقييماً غير صحيح للأوضاع السعودية، فهو
يقول بأن تغييرات كثيرة طرأت على السعودية بعد عام على تفجيرات
نيويورك.. هذه التغييرات تستهدف إقناع الرأي العام الأميركي بأن
السعودية جادة في القضاء على ما يسمى بالإرهاب المنطلق من أراضيها.
والأمير تركي الفيصل يختصر الأمر فيتحدث عن التغييرات التي حدثت في
أربعة حقول يلح الأميركيون على إيجادها وهي:
1 ـ يقول الأمير بأن الرأي العام السعودي قد انقلب بشأن تأييده
للعمليات في نيويورك فـهناك ''ثمة إدانة واسعة للتطرف، فحتى أكثر
مواطنينا تشددا، بدأوا يؤيدون الاعتدال. أما القيادة السعودية-
بشقيها العلماني والديني- فقد حذرت الذين لا زالوا يؤيدون الافكار
المتطرفة''. وهذا الكلام غير صحيح وغير دقيق.
فالتأييد لابن لادن عارم، والعداء للولايات المتحدة الأميركية لم
يشهد اتساعاً له من قبل في تاريخ العلاقات ويشمل كل النخب والقطاعات
الشعبية. والحكومة السعودية (بشقيها العلماني والديني كما يقول) لا
تستطيع أن تغير هذا الواقع، ما لم تغير الولايات المتحدة نفسها
سياستها.
2 ـ يقول تركي الفيصل أن ''الاصلاحات السعودية تتواصل على نحو
مطرد، فصحافتنا تتبع نهجا منفتحا بصورة متزايدة، فضلا عن ان وسائل
إعلامنا تنقل نقدا صريحا للحكومة والمشكلات الاجتماعية. يضاف الى
ذلك، ان نظامنا القضائي يشهد حركة اصلاح، وبات التمثيل القانوني
الكامل للمتهم أمرا إلزاميا. الشرطة باتت الآن مطالبة باتباع اجراءات
قضائية متشددة في إصدار المذكرات وحبس المتهمين وإبلاغ أقرب الاقرباء
عند حبس متهم بغرض التحقيق''. بعض هذه الأمور صحيحة، ولكن لا يجب
إعطاؤها أكثر من حجمها، فالصحافة المحلية اتسع هامش الحرية لديها
بنسبة ضئيلة للغاية، وهي لا تنقد السياسة الحكومية الداخلية
والخارجية بقدر ما تنقد بعض الأوضاع المستفحلة بالسوء. أما النظام
القضائي فلم يتغير منه شيء كثير، والإصلاحات بشأنه تكاد تكون معدومة.
ولا يزال الجهاز القضائي فاسد، وقد صدر مؤخراً كتاب حول (محنة القضاء
السعودي) حوى بالوقائع كيف أن القضاء ورجاله فاسدون مرتشون في كثير
منهم وأن الجهاز القضائي واقع في مجمله تحت سيطرة الأمراء.
3 ـ وتحدث الأمير تركي عن إصلاح التعليم والمناهج، وأطلق كذبة
كبيرة الجامعات الأهلية. قال: ''عهد الى نخبة رفيعة المستوى إعادة
النظر بنظامنا التربوي والتعليمي وإصلاحه. ويمكن افتتاح جامعات خاصة
الآن، لتتنافس مع القطاع التربوي الحكومي''.
4 ـ وأخيراً أتى الى موضوع المرأة، حيث حجة ال سعود ضعيفة للغاية.
فهي حتى اليوم ممنوعة من قيادة السيارة ومن العمل الأهلي في معظم
فروعه، وكل ما أنجزه النظام هو السماح للمرأة بأن تصدر بطاقة هوية
خاصة بها. هذا هو كل الإنجاز. يقول: ''بدأنا في اصدار بطاقات هوية
للنساء، اعترافا بحقوقهن''. ويضيف معدداً الإنجازات في هذا المجال:
''التعليم النسائي قد تم تحويله من السلطات الدينية الى وزارة
المعارف المسؤولة أيضا عن تعليم الذكور''. وهذا ليس انجازاً للمرأة،
بل هي عملية سياسية أُريد منها تحجيم سلطة المؤسسة الدينية، التي
تشرف على التعليم النسائي منذ تأسيسه عام 1960 وتجاوباً مع الضغوط
الداخلية والأميركية الخارجية.
وبشكل عام فقد اعترف تركي الفيصل بأن بعض هذه التغييرات على الأقل
كان نتيجة أحداث 11 سبتمبر حيث ''سرعت من عملية التغيير وإعادة النظر
من جانبنا''.
وأخيراً فإن النتيجة التي يريد الوصول اليها هي أن الشراكة
السعودية الأميركية (ثابتة) وهما يواجهان خطراً مشتركاً (الإرهاب حسب
التعريف الأميركي) حيث يقول: ''لنتذكر ان البلدين يواجهان الخطر
نفسه، فأسامة بن لادن استهدف السعودية قبل استهدافه الولايات
المتحدة''. بل أن ابن لادن حسب الأمير استهدف دق أسفين في العلاقات
السعودية الأميركية: ''اذ ان اختيار بن لادن 15 سعوديا لعصابة القتلة
أمر لا يمكن تفسيره سوى انه جاء كمحاولة لإفساد العلاقة الوثيقة بين
المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.. فلنفوت على المتطرفين
فرصة تحقيق انتصار بإضعاف الشراكة القائمة بين بلدينا، ولنظل اقوياء.
ومهما رأينا من عيوب في بعضنا بعضا يجب ان نواجهها ونتغلب عليها
معاً''.
|