(٣)

لماذا إسطنبول وليس واشنطن؟

حسن..

قرر ابن سلمان إخماد صوت جمال خاشقجي الى الأبد. وهو الأمر الذي رحب به أمراء وذباب الكتروني وصحفيون موالون.. شتموا وشمتوا بمجرد ان تناهى الى سمعهم خبر مقتله او اختفائه، بل وعمدوا الى تهديد بقية المعارضين المسعودين المقيمين في الخارج بشكل علني وبأسمائهم الصريحة.

 
اختيار إسطنبول كان أفضل خيارات المخابرات السعودية
 
ماهر المطرب، قائد عملية التصفية،
كان مسؤول استخبارات السفارة بلندن وتم طرده بتهمة التجسس
 
ناصر السعيد.. اختطف وقتل!
 
أمراء معارضون اختطفوا من أوروبا في العهد السلماني!

السؤال الذي يتكرر بغرض الاستفهام، او بغرض التعمية وإبعاد الشبهة عن آل سعود هو: لماذا تم اختطاف او اغتيال أو اختفاء أو قتل وتقطيع جمال خاشقجي في قنصلية إسطنبول، وليس في غيرها؟

ثلاثة أماكن رئيسية كان يتنقّل بينها خاشقجي: أمريكا وبريطانيا وتركيا.

وحتى لا نُطيل: الرياض لا تقتل معارضيها في واشنطن أو في لندن. سبق ان اختطفت أمراء من عواصم أوروبية أخرى (سويسرا مثلاً) وهناك دعوى قائمة بسبب اختطاف الأمير سلطان بن تركي.

لندن وواشنطن محرّمتان على آل سعود. هم يعلمون ذلك. ولكن لا يعني ان المخابرات السعودية ستتقيّد بذلك تماماً. هذا غير مضمون. لكن هناك اتفاق بين أجهزة مخابرات هذين البلدين مع السعودي، وأن لا تقوم بأعمال مخالفة بدون التنسيق المسبق. وقد حدث أن طردت بريطانيا مسؤول الاستخبارات في السفارة السعودية، لأنه اعتمد على شرطي بريطاني للحصول على معلومات عن معارضين سعوديين، كما سبق لها أن طردت آخرين يحملون الصفة الدبلوماسية.

لكن الى الآن، يعلم سلمان وابنه بأن اختطاف خاشقجي في واشنطن او لندن، أمرٌ متعذّر، وفضيحة غير قابلة للتغطية او التبرير.

ولنا أن نتخيّل، مجرد تخيّل، لو أن ما حدث لجمال خاشقجي، حدث في سفارة السعودية بلندن، او واشنطن، كيف ستكون ردود الفعل، وحجم الفضيحة، وعُظم الخسائر السياسية، وكيف تتوتر العلاقات بين الرياض وحليفاتها اللاتي للتوّ لم تفرغ من قضية سكريبال الروسي في سالزبوري ببريطانيا؛ وواشنطن التي لم تنس حتى الآن جريمة ٩/١١، وقانون جاستا لازال سيفاً مصلتاً على رقاب آل سعود.

نعم.. لو كان خاشقجي ذاهباً لدولة عربية كلبنان او مصر او حتى المغرب وتونس.. إذن لكان ذلك أفضل، ولكان من الممكن خطفه بسهولة.

ولقد خطفت الرياض ناصر السعيد من بيروت في ديسمبر ١٩٧٩، ولم تعترف بذلك، ولازالت قضيته مفتوحة على الجدل والنقاش بعد نحو ثلاثة عقود.

وسبق للرياض ان اختطفت المعارض السعودي أحمد المغسل من بيروت العام الماضي، وأعلنت ذلك على الأشهاد، وقالت انه مطلوب لديها. ولم يتنفّس أحد!

واغتالت الرياض رئيس حزب الأمة السعودي الشيخ محمد المفرح وهو في إسطنبول ايضاً. اغتالته بالسمّ عام ٢٠١٥، وانتهى الأمر الى صمت مطبق، اللهم الا من صديقه الكويتي الدكتور حاكم المطيري الذي فضح الأمر علناً، فتحركت السفارة السعودية في الكويت، واذا بحاكم المطيري يُستدعى للتحقيق والتهديد.

الخيار بين إسطنبول ولندن وواشنطن، يفيد بأن الخيار الأول هو الأفضل، سواء من جهة سهولة التنفيذ في القتل، او التغطية عليه، او السيطرة على تداعياته.

ففي أفضل الحالات ستقطع العلاقات مع تركيا، وهذا أمرٌ لم يكن الأمراء السعوديون يعيرونه بالاً.

لهذا كله.. فإن القول بأن الرياض لو أرادت اغتيال خاشقجي لفعلت ذلك في واشنطن او لندن، كما يزعم تركي الحمد، ليس صحيحاً وليس دقيقاً البتة.

الحقيقة انها لم تجد أفضل من إسطنبول (ضمن الخيارات المتاحة لجهاز الاستخبارات السعودي).

الصفحة السابقة