ردود فعل على بيان الإستباحة السلفي المتطرف
الوحدة الاستراتيجية في التحالف الإرهابي
محمد بن علي المحمود
حسن الظن الذي نسحبه على كل من أظهر لنا التدين؛ قادنا
إلى عدم التصديق بأن هناك تحالفا فكريا عميقا بين شيطان
الإرهاب الأكبر (ابن لادن) وكثير من المتطرفين الذين يعيشون
بيننا بوصفهم مجرد: متشددين، غير منتمين - فكريا - لأي
أحد؛ رغم أن الشواهد التي تحكيها الوقائع والمقولات، صريحة
في تعريتها هذه الطائفة؛ فيما لو توقفنا عندها قليلا.
ولعل أقرب هذه الوقائع التي كشفت - بل عرّت - هذا التحالف
الذي يتستر عليه أصحابه، خوف المطاردة الأمنية لا غير،
ما كشفت عن الردود على قصيدة معالي وزير العمل/ الدكتور
غازي القصيبي. وهي القصيدة الرائية التي نشرها في جريدة
الجزيرة، وعبر فيها عن ما يلاقيه من اتهامات وتهديدات،
يقوم بها المتطرفون على اختلاف أنواعهم. وهي اتهامات تطال
دينه قبل أي شيء.
غازي القصيبي علامة ليست محايدة؛ كما عبر الدكتور عبدالله
الغذامي. إنها علامة رامزة. وهذا البعد الترميزي الذي
اكتسبه القصيبي، لم يأت من فراغ، بل لم يأت من بعد واحد
من أبعاد الشخصية التي تعددت عند القصيبي، بينما رمزيتها
واحدية الاتجاه. يمتلك القصيبي تاريخا طويلا من النجاح
الإداري المبهر، الذي جعل منه علامة فارقة في تاريخ الإدارات،
بل وتاريخ التنمية. كما يمتلك القصيبي بعدا ثقافيا متنوعا؛
لا يستطيع أحد من محبيه أو مبغضيه إنكاره.
مكانة غازي التي احتلها بفضل نجاحاته الإدارية، وبفضل
شاعريته وثقافته التي لا يستطيع أحد إنكارها، تشكل ضاغطا
واقعيا ونفسيا على من يريد الكتابة عن غازي بالسلب. الذاكرة
لا تموت، والواقع لا يمكن حجبه، وغازي تاريخ لا زال يعيشه
الناس، وواقع يأمل منه الجميع أكثر من ذلك التاريخ. وغازي
بعد كل هذا، أو قبل كل هذا، شخصية متدينة. وتديّنه معروف
للجميع.
غازي الناجح إداريا وثقافيا، والمتدين - باعتدال -
لم يجد المتطرفون عليه منفذا في هذا ولا ذاك. اختلف الكثير
معه، وعارضوا رؤيته. وهذا أمر طبيعي، بل وإيجابي. لكن،
ما لم يكن طبيعيا، ولا إيجابيا، هو ردة الفعل على قصيدته
التي بث فيها شكواه. الموقف من هذه القصيدة موقف كاشف،
يمكن من خلاله قراءة التحالفات الخلفية للإرهاب. ما الذي
أغضب التيار المتطرف من هذه القصيدة التي تنضح بالتدين
الشديد؟!. للوهلة الأولى، كان من المفترض أن يكون التيار
المتشدد - لو كان تدينه في الاتجاه غير المتطرف - هو أول
من يحتفي بهذه القصيدة. إذن، فلماذا كان الموقف بالعكس.
ارتكب القصيبي - بنظرهم - جريمة لا تغتفر في هذه القصيدة.
فالقصيدة على روحانيتها الدينية، صرّحت بهجاء شيطان الإرهاب
الأكبر (ابن لادن) ووصفه بالدجال، واستهان بتهديده الإرهابي،
عندما قال: «يهددني دجّالهم من جحوره * ولم يدر أن الفأر
يزأر كالفأر». هنا نعرف سبب ذلك الهياج الذي اجتاح المواقع
الإلكترونية المتطرفة؛ عندما نشر القصيبي قصيدته. لقد
تجرّأ القصيبي، وهجا خليفة المسلمين !، الشيخ المجاهد
!....ابن لادن. ولهذا قال أحدهم ما سماه: قصيدة !؛ يرد
على القصيبي: «ودعك من الشيخ المجاهد إنه...». والشيخ
المجاهد في اعتقاد هذا الإرهابي: ابن لادن!
هذا الموقف يكشف عن المستتر من التحالفات. وهو ليس
الموقف الوحيد. فقبل أيام صدر بيان موقع من واحد وستين
شخصا، وصفوا أنفسهم بالعلماء أو المشايخ. ونُشر هذا البيان
على المواقع الإنترنتية المتطرفة. والذي يلفت النظر في
هذا البيان أنه يتقاطع مع الرؤية التي تنتهجها منظمة القاعدة
الإرهابية. وهذا ليس اتهاما مباشرا للموقعين، ولكنه تأمل
لتقاطع الأفكار، وتشابه التمثلات التي بدت ظاهرة في لغة
البيان.
الذي يهم في هذا البيان، هو الاتهامات التي تصل درجة
التكفير. فبيانهم الذي بدأ بالتحذير من (عصابة) تحاول
تغريب البلد، انتهى بوصف الذين لا يتفقون معهم في رؤاهم
بالنفاق، وقاموا بتنزيل الآيات التي نزلت في المنافقين
على قسم كبير من مواطنيهم. وهم وإن لم يصرحوا باسم أحد؛
خوف الملاحقة القانونية، إلا أنهم صرحوا بالذي قدّم لرواية
(بنات الرياض) وهو الدكتور غازي القصيبي؛ لا غيره. ونحن
نعلم أن التلميح يكون تصريحا - كذكر الاسم تماما - عندما
تطلق صفة لا تنطبق إلا على صاحب الاسم. كون الصفة تحتمل
شخصين؛ يجعلها تهمة غير صريحة. لكن عندما لا تحتمل إلا
شخصا واحدا؛ فهي تصريح؛ يحاسب الإنسان عليه قانونيا.
اتهمات بالنفاق والكفر والزندقة، وتنزيل الآيات التي
نزلت في المنافقين على أناس يعترفون بأنهم أبناء مجتمعنا.
نسمع ونقرأ مثل هذا، ثم نسأل من أين يأتي التكفير، وهل
هو فكر دخيل؟!. عندما يسمع الشباب الذين قد يثق بعضهم
ببعض هؤلاء مثل هذا البيان، ويؤمن بحقيقة هذه التهم، فهل
من المستبعد أن يمارس بعد ذلك القتل لهؤلاء الذين وصفهم
البيان بالمنافقين، ويكفر الدولة التي تحميهم؟!
الأمر الذي يجب أن نتأمله بعناية، أن هذا البيان الذي
ينضح بالتكفير الصريح، لم يصدر من مغارات (تورا بورا)،
ولم ينطق به - عبر قناة الجزيرة ! - زعيم التكفير والإرهاب
(ابن لادن). هذا البيان تم التوقيع عليه من قبل أناس يمارسون
التأثير العلني في مجتمعنا، من خطباء ومعلمين ومحاضرين.
وهي ليست أسماء مستعارة، بل هي - بوظائفها ! - معروفة.
الرياض، 1/6/2006
|