الأسبوع الثالث: الصمت السعودي يؤكد تهمة القتل!

الأسبوع الثالث من أزمة مقتل خاشقجي كان أسبوعاً حزيناً لمحمد بن سلمان، الذي أصبح يطلق عليه منذ الان لقب (المنشار).

أسبوع كامل والرياض بمسؤوليها وكتابها الأساسيين ومعظم ذبابها الالكتروني صامتة.

لا تستطيع ان ترد على الاتهامات الموجهة لها بقتل خاشقجي، ولا اشعال أزمة ضد دولة بعينها، ولم تنجح في تحفيز حسّ وطني كاذب يدافع عن ابن سلمان وأبيه، ولا تقديم توضيح، ولا أي شيء.

لا شيء غير الصمت والحيرة، لدى صانع القرار، ولدى الكتاب، وأجهزة الإعلام المتنوعة التي بدت وكأنها تعيش عالماً خاصاً بها، وتغطي قصص وأحداث سياسية لا أحد يهتم بها.

الجميع وصل الى النتيجة المؤلمة.

لا يمكن الدفاع عما جرى من قتل وتقطيع جثة خاشقجي.

لا أحد يستطيع ان يجابه العالم كله، وهو يتابع بصحافته وفضائياته وبمختلف لغات العالم، تفاصيل التسريبات المتتابعة عن الجريمة السعودية.

الجميع يتابع بصمت، بعد نحو عشرة أيام من التشكيك ومحاولات الدفاع المستميت والغبي عن (المنشار) محمد بن سلمان.

كان الدفاع عن آل سعود وجريمتهم مغامرة، لكن هناك مغامرون.

العقيد إبراهيم آل مرعي، كتب بغضب نافياً عن آل سعود قتل خاشقجي، وكال الشتائم والإهانات للضحية، يقول: خاشقجي لم يمثل تهديداً للأمن، وهو أقل شأنا من أن يكون كذلك. وأضاف بأن خاشقجي معجب بتنظيم القاعدة واستقر في أحضان الإخوان، وسلّم رقبته لمرشدهم؛ وهو فاسق قليل العقل. وزاد آل مرعي بأن خاشقجي محبّ للشهرة، سطحي التفكير، سهل التسيير، يؤخذ بالمديح، استخدمه الإخوان وقدموه للغرب كشخص معتدل، فحارب وطنه باسم حرية الرأي.

وواصل آل مرعي شتائمه، فقال ان خاشقجي: تجرّد من المهنية والمصداقية، وهو لم يمثّل قيمة فكرية، ولا يملك تأثيراً على الرأي العام السعودي، وفوق ذلك هو منحاز لأعداء المملكة، وتم توظيفه واستخدامه من قبل الأعداء. وختم بأن خاشقجي نقم من وطنه لفقدانه الوجاهة، وتولى مناصب لم يكن أهلاً لها، وأعطي فرصة تلو الأخرى!

موظف وزارة الداخلية الكبير محمد الهدلا يقول ان بلاده تعلمت من درس خاشقجي أن (قطر وبوقها الإعلامي هم عدونا الأول) والدرس الآخر (ان تجسس حكومة اردوغان على البعثات الدبلوماسية ـ في إشارة الى القنصلية السعودية ـ بات حقيقة).

نهلة العنبر تلقي بغضبها على الإخوان الخونة عليهم لعائن الله، ويتعاون معهم الاعلام التركي والقطري. وموظف الاستخبارات سعد بن عمر قلق من أزمة يتمنى ان يجنّب الله المهلكة وحكامها شرورها؛ وقال ان الأزمة تستدعي تنازلات، وينصح بالعودة الى الشعب، وإلغاء بعض القرارات.

عضوان الأحمري يؤكد ان بلاده لن تقبل الابتزاز والمساومة التركية، وأزعجه تصريح أردوغان بأن تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم الإسلامي. واعتبر الأحمري ذلك استغلالا رخيصاً.

العسكري علي التواتي انزعج ايضاً من تصريح اردوغان، فالزعامة بنظره للسعودية، ووصف التواتي اردوغان بالانتهازية مضيفاً: (لا والله لن تزيح بلاد الحرمين عن موقعها تحت أي ظرف من الظروف).

عثمان العمير صاحب ايلاف، امتدح سلمان، وفضّل الصمت عدا نقد وتعليق صغير على الوضع الإعلامي والسياسي السعودي البائس: (الخبر كالسيف اذا لم تسبقه سبقك وقتلك). واستبق الإعلامي المأجور نديم قطيش الأوضاع فمجّد اعتراف الرياض بجريمة قتل خاشقجي (قبل ان تعلنه) ما يؤكد انها دولة مؤسسات وليست نظاماً مارقاً، حسب زعمه.

الإعلامي الرسمي علي العلياني يقسم برأس أمّه أن محمد بن سلمان (أنقذنا وخلاّنا دولة لها عز واقتدار.. العبرة في النهايات). والشاعرة سحايب نجد (حنان حَكَمي) تقول ان كل المسلمين مع السعودية عدا أربعة ملايين تم تجنيسهم سعودياً لديهم عمى وصمم واصبحوا لسان الشيطان (لمجرد انهم لم يدافعوا عن جريمة المنشار).

الصحفي جمال بنون أراد حرف النقاش فقال ان القنصلية الإيرانية في إسطنبول وراء اختفاء خاشقجي. وحاولت ذبابة الكترونية باسم أبو الفوارس تسريب إشاعة ان ايران وراء خطف وقتل خاشقجي. ونواف الردعي جاءنا بتحليل عبقري يقول فيه ان خاشقجي قد قُتل قبل دخوله القنصلية، وان دم خاشقجي في رقبة قطر التي قطّعت جسد خاشقجي وادخلته الى القنصلية (لإلصاق التهم فينا).

عبدالعزيز السلمان فرح بعدم ثبوت التهم على آل سعود، ويقول انه ليست هناك صفقة سعودية تسعى اليها للتغطية؛ والمقيم في السويد جيري ماهر، الإعلامي الموظف لدى آل سعود وجدها فرصة لتوجيه النقد للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين عديمي الوفاء والحاقدين على المملكة.

اما الإعلامي عبداللطيف آل الشيخ، فكان يهمه الريتويت للذباب الالكتروني، وزيادة كمية الهياط: انت الكبير وكل شعبك بك كبار. يقصد ابن سلمان المنشار. يأتي هذا في سياق الهياط الذي تفردت به صحيفة عكاظ وكتابها: السعودية.. دولة لا تخضع؛ كما تقول هيلة المشوح أو ما كتبه احمد عوض: خاشقجي اختفى في تركيا، ما شأن السعودية؟.

حماد الشمري مستاء مما سماه مسرحية خاشقجي، ويقول محذراً بانها ستهوي بأبطالها ومخرجيها، حكام قطر وأذنابهم الإخوان. والنسوية فاطمة العيسى تخاطب من أسمتهم أعداء بلادها: (لن تحصدوا الا المزيد من الخيبات. السعودية فوق مستوى الشبهات). والدكتور الزهراني ينتظر بياناً سعودياً تركيا مشتركا يبرئ المنشار من قتل خاشقجي (ولكي نعيد المرتزقة الى جحورهم) لكن البيان لم يأتِ ولن يأتي.

وزير الاعلام السعودي، عواد العواد، المتهم بالتقصير في الدفاع عن آل سعود، قدّم تغريدة واحدة لا تحوي سوى الهياط: (المملكة شامخة، عصية على الأعداء، بقيادة حكيمة). وأحد أركان الذباب الالكتروني يرد على من يهدد المملكة بعقوبات: السعودية ليست إيران!.

تحت الضغط طُلب من رابطة العالم الإسلامي تأييداً، فقالت ان (استفزاز المملكة استفزازٌ لملياري مسلم). علّق احدهم على ذلك بأن آل سعود (اذا تضايقوا، قالوا نحن مليار مسلم. اما اذا تنفّهوا، قالوا: عرب الشمال، عساكم على هذا الحال وأردى).

اللاعب السابق سامي الجابر، غرد بشيء من الهياط مادحاً المنشار. والإعلامي الرسمي محمد العمر، يقول ان الغرض ليس الخاشقجي وانما (انهاء الدولة السعودية بأكملها. لسنا جمهورية موز يا قطر)! لماذا قطر وليس أمريكا؟! الصحفي محمد آل الشيخ مهووس بقطر، ويقول: (بعد قضية الخاشوقجي، أصبح صراعنا مع دويلة قطر صراعاً وجودياً: إما نحن أو هم). وكرر دعوته لحل مجلس التعاون الخليجي وتكوين آخر ليشمل فقط السعودية والبحرين والامارات.

من جانبه، هدد الصحفي منصور الخميس المخالفين: ساعات او أيام (وعندها سيتم تعليق الخراف من أرجلها وسلخها). ومادام ترامب قال ان مارقين وراء مقتل الخاشقجي، إذن لا يوجد مارق سوى الحمدين، يقول الخميس. ثم لا تنسوا هذه: (السعودية العظمى لا تكذب) وبالقطع فهي لا تستخدم المنشار. وينتفخ الخميس فيختم: (لن تجرؤ أي دولة على المساس بأمن وسيادة المملكة وسيتم كسر ذراعها).

 وجيء بالمغني محمد عبده ليتحدث عن نفسه وعائلته مدافعاً عن ابن سلمان ضد (الهجمات المغرضة التي تستهدف مملكتنا وقادتنا). والإعلامي محمد الملا يقول ان السعودية باقية وتهز منفردة اقتصاد العالم، وانها كالإله العظيم سبحانه: (وجدت يوم لم يكن لهم وجود، وستبقى يوم يزولون). والشيخ عادل الكلباني أضاف قليلاً من الهياط على ما هو موجود بعيدا عن مناقشة اصل القضية: (وطن يشق طريقه لا يلتفت الى أصوات الناعقين).

الدكتور احمد الفراج المدافع الصلب عن المنشار، فاستاء من وقوف السيناتور ليندسي غراهام صديق المملكة السابق ضدها في قضية خاشقجي. كما استاء من أصدقاء آل سعود من الصحفيين كتوماس فريدمان الذين يكتبون ظنون وتخرّصات من مصادر مشبوهة، وكل ذلك بسبب المال القذر كما يقول. وهل لدى احد مالاً قذراً اكثر من المنشار وعائلته؟!

الداعية السلطوي نايف العساكر، المقرب من مدير مكتب محمد بن سلمان بدر العساكر، يقسم بالباطل: (اقسم بالله العظيم. سيدفع خيّال المآته ـ يقصد حكام قطر ـ والأغبياء في قطر الثمن).

ونأتي الى تركي الحمد، فهو لم يصمت كما فعل كثيرون، وبينهم عبدالرحمن الراشد، ممن رأوا ان الدفاع عن آل سعود، يُذهبُ بسمعة من يقف معهم، وان الصمت أحجى.

تركي الحمد غير مصدق ان المنشار وراء مقتل خاشقجي مهما كانت المعلومات المسرّبة، وألقى بالتهمة على (عصابة الحمدين في الدوحة الذين يلعبون بالنار)؛ وسبب عدم تصديقه ان المنشار وراء قتل خاشقجي هو ان الطريقة غبية ساذجة، وبنظره آل سعود عباقرة لا يقومون بهكذا عملية مليئة بالأخطاء. ولم ينف الحمد انه يقف مع النظام رغم ماضيه المعارض وكان تبريره: (القضية قضية وطن لا قضية نظام حكم. لو سقط هذا الوطن لسقطنا). وقال ان مسرحية خاشقجي هدفها (تدمير الكيان) السعودي. وزعم الحمد بأنه يقوم بدعم النظام السعودي كما فعل القصيبي أيام حرب تحرير الكويت ١٩٩١.

رد عليه المعارض حمزة الحسن: (لا تغطي سوءتك بالمرحوم القصيبي. عيب. أمامك شخص تمدحه أعطى أوامر بالقتل وتقطيع الجثة. هذه هي الحقيقة، ولا علاقة لها بوطن ولا وطنية. متى كان الوقوف الى جانب الاستبداد والدموية وطنية؟ متى صار الوطن يُختزلُ في داشر دموي صبيّ غرّ؟ متى كان المثقف والمناضل والروائي تافهاً هكذا؟!).

وهنا انقضّ الحمد على المعارضين في لندن متهماً اياهم بالعمالة لإيران وإعادة التاريخ لحكم آل الرشيد، وأضاف: (عارض في بلدك كي يكون لك مصداقية). أي: عارض في الخارج ولكَ منشار!

واقتحمت سعاد الشمري الفضاء بتغريدة تقول ان من يسافر لتركيا عميل او احمق، واذا ما قُتل كخاشقجي فغير مأسوف عليه. وبالمقابل قالت بأن السفر الى تل أبيب أكثر أماناً!

مقابل آراء الكتاب الموالين المكتومين بحقائق الجريمة البشعة التي قام بها المنشار ابن سلمان، هناك آراء أخرى لمواطنين ومعارضين وأجانب.

المحامي في المنفى إسحاق الجيزاني يرى أن لا مخرج لآل سعود من الأزمة، ولا يمكنهم إبعاد أنفسهم عن المسؤولية المباشرة في الجريمة. لا يستطيع العسكري ان يسافر الا بإذن فكيف بأن يقتل. ابن سلمان هو المسؤول الأول والمباشر عن قتل خاشقجي. وبالنسبة للناشط في المنفى عادل السعيد، فإن المنشار ابن سلمان ليس فقط متورط في قتل خاشقجي، بل هو ايضاً متورط في قتل أطفال، وفي السعي لقتل آخرين. وتساءل: اذا كانت الرياض قد فعلت ما فعلته بخاشقجي وهو شخصية مشهورة وفي الخارج، فما هو مقدار الاجرام الذي ترتكبه بحق المعتقلين في السجون السعودية؟

ويحذر معارض: ان لم يسقط النظام السلماني فلن يخلوَ بيت في الخليج من جنازة.

البروفيسورة مضاوي الرشيد تقول انه لن ينفع ترامب تلبيس تهمة قتل خاشقجي للفريق المارق الذي تلقى الأوامر من فوق. لن يحصل النظام السعودي على صك براءة. وتعتقد مضاوي بأن تصفية خاشقجي ليست رسالة موجهة للمعارضين بل للقريبين من النظام الذين قد تأتيهم صحوة ضمير متأخرة. وتنصح: لا تقترب كثيراً لأنك ستحترق بنار النظام.

وفي حين توقع المعارض في المنفى سعود السبعاني ان يتم تلبيس التهمة للقنصل محمد العتيبي، يقول المعارض الدكتور فؤاد إبراهيم انه لا يمكن الثقة في أي رواية رسمية، مصداقية دولة على المحك. أي تقرير لا يحمل المنشار المسؤولية لا قيمة له (ففي المملكة الشمولية لا يتصرف أحد من رأسه، فكيف بجريمة على هذا المستوى؟).

وتوقع المعارض الدكتور حمزة الحسن ان تطيح ازمة خاشقجي برؤوس كثيرة في وزارات الداخلية والاعلام والخارجية وفي جهازي المباحث والمخابرات. كما توقع ان تشهد السياسة الخارجية السعودية جموداً وليس تغوّلاً كما هو اليوم. لكن الحسن لا يتوقع ان تكسر جريمة قتل الخاشقجي العمود الفقري للملك سلمان وابنه واجبار المنشار على التخلي عن ولاية العهد. ما سيحدث بنظره، مجرد (مراجعة جزئية) وارتداد على الذات وتخفيف من العنتريات. وعليه فإن اقصى ما يتمناه المنشار هو تخفيف الحكم عليه وليس إلغاءه. ما يتمناه هو ان لا ينهار البناء الأمريكي على رأسه.

المعارض في كندا، عمر عبدالعزيز الزهراني، الذي اعتقلت السلطات والدته واخويه واصدقاءه للضغط عليه، قال بأن من قتل جمال هو من حاول استدراجه من المخابرات السعودية ليذهب الى السفارة السعودية في كندا ليفعل ذات الشيء. والمعارض الدكتور عبدالله الشمري، يرى ان ما جرى حتى الآن لابن سلمان هو جزاء من جنس العمل، وان الله يقتص لأطفال اليمن الذين ذهبوا ضحية الإرهاب السعودي. وأضاف ان زوال ال سعود حتمي. ويعتقد بدر بن طلال الرشيد، ان الحملة الإعلامية العالمية ضد المنشار ـ والتي وصفها بالمباركة ـ ليست موجهة ضد الشعب المسعود، وانما الى مملكة الإرهاب بقيادة ابن سلمان (ردع خِبْلْ الدرعيّة واجب على كل انسان يحترم انسانيته).

من جانبه، فإن الاخواني المعارض في المنفى الدكتور سعيد الغامدي، ينتقد مناصري الظالم المنشار الذي أوبقته أعماله الرديئة، ويسأل: كيف يكون حال المدافعين عن الظلم السعودي فيما لو أعلنت الرياض اعترافها بقتل خاشقجي؟ وخلص انه اذا أفلت المسؤول عن قتل خاشقجي (أي الداشر المنشار) فسيكون من في السجون عرضة للخطر المباشر من نوعية المنشار الأجرب، على وزن (السيف الأجرب) الذي جاء بآل سعود الى الحكم.

اتسع الخرق على الراقع، يقول الحقوقي في المنفى علي الدبيسي. فكل ما ستقوله الرياض وتعترف به في مقتل جمال سيورطها أكثر ويثبت بلاهة ودموية حكامها. ورأى أنه قد اتيحت لقضية خاشقجي اهتماماً دولياً اما في الداخل فهناك المئات من قضايا القتل لم يسمع العالم بها.

وثبّت الدبيسي أسماء العديد من ضحايا سجون المنشار؛ وبعضهم بلا خلفية سياسية اصلاً وكبار سن؛ وبعضهم مات بسبب الإهمال الطبي المتعمد؛ وبعضهم تحت التعذيب الشديد؛ وبعضهم قال الجلاوزة انه انتحر داخل السجن؛ وبعضهم أطفال كانوا يشاهدون تفحيط السيارات في الشارع، قتلوا بالرصاص في وضح النهار.

الإعلامي حسام يحيا، قال بحق، أن السعودية ارادت كسر قلم واحد (شبه معارض) فكسبت كاميرات وأقلام العالم كأعداء. والإعلامي يحي حرب يرى ان جريمة الاغتيال ستبقى سيفاً مصلتاً على رقاب آل سعود، وأي سيناريو يستهدف تبرئة ابن سلمان لن يحظى بالمصداقية. وأضاف: لن يكون سهلاً على ترامب لفلفة جريمة الاغتيال، لأنها قضية كبيرة وجريمة مكتملة الأركان، وتحولت الى رأي عام وقضية أمريكية داخلية. وعليه سيكون من السخف اقناع الرأي العام بأن مارقين قاموا باغتيال خاشقجي. لكن حرب يرى أن اردوغان الذي يمتلك اكثر أوراق اللعبة بقدر ما يعطيه ذلك من قوة فإنه يعتبر ايضاً نقطة ضعف ان اساء استخدامها.

ووصف الاكاديمي التونسي أبو يعرب المرزوقي خاشقجي بأنه (بوعزيزي الخليج). وعضو الكونغرس جيري كونوللي يخاطب ترامب بان لا يستخدم خاشقجي كخروف تضحية من اجل ان توفر له البقرة السعودية المال. ومثل ذلك يفعل نهاد عوض صديق خاشقجي: لا تضع المال فوق المبادئ. كيف يمكن للجاني ان يشارك في التحقيق في جريمته؟ لكن كما يقول علي السند: تعودنا ان المسؤولين لا يتحملون المسؤولية عن أي خطأ، فالإنجاز مهما كان صغيراً فبفضلهم؛ والخطأ مهما كان كبيراً فبغيرهم!

تألمت خديجة بن قنّة من تدخلات المصالح والسياسة في قضية مقتل خاشقجي فقالت: (تفرّق دمه بين المصالح). وقال آخر: أصبحت دولة إقليمية كبرى كالسعودية اضحوكة. هذا مصير كل وضيع يضع نفسه بيد أمريكا.

جون برينان، مدير السي آي ايه السابق، وصديق محمد بن نايف، يثبت ان مقتل خاشقجي بأوامر ابن سلمان صديق البيت الأبيض، ويروج لعودة صديقه القديم الى الحكم. اما اليمني محمد المقالح، فهو مستمتع بمشهد جلد المنشار، ويرى أن المشكلة ليست في ضعف الإعلام السعودي، وانما في هشاشة قضيته التي يدافع عنها وتهافت حجته.

في حرب الأعصاب القائمة، وجد الاعلام السعودي نفسه مصفّدا لا يستطيع الرد. هذا يعود الى ان الاسرة الحاكمة غير قادرة على توجيه اعلامها وذبابها بما عليهم ان يفعلوه، فهي أيضا صمتت، وارتد الأمر الى اتهام الاعلام بالتقصير، وكأن المشكلة مجرد حرب او معركة إعلامية فاشلة. وظهر تشاتم وتهديد لمن لا يدعم آل سعود من مشاهير التواصل الاجتماعي، حيث لا رغبة لأحد في الدفاع عن جريمة واضحة المعالم. وطفق الذباب الالكتروني يعلن نصراً وانه الوحيد الذي يدافع عن النظام.

الكاتب سلطان العامر يتحدث عن جيش الذباب فيقول ان اعضاءه يعيشون عالمهم ويتصورون السعودية دولة عظمى يدافعون عنها بيوزرات وهمية: (المشكلة ان التحشيش ما ينتهي هنا، بل هم يهنؤون انفسهم انهم انتصروا).

شيخ ذباب اسمه مشعل الخالدي، يسخر من الاعلام الرسمي الذي يهاجم الوطنيين أمثاله من الذباب ويقول انه حطم المواهب واستغل موارد الدولة. ورأى ان اكبر خطر يواجه الدولة (اعلامي) وان اعلام آل سعود (مازال يُدار بين الأفخاذ والنحور).

ويسأل بخيت الزهراني: هل تعيش قناة العربية على كوكبنا؟

من هنا رشح، الدكتورعلي التواتي عبدالرحمن الراشد بأن يعود ليتولى قناة العربية والحدث ويواجه المصيبة.

شيخ ذباب اتهم عدداً من المشاهير، بالجبن واللاوطنية، وقال ان من العار متابعة الملايين لأمثال هؤلاء الأعداء الذين لا يدافعون عن وطنهم.

الغوا متابعة أعداء الوطن يقول اعلامي رسمي.

احد هؤلاء المشاهير ـ محمد العريفي ـ لم يدافع بما فيه الكفاية، وهو مشغول في الإجابة على سؤال: هل يجوز ان يكذب الزوج على زوجته؟! نعم يجوز! وأيضاً يجوز تقطيع الخاشقجي بالمنشار!

ومنصور الخميس له رسالة للمشاهير تقول: لا بارك الله فيكم ولا في شهرتكم!

هم مشاهير الفلس، هم مثل هاتف العملة.

أمير وشيخ ذباب هو خالد بن سعود: يؤكد ان العرب حاقدون على السعودية. ولكنهم سيهزمون جميعاً ويولون الدُّبُر. ويضيف: لماذا تزعلون من قناة العربية، فهي مشغولة بأزمة نفايات لبنان وعمليات تجميل الفنانات! يقول ذلك ساخراً. ويقسم: والله لولا المغردين لخسرنا المعركة الالكترونية. قنواتنا متوفاة دماغياً.

الأخطر كتب الأمير خالد مهددا: (عزيز المشهور المستحمَر: سالفة انك ساكت عشانك ما تحب السياسة، هذي ماراح تمشي علينا. احنا ما طلبنا منك تشارك في انتخابات. افهم يا بهيمة اننا في معركة وجودية.... لا بوكم لا بو من جمعكم). وختم: افضحوهم.. صمتوا صمت القبور، شاهت الوجوه.

امير آخر يخاطب المنشار: شيخنا سير بنا! ويفتخر: السعودية نفسها طويل! الغرب يتعلم منها ذلك! وزاد: الصامتون عبيد المال؛ وسأل: هل تحتاجون مقابل مادي للدفاع عن الوطن؟ وواجه المشاهير احدهم بانه حسب النظام الأساسي: الدفاع عن الوطن واجب على كل مواطن!

(بعدين: انت ياللي تنبح، شايفينك)! وهذا تهديد على المكشوف من مباحث النظام. فيما صرخ آخر: (عرّوهم

لابوهم لابو من جمعهم، السَّلَقْ).

وهذا كبير ضباط الداخلية، فايز الشهري، يخاطب جيش المباحث في تويتر: (أبناء وطني: لا تنسوا وجوه الخصوم، واحفظوا أسماء الخونة جيداً). أما الإعلامي فهد عافت فرأى تحفيز الحس الوطني بلغة راقية: (قف مع وطنك، بيتك، اهلك، حكومتك، مليكك، واركلهم بقدمك، وبعد ان تركلهم اغتسل، فهم نجاسة)! وهنا قفز الصحفي ادريس الدريس، وخاطب من أسماهم بالوطنيين، بأن لا يشككوا في كل أحد، وأن (التهديد يطالنا جميعا، ليس هذا وقت التجزئة). قال ذلك وكتب مقالة بعنوان: (قميص خاشقجي)!

ذبابة الكترونية أخرى (باسم ياسر الفيصل) تؤكد على وجود حملة ضد المملكة، وأن (الحياد والوطن مستهدف. خيانة أي مشهور لا يدافع عن وطنه عقابها منعه من المشاركة في الاعلام، ويستحق ان يُرمى في سجن الحائر).

(٤٠) فهد الخالدي يقول: اعلامنا غائب او مُغيّب ولم يكن ندا للاعلام المعادي (ولولا الله ثم المغردين الأوفياء لما تحرك اعلامنا على استحياء). وهدد الداعية السلطوي نايف العساكر بتوجيه صفعة قوية ينتظرها تميم واعلامه، فلينتظر!

محمد السمان يخاطب الذباب الالكتروني: هلمّوا فهذه حسابات أعضاء الكونغرس تواصلوا معها بالانجليزي دفاعا عن ولي امركم (المنشار). وخطب علي المالكي: تجاهلوا (سرابيت الشهرة، شلّ الله أركانهم).

الصحفي هاني الظاهري الذي رد على السيناتور غراهام الذي طالب بتغيير محمد بن سلمان، ان شتم امه ووصفها بالعاهرة، ووصف امير قطر بالصغير، والجزيرة بقناة الصرف الصحي.

وهبط الذباب اكثر، كتب احدهم عن خطيبة جمال خاشقجي التالي: (بصفتي انسان ونيابة عن البشرية، اول ما تنتهي قضية خاشقجي، أُطالب بتفسيخ هالمسخ، للتأكد إنها بشر مثلنا. يلعن أمها، ذي جنسها غريب. انا أتوقع عندها ذيل وأصلها كنغر).

مع هذا تزعم موظفة قناة العربية (أحلام يعقوب) ان الرياض راقية واعلامها راق. تقول: (ما أرقى حكومتنا، وما أرقى إعلامنا، لم يقل احدهم كلمة سوء بحق جمال خاشقجي)!

وصلت رسالة الذباب التشهيرية بالاعلاميين والمشاهير الى الإعلامية في الخارج ايمان الحمود فردّت: (اطلب مني ان أقف مع وطني ضد عدو وطني. ولا تطلب مني ان اقف مع وطني ضد ابن وطني، فبدوننا معاً لن يبقى الوطن).

وبسبب التخبط، وغياب التوجيه، وخسارة الرأي العام، لم يدرِ عضو شورى ما يقول، فكتب بان الوطن لكي يكون قوياً فعليك أيها المواطن ان تحرص على بناء جسمك بالرياضة وعقلك بالقراءة! ما فائدة هذا في قضية خاشقجي؟!

لكن خلافاً للتيار، قال الإعلامي طراد الأسمري: رجاءً الهدوء. لا تشككوا في الاعلام السعودي. اعلامنا هو نحن. هو جزء منا، التشكيك فيه تشكيك في انفسنا!

لكن الإعلامي احمد عدنان اعترف: الاعلام السعودي في حالة يرثى لها. اعلام خصومنا اقوى منا. اعلامنا يحتاج المعلومة الصادقة وحرية ذات سقف مرتفع. الانشاء لا فائدة منه. وفي نفس الاتجاه قال محمد البريكي يقول: (الاعلام السعودي المرئي والمقروء ـ سياسيا واجتماعياً وحتى رياضياً ـ بحاجة الى إعادة تاهيل. هو اعلام سطحي، يتصدّره التافهون. يضرّ البلد بدل ان يخدمها).

في النهاية..

مشكلة ما بعد تقطيع خاشقجي هي الإجابة على سؤال ما اذا كانت الجريمة ستطيح بفاعلها المنشار أم لا؟ وما هي التداعيات على حرب اليمن والمواجهة مع قطر، وسياسات القمع الداخلي؟ هذه هي القضية الآن.



الصفحة السابقة