(١١)
ماذا عن تداعيات الجريمة داخلياً؟
ماذا عن الشعب السعودي، او المسعود؟ أليس لديه كلمة
او موقف في هذا الظرف العصيب، ليس على آل سعود فحسب، بل
على البلاد وشعبها أيضاً؟
لا شك أن انكشاف جريمة قتل خاشقجي، قد فضحت الحكم السعودي،
وهبطت بأسهم آل سعود، وبالخصوص محمد بن سلمان الى الحضيض.
كانت هزّة أصابت الجميع، حتى المؤيدين، الذين انكفأ
الكثير منهم ـ وبينهم كتاب مشهورون ـ عن الكتابة، واعتزلوا
مواقع التواصل الاجتماعي، او لم يعودوا يكتبون شيئاً او
يعلقون على أي حدث.
وقد حاولت السلطة ومباحثها وذبابها الالكتروني تحفيز
الحس الوطني للدفاع عن (الوطن = محمد بن سلمان)، ولكن
دون فائدة كبيرة، حتى بين المشاهير الذين تعرضوا بالاسم
الى هجمة حادة تتهمهم بالخيانة لأنهم لم يقفوا مع الوطن،
ولم يتحدثوا عن براءة آل سعود من دم الخاشقجي. ولم تخف
التهديدات العلنية على وسائل التواصل الاجتماعي، الا بعد
ان استجاب بعضهم، والا بعد أن أعلنت السلطة السعودية نفسها
عن اعترافها الصريح بقتل خاشقجي في قنصليتها في إسطنبول.
حتى مشايخ السلطة نفسها، فقد تفاجأت الأخيرة بضعف حماس
أكثرهم في الدفاع عنها. وكان كتبتها يتحدثون عن خيانة
متعددة الجوانب للوطن، وظهر آخرون يتحدثون عن (فشل الاعلام
السعودي) في الدفاع عن آل سعود ومملكتهم.
ماذا يعني هذا؟
هذا يعني ابتداءً ان شرعية النظام السعودي خلال السنوات
الأربع الماضية، وهي سنوات العهد السلماني، قد تراجعت
بشكل كبير.
وأسبابها ليست الخاشقجي ومقتله، وانما هذا واحد من
الأسباب. هناك أسباب اقتصادية بسبب الضرائب وانهاك المواطنين
بها. وهناك أسباب سياسية وأمنية، حيث القمع المستطير لكل
أصحاب الرأي، وهناك الفشل الاقتصادي والجمود السياسي.
لم يكن المواطن قادراً على ابداء رأي مخالف وهو يرى
انحدار المنشار محمد بن سلمان بنفسه وبالدولة وبالمواطنين.
وأصحاب الرأي غير المعتقلين فضلوا الصمت (ما وسعهم) رغم
ملاحقاتهم من قبل سعود القحطاني وزبانيته من الذباب الالكتروني.
لهذا لا يجب ان يتوقع احد ان يظهر صوت من المواطنين.
ويفترض أيضاً ان لا يعوّل الملك سلمان وابنه المجرم
على دعم شعبي يقف معهما في أزمتهما الحالية.
ومادام النظام قد شعر بالإهتزاز، وأن ليس لديه من نصير،
وفي ضوء ان الملك يريد الإبقاء على ابنه في منصبه، ومواجهة
بعض الضغوطات الخارجية والمطالب الطويلة من دول استعمارية
كبرى حليفة له.. فليس أمامه الا التراجع أمام الشعب ولو
قليلاً.
نقول تراجع نسبي. فالنظام لا يفكر في إعطاء وعود بإصلاحات
سياسية، وما أكثر وعود الملوك السابقين التي لم تطبق،
اللهم الا على النحو الذي وعد به الملك فهد بعيد ازمة
احتلال الكويت، بأن وضع مجلس شورى معيّناً.
لا يتوقع ان يكون هناك اصلاح سياسي بهذا المعنى.
ولكن ما هو متاح للنظام وما يتوقعه الباحثون أن يقوم
به، هو سياسات تقليدية، من بينها:
استمالة الشعب من خلال عطاءات او تخفيف الضرائب. وقد
أعلن الملك اعادته للعلاوة السنوية لموظفي الدولة، ولكنها
لم تحدث الأثر المطلوب، كونها أمراً تافهاً. كما سبق وأن
اعلن ابن سلمان نفسه في لقائه الأخير مع بلومبيرغ انه
لن يفرض ضرائب جديدة حتى سنة ٢٠٣٠.
وحتى لو صدق في هذا، فهو أمرٌ غير مرضٍ البتة.
تخفيف وطأة القمع، باطلاق سراح معتقلي الرأي، وإلغاء
أحكام الإعدام المتزايدة. فهذا لو حدث سيكون مؤشراً على
تغيّر في (النهج السلماني العقيم). هناك من يتوقع ان يتم
اطلاق سراح بعض المعتقلين غير الخطرين، كالنساء اللاتي
طالبن بقيادة السيارة، ثم وضعهن المنشار في السجن بلا
مبرر، ما قلب الأمور في غير منفعته الآنية والمستقبلية.
كما يتوقع البعض الغاء احكام الإعدام او معظمها، وتخفيف
الحكم، واطلاق اعداد من المعتقلين، بحيث يُحدث ذلك اثراً
شعبياً يداوي بعض جراح الشعب. هذا يعني أيضاً، أن سياسة
القمع والاعدام والتشويه والمنع من السفر، يفترض ان تتوقف
او يتم التخفّف منها الى حدود بعيدة، والا فإن التوتر
الذي عاشته البلاد منذ وصول سلمان الى السلطة سيستمر.
وان حالة طلاق المجتمع مع آل سعود ستتعمد اكثر فأكثر.
يتوقع ان يسترضي النظام العائلة المالكة، بالتأكيد
على ان الهدف الأكبر هو حماية (مُلكْ آل سعود) في مواجهة
الأزمات الخارجية. هذا لن يتأتّى الا بتغيير منهجي ومشاركة
أوسع في السلطة بين الأمراء. ربما يتم اطلاق سراح بعض
الأمراء، وعودة بعض المنفيين منهم، ومحاولة القيام بمصالحة
من نوع ما.
مشايخ الوهابية، والوهابية نفسها كأيديولوجية، يتوقع
ان يُعاد اليها بعض الاعتبار، وكذلك للمشايخ ـ خاصة أعضاء
هيئة كبار العلماء ـ الذين تم تهميشهم واخراسهم. استرضاء
المشايخ لن يتم الا بتعديل بعض السياسات التي يقوم بها
ابن سلمان نفسه، والتي يعدونها تغريبية. اما المشايخ انفسهم
فلازال ولاؤهم للنظام، وأما سخطهم فهو مؤقت، ويستطيع الملك
سلمان النجاح في هذا الشأن وجلبهم اكثر الى جانبه، وإن
كانت قيمتهم بشكل عام قد تضاءلت، نظراً لما تعرضوا له
من حملات إعلامية، ولأن أكثرية الشعب تنظر اليهم كأدوات
رخيصة يستخدمها النظام متى شاء.
وكما توقع كثيرون، فإن سلمان وابنه وجدا كبش فداء،
وفي مقدمة الأكباش: سعود القحطاني، المستشار برتبة وزير،
ونائب رئيس الاستخبارات احمد عسيري. ومتوقع ان تتم اقالة
آخرين في وزارة الاعلام والخارجية (الملحق العسكري والقنصل
محمد العتيبي في تركيا) وغيرهم، وتحميلهم الفترة السوداء
المكارثية السلمانية الماضية.
لكن المهم والمتوقع هو: انحسار دور الذباب الالكتروني
الذي جلب لآل سعود بزعامة سعود القحطاني مشاكل كثيرة،
وجعل الرأي العام العربي والإسلامي ينفر من آل سعود، بسبب
قذارة هذا الذباب وما ينشره على مواقع التواصل. ويبدو
ان هناك رغبة شعبية كبيرة للتخلص من اكثر الذباب المجندين
بالمال للدفاع عن النظام الكترونيا، وذلك على أمل توسعة
هامش حرية التعبير للصحفيين المحليين وهم في معظمهم مع
النظام، ورغم هذا لم يسلموا من القحطاني وذبابه. قد تشهد
الفترة القادمة شيئاً من توسعة مساحة التعبير وتخفيفاً
من وطأة الذباب ومشايخ الذباب!
وختاماً لهذا الملف.. فإن جريمة قتل المرحوم خاشقجي،
قد جاءت صاعقة للنظام في آثارها ونتائجها، وهو لم يحسب
لها حساباً. وتوضّح ان دم خاشقجي، ودماء الشهداء، ودعوات
المعتقلين وعوائلهم، وما صنعه سلمان وابنه في اليمن وغيرها
قد جاءت بنتيجة طيبة لعملية جبانة سيئة.
لقد قدّر الله ان يفضح آل سعود المجرمين، وهو القادر
على إنهاء شرورهم الى الأبد، وأن يقتصّ منهم عبر أقرب
المقربين اليهم: حماتهم الغربيين.
ان بطش ربك لشديد، فله الحمد أولاً وآخراً، وإنا لله
وإنا اليه راجعون!
|