|
لم يعد محمد بن سلمان مهتما اليوم بكل ما يمكن ان يقال عن سياساته، وتناقضاتها، والتراجع المستمر في مواقفه، والكذب الصريح في كل ما يعلنه عن اغتيال خاشقجي... فكل همه ان يستطيع النجاة وانقاذ حياته السياسية.. فلطالما منّى نفسه بحكم السعودية خمسين عاما، لم تبدأ رسمياً بعد، وأنه قدر لا يمكن أن يمنعه من الحكم كل تلك الفترة إلا (الموت) الجسدي.. فكيف سيقبل ابن سلمان الآن.. السقوط بعد اقل من ثلاث سنوات على حافة الكرسي الذي يحلم به؟. |
الإعلامية السعودية العاملة في راديو مونت كارلو ايمان الحمود، علقت على تبريرات اختطاف خاشقجي فقالت: (لا فائدة تُرجى من التبرير. مرحباً بكم في السجن الأوسط الكبير)؛ وعلقت على كلام عادل الجبير الموجه لكندا: (لسنا جمهورية موز) فقالت: (إننا أوهن من الموز نفسه عندما يتعلق الأمر بكلمة).
المعارض السعودي الإخواني المقيم في تركيا أحمد بن راشد بن سعَيِّدْ، والذي كان ينتقد الخاشقجي، أبدى تعاطفه معه في أزمته، وأضاف: (عُدْ يا جمال، فنحن بالتنوّع نحيا، وبالإقصاء نضيع ونصبح فريسةً للذئاب). رد عليه صحفي النظام محمد آل الشيخ: (علّمْ نفسك يا الِكْمَخَةْ). وعلقت ذبابة سعودية الكترونية فسخرت من السعيّد بأن يقوم بما قام به جمال، أي يخطب له زوجة ويذهب الى السفارة السعودية ليكمل أوراق العرس، حتى يتم خطفه طبعاً.
اما المعارض الآخر، ذو الميول الاخوانية، والذي ترك تركيا مؤخراً فلجأ الى كندا، الأحسائي مهنا الحبيل، فعلق على عملية الاختطاف فقال: (واضحٌ تماماً انه لا حدود لتوحّش الموقف الأمني السعودي، ولا يوجد أي سقف لمراعاة الأعراف الدبلوماسية.. وأجزم بتواطؤ إدارة ترامب) يقصد تواطؤها في عملية الخطف.
المعارض في المنفى اللندني، عبدالله الغامدي، الذي سُجنت والدته الى الآن للضغط عليه، علق بأن هناك معلومات باختطاف وتهريب الخاشقجي الى الرياض وانه وصلها فعلاً، وتمنى ان لا يكون الخبر صحيحا، وتوقع ان لا تقف تركيا موقف المتفرج. وعلق معترض بأن ترامب اهان السعودية والملك سلمان، فردّت عليه بخطف جمال خاشقجي، وختم بالسخرية: (كم أنتِ عظيمة يا مملكة الظلام). الدكتور عبدالله العودة، ابن الشيخ المعتقل سلمان العودة، علق على عملية الخطف السعودية بأن (العالم يشهد ارهاباً منظماً وسلوك عصابات غير مسبوق). وتساءل بذهول: مالذي يحدث؟ محاكم تفتيش للاصلاحيين، وأحكام بالقتل، والمؤبد، والتجسس على الناشطين في الخارج، وترويع وتفتيش البيوت، والآن أنباء عن اختفاء؟ وفي حين توقّع المعارض عمر عبدالعزيز الزهراني ان يُجبر خاشقجي على الظهور التلفزيوني ليقول انه بخير وعاد لوطنه باختياره.. رأى المعارض الآخر الدكتور حمزة الحسن ان الموضوع اكثر خطورة، حيث توقع انه قد تمت (تصفية) خاشقجي جسدياً وليس فقط (اختطافه)، وعلل ذلك بأنه ليس من مصلحة الرياض إبقاؤه حياً بعد أن جرى ما جرى، فحياة خاشقجي تمثل إدانة لآل سعود، وقتله ـ وليس تغييبه ـ بنظرهم اهون الشرين. ولأن الموقف صادم، أضاف الحسن: (ليتني استطيع أن أكون متفائلاً). فابن سلمان اظهر الوجه البشع لآل سعود، ومادامت تركيا لم تستطع اقناعهم باطلاق سراح الخاشقجي مع حفظ ماء وجههم، فليس هناك الا سيناريو (ناصر السعيد) الذي اختطف من بيروت عام ١٩٨٠ وقتل في الرياض، دون ان تعترف الأخيرة بذلك الى اليوم. الأسبوع الثاني:
|
|
صُدمت الرياض بالتسريبات، ولكنها بقيت على خطابها الاستعلائي، وعلى سياسة الإنكار، بل والسخرية من الرواية التركية التي وصفتها بالمفبركة والكاذبة والمتآمرة. هي لم تقل شيئاً ذا معنى، كان صمتها نُطقاً، وتركت ذبابها تائهاً بلا توجيه، وطباليها من الكتاب بدون بوصلة يكتبون على أساسها، فيما العالم قد اصبح مقتنعاً بالرواية التركية، وبدأ يستعلن مواقفه المعادية والمستنكرة والمشمئزّة من الجريمة السعودية.
|
وبعيداً عن اللغط والجدل، فالمؤكد لدى تركيا، في الأسبوع الثاني من الجريمة، هو أن خاشقجي دخل قنصلية بلاده، وأنه قُتل فيها، وأنه تم تقطيعه، وأن جثته أخذت الى مكان آخر، قد يكون بيت القنصل السعودي العتيبي، وقد يكون مكاناً آخر. وكان من الثابت أيضاً لدى الأتراك، أن خمسة عشر شخصاً سعودياً جاؤوا على طائرتين خاصتين بغرض تنفيذ المهمّة. وقد سرّب الأتراك بعضاً من صور الطائرات ووضعوا أسماء الأشخاص وصورهم.
|
والثابت أمريكياً، حسب ما أعلنه أعضاء الكونغرس، نقلاً عن مصادر في السي آي ايه، أن السعودية خططت لاعتقال أو قتل الخاشقجي، وأن محمد بن سلمان هو من أعطى الأوامر بالقتل او على الأقل بالخطف.
والثابت عالمياً، في الأسبوع الثاني من الجريمة، أن قضية اختطاف وقتل الخاشقجي، قد تلبّست آل سعود من رأسهم الى أخمص قدميهم، بحيث انهم لا يمتلكون دليلاً على خروج الخاشقجي من القنصلية، وان حجتهم بتعطّل الكاميرات الداخلية، وهو أمرٌ زعمه ابتداءً: سفير السعودية في واشنطن، خالد ابن الملك سلمان، يثبت بأن هناك تخطيطا للجريمة.
وبدا أن لا أحد يصدق آل سعود، لا من حلفائهم ولا من خصومهم. حتى ترامب ونائبه بنس اضطرا للتخلّي عن فعل ابن سلمان المشين، بل ان ترامب رجح الأخبار الواردة من تركيا من اختطاف وقتل.
أما الثابت لدى الذباب الالكتروني واعلام آل سعود، وكتابه وطبّاليه، فإن الرياض بريئة من دم الخاشقجي، براءة الذئب من دم يوسف!
الأسبوع الثالث من أزمة مقتل خاشقجي كان أسبوعاً حزيناً لمحمد بن سلمان، الذي أصبح يطلق عليه منذ الان لقب (المنشار).
أسبوع كامل والرياض بمسؤوليها وكتابها الأساسيين ومعظم ذبابها الالكتروني صامتة.
لا تستطيع ان ترد على الاتهامات الموجهة لها بقتل خاشقجي، ولا اشعال أزمة ضد دولة بعينها، ولم تنجح في تحفيز حسّ وطني كاذب يدافع عن ابن سلمان وأبيه، ولا تقديم توضيح، ولا أي شيء.
|
لا شيء غير الصمت والحيرة، لدى صانع القرار، ولدى الكتاب، وأجهزة الإعلام المتنوعة التي بدت وكأنها تعيش عالماً خاصاً بها، وتغطي قصص وأحداث سياسية لا أحد يهتم بها.
الجميع وصل الى النتيجة المؤلمة.
لا يمكن الدفاع عما جرى من قتل وتقطيع جثة خاشقجي.
لا أحد يستطيع ان يجابه العالم كله، وهو يتابع بصحافته وفضائياته وبمختلف لغات العالم، تفاصيل التسريبات المتتابعة عن الجريمة السعودية.
الجميع يتابع بصمت، بعد نحو عشرة أيام من التشكيك ومحاولات الدفاع المستميت والغبي عن (المنشار) محمد بن سلمان.
كان الدفاع عن آل سعود وجريمتهم مغامرة، لكن هناك مغامرون.
|
العقيد إبراهيم آل مرعي، كتب بغضب نافياً عن آل سعود قتل خاشقجي، وكال الشتائم والإهانات للضحية، يقول: خاشقجي لم يمثل تهديداً للأمن، وهو أقل شأنا من أن يكون كذلك. وأضاف بأن خاشقجي معجب بتنظيم القاعدة واستقر في أحضان الإخوان، وسلّم رقبته لمرشدهم؛ وهو فاسق قليل العقل. وزاد آل مرعي بأن خاشقجي محبّ للشهرة، سطحي التفكير، سهل التسيير، يؤخذ بالمديح، استخدمه الإخوان وقدموه للغرب كشخص معتدل، فحارب وطنه باسم حرية الرأي.
وواصل آل مرعي شتائمه، فقال ان خاشقجي: تجرّد من المهنية والمصداقية، وهو لم يمثّل قيمة فكرية، ولا يملك تأثيراً على الرأي العام السعودي، وفوق ذلك هو منحاز لأعداء المملكة، وتم توظيفه واستخدامه من قبل الأعداء. وختم بأن خاشقجي نقم من وطنه لفقدانه الوجاهة، وتولى مناصب لم يكن أهلاً لها، وأعطي فرصة تلو الأخرى!
|
موظف وزارة الداخلية الكبير محمد الهدلا يقول ان بلاده تعلمت من درس خاشقجي أن (قطر وبوقها الإعلامي هم عدونا الأول) والدرس الآخر (ان تجسس حكومة اردوغان على البعثات الدبلوماسية ـ في إشارة الى القنصلية السعودية ـ بات حقيقة).
نهلة العنبر تلقي بغضبها على الإخوان الخونة عليهم لعائن الله، ويتعاون معهم الاعلام التركي والقطري. وموظف الاستخبارات سعد بن عمر قلق من أزمة يتمنى ان يجنّب الله المهلكة وحكامها شرورها؛ وقال ان الأزمة تستدعي تنازلات، وينصح بالعودة الى الشعب، وإلغاء بعض القرارات.
عضوان الأحمري يؤكد ان بلاده لن تقبل الابتزاز والمساومة التركية، وأزعجه تصريح أردوغان بأن تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المؤهلة لقيادة العالم الإسلامي.
وأخيراً.. احتاجت الحكومة السعودية لكل وسائل الضغط السياسي والإعلامي في العالم لكي تعترف بمقتل جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول، ولتقول بأنه قتل أثناء التفاوض معه للعودة الى بلاده، وان محمد بن سلمان والحكومة لم تعطِ أوامر بالقتل، فمات بعد ان صرخ وتمّ إخراسه خنقاً. كما قررت الإطاحة بنائب رئيس الاستخبارات احمد عسيري؛ وسعود القحطاني مستشار ابن سلمان في الديوان برتبة وزير، والذي يعرف بمسؤول الذباب الالكتروني، قبل ان يتبين لاحقاً بأنه كان الموجه المباشر لعملية القتل والتقطيع الإجرامية وتوجيه القتل بصورة حيّة ماذا يفعلون وتصويرها عبر سكايب!
وهنا.. أُسقط في يد إعلام السلطة، وكتابها، وذبابها الإلكتروني.
ما توقعوا ان آل سعود قد وصلوا الى هذا المستوى من الإجرام.
ولا توقعوا ان مخابراتهم بهذا المستوى من الإنحطاط الإنساني، والسذاجة في التخطيط والأداء.
ولا توقعوا ان سياسييها بهذا المستوى من الفجاجة والأميّة والنفاق والكذب.
|
الإعلامية السعودية في باريس إيمان الحمود، سخرت من قتل خاشقجي اثناء التفاوض، وقالت: (أرجو إيجاد صيغة أكثر إقناعاً، فلا أحد يصدّقنا). ولاحظت في التغطية الإعلامية للخبر، كيف ان صورة خاشقجي غطّت الواشنطن بوست لأنه كتبها فيها مدة سنة، في حين ان جريدة الوطن التي كان اول رئيس تحرير لها، لم تنشر حتى صورته، مع الاعتراف بقتله! زاعمة تطبيق عدالة سعودية لا أحد يصدّقها. وسألت (بدون زعل) ما اذا كانت الحكومة ستنشر صور المتهمين بالقتل، وعليها عبارات التخوين بخط عريض، كما فعلوا بالأمس مع الناشطات والناشطين؟
|
الكاتب رائد السمهوري سخر فقال: (إن أردتَ إقناع أحد بشيء، فأرسل إليه فريقاً للتفاوض). وابن عاتق يرى بان مقتل خاشقجي كان عرضاً لأزمة أدارها من لا يجيد حساب العواقب. جوهر الأزمة بنظره هو إدارة الملفات السياسية بعقلية أمنيّة مفرطة، ما حوّل حتى المؤيدين الى معارضين بالقسر، وأضاف: (من يدير الملف السياسي متخصص في فن صناعة الأعداء). وحذّر بن عاتق من خطورة الاستماع لصوت ورأي واحد والعيش بعقلية الإنكار. ما حدث من صدمة حين اعترفت الحكومة بقتل خاشقجي سببه ـ بنظره ـ تصديق المواطنين لرواية واحدة هي رواية الحكومة. وضرب بن عاتق مثالاً، بما قالته الرواية الرسمية من ان خطيبة خاشقجي صنيعة مخابرات للتغطية على أمور أكبر، وقد ظهر بطلان ذلك.