الأسبوع الثاني: بداية التسريبات التركية!
في الأسبوع الثاني، وإزاء توفّر المعلومات
الأولية عن خاشقجي، عمدت السلطات التركية الى تسريب بعض
المعلومات والفيديوهات عن مقتل خاشقجي، وتقطيعه داخل مبنى
القنصلية، وأن خمسة عشر عميلا للمخابرات السعودية ضالعين
في مقتله داخل القنصلية، وجاءت بصورهم، وصور رحيلهم في
طائراتهم الخاصة.
التسريب بدأ بقناة الجزيرة، التي أحالت
بعض أخبارها الى السلطات الأمنية التركية، او مصادر خاصة،
او عبر تمرير المعلومات لمواقع حقوقية سعودية، ثم الأخذ
عنها. فكان أن كبرت القصة وأصبحت قضية اكبر من (محلية
سعودية وتركية) وأكبر من قضية (إقليمية) بل بدأت بالتحول
الى قضية دولية، حيث عمدت السلطات التركية الى تحويل التسريبات
الى قنوات إعلامية أمريكية: صحيفة الواشنطن بوست، والسي
إن إن بشكل خاص.
صُدمت الرياض بالتسريبات، ولكنها بقيت
على خطابها الاستعلائي، وعلى سياسة الإنكار، بل والسخرية
من الرواية التركية التي وصفتها بالمفبركة والكاذبة والمتآمرة.
هي لم تقل شيئاً ذا معنى، كان صمتها نُطقاً، وتركت ذبابها
تائهاً بلا توجيه، وطباليها من الكتاب بدون بوصلة يكتبون
على أساسها، فيما العالم قد اصبح مقتنعاً بالرواية التركية،
وبدأ يستعلن مواقفه المعادية والمستنكرة والمشمئزّة من
الجريمة السعودية.
وبعيداً عن اللغط والجدل، فالمؤكد لدى
تركيا، في الأسبوع الثاني من الجريمة، هو أن خاشقجي دخل
قنصلية بلاده، وأنه قُتل فيها، وأنه تم تقطيعه، وأن جثته
أخذت الى مكان آخر، قد يكون بيت القنصل السعودي العتيبي،
وقد يكون مكاناً آخر. وكان من الثابت أيضاً لدى الأتراك،
أن خمسة عشر شخصاً سعودياً جاؤوا على طائرتين خاصتين بغرض
تنفيذ المهمّة. وقد سرّب الأتراك بعضاً من صور الطائرات
ووضعوا أسماء الأشخاص وصورهم.
والثابت أمريكياً، حسب ما أعلنه أعضاء
الكونغرس، نقلاً عن مصادر في السي آي ايه، أن السعودية
خططت لاعتقال أو قتل الخاشقجي، وأن محمد بن سلمان هو من
أعطى الأوامر بالقتل او على الأقل بالخطف.
والثابت عالمياً، في الأسبوع الثاني من
الجريمة، أن قضية اختطاف وقتل الخاشقجي، قد تلبّست آل
سعود من رأسهم الى أخمص قدميهم، بحيث انهم لا يمتلكون
دليلاً على خروج الخاشقجي من القنصلية، وان حجتهم بتعطّل
الكاميرات الداخلية، وهو أمرٌ زعمه ابتداءً: سفير السعودية
في واشنطن، خالد ابن الملك سلمان، يثبت بأن هناك تخطيطا
للجريمة.
وبدا أن لا أحد يصدق آل سعود، لا من حلفائهم
ولا من خصومهم. حتى ترامب ونائبه بنس اضطرا للتخلّي عن
فعل ابن سلمان المشين، بل ان ترامب رجح الأخبار الواردة
من تركيا من اختطاف وقتل.
أما الثابت لدى الذباب الالكتروني واعلام
آل سعود، وكتابه وطبّاليه، فإن الرياض بريئة من دم الخاشقجي،
براءة الذئب من دم يوسف!
لكن حتى من يثق باعلام آل سعود، فإنهم
بدأوا بالتشكيك في الرواية السعودية، ان كانت هناك رواية
متماسكة في الأساس، حيث تلقي الرياض التهمة على قطر وعلى
خطيبة خاشقجي، وعلى مخابرات تركيا، وعالمية، وحتى على
إيران.
لاحظ المعارض حمزة الحسن أن الأتراك وكل العاملين في
قناة الجزيرة وكل المقربين من جمال خاشقجي وأصدقاؤه يعتقدون
جازمين وبإصرار أن جمال خاشقجي قد تمّت تصفيته، وفوقها
قد تم تقطيع جثته أيضاً بالمنشار. وفسّر ذلك بأن هناك
تسجيلات للجريمة، حصل عليها جهاز المخابرات التركي. وأضاف
بأنه يصعب لفلفة الجريمة، فقد تحولت الى قضية رأي عام
في أمريكا وتركيا وغيرهما. أيضاً لاحظ حمزة الحسن صمت
السلطات الرسمية السعودية، بسبب عدم قدرتها على رد عشرات
الأسئلة، وعلق: (هل الذي مات او اغتيل هو خاشقجي أم آل
سعود؟ صمت القبور والعالم يمور، تكلموا، انفوا، اكذبوا،
طبّلوا، افعلوا أي شيء لنعلم انكم أحياء أم أموات. يا
لخزيكم وعاركم وفضائحكم وجرائمكم وخيبتكم).
الإعلامي ياسر أبو هلاله يكتب عن خاشقجي وكأنها قضية
مسلمة في هاشتاق (استشهاد جمال خاشقجي): (لن يرهبنا ولن
يزيدنا الا التزام بالقيم واحتقاراً للطغاة). ووضاح خنفر
اعتبر خاشقجي عظيماً في عداد الشهداء أيضاً؛ والإعلامي
عثمان آي فرح يخبّر عن مقتل خاشقجي الرجل النبيل، في ذات
الهاشتاق. والإعلامي الآخر ماجد عبدالهادي متأكد من خاشقجي
قتل داخل القنصلية، وأن جريمة السعودية هذه تفضح دعمها
للإرهاب ومنظمات التطرف الديني. وأسعد طه رأى خبر الاغتيال
مرعباً يكاد لا يصدّقه. ثم يعود الى الحقيقة: (لعن الله
القتلة. ما بعد جمال لن يكون كما كان قبله).
الدكتورة علياء جاد عددت أسباب وجوب ان يغضب المرء
لمقتل خاشقجي: ومن بينها: (انه انسان، مات مغدورا، قال
كلمة حق ولو متأخرا، متعلم ذو قيمة لبلده، قُتل على أرض
بعيدة وقد يتجرأ القاتل على قتل غيره داخلاً وخارجا، ثم
لأنك انسان يجب ان ترفض وتغضب من قتل خاشقجي.
الدكتورة مضاوي الرشيد غرّدت بالتالي: (مهما كان موقفك
من جمال خاشقجي ومن تاريخ جمال، يجب ان تستنكر جريمة قتله
وتدين الجهة المسؤولة). وقالت انها فقدت الأمل من إمكانية
كبح جماح الجهل والدموية للعهد السعودي الحالي. والمعارض
الدكتور فؤاد إبراهيم علق بأن (تصفية خاشقجي جريمة، وسكوت
أمريكا وأوروبا عليها جريمة أخرى. لا مبرر للتصفية ولا
مبرر للصمت. الكل شركاء).
اما المعارض في المنفى الكندي مهنّا الحبيل فكان شديد
الأسى حين قال: (كانوا يغتالونك كل يوم، يحتقرون حجازيّتك،
يطعنون كرامتك، يستبشرون بتصفيتك، وكنت صامداً. كان قبلك
أكبر من وطنهم، ولكن حسن ظنك بهم، كان طريقهم اليك). كذلك
علّق المعارض في المنفى عماد حوّاس: (قتلوه أهل الغدر
والخيانة، قتلهم الله. المجنون من يظن أن لهمة ذمة وأماناً).
الناشط الحقوقي في المنفى طه الحاجي علق: (ما أقبح
الناعقين في هاشتاق «مسرحية جمال خاشقجي». يهاجمون من
ينتقد القنصلية ويطالب بالكشف عن مصير جمال، وهم يتهمونه
وهو الضحية في كل الأحوال، ويتشمتون بمصيره، ويرمون الاتهامات
على تركيا وقطر والاخوان دون تحقق).
يقول الذباب الالكتروني واعلام ال سعود،
بأن الرياض لم تفعلها مطلقاً وان اختطفت احداً من معارضيها.
متناسياً اختطاف أمراء ومعارضين كثر، خاصة في السنوات
الثلاث الماضية، بل ان التهديد بالقتل والاختطاف صار منتشراً
الى حد أن يكون علنياً.
الدكتور احمد راشد سعيد، المعارض المنفي في تركيا،
تلقى تهديدات صريحة على صفحات تويتر المكشوفة باختطافه
، كما حدث لجمال خاشقجي، او كما قال أحدهم ان الدور على
(المفك). بل ان كل المعارضين في الخارج تعرضوا لتهديدات
ومضايقات واعتقالات لعوائلهم داخل المهلكة.
واستعاد المغردون جمع وزير الذباب سعود القحطاني أسماء
المعارضين لتصفيتهم ضمن هاشتاق (القائمة السوداء) والمح
الى جواز قتلهم وإن تعلّقوا بأستار الكعبة. بل انه هدد
بكل صراحة احد المعارضين بأن (ملف الاغتيال تم فتحه من
جديد. ترقّب). وسبق ان توعد أحدهم (الصحفي سعيد الوهابي)
خاشقجي بمصير جيفارا؛ وآخر ـ عبدالسلام الحارثي ـ توعّده
بسجن بريمان في جدة.
وفي ذروة أزمة اختطاف وقتل خاشقجي، دافع رجل الاستخبارات
سعد بن عمر عن حكومته وذكر أسماء معارضين بأنهم لم يتعرضوا
للقتل في تهديد مبطّن؛ هدد معارضين يترددون على لبنان
محذراً حكومة لبنان: (لا يلومنا الاخوة اللبنانيين على
مواقفنا التي تتناسب مع الأفعال التي تسيء الى أمننا وكياننا).
ووضع الدكتور في المنفى سعيد الغامدي، قائمة بأسماء
الذين تم اختطافهم على يد المخابرات السعودية، وسأل عن
القاسم المشترك بينهم.
تركي الحمد لم يسعه ان يطيل الصمت وينتظر، وهو الخبير
بسجون آل سعود، فبادر نكاية بخاشقجي فشكك في رواية اختطافه
وقتله وقال ان العملية لم يستوعبها عقله. وحجته ان آل
سعود أذكى من ان يفعلوها داخل القنصلية، ليستنتج بأن العملية
مفبركة ووراءها استخبارات غير سعودية. ومثله فعل صحفي
النظام، محمد آل الشيخ، وقال ان قناة الجزيرة (تتهمنا
بقتله ـ أي الخاشقجي) ويضيف: (التصفيات والقتل ليست من
أساليب المملكة).
سخر هيثم أبو خليل فقال: لا تصدقوا ان آل سعود قتلوا
خاشقجي. هؤلاء ملائكة. جلّ ما فعلوه هو تآمر على الفلسطيني
والسوري والمصري والليبي والعراقي وذبحهم من الوريد الى
الوريد، وان جل فعلهم هو قتلهم بأيديهم أطفال اليمن. والدكتور
في المنفى عبدالله الزوبعي الشمري، يقول ان قتل آل سعود
لخاشقجي غير مستغرب لمن تبحّر في سجل تصفياتهم لخصومهم؛
وذكّرنا موقع نحو الحرية بقصة اغتيال طلال الرشيد في الجزائر،
ثم اعتقال ابنه من الكويت العام الماضي.
الدكتور رامي عبده يسأل ما اذا كانت هناك سوابق اختطاف
معارضين وقتلهم، فيجيب: نعم، والدليل ما جرى لناصر السعيد،
وتواطؤ عطاالله عطا الله (أبو الزعيم) رئيس استخبارات
فتح حينئذ. والكاتب المصري سامح عسكر، رأى ان ما جرى لخاشقجي
تكرار لسيناريو اختطاف وقتل المعارض ناصر السعيد في ديسمبر ١٩٧٩
في بيروت. ووصف الجريمة السعودية بـ (البشعة جداً) لكنها
برأيه تعبّر عن عقلية آل سعود عموماً، وابن سلمان خصوصا،
وتوقع أن لا يفلت ابن سلمان من تبعات جريمته.
|
الذبابة الالكترونية حنين الهُذَلي، رمت الداء على
العثمانيين الذين زالوا منذ قرن. وقالت أن خاشقجي (مجرد
عميل تمت تصفيته بالتعاون مع تنظيم الحمدين لتوريط السعودية).
واحد شيوخ الذباب الالكتروني مثيّب المطرفي، يقول ان تركيا
رائدة في الخطف والقتل للمعارضين، وأما الخاشقجي: فاسألوا
عنه تركيا. وأكدت العربية ما قاله الذباب، بانها مكيدة
استخباراتية قطرية تركية إيرانية!؛ ليختم الأمر بضرس قاطع
أحد أكبر شيوخ التوجيه للذباب الالكتروني (حساب الردع
السعودي) فيقول أن ابطال المسرحية هي: المخابرات التركية،
والمخابرات القطرية، وجناح الاغتيالات لدى الإخوان، بإخراج
قناة الموساد الجزيرة وصحف الإخوان ومرتزقة صهاينة قطر.
|
المحامي عبدالرحمن اللاحم الذي اصبح جزءً من جوقة الذباب
الالكتروني، قال ان مقتل خاشقجي مسرحية اخوانية، وان الإخوان
قاموا بتصفيته، بمعونة تركيا وقطر. وهكذا اتفق شيوخ الذباب
الالكتروني بأن مقتل خاشقجي مجرد مسرحية وفتحوا هاشتاقا
بعنوان (# مسرحية جمال خاشقجي)؛ وافتتحوا هاشتاقاً آخر
بعنوان: (# قطر تغتال جمال خاشقجي). ومادامت السعودية
قالت أنها لم تختطف وتقتل خاشقجي فيجب ان نصدقها، فهي
الصادق الأمين، هكذا ينصحنا ضاحي خرفان.
للتشويش، اعلام آل سعود يقول ان نائب أمير قطر محتجز
(مختطف)؛ ثم هناك آلاف يُقتلون من الصحفيين وغيرهم فما
قيمة الخاشقجي لتركّزوا عليه؟ يقول الصحفي الرسمي منصور
الخميس. وبإمكاننا اغتيال الفقيه وغيره لو أردنا، تقول
ذبابة الكترونية. وبامكاننا اغتيال غانم الدوسري، يقول
آخر. وبعد ان فرح الذباب الالكتروني بقتل وخطف خاشقجي،
تغيّرت التعليمات، وصنعوا لهم هاشتاقاً (# السعودية يهمها
جمال خاشقجي). طبعاً يهمها، ولذلك قامت بتصفيته.
حتى سفير ابيه وأخيه في واشنطن، خالد بن سلمان، والذي
يرجح انه المدبّر الأول لمقتل خاشقجي، غيّر اللهجة، وقال
ان خاشقجي صادق وصديق! فيما قفزت الطبالة البحرينية المتطرفة
الصحفية سوسن الشاعر، فهنّأت آل سعود بالحسّ الوطني لدى
الذباب الالكتروني الذي تطوّع للدفاع عن وطنه. خوش وطنيّة
دموية. وأثنى منصور الخميس على أداء الذباب: (الله يعطي
الشباب في تويتر العافية. لقد تفوقوا على وزارة الإعلام).
كما أثنى الأمير خالد على الذباب الالكتروني السعودي
الذي مسح البلاط بأعداء السعودية! واعلامي آخر هو يحي
التليدي فرحٌ بغبائه فيقول بأن الشعب المسعود العظيم ومن
خلال تويتر أسقط امبراطورية الخصوم الإعلامية، وجعلهم
اضحوكة.
منذر آل الشيخ، أحد أهم شيوخ الذباب الالكتروني، روّج
بأن خاشقجي قتلته مخابرات وقطر لأنه أراد العودة لبلاده.
وتلقف بقية الذباب للحكاية والترويج لها؛ اعتمادا على
جملة وردت في محادثة على تويتر لا علاقة لها بالموضوع.
بل أن بعضهم قال ان خاشقجي عرف الحق وأراد ان يعود لرشده
وان يعود لوطنه عبر السفارة لترتيب العودة. كذبة اكبر
من الأخرى. وفي النهاية خطة قطر وتركيا وقناة الجزيرة
فشلت، حسب شيخ الذباب المطرفي.
بيد أن البي بي سي البريطانية، سجلت له قبل خطفه، حديثا
يفهم منه أنه لا يفكّر في العودة مطلقاً الى السعودية.
قال نصاً: (لا أنوي ذلك أبداً، فالذين لا يتكلّمون يتم
اعتقالهم).
عضوان الأحمري، افضل ما لدى آل سعود واعلامهم، رأى
التريّث وعدم توجيه الاتهام لآل سعود، وان قطر وجزيرتها
نشرت تغريدات وشائعات كاذبة ثم حذفتها. لكن كل ما حذفته
الجزيرة بقي صامداً، بما فيه مقتل الخاشقجي وتقطيع جثته،
والطائرات التي جاءت ومن كان على متنها. وقد نشرت ذات
التفصيلات المحذوفة صحف معتبرة أمريكية كالواشنطن بوست
ونيويورك تايمز. وعاد عضوان ليقول بأن السعودية تجاوزت
احداث ١١ سبتمبر وغيرها، وهي ستتجاوز هذه
الأزمة ايضاً وسينقلب السحر على الساحر. لكن لا يوجد ساحر
أشر إلا ابن سلمان.
وكذب سلمان الدوسري، رئيس تحرير الشرق الأوسط السابق،
فاتهم كل من قال ان الرياض قتلت وقطعت جسد خاشقجي بأنهم
أعداء لخاشقجي نفسه. وفي هذا ذهب بالكذبة بعيداً.
أغلب الكتاب الذين يحترمون انفسهم لم يخوضوا في مقتل
خاشقجي الا النادر، خاصة ان الحجة السعودية ضعيفة بل متهافتة.
صاحب ايلاف عثمان العمير، قال ساخراً بأن الاستعجال
في الاستنباط مضرّ بالعقل ودليل اضطراب نفسي، ووصف من
اتهم الرياض بقتل خاشقجي بأنهم (المتسرعون العرب). رد
عليه احدهم: (انت تعلم والكل يعلم ان زميلك خاشقجي ذهب
ولم يعد. ارجوك رأفة على روحه ان لا تطبّل واحتفظ بما
تعلمه لنفسك).
زاد عثمان العمير مفاخراً بآل سعود: (أنا مع الأنظمة
الملكية بلا فواصل ولا نقط، ولا وقفات، بما فيها مملكة
النحل)! ردت ألمى: (ما يمدح السوق إلا من ربح فيه)؛ ورد
آخر على لسان العمير: (انا مع المائدة ودراهمها، وكل الانبساط
اللي فيها). وآخر قال: (حظّكَ جعلك تنتفع في حاشية الملك
فطبيعي تحب مملكة النحل، ولو لم تكن في العير او النفير،
لكنتَ ثائراً او معارضاً). وبندر رد فقال للعمير بأنك
تحب الأنظمة الملكية (لانها مليانة فساد، وأنت وشاكلتك
تتكاثرون في مناطق الفساد، وتقتاتون في مناطق الغباء).
واستاء آخر فاختصر الرد: أنت معها (لأنك كلب الملوك).
وانبرت ذبابة مهايطية فقالت: (الأنظمة الملكية هي الأجمل
والأكمل. انها منحة الهية من رب العالمين. في حين ان الرئيس
المنتخب هو من صنع الناس).
|
عبدالرحمن الراشد، الذي كان أحد المحرضين على خاشقجي
قبل وبعد خروجه من المهلكة؛ التزم الصمت هذه المرّة. جل
ما فعله ان روج لتغريدة معارض سابق قال انه عاد ولم يصبه
أذى: يقول كساب العتيبي: (اعتذرت لكل من أخطأت في حقه،
وعدتُ لوطني ولم أُقتل. السعودية لا تغتال. أنا أنموذجكم
فاصمتوا). رد عليه احدهم: السعودية لا تغتال التافهين،
الذين يسعون لتبرئة المجرمين من دم خاشقجي. وقد تلقفت
العربية الأمر لتروج للمعارض الذي واصل الهبوط عميقاً.
واستدعته قناة فضائية رسمية ليطبّل عن تجربته وكيف ان
آل سعود لم يغتالوه!
الصحفي رجا المطيري، الذي سبق له ان هاجم خاشقجي زاعماً
ان من ينتقد آل سعود لم يصبهم أذى؛ عاد من جديد لي ليوجّه
تهمة القتل الى قطر. وصالح الراجحي يتهم (دويلة المؤامرات
والخبث والخيانة التي يتسرب منها القيح الى مكان) بأنها
وراء اغتيال خاشقجي، ووصفها بأنها (دولة نحس ودناءة وسرطان
يجب بتره).
ويأتي تركي الدخيل مدير العربية ليروج لبرنامج عن دور
قطر في إخفاء خاشقجي. يكتب ذلك باستهبال وقلّة حيلة. وأما
أعقل الرسميين الدكتور علي التواتي فيقول انه على قناعة
تامة بأن المملكة لا شأن لها بقتل الخاشقجي. واستاء التواتي
من مقالة فريدمان عن خاشقجي لأنه طالب ترامب بأن يطلب
من ال سعود تقريراً كاملاً وموثقاً عما جرى لجمال داخل
القنصلية. وخلص التواتي ان المؤامرة اكبر من قطر وتركيا،
أي انها أمريكية غربية ايضاً. اما الصحفي غسان بادكوك،
فظنّ ان التغريدات التي حذفتها قناة الجزيرة غير صحيحة
ويمكن استخدامها لإدانة قطر، في حين أن ذات معلوماتها
هي الحقيقة وهي عين ما تنشره الصحف الغربية.
ربما شعر حمود أبو طالب، الصحفي الحجازي، ببعض الألم
الداخلي لمقتل خاشقجي، وكتب معلقاً بحذر: (اختلفت مع جمال
كثيراً وعميقاً، لكن بكل صدق وبكل ما تمليه الأخلاق ويوجبه
الضمير وتحتّمه المروءة، أتمنى يا جمال أن تكون بخير.
ارجو الله في عليائه ان نسمع خبراً يطمئننا عليك).
اما الرسمية العنصرية نهلة العنبر، فتقول انها لا تحترم
خاشقجي، وسألت: هل يستحق خاشقجي كل هذه الضجة الإعلامية
وخروج رؤساء للتنديد؟
نقول لها بلسانها العنصري: هو لا يستحق، فهو مجرد طرش
بحر بنظركم، هو أقل من انسان وأقل من مواطن بنظر أمثالك
وحكومتك العنصرية.
عنصري آخر، لم يجد شيئاً يقوله سوى الشتم لمن أسماهم
بـ (مستجربي الشمال والبربر والامازيغيين الذين يستهزؤون
بالسعودية). ومنه الى ذبابة الكترونية لم تجد سوى وضع
صورة لأمير قطر طالباً ان من يراه حماراً يبصق عليه. ليأتي
بعدها الصحفي عبداللطيف آل الشيخ ليصف كل من خالفوه بالحمير
الذين يوظفون حميراً. ثم ليأتي اعلامي رسمي هو محمد الشقاء،
ليقول: ابحثوا عن أخ الشيخ تميم، وليس الخاشقجي. وفوق
هذا يخاطب الأمير خالد آل سعود اردوغان بحماقة واستعلاء
لم هو صامت؟ (بلعتْ لسانك؟ بتقعد تشغلنا اربعة أيام في
الموضوع؟).
الإعلامي ادريس الدريس لم يكن متأسفاً على دم يراق
وأرواح تُزهق، وإنما لأن اعلام آل سعود بان ضعفه، ويعيش
وراء التاريخ، وطالب باستراتيجية إعلامية ودبلوماسية،
إزاء ما يراه فشلا واضحاً.
مثل هذه التعليقات أثارت الإعلامية ديانا مقلد: (أفهم
أن يصمت البعض بسبب الخوف والقلق من انعكاسات ابداء رفض
الاستبداد والجريمة. ما لا أفهمه وما يذهلني هو اندفاع
البعض للدفاع عن أنظمة وعن سلطات مجرمة. هذه شراكة مباشرة
في دماء الضحايا).
وواصل الاعلام السعودي والذباب الالكتروني
انحطاطه، فطعن رواده في خطيبة جمال خاشقجي التي كانت تنتظره
خارج القنصلية، وهي احدى الثغرات التي جعلت من العملية
الأمنية الدموية السعودية تبوء بالفشل الذريع.
خديجة جنكيز، تركية، تتكلم العربية، ولديها حساب على
تويتر بالعربي، وأقامت في سلطنة عمان، وكانت شهادة الماجستير
عن تجربة التعايش المذهبي هناك. العالم كله يعرف انها
خطيبته، وأنه كان ينوي الزواج بها في اليوم التالي من
دخوله القنصلية لولا مقتله؛ وكبار الشخصيات العمانية يعرفونها،
وقد التمست من العمانيين ان يدعوا لها بنجاة خطيبها؛ فتأثر
نائب المفتي بما جرى لها وقد سبق ان التقاها في مكتبه.
الأكثر انها ناشدت ترامب للتدخل، ودعاها لزيارة البيت
الأبيض، وقد رفضت الدعوة.
وحدهم آل سعود واعلامهم ولسانهم القذر شتموا خطيبها،
وشتموها واتهموها في كل شيء بما فيه عرضها، باعتبارها
أداة فضح مخططهم وجريمتهم. فعلاً آل سعود ليسوا أذكياء
ولا عقلاء ولا تحركهم المصالح بالضرورة بل الأحقاد.
مؤسف ان يدخل تركي الحمد هذا المستنقع فيغمز قائلاً:
(فتّش عن المرأة، مفتاح اللغز بيد خطيبته).
والعربية جاءت بابن خاشقجي وعائلته ليصطفوا ضدها: لا
نعرف خديجة ولا نثق إلا بآل سعود.
وصورها ذباب ابن سلمان بأقبح الصور؛قال اعلامي رسمي
انها أغبى المخلوقات ولكنها عميلة الموساد وتدربت لديهم؛
ولم تكن لدى الذباب أية حواجز أخلاقية مع ان آل سعود يتحدثون
عن حماية الأعراض قبحهم الله. وكلما كان العالم يأخذ معلوماته
منها، وكان ال سعود يزيدون في شتمها؛ وقال احد شيوخ الذباب
مثيب المطرفي بأن خطيبته هي المدان الأول (وليس زوجته،
لأنها أجبرت على تطليقه في جدة ورفضوا ان تسافر لزوجها).
وشيخ الذباب الآخر يقول لماذا لم تكن هناك خديجة أمريكية
او بريطانية بل تركية. لقد فقدوا عقلهم وليس فقط أخلاقهم.
ويسخر صحفي النظام محمد آل الشيخ: (انتبهوا لا يصفّي القطريون
خديجة)؛ ويضيف مؤكداً بضرس قاطع: خديجة تعمل مع مخابرات
قطر؛ وعاد فوصفها بقبح بأنها المتهمة الأولى ووصفها بـ
(الكَمْخَةْ والشمطاء اللي تروّع البعارين).
حقاً، كما قال المنفي الدكتور سعيد الغامدي: (انظر
الى اعلام السلطان وذبابه الالكتروني وسوف تجدهم صورة
عنه ومرآة لأخلاقه وألفاظه وعقليته ونفسيته).
على كل حال.. بقتل خاشقجي وتقطيع جسده، خسرت الرياض
معركتها الأخلاقية قبل الإعلامية والسياسية.
قتل آل سعود خاشقجي فانفضحوا، ومهما انقلبت الأمور
فلن يخرجوا إلاّ بعارها وشنارها.
والى المزيد من الإنحطاط.
|