(٨)

ماذا يريد أردوغان أن يجني من الجريمة؟

أطاحت الرياض بمشروع أردوغان عبر (الثورات المضادّة) ونجحت حين وجهت ضربة قاصمة لذلك المشروع حين تمت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عبر انقلاب السيسي. منذئذ، وأردوغان يرفل بالهزيمة على مستوى الشرق الأوسط بأكمله. الى أن جاءت الفرصة المناسبة الآن، من الخصم نفسه.

 
اردوغان: تركيا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع قيادة العالم الإسلامي!

يمكن القول بأن إدارة أردوغان لملف مقتل خاشقجي، يحوي شيئاً من الإنتقام من آل سعود وآل نهيان.

ويمكن القول أيضاً أن أردوغان بدأ باستعادة بعض الأنفاس ليكون هو زعيم العالم الإسلامي، وتركيا زعيمة العالم الإسلامي.

في الحقيقة هو قال ذلك بنفسه يوم ١٥ أكتوبر الجاري، حين صرح في خضم أزمة خاشقجي، بأن تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم الإسلامي (بعضهم ترجمها: لريادة العالم الإسلامي).

ما يريده أردوغان هو التالي:

١/ إضعاف الحكم السعودي، وخصوصاً محمد بن سلمان، ليس فقط انتقاماً لمشاريعه السيئة التي أدت الى اضطراب غير مسبوق في المنطقة؛ ولكن لعلمه مسبقاً بأن نفوذ تركيا في محيطها الشرق اوسطي، وفي العالمين العربي والإسلامي، يعتمد أساساً على ضعف الحكم السعودية. وأزمة خاشقجي، تفتح الطريق من جديد لذلك.

٢/ إعادة مكانة تركيا كنقطة ارتكاز وقيادة للشرق الأوسط، وهو ما لم يرده الأوروبيون والأمريكيون. ومن شأن استثمار اردوغان لجريمة مقتل خاشقجي، واضعاف الحكم السعودي، ان لا يجد الغرب أحداً آخر يمكن التعاطي معه في استقرار المنطقة سواه، وسيقبل به مكرهاً؛ إذ لا بديل في المنطقة عنه. فلا مصر السيسي ولا صهاينة إسرائيل يمكن أن يأخذوا موقع أردوغان. وفضلاً عن ذلك، فإن ما يزعج الغرب هو أن إيران ليس فقط تؤيد دوراً تركياً ريادياً في المنطقة، بل تشجّعه بأقصى ما لديها من طاقة!

 
روحاني.. مع زعامة تركية رائدة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي

٣/ يريد أردوغان تعزيز موقعه الداخلي مقابل المعارضة، خاصة بعد ان انفصل الحزب القومي المتشدد عن تحالفه على خلفية التعاطي مع قضية خاشقجي. أردوغان يريد ان يكون حقاً سلطاناً عثمانياً حديثاً، يجمع بين القومية التركية كهوية جامعة، وبين الإسلامية باعتباره يمثل حزباً دينياً. ولهذا، فإن زعامة أردوغان الشخص مهمّة في تتبع وتحليل الموقف الذي يتخذه إزاء تصفية خاشقجي.

٤/ يريد أردوغان من أمريكا عدّة أمور سريعة: اطلاق يده في شمال سوريا، والقضاء على حلم الأكراد بدولة تنتقل عدواها الى الداخل التركي. ويريد (غضّ نظر) عن تعاملاته التجارية مع ايران، بحيث لا تشمله عقوبات واشنطن الجديدة. ويريد فوق هذا، الغاء الضرائب والعقوبات التي اتخذتها إدارة ترامب، ما أدى الى زعزعة الاقتصاد التركي والليرة التركية.

٥/ يريد أردوغان حماية نفوذه ونفوذ حلفائه في المنطقة. تحديداً هو يريد إنهاء السعودية لحصار قطر، فذلك مكسب كبيرٌ له. ويريد فيما لو تطورت الأمور، اطلاق سراح سجناء الإخوان من أكثر من بلد عربي بما فيها السعودية، لإعادة الإعتبار له بينهم، خاصة بعد مواقفه التي رأى فيها كثيرون انها ضعيفة امام محنة الإخوان في مصر، وكذلك حلفاءه في سوريا.

حتى الآن.. لم يحصل اردوغان على ما يريد من السعوديين.

كل ما فعله آل سعود عبر رئيس وفدهم الأمني/ السياسي: الأمير خالد الفيصل، هو وعد بدعم مالي كبير، وبعض العروض الاقتصادية الأخرى، الى جانب انهاء الأزمة مستقبلاً مع قطر.

هذا لم يكن مغرياً كثيراً، بالنظر الى ارتفاع الكلفة والخسارة على اردوغان إن هو سعى الى صفقة على حساب دم خاشقجي. وكلما تقدّم الوقت، صارت الصفقة السياسية مع الرياض وواشنطن أكثر تعقيداً وصعوبة، وأقلّ احتمالاً في الوقوع.

أيضاً، يبدو أن إدارة ترامب لم تقدم عروضاً ذات قيمة لأردوغان، رغم أن الأخير تخلّص من ورقة القس الجاسوس برونسون، وأطلق سراحه، وهي الحجّة التي بسببها صعّد ترامب وادارته النكير والعقوبات على تركيا.

الصفحة السابقة